يُعرف الدير بإسم “دير الأنبا هدرا” نسبة للقديس هدرا الذي كان قديس مدينة أسوان، حيث وُلِدَ وعاش فيها ثم أصبح فيما بعد أسقفًا في عهد البابا ثيوفيلوس (٣٨٥-٤١٢م). وتحتفل الكنيسة أسوان بعيد الأنبا هدرا السنوي في يوم ١٢ من شهر كيهك.
بُني الدير الأثري الكبير في القرن السابع الميلادي. كما أعيد بناؤه مرة أخرى في القرن العاشر الميلادي غير أنه تهدَّم في القرن الحادي عشر الميلادي. ويرى البعض أن بناء الدير يرجع إلى القرن الخامس الميلادي. ويُطلق عامة الناس على دير الأنبا هدرا اسم دير القديس سمعان .
– للدير أهمية كبيرى من الناحية الحضارية والتاريخية والأثرية والدينية، وقد قامت هيئة تنشيط السياحة في أسوان برصف الطريق المؤدي إليه بالأسمنت، كما أضافت بعض المدرجات الأسمنتية في محاولة لتسهيل زيارة هذا الصرح الديني الهام على الزائرين والسائحين. وهذا الطريق هو امتداد لمثيله المؤدي إلى ضريح أغاخان والذي أسفله الفيلا التي عاش فيها مع زوجته البيجوم أم حبيبة والتي كانت فرنسية الجنسية.
– للدير مدخلان في منتصف جداريه المتوازيين بمحاذاة النيل، ويوجد المدخل الأول شرق النيل أما المدخل الآخر فهو في الغرب من ناحية الصحراء. وهذان المدخلان لا يُؤديان مباشرة إلى فناء الدير، فهما من المداخل المنكسرة أو الباشورة. ويعتبر هذا النوع من المداخل من خصائص المباني والمنشآت الحربية والعسكرية. وكل مدخل محصَّن بأبراج قائمة على جانبيه ومزودة بغرفات للحراسة والمراقبة. لذا فالدير من المباني الدفاعية. وهو أمر طبيعي نظرًا لتشييده في الصحراء.
“دير الأنبا هدرا في كتابات المؤرخين والباحثين”
– وردت الإشارة إلى السيرة الذاتية المختصرة للأنبا هدرا في السنكسار القبطي وذُكر أيضًا هذا الدير كثيرًا في كتابات المؤرخين والباحثين والدارسين المتخصصين منذ بدايات القرن الثالث عشر الميلادي حيث أشار إليه باختصار أبو صالح الأرمني أبو المكارم في القرن الثالث عشر الميلادي أكثر من مرة حيث أكد وجود كنيسة به كُرِّست للأنبا هدرا. كما أوضح أن موقع هذا الدير، الذي كان عامرًا بالرهبان في عصره، على الضفة الغربية للنيل.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي، أشار جومار إلى دير الأنبا هدرا في أعوام ١٩٠٨ و١٩٢٢م. إضافة إلى جوليان الذي كتب عن نفس الدير في سنة ١٩٠٣م. كما أمدنا ماسبيرو . في عام ١٩١٠م. بدراسة وافية عن هذا الصرح المعماري الكبير. وفي عامي ١٩١٣ و١٩٣٠م، قدَّم جوهان جورج دراسة مفصَّلة عن مباني الدير المختلفة. ويعتبر مونوريه دو فييار من أهم العلماء والباحثين الذين اهتموا بدراسة دير الأنبا هدرا في النصف الأول من القرن العشرين حيث كتب وصفًا عامًا عن الدير ونشرت هذه الدراسة في حوليات هيئة الآثار المصرية سنة ١٩٢٦م. بالإضافة إلى الكتاب الذي نُشِر في سنة ١٩٢٧م. إلى جانب مؤلف آخر له طُبع في جزئين سنة ١٩٢٧م. وتجدر الإشارة أيضًا إلى كل من رينيه جورج كوكان. وموريس مارتن اللذين قدَّما رؤيتهما العلمية عن الدير في سنة ١٩٩١م.
