“عبد المعطى حجازى” :نحيي ذكرى هذه النهضة التي خرجنا بها من عصور الظلام والقهر رفضا للطغيان
وزيرة الثقافة : الاحتفاء بهذه الفترة الزمنية يقدم للأجيال الجديدة مثلاً يحتذى به وقدوة يقتفون أثرها
— صدور دستور1923 و إلغاء الحماية البريطانية
— طلعت حرب يؤسس بنك مصر ، وصدور مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية بإسم الجامعة المصرية
— الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق و” فى الشعر الجاهلى لطه حسين ” كتابان مثيران للجدل
— ديوان الشوقيات لأمير الشعراء أحمد شوقى يوثق لكثيرٍ من الأحداث والمناسبات وأعلام التاريخ ويمثل مرحلة مهمّة من حياة الشعر العربي في عصر النهضة العربية
— مقاهي ثقافية زاخرة بالدور الوطنى والحراك الفكري والفني
— تأسيس فرقة رمسيس المسرحية وروائع الأدب العالمى
— الأخوان ” إبراهيم وبدرلاما ” وبواكير السينما المصرية
— مجلتا المرأة المصرية وروزاليوسف ..صفحة جديدة من النهضة
— الإختراعات المتطورة آنذاك مثل الأسطوانات والجرامافون ساهما في حفظ تراث الموسيقي المصرية
“أنظر حولي منذ دخلنا في عشرينيات هذا القرن فلا أجد ذكرا لعشرينيات القرن الماضى التى لم تكن سنوات ككل السنوات، وإنما كانت نهضة ثورية شاملة وحافلة بالأحداث والأعمال التى بدأنا بها عصرا جديدا في تاريخنا الوطنى كان له تأثيره القوى في حياة كل منا، فمن المستغرب أن تمر ذكراها المئوية دون أن نتذكرها أو يتذكرها فريق منا على الأقل ويذكر بها غيره، لأنها ليست مجرد تواريخ تكتب وتتعرض للنسيان، وإنما هى وعى جامع يتحقق به انتماؤنا لمصر”، هكذا سطر الكاتب الكبير عبد المعطى حجازى أول مقال له في سلسلة مقالات تحت عنوان ” عشرينات القرن العشرين” والتي نشرت بجريدة الأهرام في مارس الماضي ، لم تمر مقالات الكاتب الكبير مرور الكرام فلقد اهتمت وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة بالاحتفاء بعشرينات القرن العشرين وتخصيص الوقت الكاف لمناقشة الاحداث التي مر بها الوطن وكذلك الإنجازات الاستحقاقات الى حدثت علي مستوى كافة المجالات ، وتنظيم مؤتمر تحت عنوان”عشرينات القرن العشرين: علامات فارقة وإنجازات مضيئة”
تناولت المحاور العديد من السياقات التاريخية التي شهدتها حقبة العشرينيات وتمثلت بواكير بناء المجتمع وميلاد الشخصية المصرية الحديثة والتحولات الفكرية التي حدثت إبان هذه الحقبة على العديد من الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. كما استعرضت العديد من الرموز المصرية التي أثرت المجتمع والجهود التنويرية التى اكدت دور العلماء والمثقفين والمبدعين في تشكيل الوجدان الجمعي .
ترسيخ الهوية المصرية
تقول الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة : تطرق المفكر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي في جريدة الأهرام العريقة، لأهمية هذه الفترة الزمنية ” عشرينيات القرن العشرين” من تاريخ مصر وسلط فيها الضوء على العديد من الأحداث التي مر بها الوطن والانجازات التي تحققت خلاله ، واحتفاؤنا هذا تاكيدا لقناعتنا الراسخة بأن استشراف المستقبل لا يأتى إلا باستدعاء دروس الماضي وعبره خاصة إذا كان هذا الماضي زاخرا بالنجاحات والإنجازات.
وتابعت : إن مناقشة هذه الأحداث واستعراض النجاحات خلال تلك الفترة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والأدبية والفنية بل والرياضية أيضا يلقى الضوء علـى أسماء وشخصيات ورموز لعبت دورا بارزا في تحقيق هذه الانجازات وهو ما يقدم للأجيال الجديدة مثلاً يحتذى به وقدوة يقتفون أثرها.
