خلال ندوة “أمريكا اللاتينية والتغير: التحديات والمواجهة” قدم العديد من سفراء الدول اللاتينية المعتمدين لدى مصر كلمات حول الاحتباس الحراري وتأثيره على بلادهم أو سبل مقاوتهم له، فقدم سفير فنزويلا البوليفارية، ويلمر أومار بارينتوس كلمة طعّمها بمعلومات مستقاة من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية World Meteorological Organization (WMO) قال فيها:
تغير المناخ يقلق الناس كل يوم أكثر بسبب الآثار الجانبية التي تظهر في أجزاء كثيرة من العالم، مسببة أضرار وألام والموت عندما يكون التغير المناخي عدوانيًا. حتى الأن لم يسبب ضررًا مباشرًا لحياة البشر، ولكن ترك أضرارًا جانبية تؤثر على حياة الإنسان بطرق مختلفة. على سبيل المثال حدوث الفيضانات كنتاج من الأمطار الغزيرة، على الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة، وهذا بالتالي يساهم في نقص الغذاء الذي يعاني منه العديد في بلدان العالم.
وقارة أمريكا اللاتينية منطقة لا تخلوا من الآثار الشديدة لتغير المناخ، والآن العديد من البلدان في أمريكا الوسطى والجنوبية تعاني من هذه الآثار.
وقد شهدنا سقوط أمطار غزيرة في فنزويلا خلال الأيام الأخيرة، بكميات لم نشهدها من قبل، تاركة وراءها مجتمعات متضررة بأكملها، وأسر مفقودة، وأطفالًا موتى، ومساحات شاسعة من الأراضي المزروعة مدمره من الفيضانات. لم تضرب البلاد من قبل هذا النوع من الفيضانات والانهيارات الأرضية للأنهار والأمطار الناجمة عن الأمواج الاستوائية. كما نلاحظ وجودها أيضًا في كولومبيا والبرازيل. بينما في تشيلي هناك جفاف رهيب.
دعونا نلقي نظرة فاحصة على تأثير تغير المناخ على منطقتنا بالإشارة إلى آخر تقرير قدمته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية؛ نسبة الاحتباس الحراري في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لاتزال في تزايد، حيث ارتفع متوسط درجة الحرارة بمقدار 0.2 درجة مئوية بين عامي 1991 و 2021.
كما فقدت الأنهار الجليدية في جبال الأنديز الاستوائية ما لا يقل عن 30٪ من مساحتها السطحية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد أدى هذا التراجع في الأنهار الجليدية إلى فقدان للكتلة الجليدية وزيادة مخاطر ندرة المياه على سكان الأنديز واختلال النظم البيئية.
استمر مستوى سطح البحر في المنطقة في الارتفاع بمعدل أسرع من المستوى العالمي، خاصة من أمريكا الجنوبية إلى جنوب الإكوادور وفي شبه الاستوائية شمال المحيط الأطلسي وخليج المكسيك، مما يهدد السكان الذين يقيمون بالقرب من الساحل، حيث تم تلويث طبقات المياه الجوفية العذبة، وتآكل السواحل، وإغراق المناطق المنخفضة وزيادة مخاطر حدوث عواصف.
ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع مستوى البحار والمحيطات في التأثير على سبل العيش والسياحة والصحة والغذاء والطاقة والأمن المائي في المناطق الساحلية والجزر الصغيرة وفي البلدان النامية من أمريكا الوسطى.
بلغ الجفاف الهائل في المنطقة الوسطى من شيلي عامه الثالث عشر، وهو أطول جفاف تشهده المنطقة منذ ألف عام، مما تسبب في زيادة الجفاف وتشكيل أكبر أزمة مياه في المنطقة.
أثر الجفاف الذي امتد لعدة سنوات في نهر بارانا- بلاتا، وهو الأسوأ منذ عام 1944، على جنوب وسط البرازيل وأجزاء من باراجواي ودولة بوليفيا، مما تسبب في أضرار للزراعة ومحاصيل فول الصويا والذرة، من بين أمور أخرى، ويؤثر على أسواق المحاصيل العالمية، بالإضافة إلى التسبب في انخفاض بنسبة 2.6٪ في محصول الحبوب في موسم حصاد 2020-2021.
