لماذا تسعى الدول لوقف درجة حرارة الأرض عند 1,5 درجة مئوية؟ لماذا تضع كل دولة استراتيجية خاصة بها لوقف هذا الارتفاع؟ وتبريد الأرض الساخنة، ما كل هذه الضحة التي يحظى بها تغير المناخ؟ وتدابير السيطرة عليه، ومواجهته، هل يستحق الأمر حقاً كل هذا؟ أم علينا الالتفات لسبل عيش الناس وتدبير أرزاقهم أولاً؟ فلسان حال الناس يقول:” أكل العيش أهم”، “إحييني النهاردة وموتني بكرة”، بينما تقول الحقائق العلمية إن تغير المناخ قد يسد سبل العيش، ويقطع الأرزاق، ويخلف لنا كوراثاً تُشقينا، وقد يتركنا أحياء اليوم، بينما يمس سلامة أبنائنا وأحفادنا في الغد المنظور.
الأمر يحتاج لصناعة قرارات مُلزمة للجميع، مسؤولين ومواطنين، لذلك صيغت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، أو خارطة الطريق لمواجهة تحديات تغير المناخ، في إطار رؤية مصر والتزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030، والتي حددتها الأمم المتحدة، وتركت لكل دولة أن تضع أولوياتها الداخلية في خطة أو خارطة للتنفيذ، هذه الخارطة تُمكن مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية، أي تحقيق التنمية لكن بدون احداث تأثيرات ملوثة على البيئة، أو التسبب في انبعاثات تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، المؤدية بدورها لتغير المناخ.
في ضوء هذه الرؤية، تمت صياغة الاستراتيحية التي أعدتها مجموعة استشارات بيئية – طبقاً لما هو مدون على غلافها الخارجي “أعداد “انتجرال كونسلت” Consult INTEGRAL- وهي شركة تقدم خدمات استشارية في الهندسة البيئية وكفاءة الطاقة وتغير المناخ وإدارة النفايات والاستدامة.
تأسست انتجرال INTEGRAL في عام 2004 كجزء من مجموعة شاكر للاستشارات، حيث تقدم خدمات استشارية في تقييم الأثر البيئي، وكفاءة الطاقة، وتغير المناخ، وإدارة النفايات، والاستدامة.
وهي شركة، تبين بالبحث عبر شبكة الإنترنت، أنها مملوكة لصاحبها الدكتور محمد شاكر المرقبي!! وزير الكهرباء، الحالي في حكومة د. مصطفى مدبولي، والذي ترأس مجموعة شاكر الاستشارية منذ عام 1982 وحتى تم تعيينه وزيرا للكهرباء، وعاصر ثلاث حكومات وتعاقب عليه ثلاث رؤساء للحكومة!!
لم تكن هذه الاستراتيجية هي الأولى من نوعها لكنها جاءت بناء على طلــب المجلــس القومــي لتغيــر المنــاخ، برئاسة دكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، وذلك بعد استمرار وجود فجوة شديدة في توحيد جميع جوانب تغير المناخ في مصر ودمجها في التخطيط العام لجميع القطاعات في الدولة، طبقاً للاسـتراتيجية الوطنيـة الأولـى للتكيـف مـع تغيـر المنـاخ والحـد مـن مخاطـر الكـوارث، التي وضعت فـي عام 2011، وحتى بعد وضع اســتراتيجية التنميــة منخفضة الانبعاثــات فــي عــام 2018 ،والتــي تــم إعدادهـا لتتماشـى مـع اسـتراتيجية التنميـة المسـتدامة، رؤيـة مصـر 2030 .لم تكن أي منهما ولا الإثنتين كافيتين، وهكذا صيغت الاستراتيجية الوطنية التي نعرضها الآن.
الرؤية العامة
تتلخص رؤية الاستراتيجية في مشاركة جميع طوائف المجتمع بما فيها المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، وليست الجهات الحكومية فقط.