واوضحت : ان المؤتمر بداية لسلسلة من الأنشطة والفعاليات التي ستقدمها كافة قطاعات وهيئات الوزارة كل فيما يخصه وتشمل عروضا غنائية ، حفلات موسيقية ، معارض للفنون التشكيلية وأخرى للكتب والوثائق والمخطوطات ، ندوات متخصصة عن العمارة والترجمة وغيرها يتم تنظيمها خلال الفترة المقبلة تحقيقا للتنوع وتغطية كل المجالات والأحداث التي ارتبطت بهذه الحقبة الزمنية
وقال الدكتور هشام عزمي الأمين العام للأعلى للثقافة: ان الشاعر الكبير نجح في لفت الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بتاريخ مصر بصفة عامة وعشرينيات القرن الماضي بخاصة للتوقف بالدراسة والبحث عند أحداث شكلت عودة الوعي والاهتمام بتأكيد الشخصية المصرية وترسيخ هويتها مما ساهم في تحصينها، كما ان هذه الحقبة التاريخية لاقت اهتماما كبيرا في العالم بأسره
نهضة مصر الحديثة
يقول المفكر أحمد عبد المعطي حجازي عضو المجلس الأعلى للثقافة: نحتفل بعشرينيات القرن العشرين والتي تمثل الذكرى المئوية الاولي للنهضة المصرية الحديثة ولعل هذا المؤتمر يكون مقدمة بناءة لسلسلة من المؤتمرات والندوات والفعاليات يمكننا من خلالها ان نحيي ذكرى هذه النهضة التي خرجنا بها من عصور الظلام والقهر رفضا للطغيان، وتصدى أجدادنا ببسالة لما تعرضت له مصر عبر عصور متعاقبة من حملات احتلال استعمارية ، لقد نجح أجدادنا في صنع حضارة متميزة سبقنا بها العالم وكفلت لنا حياة مستقرة ونظما قوية وقيما رفيعة لابد لنا من احترامها والحفاظ على مقدراتها، فمصر عبر التاريخ سطع بها العديد من الرموز في كافة المجالات العلمية والادبية والفنية عبر التاريخ، مصر كانت وستظل زاخرة بالكثير من القيم النبيلة.
فانظروا لما قدمه سعد زغلول ومكرم عبيد ولطفى السيد فى السياسة، وطلعت حرب فى الاقتصاد، وهدى شعراوى فى الاجتماع، وطه حسين والعقاد فى الدراسات الأدبية، وعلى عبدالرازق فى الفكر الديني، وشوقى وحافظ فى الشعر، ومحمود مختار فى النحت، ومحمود سعيد فى التصوير، ويوسف وهبى فى المسرح، وسيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فى الموسيقى والغناء، وكوكبة من الأسماء فى السينما، وانظروا إلى الجامعة المصرية، وإلى الاكتشافات الأثرية، وقبل هذا كله وبعده إلى المصريين كيف هبوا جميعا فى يوم واحد: فلاحين وموظفين، وطلابا ومثقفين، مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء ، كيف هبوا فى وجوه الغزاة المستعمرين يهتفون لمصر، ويطلبون الحرية، والاستقلال والدستور ويتلقون رصاص الأعداء الأنذال بصدور مفتوحة وقامات عالية، كيف تمر الذكرى المئوية الأولى على هذه المعجزات دون أن نحتفل بها جميعا، وبكل منها على حدة؟! يكفى أن نتذكر هنا أننا فقدنا استقلالنا فى القرن السادس قبل الميلاد حين غزا الفرس بلادنا، ثم غزاها الاسكندر بعد قرنين، ثم غزاها الرومان بعد ثلاثة قرون، وبعدهم العرب، ثم الترك، ثم الفرنسيون فى القرن الثامن عشر الميلادى ثم الإنجليز الذين استطعنا فى ثورة 1919 أن نزلزل أرضنا تحت أقدامهم ونفرض عليهم الاعتراف باستقلالنا فى تصريح فبراير 1922، ومن ثم ألغيت الحماية البريطانية، وأصبحت مصر دولة مستقلة، وصدر الدستور فى العام التالي، وحكم المصريون بلادهم بعد أربعة وعشرين قرنا كانوا فيها محرومين من الحرية والاستقلال، وامتلاك الأرض، والوصول إلى السلطة، وحمل السلاح. وأنا هنا لا أشير إلا لبعض الأحداث السياسية التى بدأت بثورة 19واستمرت فى السنوات التالية التى كانت حافلة بالإنجازات الكبرى فى السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والعلم، والفن، والأدب .
إرهاصات النهضة
ويرى الدكتور مصطفى الفقي : إن بداية النهضة الحقيقية في مصر لها إرهاصات في القرن التاسع عشر، ولم تبدأ في القرن العشرين، فمثلا فترة الخديوي إسماعيل تتميز بالعديد من الإنجازات، فعلى المستوى الثقافي كانت تنعقد صالونات ثقافية، تستقبل العديد من الشخصيات من كل الجنسيات دون تفرقة، ومن ثم إنجازات مطلع القرن مثل ثورة 1919، التي خرجت من الشارع المصري دون تدخل عسكري، فقد كانت بمثابة ثورة تلقائية في وقت ندرت فيه وسائل الاتصال، وليس كما يحدث الآن، أما عن المشهد الديني فقد كان مشهدًا مملوءًا بالارتباك والتوتر، ورغم ذلك فما زلنا نقول إن الشرق الأوسط في ذلك الوقت كان يولد من جديد مع سقوط الخلافة العثمانية وتداعيات ذلك، ومن ثم ولادة جماعة الإخوان المسلمين وقتها.