كان موسم الأعاصير في عام 2021 ثالث أكثر موسم نشاطا على الإطلاق في المحيط الأطلسي برصيد 21 عاصفة و 7 أعاصير، وهو الموسم السادس للأعاصير فوق المعدل الطبيعي. شهد 7.7 مليون شخص في جواتيمالا والسلفادور ونيكاراجوا مستويات عالية من فقدان الأمن الغذائي في عام 2021، نتيجة لتأثير الأعاصير والتداعيات الاقتصادية لوباء Covid-19، من بين عوامل أخرى.
تسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات والانهيارات الأرضية في خسائر فادحة، مما أدى إلى خسائر في الأرواح، وتدمير عشرات الآلاف من المنازل أو إلحاق أضرار بها، وتشريد مئات الآلاف من الأشخاص.
تضاعفت عمليات إزالة الغابات في غابات الأمازون الممطرة البرازيلية، وهي تعد رئة العالم، ووصلت إلى أعلى مستوى منذ عام 2009، ومقارنة بعام 2020 حتى الآن تم فقد 22٪ من مساحة الغابات.
وكل هذا هو نتاج الفعل البشري، الذي قادتنا أنشطته التي تتطور تزايد مستمر وبلا وعي الذي ودون توقف إلى الوصول إلى مستويات تاريخية جديدة في تركيزات الغازات الرئيسية الثلاثة. يتسبب هذا التركيز العالي لهذه الغازات في تراكم الحرارة في النظام المناخي، ويتم تخزين الكثير منها في المحيط، لذلك ازداد معدل أرتفاع درجة حرارة المحيطات بشكل كبير. في عام 2021 وصلت المعدلات إلى أعلى رقم قياسي، مما أدى إلى تسارع فقدان كتلة الصفائح الجليدية الذي أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.
تمتص المحيطات 23٪ من انبعاثات الكربون، حيث يساعد ذلك على التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري. لكن ثاني أكسيد الكربون يتفاعل مع مياه البحر ويخفض درجة الحموضة فيها، مما يؤدي إلى إرتفاع نسبة الحموضة في المحيطات ويؤثر على العديد من الكائنات الحية والنظم الإيكولوجية، ويهدد الأمن الغذائي من خلال تعريض صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية للخطر. وأكرر، كل ذلك مذكورفي تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
كما نرى، تتأثر كل أمريكا اللاتينية بالتغير المناخي، وبالتالي فنزويلا، وهي دولة استوائية تقع شمال أمريكا الجنوبية، وهي واحدة من البلدان التي تتمتع بأكبر تنوع بيولوجي على هذا الكوكب. لديها مجموعة كبيرة ومتنوعة من المناطق المناخية والمناطق الأحيائية والنظم البيئية، وبعضها شديد التأثر بتغير المناخ على الرغم من موقعها في خطوط العرض، وهي قريبة جدًا من خط الاستواء.
يتسبب تغير المناخ بالفعل في حدوث تأثيرات مهمة في مختلف المناطق الطبيعية والاقتصادية في البلاد، وتتأثر مناطق مهمة حاليًا بسبب ظروفها المناخية والبيئية وموقعها الجغرافي وأنواع الأنشطة الاقتصادية الحالية.
من بين القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي يمكن أن تتأثر هما قطاعين الزراعة والصناعة. من الضروري التأكيد على أن النظام الحراري والمائي هما العاملان المحددان في تحديد خصائص وموقع المناخات، كون توفر المياه هو العامل الذي يحدد بدقة أكبر الإمكانيات الزراعية للبلد. ولكن يوجد نقطة ضعف أخرى لمواجهة تغير المناخ تتمثل في ال60٪ من السكان الذين يستقروا في الإطار الجبلي الساحلي للانديز، حيث المناخ السائد شبه قاحل وجاف شبه رطب، وهى مناطق تعتمد على خزانات لإمدادات المياه، وإعادة المياه لهم يعتمد على هبوط الامطار.
خلال القرن العشرين، لوحظت تغيرات تقلبية طبيعية في المناخ، بسبب التغيرات في متوسط درجات الحرارة والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، مما أدى إلى اختلافات وفقًا للأقليم أو المنطقة المناخية.
