عزيزي القارئ كل سنة وانت طيب وفرحان بأفراح وانوار القيامة. في المقال السابق تكلمت معك عن البعد الموسيقي للحن القيامة كاطا ني خورس، واليوم سوف أشرح لك البعد اللاهوتي والعقائدي لهذا اللحن الجميل كاطا ني خورس.
البعد اللاهوتي للحن:
يذكرنا طرح الساعه التاسعه من يوم الجمعه العظيمه بهذه الجمل المعبرة عن القيامة:
“من يسبق و يهيئ الطريق امام الملك
من يبشر المسبيين بالذي ذاق الموت عنهم”
من أجل هذا رتبت الكنيسة تمثيلية القيامة لتصور الملائكة التي سبقت لتهيئ الطريق قائلةً:
“افتحوا ايها الملوك ابوابكم و ارتفعي ايتها الابواب الدهريه
ليدخل ملك المجد ،الرب العزيز القوي الجبار القاهر في الحروب هو ملك المجد”
لتبدأ بعدها زفة وموكب نصرة القيامة. فالقيامة “أناستاسيس” هي كلمة غريبة على البشرية، ليست ضمن كلمات بني آدم. إنها فعل غير أرضي، وليست له علاقة بتراب الأرض، ولا بأي خليقة تدب على الأرض.
“قَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا” (يوحنا 11 أية 25)
إن قيامة السيد المسيح قد أعلنت لاهوته، إذ لم يقم بدعاء آخر، أو بصلاة التلاميذ، ولا قام ضعيفاً يحتاج الى من يحل له الأكفان ويفكها كلعازر، ولا إحتاج طعاماً ليتقوى كإبنة يايرس، ولا وجدوه خائراً من آثار الصليب يطلب من يداوي جراحه، لكنه قام بقوة وجلال عظيمين. قام وجراحه باقية كما هي، وجنبه مفتوح، شهادةً لسلطان الحياة التي فيه، وأن حياته إبتلعت الموت إبتلاعاً “أين شوكتك ياموت أين غلبتك ياهاوية” (كورنثوس الأولى أصحاح 15 آية 55)
ولإن الإفخاريستيا هي غذاء القيامة ودواء الخلود، لذلك فالكنيسة رتبت في قداس عيد القيامة أثناء تناول الإفخاريستيا، أن يرنم الشمامسة لحن “كاطا ني خورس” في التوزيع.
ومن أجل هذا يقول القديس بطرس:”بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ” (رسالة بطرس الأولى 1 آية 19). لذلك فكلمات لحن “كاطا ني خورس” تحمل هذه الصفة الهامة للسيد المسيح وهي انه “حمل حقيقي” وبلا عيب. فهو الذي قال عنه يوحنا المعمدان “هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ”. يرفعها على الصليب بدمه، ويدفننا بموته الذي أبطل عز الموت، ويحينا بقيامته.
إن التعبير “الحمل الحقيقي” هو مرتبط ارتباط وثيق بالفصح ..البصخة(The Passover) ، بعبور الملاك المهلك عن شعب الله، والانتصار علي الموت، ولكن حمل الفصح كان رمزاً لـ “الحمل الحقيقي” الذي هو الرب يسوع المسيح . وكما هو مكتوبُ في سفر الرؤيا أصحاح 5 آية 6:
“وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ،
لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ.”
فكيف يكون “مذبوح” ويكون “قائم”، إنه حي يحمل اثار جراحاته الشافية مذبوح، ذُبح وإشترانا بدمه ودمه اعطانا الحياة. وهذا ما نلاحظه في بعض ايقونات القيامه يصورون الرب يسوع كحمل يحمل راية الانتصار.
و يقول القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين (13 آية 20)
“وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ”
فهذا هو عهد الحياه بدم الحمل الحقيقي لذلك إختارت الكنيسة لحن “كاطا ني خورس” الذي يحمل التعبير اللاهوتي “الحمل الحقيقي” ليرنم به وقت التناول يوم عيد القيامة المجيد. لكي نجتمع في مشهد سماوي امام “الحمل الحقيقي القائم كأنه مذبوح” فنرتل كالذين رآهم القديس يوحنا اللاهوتي:
“وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ،
لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ” (رؤ 5 آية 9)
إننا نعلن نصرتنا فيه و هم غلبوه بدم الخروف و بكلمة شهادتهم و لم يحبوا حياتهم حتي الموت.
إن كنيستنا الأرثوذكسية المجيدة تدرك بحاسة لاهوتها المرهفة أن المسيح أخضع نفسه للموت، مع أنه غير خاضع له البتة. وفي الإفخاريستيا (التناول من الأسرار المقدسة- في التوزيع في القداس الإلهي) تبتدئ القيامة أن تأخذ أوضح صورة لها، فنحن نأكل الجسد السري، فنأكل الحياة التي فيه، أي نأكل القيامة، نأكل الجسد الإلهي والدم الإلهي اللذين هما مأكلُ حق ومشربُ حق، والحق هنا أي “الأليثيا” وهو شيء يفوق الحواس وحدود العقل. و “الأليثيا” هنا هي المسيح ذاته “أنا هو الحق”.
عزيزي القارئ اتمنى أن أكون إستطعت أن أشرح لك البعد الموسيقي للحن كاطا ني خورس، وفي الحلقة القادمة سوف أشرح لك البعد اللاهوتي لنفس اللحن، بركة قيامة مخلصنا الصالح وبركة ألحان قيامته المجيدة بنغماتها العذبة تعطيك شفاءً وحياةً كلها أفراح ولا يكون فيها الحزن فيما بعد ، آمـــــيــن.
تــأمـــل:
يا إلهنا القائم المنتصر، ليت أفراح قيامتك تُدحرج الحجر الجاثم على صدورنا، ثم يأتى هذا اللحن المبهج المرتفع “كاتا نى خوروس” فيجعلنا نصعد الى علوك فى مسكنك المستعد لنشترك مع خورس وطغمات وطقوس وصفوف الملائكة ليس فى أنتيفونا تسبيحية أو فى مقابلة ترنيمية، بل (إفسوب) “معا” نشترك لنقدم ذبيحة شكر لأنك صالحتنا مع السمائيين ولأنك صالح والى الأبد رحمتك.
آمـــــيــن.