ثم تطرق الفقى إلى أشهر الكتب الأدبية التي صدرت في تلك الفترة، ومنها كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي”، ومرورًا بكتاب علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم”، ثم تطرق إلى الحديث عن السلطان فؤاد قائلا : إنه رغم جهامته فقد كانت له بعض الإيجابيات وعلى رأسها تأسيسه لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة لاحقًا).
مرونة الوسط الثقافي
وتحدث الدكتور حسام بدراوي المفكر والسياسي، عن تلك الحقبة الزمنية بأنها ولادة للدولة الحديثة بإيجابياتها وسلبياتها، وتناول مرونة الوسط الثقافي والأدبي وقتها، والتي ظهرت في أقطاب السياسة والأدب والدين، مستشهدًا كذلك بكتاب “في الشعر الجاهلي”، الذي قال عن كاتبه إنه لم يكن الكاتب الأقرب إلى قلبه، بل كان عباس محمود العقاد كاتبه المفضل، وما يقره العقاد هو الأصوب والأشمل دائمًا، ولكنه بعد قراءة كتاب “في الشعر الجاهلي لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فقد تغيرت نظرته إلى الأمور، وصار الدكتور طه حسين كاتبه المفضل، ومن المثير للدهشة، على حد تعبيره، موقف الزعيم سعد زغلول من كتاب الدكتور طه حسين، وهو الذي هاجمه، وكان من مواقفه أنه انحاز للرأي المطالب بطرده من الجامعة في ذلك الحين، ثم استشهد بنموذج آخر على مرونة الرأي العام في تلك الحقبة الزمنية، وهو كتاب الشيخ علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم”، وكيف تقبل معارضوا الرجل هذا الكتاب بصدر رحب، وبدأوا مناقشته في الأفكار التي طرحها بداخله، وأكد بدراوي أن هناك أشياء جميلة قد حدثت بالفعل في عشرينيات القرن العشرين، ومن أهمها الحراك الواضح والظاهر بين السياسة والدين، ولغة الحوار بين أقطاب السياسة وعلماء الدين.
ظهور الأحزاب السياسية
وتحدث الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة سابقا عن الجانب الاجتماعي لمصر في تلك الفترة، والذي كان له دور مهم في النهضة والتنوير اللذين شهدتهما تلك الحقبة، بدايةً من فترة محمد علي، وما شهدته من زخم اجتماعي في إرسال البعثات وحركة الترجمة وبناء جيش قوي، مشيرًا إلى بروز دور الطبقة الوسطى ورجالها في المجتمع المصري، وعلى رأسهم أحمد عرابي وعبد الله النديم وقاسم أمين، وغيرهم.
و عن بداية القرن العشرين، وتحديدًا عام 1905، قال إن تلك السنة قد ظهرت فيها الأحزاب السياسية بقوة، وقد كانت نتاج فترات سابقة، وكان رجالها وعلى رأسهم سعد زغلول ومصطفى كامل ولطفي السيد، لهم تأثير ملموس وواضح في الشارع المصري
تناولت الدكتورة عادلة رجب أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة الأحداث الاقتصادية التي غيرت مجرى الاقتصاد المصري في تلك الفترة، مشيرة إلى الأمور العظام التي حدثت في تاريخ مصر، وعلى رأسها استقلال مصر، وصدور دستور 1923، وتلك الصحوة في عدد من المجالات أهمها التعليم والصحة.
الأدب والفكر والصحافة
وضمن محور ” الأدب والفكر والصحافة ” استعرض المشاركون أحوال وقضايا الأدب والفكر والعديد من السياقات التاريخية المرتبطة بها والتي شهدتها حقبة العشرينيات منها أدب العشرينيات ورموزه ، مناقشة أعمال الأديب طه حسين ” كتاب فى الشعر الجاهلى عام 1926 ” آحمد شوقي و” الشوقيات ” عام 1926 ، أعمال مصطفى لطفى المنفلوطى و أعمال الشاعر مصطفى صادق الرافعى، تأسيس مجلة المراة المصرية 1920، أحوال أدب الطفل.
لقد شهدت حقبة العشرينيات العديد من القضايا الوطنية ، نهضة التعليم وإنشاء الجامعة المصرية ، قضايا المرأة والشباب وتطورات الحركة النسوية وحقوق المرأة في الدستور المصري ، اللغة العربية وعلاقتها بالحركة الأدبية والفنية ومساعي حركة التنوير وصمود المثقفين وأطياف الشعب المصري في مواجهة أشكال الاحتلال ، دور الإبداع في حركات المقاومة والتنوير وتطور الفنون الجميلة ، بواكير إنشاء الأندية والمؤسسات الرياضية.