أما فيما يتعلَّق بعمارة الدير، فقد كتب عنها كل من مورجان في سنة ١٨٩٤م وولترز . وبيير دو بورجيه في سنة ١٩٩١م. وكذلك سومر كلاركس وبيتر جروسمان بالتفصيل أول مرة في سنة ١٩٧٨م. ثم في سنة ١٩٨٢م. وبعد ذلك في عام ١٩٩١م.
عمارة دير الأنبا هدرا:
ويقع الدير غرب المدينة في منطقة صحراوية ترتفع عن مستوى نهر النيل. وتحيط به الصحراء من الجهات الأربعة. وهو بذلك محصَّن طبيعيًّا، ويُحيط به سور عالٍ خالي من الفتحات. وتخطيط الدير على شكل شبه منحرف. ويتراوح ارتفاع السور بين ٥.٥ إلى ٦ أمتار، ويبلغ سُمكه عند القاعدة حوالى مترين.
ويصل إلى ١.٥ متر عند القمة. وبنيت المداميك السُفلية من الحجر في حين أن باقي المباني في الدير مُشيَّد من الطوب اللبن. وأهم ما يُميز الدير هو اتساع مساحته وتعدد أجزائه وارتفاع مبانيه المتبقية وأسواره شبه المنحرفة التى تُعَد من خصائص عمارة العصور الوسطى التي كثُر تشييدها في النوبة.
يمتد الدير على مستويين وبالتالي فهو يتكون من قسمين رئيسيين، أحدهما في الناحية الشرقية والآخر في الناحية الغربية. ويصل بينهما سلم يُؤدِّي إلى باب لا يتم فتحه إلا بعد أن تصدر الأوامر من الداخل بفتحه. وكان الدير يتكون في الأساس من ثلاثة طوابق لم يتبق منها حاليًا سوى طابقين وملحقاتهما. ويظهر منها بوضوح الطابق الثاني وبعض قلايات الرهبان الذين وصل عددهم في وقت من الأوقات إلى ثلاثمائة، بالإضافة إلى أسرَّتهم وبعض الطاقات أو الدواليب الحائطية التى كان الرهبان يضعون فيها الكتب المقدَّسة. ويجمع القلايات قصر لحماية الرهبان في حالة تمكن الغُزاة من الهجوم على الدير أو دخوله.
– القسم الغربي للدير:
يُوجد هذا القسم غرب المبنى الأول. وهو مشيَّد على منطقة جبلية أكثر ارتفاعًا. ويصل الزائر إليه بواسطة سلم على اليمين يُؤدي إلى دهليز يغطيه قبو من الطوب، وتفتح على جانبي الدهليز حجرات كثيرة هى بمثابة قلالي للرهبان. وتصل الإضاءة الخافتة بصعوبة شديدة إلى داخل الدهليز من خلال كُوى صغيرة مفتوحة في أعلى القلايات. والمتأمل جيدًا للحجرة الثانية الواقعة على يمين الدهليز يجد بقايا لمواقد مهدَّمة وربما كانت مطبخًا لإعداد الطعام. ويُوجد مطعم الدير الخاص بالرهبان في نهاية الدهليز على اليسار وتحمل سقفه أعمدة، كما أنه يتصل بالمطبخ الذي يتصل هو الآخر بخزان للمياه.
ومن المؤكد أن فناء الدير كان مزروعًا بالخضروات والفاكهة وأشجار النخيل كما هو الحال في سائر الأديرة القبطية في مختلف المدن المصرية. كما كانت حظائر الماشية توجد بداخل أسوار الدير، وأيضًا مخازن الذرة والملح. حيث اعتاد الرهبان أن يقتطعوا الملح من الصحراء ويذيبونه في الماء للحصول عليه نقيًّا.
