مجموعة دول الـ 7 تبني وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي .. وموسكو تقلل من جدواها
الاتحاد الأوروبي يؤكد أنه قادر على تعويض نقص إمدادات الغاز الروسي من مصادر أخرى
تواجه القارة الأوروبية أزمة فى قطاع الطاقة ناتجاً عن وقف روسيا إمدادات الغاز بشكل كامل إلى أوروبا عبر خط ” نورد ستريم 1 “، بعددة إجراءات لتفادي انقطاع التيار الكهربائي وإغلاق المصانع والتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار مع اقتراب فصل الشتاء ، كما تحاول أوروبا إيجاد أي منفذ لاستيراد الغاز المسال سواء من الولايات المتحدة الأميركية أو قطر أو الجزائر أو مصر وزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من الجزائر، وكذلك من النرويج التي أصبحت أكبر مورد للغاز الطبيعى فى القارة الأوروبية، إلى جانب سعي أوروبا لإحياء المصادر الداخلية للغاز الطبيعي في بحر الشمال وعلى وجه الخصوص في بريطانيا وأيضاً اللجوء لتشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم .. من ناحية أخرى، وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت أسعار النفط وظلت عند مستويات عالية، مما يعني أن روسيا زادت عائداتها من الوقود الأحفوري على الرغم من انخفاض حجم صادراتها، فبعد أشهر قليلة من نشوب الحرب، أعلن مركز البحوث للطاقة والهواء النظيف في هلسنكي أن روسيا باعت ما تعادل قيمته 66 مليار دولار من الوقود الأحفوري متمثلاً فى النفط والغاز الطبيعى و الفحم الحجري ، وأشار التقرير الذى نشرته – مجموعة الـ “يورونيوز” – الذي يقدّم صورة مفصلة عن هوية شُراء الطاقة الروسية منذ بدء غزو أوكرانيا، إن ألمانيا كانت المستورد الأكبر ضمن الاتحاد الأوروبي، منفقة نحو 9 مليارات يورو، وتأتي إيطاليا بعد ألمانيا حيث أنفقت 6.9 مليار يورو ، ثم الصين اشترت بـ 6.7 مليارهولندا بـ 5.6 مليار، وتركيا بـ 4.1 مليار ، وأخيراً فرنسا : استوردت بـ 3.8 مليار ..
وفي خطوة تصعيدية ستعكس مزيدًا من التأزم في العلاقات الروسية الغربية، وافق وزراء مجموعة السبع (G7) – التى تتكون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، هم من أكبر سبعة اقتصادات متقدمة في العالم وتهيمن على التجارة العالمية والنظام المالي الدولي – على تبني خطة تهدف لوضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي، في وقت هدد فيه عدد من المسؤولين الروس بأن موسكو لن تستأنف ضخ الغاز لدول الاتحاد الأوروبي إذا قرر الاتحاد المضي قدما في هذه الخطة، كما اتفقت دول مجموعة السبع على وضع “حظر شامل للخدمات” الخاصة بنقل النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية المنقولة بحراً.
سقف أسعار النفط الخام والمنتجات البترولية
قال وزراء مالية المجموعة إن تحديد سقف النفط الخام والمنتجات البترولية سيساعد أيضاً في خفض أسعار الطاقة عالمياً. وسيتم تحديد الحد الأقصى للسعر بناءً على مجموعة من العوامل الفنية، مؤكدة إننا : ” سنستمر في الوقوف إلى جانب أوكرانيا طالما أن الأمر يتطلب ذلك”
وقالت روسيا إنها ستتوقف عن بيع النفط للدول التي تفرض سقوف أسعار على نفطها.. بينما قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن الشركات التي تفرض سقفًا للسعر لن تكون من بين زبائن النفط الروسي، بينما يرى محللون أن الصين والهند، الشريكان التجاريان الرئيسيان لروسيا، قد لا تلتزمان بسياسة مجموعة السبع بشأن النفط الروسي. كما لم تنضم البلدان إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا .. ولا تزال أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 9 في المئة من احتياجاتها بعد توقف عمليات ضخ الغاز عبر أنبوب “نورد ستريم 1″، الذي أوضح أن تزويد أوروبا بالغاز الروسي يتم حاليًا عبر خطوط أوكرانية، إضافة إلى خط ترك ستريم الوارد من تركيا
وفق الإمدادات .. ورفع الأسعار
كانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد شددت على أن روسيا تتلاعب بأسواق الطاقة، مضيفة أن دول الاتحاد الأوروبي لديه القدرة على تعويض نقص إمدادات الغاز الروسي من مصادر أخرى مثل النرويج والجزائر والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن واردات الغاز من النرويج أصبحت حاليا تفوق الواردات الروسية، وردًا على تصريحاتها ، قال الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، إن موسكو ستوقف إمدادات الغاز لأوروبا بشكل كامل إذا مضت بروكسل قدما في تحديد سقف لأسعار النفط الروسي ، كذلك أكد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أن بلاده لن تقوم بتوريد النفط إلى الدول “غير الصديقة”، والتي ستدعم مبادرة وضع سقف لسعر برميل النفط الروسي.بينما توقع رئيس مجلس النواب الروسي فياتشيسلاف فولودين ، أن تفشل خطط الغرب لفرض سقف لسعر صادرات روسيا من النفط والغاز وأن ترتفع الأسعار بقدر أكبر بكثير مما تحاول الدول الغربية وضعه، وأضاف : ” ما يسميه مسؤولو مجموعة دول الـ 7 بالسقف للسعر سيتحول إلى قاع للسعر، مؤكداً أن السوق العالمية لا تقتصر على 7 دول والسعر الذي أعلنه الغرب سيصبح الحد الأدنى، مشيراً إلى أن الدول المعنية أدركت اعتمادها على الطاقة الروسية وأن محاولات إيجاد بدائل لواردات النفط والغاز قد فشلت ولن تـتمكن بعد الآن من شراء الوقود من روسيا ” بثمن بخس “.