ولفتت عبد الدايم إلى أهمية استلهام دور المقاهى الثقافية في توعية النشء والشباب ومحاولة نشرها وتفعيلها فى كافة ربوع مصر من خلال مبادرات متخصصة ، وقد أعرب المشاركون عن تمنياتهم بتكرار وتفعيل ظاهرة المقاهي الثقافية الزاخرة بالحراك الأدبي والفكري والفني وتكريس دورها لنشر التنوير بكافة ربوع الوطن.
المسرح أبو الفنون
و ضمن محور “السينما والمسرح والدراما” يقول المخرج محمد فاضل: لابد من إعادة تاريخ السينما المصرية، عبر استرجاع سينما عشرينيات القرن الماضى، وأشار إلى مصر وعلاقتها المتجذرة مع السينما، والتي تعود إلى نفس الوقت الذي بدأ فيه العالم معرفة الفن السابع؛ فالمعروف أن أول عرض سينمائي تجارى في العالم كان في ديسمبر 1895 ميلاديًا في مدينة النور باريس، وتحديدًا في الصالون الهندي بالمقهى الكبير المسمى ” الجراند كافيه” ، وكان للإخوان (لومير)، وكان فيلما صامتا وبعد هذا التاريخ بأيام قليلة تم تقديم أول عرض سينمائى في مصر في مقهى ” زوانى” بالإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، وكان هذا بالتحديد في يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائى بالقاهرة في 28 يناير عام 1898 في سينما “سانتى “.
ويؤكد الناقد محمود قاسم الكاتب والناقد السينمائي: أنه منذ العشرينيات والسينما والمسرح لم ينفصلا عن الآداب؛ فعلى سبيل المثال نجد هذا متمثلا في رواية ” زينب “، وكان المسرح بطعم السينما، وكانت السينما بطعم المسرح؛ ونجد تحديدًا في عشرينيات القرن أسماء لامعة مثل: نجيب الريحاني وعزيز عيد وطه حسين والعقاد وحافظ ابراهيم ويوسف وهبى ، وكان هؤلاء حقيقة من الممكن أن يستغنوا في بعض الأحيان عن أموالهم الشخصية ومدخراتهم، في مقابل إحياء عمل فنى لكى تُنشر ثقافتهم وتصل فكرتهم في أرجاء المجتمع كافة.
أيضا يضيف الدكتور أبو الحسن سلام عن فن المصريين في العشرينيات: قد أحسوا بمصريتهم الزائدة، موضحًا أن المدارس المسرحية السائدة آنذاك كانت الفرنسية واليونانية، وهو ما تم تغييره بمشاركة المسارح المصرية، بقياده الفنانين العظماء نحو بناء مجتمع ثقافي واعى مدرك، وأوضح دليل على أهمية دور المسرح الوطنى، هو أن جميع أعمال الدراما والسينما حينها تمحورت حول فكرة الاستقلال والانفصال عن ملكية الاحتلال، وهو بالفعل ما تأتى بقيام ثورة 1919، وتم عمل مجلس تشريعي مكون من عدة وزارات تخصصية.
وتقول الدكتورة سلمى مبارك، مستعرضة أبرز الأعمال الفنية إبان فترة عشرينات القرن الماضى، مثل فيلم ” سعاد الغجرية “، ايضا تحدثت عن دور الاخوين ابراهيم وبدر لاما فى السينما المصرية وتابعت مضيفة أن السينما كانت حينها تخاطب الطبقة المتوسطة، وكانت الطبقة العليا حينها تذهب للأوبرا والباليه، وكان هؤلاء الفنانين الكبار يساعدوا على نشر الوعى الثقافي للمصريين كافة،؛ فهو حق من حقوقهم، وفى مختتم كلمتها أكدت أن الأداء التمثيلي السينمائي حينها كان أقرب من أداء المسرح، كما أكدت أنه لابد من استعاده المسرح الشعرى من جديد.
ويضيف الدكتور ياسر صادق رئيس المركز القومي للموسيقى والفنون الشعبية حول الفيلم الترويجي لكتاب المسرح المصري، والذي ظهر للنور في عشرينيات القرن الماضى، مؤكدًا أهمية المسرح، ودوره الكبير في الحفاظ على اللغة العربية، وتابع مشيدًا بأهمية دور رواد المسرح، بدءًا من على الكسار ويوسف بك وهبي، وأوضح في مختتم حديثه أن فن المسرح هو الأصل، ومن خلاله تصل رسالتنا التى نعكف على خدمتها وإعلائها في المركز القومي للمسرح، مشيرًا إلى أن المسرح هو أبو الفنون كلها.
