تتزايد تداعيات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية على مختلف دول العالم، حيث يترتب عليها عواقب وخيمة تشمل ارتفاعات باهظة في أسعار الغاز والنفط والتكاليف والشحن واستيراد بعض السلع الغذائية الأساسية وعلى رأسها القمح، خاصة أن روسيا وأوكرانيا هما أكبر الدول المصدرة للقمح وبالتالي من المتوقع حدوث أزمة نقص الغذاء.
*تداعيات الأزمة على مصر
ستكون تداعيات الأزمة على مصر كبيرة، وفي مجالات عديدة، أهمها: أزمة السلع الغذائية كالقمح، ثم المعادن كالحديد، إضافة للآثار الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة والشحن.
أكد عدد من الخبراء والمسؤولين، أن مصر استفادت من التوجه السابق ببناء عدد من الصوامع لتخزين الحبوب وزيادة المخزون الاستراتيجي, وهو ما يساعد في امتصاص التداعيات السلبية على المدى القصير.
وقال المهندس شامل حمدي وكيل أول وزارة البترول -سابقًا-، إن هناك تأثيرًا سلبيًا على مصر ودول كثيرة في قطاع المنتجات البترولية (الزيت الخام والبنزين والسولار), لأن مصر تستورد جزءًا كبيرًا من الخارج، وبالتالي يكون هناك ارتفاع في الأسعار.
وقد وصل خام (برنت)، إلى ما يزيد عن مائة دولار للبرميل، مرتفعًا عن سعره منذ حوالي 6 أشهر, وكان في ذلك الوقت في حدود 70 دولارًا.
*دور دول الخليج في الأزمة
يعتقد ”حمدي”، أن بعض دول الخليج سوف تقوم بزيادة ضخ المواد البترولية إلى السوق العالمية، حتى لا تحدث ارتفاعات في الأسعار العالمية بطريقة جنونية، وإذا تم الاتفاق مع إيران وعدم حظر الزيت الإيراني، قد يدخل سوق البترول العالمية بكميات كبيرة، وبالتالي تهبط الأسعار العالمية، وذلك من المتوقع حدوثه خلال الفترة القادمة حتى آخر العام.
*تأثير على المعادن
أكد المهندس محمد حنفي مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أن روسيا وأوكرانيا تنتجان 110 مليون طن حديد، ونتيجة غلق الموانئ انخفض المعروض في العالم، وبالتالي زاد الطلب عليه، وارتفعت الأسعار.
وأضاف أن صادرات أوكرانيا وروسيا لأوروبا انخفضت، مما يجعلها (أوروبا) تبحث عن بديل آخر سواء منتجات حديد أو ألومنيوم أو معادن أخرى، لأنها تشتهر بالصناعات المعدنية فبالتالي الطلب في أوروبا مرتفع، مما يعمل على زيادة الأسعار.
وأضاف ”حنفي”: أننا استوردنا من أوكرانيا العام الماضي بحوالي 250 مليون دولار منتجات معدنية، وهذا يعني أننا نحتاج لبديل آخر وهو موجود بالفعل، ولكن التكلفة ستكون مرتفعة، حيث توجد تركيا والصين وإنما كانت الأخيرة لديها مشاكل في النقل البحري بسبب الأحداث حاليًا والتداعيات الجانبية، وبالتالي سترتفع تكاليف الشحن البحري والجوي وكل وسائل استهلاك الطاقة.
*مواد البناء
أوضع الدكتور أحمد الزيني رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن العالم كله سوف يتأثر ولا يوجد استثناء لدولة معينة لأن أسعار النقل والسفن سوف ترتفع، بالإضافة إليى تأخر البضائع في الشحن مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار والتكاليف لكل السلع المستوردة في كل الدول, موضحًا أن الأسمنت ارتفع سعره مع العلم أنه منتج محلي بنسبة 100% ، حيث وصل سعره 1400 جنيه للطن، والحديد أيضًا ارتفع من 500 إلى 600 جنيه للطن بالرغم أننا لم نستورد بيليت أو خردة أو أي منتج من الخارج هذه الفترة وزادت التكاليف، حيث يوجد 23 مصنعًا لإنتاج الأسمنت ولدينا فائض.