وفقًا للتوقعات الواردة في التقرير الأكاديمي الأول عن تغير المناخ (PRACC)، فإن الإقليم في فنزويلا بأكمله ومناطق إنتاج الخضروات والماشية الزراعية تخضع لارتفاع مستمر في درجة الحرارة، مما يعني وجود خطر عالي على الأمن الغذائي للبلد.
سيكون للتغيرات في درجة الحرارة والتباين في نمط سقوط الأمطار الناجم عن تغير المناخ آثار كبيرة على تنوع النظم الإيكولوجية المائية والبرية، وصحة السكان ونوعية حياتهم، وتشرد السكان، والإنتاج الزراعي وجوانب اجتماعية واقتصادية اخرى.
ومن العواقب الرئيسية لتغير المناخ المتوقعة على فنزويلا نجد؛ إنه من المتوقع أن يكون هناك زيادة أكبر في متوسط درجة الحرارة الصغرى. والتباين في كمية ونمط هطول الأمطار وانخفاض في توافر المياه. وحدوث تغييرات في نمط الأشهر الرطبة مع الميل إلى زيادة المناطق ذات أشهر رطبة أقل. في بعض أجزاء البلاد وفي بعض أشهر السنة، تحاكي النماذج الزيادة في هطول الأمطار التي يمكن أن تزيد من مخاطر الانهيارات الأرضية والانهيارات الثلجية والفيضانات، خاصة في المناطق المرتفعة والمنخفضة من جبال الأنديز، ومناطق مهمة من كورديليرا دي لا كوستا، النهر الجنوبي لبحيرة ماراكايبو. تغير في نمط الأنواع المناخية. على سبيل المثال: يمكن أن يصل نهر كاروني، المصنف على أنه مناخ شديد الرطوبة، إلى مناخ رطب في عام 2060. ستزيد نسبة المناخات الجافة من 39٪ إلى 47٪. ويعتبر التغيير من المناخ شبه الرطب إلى الجاف وشبه الجاف ذات صلة وثيقة بالمناطق الزراعية.
في مجال الصحة، من المتوقع أن يؤدي التوسع في المنطقة إلى انتشار أو إنشاء وسائل ناقلة تنشر الأمراض مثل حمى الضنك والملاريا.
بينما التأثيرات المحتملة الأخرى: خسائر محتملة لأنواع معينة من النظم الإيكولوجية في المناطق الجبلية والأراضي الرطبة؛ ارتفاع مستوى سطح البحر وتغير التدرج المناخي البحري والساحلي مع تأثير على النظم الإيكولوجية والسكان؛ تغيير في المجتمعات النباتية والغابات والسافانا. فيما يتعلق بالقطاع الزراعي من المتوقع ما يلي: زيادة مخاطر الجفاف وانخفاض هطول الأمطار أو زيادة تواتر حالات الجفاف التي ستقلل من تدفقات الأنهار وقدرة إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية. تشير نتائج المحاكاة باستخدام نماذج AR5 إلى زيادة درجة الحرارة من 1.5 إلى 2.0 درجة مئوية في معظم أنحاء البلاد ، ومن 1.0 إلى 1.5 درجة مئوية في المنطقة الشمالية. ومع عدم دقة نماذج المحاكاة، يبدو أن تغير المناخ سيكون له تأثير إيجابي على إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في فنزويلا. من المتوقع أن يكون هناك زيادة في عام 2050 في فنزويلا في سطح المناطق شبه القاحلة في حوالي 106000 كيلومتر مربع بسبب انخفاض المناطق شبه الرطبة؛ وزيادة في المناطق الجافة شبه الرطبة بمقدار 107000 كيلومتر مربع، وتقع بشكل خاص في ولايات زوليا وفالكون وجواريكو وأنزواتيجوي وموناجاس.
في فنزويلا، كان فقدان الأنهار الجليدية عملية تصاعدية ومماثلة لما يحدث في العالم وأمريكا الجنوبية، وتتفق مع الآثار المتوقعة لتغير المناخ. بحلول عام 1925، كانت فنزويلا تحظى بمساحة جليدية بـ 10 كيلومترات مربعة. في عام 2019، يلاحظ فقط جزء صغير من القمم الجليدية.
انخفاض إجمالي نسبة هطول الأمطار السنوية وفي موسم الأمطار في جميع أنحاء البلاد تقريبًا، ما بين 3٪ و 20٪.