الموسيقي والفنون
وتحت عنوان “الموسيقي الفنية والغناء والفنون الاستعراضية” تناولت الدكتورة رشا طموم محطات هامة في تاريخ الموسيقي المصرية ما بين القرن ١٩ والقرن ٢٠ حيث استعرضت موضوعات الموسيقي الفنية التقليدية “الوصلة الغنائية”، الموسيقي الشائعة “الطقطوقة الخفيفة”، حركة المسرح الغنائي من نهاية القرن ١٩ حتى ثلاثينيات القرن ٢٠، ميلاد فنون السينما والاذاعة وأثرها على الموسيقي المصرية إلى جانب إشكاليات تراث المسرح الغنائي المصري وطرحت مبادرة لإحياء تراث المسرح الغنائي.
وناقش الدكتور زين نصار تأثير سيد درويش علي الموسيقي والغناء كما استعرض اعماله للمسرح الغنائي التى وصل عددها الي ٣٠ مسرحية، ١١ دور، و١٣٢ طقطوقة مثبتة في المشروع القومي لتوثيق التراث المصرية.
وطرح الدكتور الموسيقار راجح داود الظواهر الموسيقية المصرية قائلا ان لها رافدان هما تراث الموسيقي العربية التقليدية التي تقدم للطبقات المتوسطة والفوق متوسطة واشار الى ضرورة الحفاظ عليه كما هو ، اما الرافد الثاني هو الموسيقي الشعبية او ما اطلق عليه موسيقي الشارع التي تعبر عن احوال الناس وهمومهم والتي تتغير كل فترة زمنية ليست بالطويلة واوضح ان هناك صراعا مستمرا بين الرافدين وان هناك مصادر اخري للموسيقي والغناء في مصر منها اغاني العمال والحرفيين والفلاحين واهل النوبة .
واشار الدكتور محمد شبانة: ان فترة عشرينيات القرن الماضي تعد مرحلة الوعي موضحا ان الاختراعات المتطورة آنذاك مثل الاسطوانات والجرامافون ساهما في حفظ تراث الموسيقي المصرية ، وان مصر غنية بالأنواع الموسيقية التي تشمل الموسيقي الشعبية، الموسيقي الدارجة، موسيقي الشارع، الموسيقي التقليدية وغيرها من الانواع التي تحتاج منا إلي مزيد من التوثيق كما استعرض اثر مدرسة المشايخ في حفظ الموسيقي المصرية ، وتطرق إلي دور الادب في الارتقاء بالموسيقي والغناء في تلك الفترة الزمنية والتي تمثلت في اعمال المسرح الغنائي الذي عبر عن هموم الوطن في هذه المرحلة .
وخرجت الجلسة بعدد من التوصيات دارت حول احياء تراث المسرح الغنائي المصري، توثيق الاعمال الموسيقية، توثيق موسيقي الشارع وموسيقي الحصاد والاهتمام بالأرشيف الموسيقي في مصر
معرض وثائقي وآخر للكتاب
أقيم معرض وثائقي وآخر للكتاب يصاحبان فعاليات المؤتمر وضم المعرضان عددا من الوثائق النادرة التى تؤرخ لحقبة عشرينيات القرن الماضي اعدته دار الكتب والوثائق القومية الى جانب مجموعة من اصدارات هيئة الكتاب وقصور الثقافة
الجدير بالذكر ان الوثائق المعروضة تضم مرسوما بقانون لإنشاء الجامعة المصرية، مرسوم باعتماد قانون جمعية الهلال الأحمر المصرية، تأسيس بنك مصر، مرسوم انشاء مصلحة التموين، قانون جمعية محبي الفنون الجميلة وغيرها، اما اصدارات وزارة الثقافة تشمل مختلف مجالات العلوم والآداب والفنون والرواية والتاريخ
نظرة عامة
وتحت عنوان ” عشرينيات القرن العشرين .. نظرة عامة ” عقدت الحلقة النقاشية الختامية للمؤتمر بحضور 3 وزراء سابقين للثقافة هم الدكتور صابر عرب والدكتور عماد أبو غازي والكاتب الصحفى حلمي المنعم.
وأدارها الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق .
قالت عبد الدايم إن المؤتمر استعرض جانبا من التاريخ الوطنى الثرى خلال عقد العشرينيات من القرن الماضى وإن الزخم الفكرى الذي تضمنته الفعاليات نجح فى إنتاج توصيات واقتراحات جديرة بالدراسة والتنفيذ.
استعرضت الحلقة النقاشية العديد من الموضوعات التاريخية التي شهدتها حقبة العشرينيات وشملت الأحوال والقضايا الوطنية ، نهضة التعليم وإنشاء الجامعة في المصرية ، قضايا المرأة والشباب وتطورات الحركة النسوية وحقوق المرأة في الدستور المصري ، اللغة العربية وعلاقتها بالحركة الأدبية والفنية ومساعي حركة التنوير وصمود المثقفين وأطياف الشعب المصري في مواجهة أشكال الاحتلال ، دور الإبداع في حركات المقاومة والتنوير وتطور الفنون الجميلة ، بواكير إنشاء الأندية والمؤسسات الرياضية.