وأكدت رؤية مصر 2030 المحدثة على الدور الحيوي، للمنظمات غير الحكومية في زيادة الوعي بين المواطنين بالقضايا المهمة، ويجب أن تتوقف القراءة هنا، لنذهب الى التفسير والتحليل، حول ما جاء في هذا البند من بنود الاستراتيجية عن دور المجتمع المدني، كشريك أساسي في التوعية، التي تهدف أساسا إلى تغيير سلوك المواطن، فإذا كنا نريد مشاركة كافة الطوائف، علينا مد الجسور، ومنح مساحات شراكة حقيقية، تسمح للمجتمع المدني بآداء دوره، فما هي الحوافز الممنوحة للمجتمع المدني حتى يكون شريك فاعل؟ لم تعلن الاستراتيجية عن سبل استقطاب الجمعيات الأهلية العاملة في مجالات البيئة والطاقة والتنمية والتوعية، ومختلف النواحي المشتبكة مع القضايا المتعلقة بالمناخ، فالمجتمع المدني ينقصه التمويل، وتنقصه حرية العمل، ويقوض عمله غياب ثقافة التطوع عن المجتمع، ماذا ستفعل الدولة من أجل تحريره من هذه القيود، وإلا سيكون العمل المناخي واقفاً على ساق واحدة هي الحكومة.
أهداف عامة وتفاصيل غائبة
أما عن الأهداف، تم تحديد خمسة أهداف رئيسية، أولها: تحقيق نمو اقتصادي مستدام وخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، عن طريق تحول مجال الطاقة بزيادة حصة جميع مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة، خفض الانبعاثات المصاحبة لاستخدام الوقود الاحفوري، تعظيم كفاءة الطاقة، وهكذا فالعبء الأكبر ملقى على قطاع الطاقة باعتباره الأكثر استخداماً للوقود المنتج للانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ، وربما يكون ذلك هو السبب في اختيار مجموعة “انتجرال كونسلت” إحدى شركات شاكر جروب المملوكة للدكتور محمد شاكر المرقبي، لتقوم باعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ!!
– لم تذكر الاستراتيجية كيف ستصل مصر للمستهدف من تحويل الطاقة لها، والذي تلتزم به في عام 2035 ليصل كما هو متفق عليه مع الأمم المتحدة الى 42% من مزيج الطاقة يكون طاقة متجددة، والطاقة المتجددة هي التي لا تنضب ولا تنتهي، مثل الطاقة الشمسية، وذلك عن طريق زيادة حصة جميع مصادر الطاقة، المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة، وهذا المزيج حاليا، يشكل النفط، الغاز والفحم نسبة تصل إلى 80% من مزيج الطاقة المستخدمة في العالم.
أما الـ 20% المتبقية فهي من الوقود الحيوي ( الخشب، الجفت، الروث والفضلات)، الطاقة النووية، طاقة الماء، الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. تسعي الاستراتيجية لتقليل استخدام الطاقة المعتمدة على الفحم والنفط، لتحل محلها طاقة نظيفة فتتغير نسب المزيج رويداً رويداً، لكن ان تتضاعف بعد عشر 13 سنة فقط، يحتاج الامر لايضاح ما لخطة الي ذلك خاصة وأن الاستراتيجية خلت من الاشارة الى سبل الاستفادة بالطاقة الشمسية .
بالرغم من أن مصر تحظى بجو مشمس طول العام، وتستطيع توليد الطاقة الشمسية بما يعادل قوة محطة نووية،طبقاً لتصريحات سابقة لدكتورة انهار حجازي خبيرة الطاقة والكهرباء.
التفاصيل ضرورية
– التفاصيل ضرورية لأن الأرقام والإنجازات منسوبة لسنوات الانجاز في هذا المجال تجعل الأمر يبدو صعبا بطيئاً، لأن الفحم يوفر حوالي ثلث توليد الكهرباء في العالم، وحتى تتوفر تقنيات جديدة، سيستمر يلعب دوراً حاسماً في صناعات مثل الحديد والصلب.
هذا طبقاً لتصور سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية لوكالة الطاقة الدولية الذي يؤكد أنه بحلول عام 2050 على الجميع التوقف عن توليد الطاقة من الفحم وفي حددت 20 دولة مواعيد للتخلص التدريجي من استخدامه لتوليد الطاقة، فمن المرجح أن يظل الفحم مكونًا مهمًا في مزيج الطاقة في العديد من البلدان. ومنها مصر، مما يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة التي كان يجب أن تذكر تبحث في خططها المسارات البديلة تفصيلياً، لأنظمة الطاقة بدون انبعاثات صافية مع الحفاظ على طاقة آمنة وبأسعار معقولة في ظل التعهد بتقليص استخدام الفحم.