وطالب الدكتور الزيني، بتدخل الدولة للرقابة على السلع الأساسية وعدم ترك السوق للعرض والطلب لعدم زيادة الأسعار.
أما الدكتور محمود غيث رئيس الجمعية المصرية للتخطيط العمراني، فقال: إن تأثير الحرب في الناتج القومي واضح على السياحة لما تمثله من مساهمة كبيرة.
كما يتضرر قطاع النقل، كذلك لنا اتفاقية محطة الضبعة النووية وهي مصدر للطاقة اللازمة لكل مجالات التنمية، وإذا اتسع نطاق الحرب فسوف تتضرر وسائل النقل في كل أنحاء العالم بما يشكل إعاقة لوصول مستلزمات البناء والتعمير سوف تتضرر وحدات النقل والمعدات ووسائط عديدة في مجملها ستؤدي إلى توقف عجلة التنمية كمًا ونوعًا وتوزيعًا وتقطع الدائرة الاقتصادية التي تولد كل أعمال التعمير وتشل الروابط التكنولوجية والخدمية والاقتصادية.
تأثير إيجابي!
أوضح أشرف غراب نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية, أنه منذ الساعات الأولى للحرب ارتفعت أسعار المواد البترولية عالميًا وتأثرت كل دول العالم، ومنها مصر وهذا سيؤثر بالسلب على أسعار السلع الغذائية عالميًا.
وأشار إلى أن أسعار البترول سوف ترتفع حال استمرار فترة الحرب, وتستفيد منها الدول المنتجة له فقط, لكن سيؤثر بالسلب على باقي دول العالم مما يزيد الموجة التضخمية العالمية, وبطء حركة الاستثمارات والتجارة العالمية.
أكد ”غراب”، أن ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا والعقوبات التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي بعدم التعاملات التجارية مع روسيا يؤديان لخلق فرص أمام مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إليى الدول الأوروبية التي كانت تعتمد على روسيا في إمدادها من المواد البترولية، وكذلك زيادة جذب الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لزيادة الاكتشافات والقدرة الإنتاجية وحركة مرور السفن التي تعبر قناة السويس.
وذكر ”غراب”، أن روسيا وأوكرانيا هما سلة غذاء كبيرة لسد احتياجات شعوب العالم حيث إنهما المصدران الرئيسيان للقمح والذرة والشعير، وبالتالي قلة واردات الذرة الصفراء يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم، موضحًا أن رفع أسعار القمح عالميًا يضغط على الموازنة المصرية ويزيد الأعباء بتحملها تكاليف زيادة السعر، بالإضافة إلى أن مصر ستتأثر خاصة في توريدات محصول القمح لأننا نعتمد علي روسيا وأوكرانيا في توفير احتياجاتنا لعمل منتج الدقيق، والذي يتم توزيعه علي جميع المخابز المنتشرة بمحافظات الجمهورية والتي تنتج الخبز المدعم.
كما أن الإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف أبريل سيزيد المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر.
استطرد نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية، أن الحكومة المصرية هذه الأيام تبحث خطة استيراد القمح من 14 دولة أخرى لتنويع واردات القمح تحسبًا لزيادة مدة هذه الأزمة, ولزيادة الفترة الزمنية للحرب.
التوسع في زراعة القمح
قال الدكتور محمد عبادي أمين عام الفلاحين الزراعيين: إن مصر لديها مخزون استراتيجي من القمح، حيث تحتاج 18 مليون طن سنويًا.