إضافة إلي القاء الضوء على دراسة أنثربولوجية عن عشرينيات القرن الماضي ، إلى جانب مجموعة من الأطروحات التي أبرزت أن هذه الحقبة تعد انطلاقة للنهضة المصرية فى القرن الماضى.
أحداث وشخصيات
الباحث فى فترة ” عشرينيات القرن العشرين ” يجد أنها تتضمن عددا من الأحداث الجسام ( سنعرض لبعض منها بعد قليل ) والاصدارات التى لازالت تثير الجدل ، ويأتى فى مقدمة هذه الاصدارات :
كتاب “الإسلام وأصول الحكم ”
“الإسلام وأصول الحكم ” كتاب للشيخ الأزهري علي عبد الرازق صدر في 1925 ، وقد أحدث ضجة بسبب رفضه لفكرة الخلافة والدعوة إلى مدنية الدولة، كما أدى إلى معارك سياسية ودينية كبيرة، وقامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة علي عبد الرازق وأخرجته من زمرة العلماء وفصلته من العمل كقاضي شرعي، وتلقى الكتاب الكثير من النقد ودافع عنه بعض المفكرين، منهم : الدكتور محمد حسين هيكل حيث كتب مقالاً شديد السخرية في جريدة السياسة يسخر من القرار ، واستقال عبد العزيز فهمي من وزارة الحقانية في وزارة زيور باشا في مارس 1925 ، ووقف إلى جوار علي عبد الرازق حتى ترك الوزارة احتجاجًا على الظلم ، وكذلك دافع عباس محمود العقاد عن عبد الرازق في مقال في صحيفة البلاغ وكتب سلامة موسى مقالاً في جريدة المقتطف دافع فيه عن حرية الفكر والإبداع ورفض الرقابة الفكرية ، وقد تم طبع الكتاب خمس مرات بعد أن طبعه الناشر طبعتين عام 1925
كتاب ” فى الشعر الجاهلى ”
في عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل “في الشعر الجاهلي” وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين ، وان اكثر مانقرأه من شعر امرئ القيس أو طرفة ، أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء فى شئ، وانما هو من انتحال أو اختلاق الرواة .
الكتاب يحوى – كما فهموه وقتها – آراء منافية للدين !؟ واستغل خصوم الدكتور طه حسين -وماأكثرهم – ماجاء فى الكتاب من آراء اعتيروها زندقة وفلسفة لامبرر لها . فاستغلته الأحزاب المعارضة لحزب الأحرار الدستوريين الذى كان ينتمى اليه طه حسين ، واستغله الرجعيون من رجال الدين الذين كانوا يضمرون لهبغضا وكراهية منذ خروجه على نظام الأزهر تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم: مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري ومحمود محمد شاكر وغيرهم. كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين واتفق الجميع على رأى واحد أن الكتاب فيه كفر والحاد وطالبوا الحكومة بمصادرته، ومنع مؤلفه من التدريس فى الجامعة كيلا يفتن نابتة الأمة بما يبثه من الضلال والفساد.
يمكن الرجوع الى كتاب «معارك طه حسين الأدبية والفكرية»،للكاتب سامح كريم الصادر عن الهيئة العامة للكتاب – مكتبة الأسرة – عام 1999( ص 72 ومابعدها )
وقد صدرت عشرات المقالات واشتركت أكثر من صحيفة فى هذه المعركة ، أما المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين ، لذا حفط النائب العام محمد بك نور الأوراق إداريًا فكانت تخريجات مبهرة وحاذقة وذكية، تدل على حذق صاحبها وفكره الواسع وقراءاته الجيدة.
ديوان ” الشوقيات ”
الشَّوْقيّات هو ديوان شعريّ لأمير الشعراء أحمد شوقي (1868 – 1932). بدأ شوقي بنشر أعماله الشعرية الكاملة في أربعة أجزاء عام 1926، بمقدمة محمد حسين هيكل. وديوان الشوقيات تميّز بتنوّع الموضوعات، وتعدّد التّيّارات والمواقف التي يمثّلها. تضمَّنَت الشوقيات إحياءَ ذكرى الخالدين من أعلام التاريخ بمآثرهم الإنسانية وعبقريَّتهم، وقد أرَّخ فيها شوقي لكثيرٍ من الأحداث والمناسبات، وحكى كثيرًا من الحكايات على ألسنة الطير والحيوانات.والشوقيّات تمثل مرحلة مهمّة من حياة الشعر العربي في عصر النهضة العربية ،وشوقي يعد رأس المدرسة الإحيائية في الشعر العربي في العصر الحديث، وهو الاتجاه الذي أسسه محمود سامي البارودي قبله.
مجلتا ” المرأة المصرية” وروزاليوسف
مجلة المرأة المصرية هي مجلة أصدرتها بلسم عبد الملك بمساعدة هدى الشعراوي، تهتم بقضايا حقوق المرأة. صدرت لأول مرة في الاول من ديسمبر 1920 باللغتين العربية والفرنسية.