– أما الهدف الثاني، فهو بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، والتكيف معناه وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أنه تعديل النظم البشرية أو الطبيعية، فتغير المناخ، يتطلب تحولاً شاملاً لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا.
فالطاقة والصناعة والزراعة والنقل والمؤسسات والأفراد وغيرهم بحاجة إلى إجراء تغييرات لتقليل الانبعاثات والتكيف مع العواقب المناخية التي تحدث بالفعل، كيف سنقنع الناس انهم أصحاب مصلحة في ايقاف زحف التغير المناخي؟ كل هذه أسئلة كان على الاستراتيجية الرد عليها تفصيلياً، باعتبارها رسالة لكل صناع القرار .
– الهدف الثالث هو تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، والحوكمة هي الدبلوماسية والآليات وتدابير الاستجابة التي تهدف إلى توجيه النظم الاجتماعية نحو منع المخاطر المتوقعة بسبب تغير المناخ، وذلك لا يحدث ابداً إلا عبر تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
وهنا يجب أن نلفت الى أن اصحاب المصلحة هم المواطنون، قبل المستثمرين، وبالتالي يجب أن تأتي أولوية الرزق والحماية من احتمالات التهجير القسري على رأس المصالح، خاصة ونحن نقف امام تحدٍ قاسٍ اسمه غرق الدلتا، لن تكفي لصده الإجراءات المعمول بها الآن من مصدات، وغيره.
– والهدف الرابع هو، تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة، المناخية، التي يمولها البنك الدولي في 50 دولة، وقام بتمويل مصر سابقاً، لكن ما تم ذكره في الاستراتيجية عن اجراءات الاستثمار والتمويل لا يحمل سوى مطالبات وتطلعات، مبنية على وعود الدول التي لم تفِ بعهودها حول تمويل الدول النامية والأقل نمواً، وطبقاً للدكتور محمود محيي الدين رائد المناخ ومبعوث الأمم المتحدة للقمة 27 للمناخ، المزمع انعقادها في نوفمبر المقبل في شرم الشيخ، فان الأمم المتحدة اتفقت على تمويل سنوي قدره 130 مليار دولار لم تتلق منها دولاً واحداً حتى الآن وهذا الوعد منذ سنوات وهو اتفاق جاء في بنود اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وهكذا فنحن لدينا اهدافاً وطنية صيغت ضمن استراتيجية لم ترد فيها سبل التصرف إذا ما تأخر التمويل أو غاب، وعلى المتخصصين وصناع القرار التفكير في بدائل.
كما ذكرت الاستراتيجية موضوع الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، الترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف، على سبيل المثال السندات الخضراء.ولم يأت تفسيراً منطقياً يربط الشق الأول الخاص بالاعمال المصرفية المحلية، ليربطه بالشق الثاني وهو السندات الخضراء والتي يتم تداولها دولياً، فيما يسمى بورصة الكربون، حيث يتم طرح ما يتم تخفيضه من انبعاثات في صورة سندات خضراء تشتريها الدول المُسببة للانبعاثات ليتم خصمها من الحصص الواجب عليها خفضها حتى لا تضطر لوقف الصناعات المسببة للانبعاثات فيها، كل هذا يحتاج الى تفاصيل.
– فما افهمه أن الاستراتيجيات تقدم خارطة طريق تشمل أدوات التنفيذ وليس خطوطاً عريضة أو امنيات ـ فالاهداف التي لا تتبعها تفاصيل كيفية تنفيذها قد تتعثر، وما تم ذكره تفصيلاً هو مجرد توجهات عامة جاءت تحت هذا العنوان وجميعها لا تتضمن كيفية التنفيذ اللهم إلا فيما يخص قطاع الطاقة، وأمثلة لهذه التوجهات:
“تعزيز تنافسية السوق والتنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل خضراء” لكن لم ترد خطط لتوضح المسارـ أو التصور المبدئي لتنفيذ ذلك.
