أصدر مركز جسور للدراسات الاستراتيجية تقرير من إعداد الباحثة إليان بطرس بعنوان “جزر سليمان: الساحة الجديدة للصراع الأمريكي الصيني في المحيط الهادئ”. وهو يتناول العلاقات بين الصين وجزر سليمان.
وجزر سليمان Solomon Islands هي دولة تقع بالمحيط الهادئ بالقرب من استراليا، وهي تتألف من 990 جزيرة وتبلغ مساحتها 28450 كم²، عدد سكانها 500 ألف نسمة، عاصمتها هونيارا ويعمل معظم سكان تلك الجزر في الزراعة وصيد الاسماك، ولغتهم الرسمية هي الانجليزية. وبالرغم من استقلالها من الاحتلال البريطاني إلا أن حاكمها هو العاهل البريطاني.
وتحظى تلك الجزر باهتمام الشرق والغرب نظرًا لأهمية موقعها كأحد مواقع النفوذ الصيني مقابل الولايات المتحدة، وهو ما أستدعى قلق الولايات المتحدة من التحركات الصينية في هذه المنطقة بعقد وإبرام اتفاقات أمنية مع جزر سليمان.
ويشير التقرير إلى أن جزر سليمان لم تقيم علاقات مع الصين إلا في 2019 بعد ابتعادهم عن تايوان وتحويل وجهتهم نحو بكين، وكانت البداية لما علية البلدين من علاقات الآن في إبريل الماضي تم تسريب نسخة من الاتفاق الذي وقعته الصين مع جزر سليمان وهو ما يسمح بإمكانية تواجد وانتشار للصين بريًا أو بحريًا، بالإضافة إلى التعاون في مجال المساعدة الإنسانية، والاستجابة للكوارث، وللحفاظ على النظام الاجتماعي، وينص أحد بنود الاتفاق على أنه يمكن للسفن الصينية أن ترسوا في الجزر مع إمكانية الاستبدال اللوجستي، والتوقف والانتقال في جزر سليمان، بالإضافة إلى إرسال القوات الصينية إلى البلاد “لحماية سلامة الأفراد بعد تعرض المنشآت الصينية للتخريب، ولم تكن التخوفات مقتصرة على الولايات المتحدة بل قربها من أستراليا جعلها تشعر بالقلق من إنشاء قاعدة بحرية جنوب المحيط.
وفي هذا الإطار زارا أنتوني بلينكن جزر سليمان في شهر فبراير 2022 ، في محاولة من واشنطن لاحتواء المنطقة وتعهد حينها بإنشاء سفارة في هونيارا. ومؤخرا وقعت الصين وجزر سليمان في 19 أبريل اتفاقًا أمنيًا وهو ما آثار حفيظة واشنطن وكانبيرا متخوفين من التوسعات العسكرية للصين في منطقة المحيط الهادئ.
وعليه قامت أستراليا متمثلة في الوزير المختص بشئون المحيط الهادئ بزيارة جزر سليمان وطلب منهم عدم إبرام أي من الاتفاقات مع الصين . كما أرسلت الولايات المتحدة وفد من المسئولين الأمريكيين لإيقاف الاتفاق المزمع عقده مع الصين لتحد من سيطرتها وتوسعها.
وأوضحت الباحثة أن قبل توقيع الاتفاقية في 30 مارس 2022 ، أرسلت الصين تسعة ضباط شرطة إلى جزر سليمان في يناير 2022. قدموا التدريب لقوة شرطة جزر سليمان وهو ما يخلق حالة من السيطرة والتطويق للداخل في الجزر، مع تقديم الحماية الكاملة لدعم الشركات الصينية التي تتضرر من أعمال التخريب لعدد من المرات المتتالية.
ومع اهتمام الصين بمبادرة الحزام والطريق سوف يكون من المهم أن تنشئ الصين علاقات جيدة مع بعض الجزر لموقعها المتميز والذي يعتبر مركزا للشحن الجوي وهو ما يخدم أهداف الصين في طريق الحرير الصيني.
وتستفيد الصين من الاستثمارات التي تتميز بها جزر سليمان سواء كانت الأسماك أو التعدين سواء في جزر سليمان بشكل خاص أو جزر المحيط الهادئ على وجه العموم.
وما يدفع الصين للتحرك في هذا الاتجاه هو تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة في ظل اتخاذ الولايات المتحدة وحلفائها كثير من التحركات التي تحد من التواجد الصيني في المنطقة وهو ما دفع بكين للبحث عن سبل لحماية مصالحها وتوسعاتها. كما أن التواجد في هذه المنطقة يمنح الصين السيطرة فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية في منطقة المحيط الهادئ.
ومن ناحية أخرى تدفع بكين نحو تقويض نفوذ تايوان الذي يقع أغلب شركاؤها في منطقة المحيط الهادئ وبالتالي تواجد الصين في منطقة جزر سليمان التي كانت تدعم تايوان فيما قبل هو انتصار للصين الآن ، ومع امتلاك الصين قاعدة عسكرية في جزر سليمان جنوب المحيط الهادئ سيمكن الصين من التأثير دلوماسيًا واستراتيجيًا وماليا في الضغط على حلفاء وشركاء تايوان.
ولهذا فقد حذر البيت الأبيض من عواقب الاتفاق الأمني مع جزر سليمان والصين وصرح بأنه سيرد إذا نشرت الصين منشآت عسكرية على أراضي جزر سليمان، وأرسلت الولايات المتحدة وفدًا من البنتاغون والوكالة الأمريكية للتنمية، إلى جانب منسق الشؤون الإقليمية بمجلس الأمن القومي للبيت الأبيض لزيارة جزر سليمان لعقد مباحثات حول هذه الاتفاقية التي تمثل لهم بداية لنشر قاعدة عسكرية هناك بعد أن تم الإعلان عن نشر قوات برية وبحرية.
وتحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة بحرية وجوية كجزء من توقعات قوتها الاستراتيجية في المنطقة الشمالية الغربية في جزيرة غوام ووجود الصين قد يؤدي الى تأخير الأسطول البحرية الأمريكية وتعطيل خطوط الإمداد في حالة حدوث صراع.
وختمت الباحثة تقريرها بقولها أن تحركات الصين في جزر سليمان تعتبر ردًا صريحًا على تحالف أوكوس وهو تحالف أمني بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا والذي يحمل عدد من الغواصات النووية والصواريخ بعيدة المدى لأستراليا وهو تهديد واضح للصين.
ولفتت أن الساحة الدولية ستستمر خلال الفترة القادمة في حالة من الصراع في منطقة المحيط الهادئ والهندي في محاولة صينية للتواجد بشكل أكبر ومواجهة الولايات المتحدة، وذلك لكون الصين دائمًا ما تنفي نيتها في النشر العسكري وتفعل العكس، مشددة على احتداد هذا الصراع لأن الولايات المتحدة دائما ما تعتبر منطقة جنوب المحيط الهادئ بحيرة أمريكية لذا تجد الآن التحرك الصيني في جزر سليمان تجاوز صيني لا يغتفر، ومن المتوقع أن ترد الولايات المتحدة على هذا التحرك في الأيام المقبلة لأن الصين لم تقف عند جزر سليمان بل اتجهت الأيام الماضية لتوطيد علاقاتها وعقد اتفاقيات أخرى مع مجموعة من الجزر الاخرى في المحيط الهادي إذا لم تهتم الصين للتهديدات الامريكية المستمرة ضدها وستظل حريصة على التوسع لحماية نفوذها بطرقها الخاصة سواء اقتصاديًا أو أمنيًا.