أما مجلة روز اليوسف بدأت في الصدور فى أكتوبر عام 1925 وبدأت كمجلة فنية أدبية مصورة تعني بأخبار الفن والأدب والأدباء والفنانين ثم ما لبثت أن تحولت الي السياسة وذلك في العام الثالث لصدورها كان للصحفي الكبيرمحمد التابعي دور كبير في المساهمة في إنشاء المجلة الي جوار مؤسستها روز اليوسف كما عمل فيها مصطفى أمين وعلي أمين. خاضت المجلة صراعات ومواجهات مع الملك والإنجليز والحكومات المتعاقبة، كما صودرت مرات عديدة ،وعن مؤسستها فهى روز اليوسف أو فاطمة اليوسف (1897 – 1958)، إحدى أشهر أسماء الفن والصحافة والسياسة في النصف الأول من القرن العشرين بمصر
ومن أهم الشخصيات التى شكلت بواكير السينما المصرية :
الاخوان لاما
وُلد الأخوان لاما، إبراهيم وبدر، لأب فلسطيني هاجر إلى تشيلي، في أوائل القرن العشرين، وفي عام 1924 قرر الأخوان العودة لمدينة بيت لحم في فلسطين، لكنهما في طريق الرجوع نزلا إلى الإسكندرية، وبدآ مشوارهما في السينما المصرية
في تشيلي كان الأخوان من هواة التصوير الفوتوغرافي، حتى أن الشقيق الأصغر بدر قد عمل كمساعد في إخراج فيلمين قصيرين هناك، وفي الإسكندرية بدآ الشقيقان في العمل بالتصوير الفوتوغرافي، حتى انضما إلى جماعة أنصار الصور المتحركة، التي تحولت بعد ذلك إلى شركة سينمائية عرفت باسم “مينا فيلم”، لكنهما استقلا عنها بعد ذلك، وأسسا شركة “كوندور فيلم”، ومن خلالها تم إنتاج أول أفلامهما الصامتة “قبلة في الصحراء” عام 1927، حيث كتبه وأخرج إبراهيم، وقام بالبطولة بدر.
صار الشقيقان ثنائيين في السينما المصرية، وقد تم تصوير فيلمهما الأول في استوديو صغير داخل فيلا خاصة في منطقة فيكتوريا بالإسكندرية، واستقبله جمهور السينما بترحيب كبير، بعدها صنعا فيلمها الثاني “فاجعة فوق الهرم” عام 1928، قيل إنه لم ينجح، بعدها انتقل الشقيقان إلى القاهرة، وهناك أسسا أول استوديو سينمائي في مصر “استوديو لاما “، وكان مقره في حدائق القبة. أثرى إبراهيم وبدر السينما المصرية بالعديد من الأفلام خلال أكثر من عقدين من الزمان
وعن أهم الكيانات الثقافية فى القرن العشرين : فهاهى المقاهى الثقافية وفرقة رمسيس المسرحية تاسيس بنك مصر والجامعة الحكومية المصرية
المقاهى الثقافية
كانت مقاهي مصر جزءا من الحراك السياسي والأدبي في القرن الماضي فالعديد من المقاهي كانت شاهدة على ثورة 19 كمقهى متاتيا بالعتبة الخضراء ومقهى ريش، كما شهدت سجالات أدبية مهمة ، أما مقهى الفيشاوى وان كانت بداياته عام 1797 الا أن شهرته استمرت بعد ذلك ، فكان من اشهر رواده جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده و من الفنانين، أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب
قهوة متاتيا
حملت “قهوة البوستة” أو “مقهى متاتيا” بمنطقة العتبة اسم المهندس الإيطالي الذي صمم وخطط المنطقة المحيطة بالمقهى، حيث كان يقع في وسط القاهرة بين ميداني العتبة والموسكى وشهد هذا المقهى اجتماعات وتحضيرات ثورة 1919، وكان هذا المكان مجلسًا يوميًا للزعيم جمال الدين الأفغاني و الزعيم سعد زغلول والشيخ محمد عبده وعباس العقاد والشاعر محمود سامي البارودي وعبد الله النديم والشاعر حافظ إبراهيم وأحمد شوقي والمازني، وفيه جرى تأسيس أول حزب مصري، “الحزب الوطني الحر”.
مقهى ريش
ويعد مقهى ريش من أشهر مقاهي المثقفين في تاريخ مصر، ويقع في شارع سليمان باشا بوسط البلد وتأسس “ريش” على يد النمساوي “بيرنارد تسينبرج” عام 1908 الذى صممه بحيث يحاكى مقاهي المثقفين بباريس، وبعدها تم بيعه إلى الفرنسي “هنرى بيير” الذى أطلق عليه اسم “ريش” وهو اسم أحد أشهر مقاهي باريس الثقافية، وجعله على نفس طراز المقهى الفرنسي الشهير الذى توجد منه نسخ أخرى فى بلاد عدة كمقهى ريش فى تونس والجزائر والمغرب وكلهم يشبهون المقهى الأصلى فى باريس. واشتهر المقهى بجلسات وندوات كبار الأدباء وعباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم من مشاهير رواده أم كلثوم وصلاح جاهين وصفه الكاتب الكبير يحيى حقى بأنه “نقطة التقاء بين السيدة زينب والسوربون”.