في الأيام الأخيرة، رأينا كيف تم تأكيد هذه التوقعات، مع وجود جفاف رهيب في جزء من الأراضي في فنزويلا وأمطار غزيرة في أجزاء أخرى تسببت في انهيارات أرضية دمرت أحياء بأكملها، وفيضانات قوية أثرت على أراضينا الصالحة للزراعة ومحاصيلنا، بالإضافة إلى إنتاجنا من الكهرباء، بسبب المستويات المنخفضة جدًا التي وصلت إليها سدودنا، حيث أن 90٪ من إنتاجنا من الكهرباء يأتي من الطاقة الكهرومائية. تؤثر ظاهرة النينيا أو إل نينو (التذبذب الجنوبي) على البلاد منذ بداية العام، خاصة في المنطقة الساحلية والشمالية الغربية من البلاد، وهذا هو سبب هطول الأمطار خلال موسم الجفاف (يناير – مارس). اشتد هطول الأمطار في أبريل عندما بدأ موسم الأمطار وأضيف إلى ذلك أنهار وعواصف وأمواج استوائية وأعاصير.
يقدر خبراؤنا من قسم الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا في جامعة فنزويلا المركزية (UCV) أن هذا العام سيكون هو سادس عام تهطل فيه الأمطار خلال السبعين عامًا الماضية. في سبتمبر، أمطرت 150.9 ملم، بزيادة 80٪ من مجموع كل أشهر سبتمبر السابقة المسجلة حتى الآن وأعلى بكثير من المتوسط الشهري البالغ 111.2 ملم.
جميع الأضرار التي تم تسجيلها في الأيام الأخيرة، ناتجة عن الموجات الاستوائية التي عصفت البلاد وعلى وجه التحديد ولاية أراجوا، في مدن تيخرياس وإل كاستانو وتورميرو ومين بين عواقبها يوجد
الآلاف من النازحين، والمجتمعات المتضررة بالكامل، والخسائر في الأرواح، والمنازل المتضررة أو المدمرة، والمحاصيل المفقودة وما إلى ذلك. الانهيارات الأرضية والفيضانات وفيضانات الأنهار الناتجة عن الأمطار الغزيرة التي تشبع التربة بالمياه. تأمل فنزويلا أن يكون هناك 65 موجة استوائية في موسم الأمطار هذا. نحن الأن في أنتظار الموجة رقم 45، ولا يزال هناك 20 موجة متبقية ونأمل ألا تكون مدمرة مثل 41 و 44 التي تسببت في أضرار جسيمة.
قام رئيس الدولة نيكولاس مادورو بجولة في المناطق المتضررة، واجتمع مع المجتمعات المحلية وقال: “إنه تحدٍ لنا في فنزويلا وللبشرية. إن الاحتباس الحراري وتغير المناخ والظواهر الطبيعية مثل هذه الأمطار التي تهطل على أراضي فنزويلا، خاصة في المناطق الساحلية الشمالية ومنطقة الأنديز، تمثل تحديًا للتخطيط المستقبلي، وأيضًا تحدي لمهمة الإسكان الفنزويلية العظيمة لإجراء تغيير هيكلي في المستوطنات البشرية. كما أدعو أن نظل دائم يقظين ومترقبين جميع المحافظين ورؤساء البلديات، والسلطة الشعبية، والمجالس المجتمعية، ورؤساء المجتمعات المحلية، والشوارع، والقوات المسلحة، في جميع مناطق الدفاع المتكاملة لجميع الولايات، وأطلب من كل الهيكل الوزاري أن يكون على اتصال دائم ويقدم الحلول للمجتمعات”.
وذكر بارينتوس عبارة من القائد هوجو شافيز في كوبنهاجن: “لو كان المناخ بنكًا، لكانوا قد أنقذوه بالفعل”… “دعونا لا نغير المناخ، فلنغير النظام! وبالتالي سنبدأ في إنقاذ الكوكب. الرأسمالية، هو نموذج تنمية مدمر، ينهي الحياة، ويهدد بالقضاء النهائي على الجنس البشري”.
وفي ختام كلمته تمنى ويلمر لمصر التوفيق والنجاح في هذه القمة المهمة، كما تمنى أن تكون فرصة “للانتقال من الوعود إلى الأفعال” كما قال الرئيس السيسي.