أجدادنا القدماء كانوا أقوى منا في الأجسام وأكثر منا رجاحة في العقل وأكثر منا اتقانًا للعمل، وأطول منا أعمارًا، وأكثر منا اختبارًا للحياة، وأفضل منا في الوقوف على الحقائق، واختبارهم أقرب إلى الصواب من اختبارنا والمتدين منهم كان أكثر منا تمسكًا بالعلم وأشد حرصًا على العمل وصاحب الدنيا منهم كان أكثر منا في البلاغة وأمثالهم الشعبية كانت حصنًا لنا في مشقة وعناء التجارب (التجارب بكسر الراء: جمع تجربة بكسرها أيضًا، وهي اختبار الشئ مرة بعد أخرى).
وكان عندهم صدق في الكلام وبكلمة صادقة كان ينفتح أمام الواحد منهم باب العلم ولو في بلد ليس فيه أهل يسكنونه، وإذا حصلوا على معلومة كانوا ينقشوها على الصخر خوفًا من أن يأتيهم الأجل فتسقط عمن بعدهم، إذا نظرت إلى مخطوطاتهم فكأنك جالس معهم للحوار والمناقشة ولم تجد أحدهم قد ترك شيئاً بليغاً فيه بلاغة أو مقالا فيه إبداع أو أثر من الآثار الخالدة على مر الزمن، اليوم لنا إسهامات في الفضاء وقد نصل إلى المريخ ولكن أين نحن من أجدادنا العظماء بالحقيقة في كل شئ؟