فرقة رمسيس المسرحية
فرقة رمسيس المسرحية كانت في طليعة الفرق المصرية التي أثرت المسرح المصري في بدايات القرن. . تاسست هذه الفرقة على يد يوسف وهبى وعزيز عيد وضمت من الفنانين الكبار مختار عثمان وحسين رياض، وأحمد علام، وفتوح نشاطي، وزينب صدقي، وأمينة رزق، فاطمة رشدي، وعلوية جميل، واُفتُتِح مسرح رمسيس في 10 مارس 1923
وبدأت الفرقة بمسرحية المجنون كباكورة لأعمالها المسرحية حيث عُرضت على مسرح راديو عام 1923 وكانت معظم مسرحياتها في بداياتها مترجمة عن روائع الادب العالمى لشكسبير وموليير وإبسن، ثم قدمت العديد من المسرحيات المؤلفة والمقتبسة باللغة العربية ونقلت العديد من مسرحيات الفرقة إلى السينما مثل: كرسي الاعتراف، راسبوتين، المائدة الخضراء، بنات الشوارع، أولاد الفقراء، وبيومي أفندي، واتسمت معظم مسرحيات الفرقة بالميلودراما مما جعلها مختلفة عن المسرحيات في ذلك الوقت التي قدمها الفنانان نجيب الريحاني وعلي الكسار وغيرهما والتي كانت تحمل الطابع الكوميدي الراقص أو الساخر أو المسرحيات الغنائية
بنك مصر والجامعة الحكومية المصرية
كانت فكرة إنشاء بنك مصري وطني حلم يراود الكثيرين منذ أيام محمد علي باشا ، وقد أقنع طلعت حرب مائة وستة وعشرين من المصريين بالاكتتاب لإنشاء المصرف، وفي الثلاثاء 13 أبريل 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى «بنك مصر»،
ومع اشتداد ساعد الحركة الوطنية المصرية فى أوائل القرن العشرين انبرت نخبة من قادة العمل الوطنى ورواد حركة التنوير والفكر الاجتماعى فى مصر أمثال محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول، لتحقيق حلم طالما داعب خيال أبناء هذا الوطن، وهو إنشاء جامعة تنهض بالبلاد فى شتى مناحى الحياة، وتكون منارة للفكر الحر وأساسا للنهضة العلمية وجسرا يصل البلاد بمنابع العلم الحديث، ولكن هذه الأمنية وجدت معارضة شديدة من جانب اللورد كرومر الذى أدرك أن إنشاء جامعة فى مصر يعنى إيجاد طبقة مثقفة من المصريين تدرك أن الاستقلال ليس مجرد تحرير الأرض، وإنما هو تحرير الشخصية المصرية وانطلاقا بها فى مراقى المدينة والحضارة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المعارضة لم تقف حائلا فسرعان ما أخذ بزمام المسألة لجنة من الوطنيين الذى بذلوا التضحيات وتحملوا المشاق حتى خرجت الفكرة إلى النور وأصبحت واقعا ملموسا، ( وهنا لابد ان نذكر دور الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل في المساهمة لبناء الجامعة حيث تبرعت بمجوهراتها وحليها الرفيعة المستوى ) وتم افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية فى الحادى العشرين من ديسمبر 1908 فى حفل مهيب أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين حضره الخديوى عباس الثانى وبعض رجالات الدولة وأعيانها.
فكرت الحكومة فى عام 1917 فى إنشاء جامعة حكومية وألفت لجنة لذلك أشارت بضم المدارس العليا القائمة إلى الجامعة فضمت مدرستى الحقوق والطب إلى الجامعة فى 12/3/1923، وتم الاتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية على الاندماج فى الجامعة الجديدة على أن تكون كلية الآداب نواة لهذه الجامعة. وفى 11 مارس 1925 صدر مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية بأسم الجامعة المصرية وكانت مكونة من كليات أربع هى الآداب، والعلوم، والطب، والحقوق، وفى العام نفسه ضمت مدرسة الصيدلة لكلية الطب. وفى عام 1928 بدأت الجامعة فى إنشاء مقار دائمة لها فى موقعها الحالى الذى حصلت عليه من الحكومة تعويضا عن الأرض التى تبرعت بها الأميرة فاطمة بنت الخديوى إسماعيل للجامعة. ثم كان هناك خطوات أخرى عديدة حتى اصبحت الجامعة المصرية على حالها اليوم.