وأوضح أن المساحة المزروعة منه حاليًا حوالي 3.6 مليون فدان بزيادة 500ألف فدان علي العام الماضي تنتج لنا تلك المساحة حوالي عشرة ملايين طن من القمح بواقع 55% من احتياجاتنا وتستورد مصر حوالي 8 ملايين طن بواقع 45% لتعويض العجز من الاستهلاك.
وأشار ”عبادي”، إلى أن روسيا وأوكرانيا هما المصدر الرئيسي الذي تستورد مصر منه القمح 50% من احتياجاتها من روسيا و30% من أوكرانيا و20% من دول أخرى مثل أمريكا.
وناشد ”عبادي”، الحكومة التوسع أفقيًا في الرقعة الزراعية لتصل إليى خمسة ملايين فدان العام القادم ورأسيًا عن طريق تعظيم الإنتاج من وحدة المساحة والعمل عليى استنباط الأصناف عالية بالإنتاج, مطالبًا جموع الفلاحين والمزارعين بعدم تخزين كميات كبيرة من القمح وعدم استغلال الأزمنة الراهنة، معلقًا: كلنا في خندق واحد.
لا وجود للأزمة
أكد الدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين المصريين، أن الدولة المصرية منذ عام 2014 قامت باتخاذ الإجراءات لزيادة السعة التخزينية في صوامع القمح, وأنشأت صوامع جديدة, حيث كانت السعة التخزينية ما قبل عام 2011 تكفينا ثلاثة أشهر فقط, ولكن الآن أصبح لدينا مساحة تخزينية تكفينا طيلة ستة أشهر وأكثر, وذلك من خلال البنية الأساسية التي أنشأتها الدولة بزيادة عدد الصوامع بالمناطق اللوجيستية, لذلك لا توجد لدينا أزمة لأن مصر لديها تنوع من سوق واردات القمح.
خطوط غاز جديدة
قال الدكتور تامر أبوبكر رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات: إن مصر تنتظرها فرص كبيرة، حيث أن أوروبا ستعيد ترتيب أوراقها مجددا لتأمين احتياجاتها.
وأضاف “أبوبكر”، أن مصر تمتلك مقومات كبيرة في مجال تجارة وتداول الغاز ومنها موقعها المتميز على البحرين المتوسط والأحمر, وهو موقع فريد بالنسبة لقطاع الغاز، حيث يمكن عمل اتفاقيات بين الدول التي تمتلك مخزونات ضخمة من الغاز في منطقة الخليج، لتقوم باستقدام الغاز الخاص بها عليى سواحل البحر الأحمر، ثم إعادة شحنه للموانئ المصرية على البحر المتوسط ومن خلالها يمكن التصدير إليى أسواق أوروبا.
وأكد “أبوبكر”، أن هذه الخطوة تتميز بأن خط الغاز الرابط بين البحرين يسير داخل حدود مصر فقط, وليس مع أية دول أخريى الأمر الذي يضمن استمراره وتأمينه, أما خطوط شحن الغاز التي تشترك مع دول أخرى، فهي مرهونة بمدى التوافق بين الدولتين أو عدد الدول التي يمر بها خط الغاز.
وأشار إلى أن مصر نجحت من خلال خط سوميد في تعزيز مواردها من الغاز الطبيعي مع الدول العربية, وتحصل على رسوم من عبور الغاز منذ تدشينه في عام 1978, وبالتالي فإن مصر من خلال الخطوات التي اتخذتها خلال السنوات الماضية, وعليى رأسها تدشين منتدى غاز شرق المتوسط، مؤهلة للعب دور محوري في سوق الغاز.
في نفس السياق، قال الدكتور إيهاب الدسوقي الخبير الاقتصادي: إن روسيا تؤمن نحو 40% من احتياجات أوروبا من الغاز سنويا, تكلفة تأسيس محطة لإسالة الغاز تتجاوز بضعة مليارات دولارات وبالتالي فإن ملكية مصر لمحطتي إسالة يجعلنا نحصد ثمار عمليات الإصلاح في هذا المجال.
تأثير محدود!