أداء أفضل للاقتصاد الروسي
من جهتها ترى الباحثة الاقتصادية الروسية لانا بدفان، أن فرض سقف سعري من قبل مجموعة الـ 7 هو تدخل سلبي في آليات سوق النفط، وموسكو لن تقف مكتوفة الأيدي حيث بمقدورها ايجاد أسواق بديلة لنفطها وغازها، مؤكدة أنها في حال تحديد هذا السقف الذي لا تؤيده أي من دول أوبك والهند والصين، فهذا سيرتد على شكل معاناة كبيرة للمستهلكين بأوروبا وأميريكا، وسيزعزع بالتأكيد أمن الطاقة العالمي كما سيحدث أزمة كبرى في استقرار أسواق النفط .
من ناحيى أخرى ، نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية مقالاً عن الاقتصاد الروسي وعما إذا كانت العقوبات الغربية، بعد 6 أشهر من الحرب الأوكرانية، قد أحدثت التأثيرات القاسية عليه التي وعد بها مهندسو العقوبات، وذكر المقال الذي كتبه كريس ميلر، مدير برنامج أوراسيا في “معهد أبحاث السياسة الخارجية” بواشنطن، أن أداء الاقتصاد الروسي، وفقا لتقديرات المراقبين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي، أفضل من المتوقع بسبب السياسات الروسية ذات الطابع التكنوقراطي التي صيغت ببراعة، وكذلك أسواق الطاقة العالمية التي أبقت أسعار النفط والغاز مرتفعة نظرا لضعف المعروض.
وقال كريس ميلر إن الكرملين محق في إصراره على استقرار الاقتصاد الروسي، فالبنوك الروسية قادرة على سداد ديونها، ومعظم الصناعات تعمل كالمعتاد، ويواصل قطاع الطاقة الحيوي ضخ النفط، وهناك كثير من المواد الغذائية على أرفف المتاجر. وإن كان هناك نقص في السيارات الفاخرة، فسيكون إنتاج السيارات والغسالات أقل بكثير مما كان متوقعا، لذلك سيؤجل المستهلكون عمليات الشراء الكبيرة بقدر المستطاع؛ على أن السيناريو المتفائل للكرملين هو أن يشدّ الروس أحزمتهم ويتدبروا أمورهم، مؤكداً أنه ما لم يحدث ارتفاع في أسعار النفط، فإن الحكومة الروسية ستتعرض لمواقف أصعب تفاضل فيها بين استمرار الإنفاق الاجتماعي وتحمّل عجز الميزانية والتضخم المرتفع .
مضاعفة إيرادات الغاز
نقلت صحيفة “ليزيكوس” عن محللين أن روسيا من المتوقع أن تحصل على إيرادات قياسية تقدر بنحو 100 مليار دولار من مبيعات الغاز إلى الدول الأوروبية هذا العام، وذكرت الصحيفة، نقلا عن محللي “بنك سيتي”، أن الدخل المتوقع من مبيعات الغاز سيكون ضعف ما كان عليه العام الماضي. علما أن التحليل لا يأخذ في الاعتبار الإيرادات المالية من بيع النفط والفحم والمعادن الأخرى، وأشار تقرير الصحيفة إلى أنه على الرغم من العقوبات والتصريحات الصاخبة والوعود بفرض حظر، فإن 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي تحول 200 مليون دولار إلى شركة “غازبروم” الروسية بشكل يومي.
تشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم
بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة وشبكة غاز أوروبية متصلة ببعضها بحيث يمكن تقاسم الإمدادات ، ربما تستورد ألمانيا الغاز من بريطانيا والدنمرك والنرويج وهولندا عبر خطوط أنابيب، كما يمكن لبعض الدول أن تسعى لسد الفجوة في إمدادات الطاقة من خلال اللجوء لواردات الكهرباء عبر الموصلات من جاراتها أو من خلال تعزيز القدرة على توليد الكهرباء:
وأطلقت ألمانيا المرحلة الثانية من خطتها الطارئة ذات المراحل الثلاث وحثت الشركات والمستهلكين على توفير الغاز لتجنب الاضطرار لترشيد الاستهلاك قسرا، كما أظهر قرار عدد من الدول الأوروبية تشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم، حجم الأزمة التي تواجه القارة جراء نقص الغاز الروسي الذي يهدد بتعرض سكانها لكارثة في الشتاء بسبب اعتمادهم على الغاز للتدفئة وانتاج الطاقة، وسط تساؤلات حول جدوى قرار العودة للفحم، وهل ينقذ القارة من البرد أم أنه سيؤدي إلى تفاقم أزمة التلوث والتغير المناخي دون فائدة.