– أما الهدف الخامس، فهو تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة ورفع الوعي لمكافحة تغير المناخ. أن النصف الثاني من الهدف الخامس، قد بدأ بالفعل في التنفيذ من خلال المجتمع المدني، وادارة حوار مجتمعي بناء، لكنه لم يكن ذلك الحوار الذي تم التنويه عنه رسمياً من داخل وزارة البيئة وقيل انه اطلق من مدينة شرم الشيخ، منذ شهور، لكنه كان حواراً اخر تماما ينتمي لمبادرة “بلدنا تستضيف قمة المناخ ال 27،” التي بادر بها د. عماد عدلي عبر اعمال المكتب العربي للشباب والبيئة، الذي يترأسه،وتحت رعاية نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، وشارك فيها رائد المناخ د. محمود محي الدين، وإذا استمر العمل في المبادرة بنفس الوتيرة التي بدأ بها، ولم تكن مجرد فورة من الحماس الذي يسبق حدث القمة الرفيع القادم في نوفمبر، فسيكون لهذا العمل شأناً عظيماً في تشكيل وعي الناس تجاه مكافحة تغير المناخ، لأن المعرفة بتغير المناخ، والاهتمام الإعلامي، والوعي بمكافحته باعتباره قضية حياة أو موت، تحلق مصلحة مباشرة لكل مواطن في تنفيذ أو المساعدة على تنفيذ بنود الاستراتيجية الوطنية، إنها قضية فناء البشرية أو استمرارها.
نعود إلى النصف الأول من الهدف الخامس، وهو تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا، اعتقد أن مصر امامها رحلة طويلة لتحقيقه تبدأ بتخصيص نسبة معقولة من ميزانية الدولة للبحث العلمي، الطريق طويل لكن الاستراتيجية ممتدة حتى عام 2050، فقط نحتاج العمل بوتيرة سريعة ثابتة. خاصة أن أول تقرير في سلسلة “عمليات التقييم” العالمية التقدم المحرز في أهداف اتفاقية باريس. مطلوب من الدول الأعضاء في الاتفاقية ومنها مصر تقديمه العام القادم 2023.
واجمالاً.. تضم الاستراتيجية في جزء منها، ما تم عمله في الماضي، والمزمع القيام به في المستقبل، لكن دون شرح خطط وافية، فمثلاً الحديث عن توفير تمويل تنموي يبلغ قيمته 260 مليون دولار لقطاع البيئة لتنفيذ مشروعات بينها إدارة المخلفات الصلبة والتحكم في الملوثات الصناعية، يساهم فيها شركاء التنمية: “البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية والاتحاد” وبينها مشروع التحكم فى التلوث الصناعى المرحلة الثانية، ومشروع التحكم في التلوث الصناعي بدأ فى عام 1997 عبر ثلاث مراحل، تم الانتهاء من مرحلتين، وحسب تصريحات وزيرة البيئة فان المرحلة الثالثة جارية.
لذلك فان معظم تمويل وانجاز المشروع هو جزء من الماضي وليس جزءً من تمويل خطط المستقبل، الذي كنا نتمنى ان نراه في الاستراتيجية الوطنية الحالية. لا يمكن ان نعو للحديث عن تمويل منذ امثر من عقدين في استراتيجية ممتدة لثلاثة عقود قادمة.
كما أن الاستراتيجية تشمل عناوين الخطط المزمع تنفيذها فقط، بلا خطوط ارشادية، توجه صناع القرار واصحاب المصلحة كبوصلة للعمل، حتى الفرص والتحديات ونقاط الصعف، التي يجب أن تكون تفصيلية، خاصة في سُبل التغلب عليها، لم تكن واضحة بما يكفي، كما هو مفضل عند صياغة هذا النوع من الاستراتيجيات، إذ يمكنها أن تمثل مرشداً للمجتمع المدني، وجهات التمويل والإعلام للبناء عليها، ومد الجسور مع المواطنين للوصول لتعديل السلوك المرجو. فاين ذهبت التفاصيل؟