وأوضح متيى بشاي رئيس لجنة التموين والتجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين، أن تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الأسواق المصرية محدودة في المديين القصير والمتوسط لكن قد تتأثر مصر على المدى البعيد, وهذه الأزمة ستزيد من صادرات الغاز المصرية, مشيرا إلى أن السوق المصرية بها مخزون جيد من جميع السلع, ولا يوجد نقص في السلع من أي نوع سواء السلع الغذائية الاستراتيجية أو السلع الاستهلاكية.
وأكد “بشاي”، عدم تأثر السوق فيما يخص استيراد القمح نظرا لوجود مخزون استراتيجي يكفي لنحو 6 شهور, ولكن سوف تشهد بعض أصناف المخبوزات زيادات في الفترة المقبلة مثل المعجنات والمكرونة, فضلًا عن أن هناك بدائل أخرى أمام مصر لاستيراد القمح مثل فرنسا وأمريكا.
وأضاف أن خام الحديد البيليت متوفر أيضا في دول أخرى مثل تركيا والصين, وبالتالي لن يكون هناك تأثيرات تذكر سواء في الحديد أو الأخشاب وغيرها, لكنه في الوقت نفسه أكد أن السياحة الروسية والأوكرانية ستشهد تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة المقبلة.
ارتفاع تكلفة الشحن
توقع دكتور عمرو السمدوني سكرتير شعبة النقل واللوجستيات بالغرفة التجارية بالقاهرة, ارتفاع تكاليف الشحن الدولي خلال الأسابيع المقبلة، خاصة بعد أن قفز سعر وقود تشغيل السفن 23% منذ بداية العام بسبب أسعار النفط، إضافة إلى أن سفن الشحن معرضة لضغط كبير بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.
وقال “السمدوني”، إن الحرب قد دفعت مشتري القمح والذرة والزيت إلى البحث عن شحنات بديلة, وهو ما يرفع أسعار الأغذية العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات طويلة, لاسيما وأن روسيا وأوكرانيا تساهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية, و19% من إمدادات الذرة في العالم, و80% من صادرات زيوت دوار الشمس, مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الحكومة المصرية بصفتها أكبر مستورد للقمح عالميا كانت متحوطة لهذا الأمر ودائما تحافظ على أرصدة كافية تضمن الاستهلاك لمدة تتراوح بين الـ6 والـ9 شهور, وبالتالي فإن الدقيق المخصص لرغيف الخبز آمن بشكل جيد حسب تأكيدات وزارة التموين.
وأكد أن هناك تأثيرًا لتداعيات الحرب على مصر والدولة تحاول تخفيف عبء الزيادات, قائلًا: بالتأكيد فيه تأثير لأن جزءًا كبيرًا من التضخم الموجود هو تضخم ناتج عبر استيراد السلع المصنعة أو مواد خام لتشغيل المصانع التي تصنع تلك السلع داخل مصر والمواد الخام في زيادة.
الميزان التجاري
كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لروسيا مسجلة 449.5 مليون دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من عام 2021 مقابل 382.5 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 17.5%, وبلغت قيمة الواردات المصرية من روسيا 2.9 مليار دولار خلال الـ11 شهرا الأولي من عام 2021 مقابل 2.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 10.4%.
وأشار الإحصاء، إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين البلدين لتصل إلى 3.4 مليار دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من عام 2021 مقابل ثلاثة مليارات دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 11.3%.
أظهرت بيانات الجهاز ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لأوكرانيا مسجلة 117.2 مليون دولار خلال الـ11شهرا الأوليى من عام 2021 مقابل 56.4مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 107.6%, وبلغت قيمة الواردات المصرية من أوكرانيا 1.7 مليار دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من عام 2021 مقابل 1.8 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 6.4%.
وأشار الإحصاء، إلى انخفاض قيمة التبادل التجاري بين مصر وأوكرانيا لتصل إلى 1.79مليار دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من عام 2021 مقابل 1.84مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 2.9%.