وحتى وقتنا هذا، توجد أطلال لبعض أحواض الغسيل ودورات المياه والحمامات والمجاري بالقرب من سور الدير في الجنوب. وعلى يمين المدخل الغربي، شُيدت اسطبلات الدواب والحمير. وفى الجنوب الغربي، وُضعت مزاود الجمال التي من الواضح أنها كانت تُستخدم لنقل المياه اللازمة لرهبان الدير من نهر النيل. وفى الركن الشمالي الغربي، توجد بقايا مبان يُعتقد أنها كانت بمثابة مصانع يعمل فيها رهبان الدير لإنتاج السلال من سعف النخيل والصنادل الجلدية والشباك إلى جانب ما كانوا يقومون به من أعمال النجارة والحدادة. وكانت جبانة الدير في الناحية الجنوبية منه. ونقلت محتوياتها من شواهد القبور إلى متاحف القاهرة والإسكندرية الأثرية. وترجع هذه الشواهد إلى الفترة ما بين ٤٤٥ – ٥٣٩ م. مما يؤكد أن بعض مباني الدير بنيت بالفعل في القرن الخامس الميلادي.
القسم الشرقي للدير:
ويتم الدخول إليه عن طريق مدخل في الجدار الجنوبي من البرج الأوسط المُشيَّد في منتصف السور الشرقي. ويوجد بهذا المبنى بعض أبراج الحراسة والكنيسة والمعمودية وأماكن مخصصة لاستقبال الزائرين. وعلى يمين الدير، توجد مصطبة يُصعد إليها بثلاث درجات. ويبلغ طول المصطبة ١٧م وعرضها ٤.٥ م، وأمامها فناء في مواجهته يُوجد كثير من الغرف والصالات كانت تستعمل في أغراض مختلفة. ويبدو أن هذه العناصر تمت إضافتها إلى الدير في عصر متأخر.
تقع كنيسة الدير الأثرية في الجزء الجنوبي الشرقي منه. وبالطابق الأول، يُوجد هيكلها المقدَّس وبعض الحجرات الجانبية وكذلك كثير من قواعد الأعمدة وبعض الأيقونات أو المناظر الدينية. وتخطيط الكنيسة بيزنطي، فهي مستطيلة الشكل، ويبلغ طولها حوالى ٢٨م، وعرضها ١٨م، وصحنها مغطَّى بقبة من الطوب، ويُحيط به ثلاث حجرات. والهيكل على شكل رأس صليب. ويُلاحظ أن مستوى أرضية الكنيسة مُنخفض عن أرضية باقي مباني هذا الديرالأثري. ومن خلال المسقط الرأسي للدير، يتضح أن الكنيسة تمتد من الشرق إلى الغرب وهي تتوسط المبنى. كما أنها مُحاطة بالفناء من الناحية الجنوبية والشمالية والشرقية.
على الرغم من كل التدمير والخراب الذي لحق بالدير على مر العصور التاريخية، فإن تصاويره الجدارية المتبقية لها أهمية كبيرة لدى الدارسين والباحثين وعلماء الآثار. ويرجع الفضل إلى مكتشفي الدير في بدايات القرن العشرين في الحفاظ على كثير من الرسومات الجدارية لاسيما في الكنيسة. ففي أعلى الحنية الرئيسية بهيكلها، يجد الزائر منظر “المسيح ضابط الكل ” وهو جالس على العرش، ويمسك بيده اليسرى الكتاب المقدَّس، ويمنح بيده اليمنى البركة. ويُحيط بعرشه يمينًا ويسارًا ملاكان. ومن أهم المناظر الجدارية كذلك بالهيكل منظر الأربعة وعشرين قسيسًا، وهم جميعًا جالسون بجوار بعضهم البعض. وقد لُوِّن هذا المنظر بالألوان الرُمادية والحمراء والبنفسجية والبيضاء. كما تظهر القديسة مريم العذراء بين ملاكين في جنوب غرب الهيكل، وفى الممر، يظهر منظر السيد المسيح محاطًا بالتلاميذ. وفى شمال الكنيسة، يمكن رؤية منظر لرئيس الملائكة ميخائيل.
وعلى سقف المغارة الواقعة في غرب كنيسة الدير، تظهر بكثرة الزخارف الهندسية المتنوعة كالمربعات والمسدسات والمثمنات وغيرها من أشكال الصُّلبان المختلفة مثل الصليب المعقوف والصليب متساوي الأضلاع وربما كانت هذه الزخارف الهندسية بقايأ لأجزاء فريسكات قديمة للمسيح وتلاميذه الإثني عشر. ويظهر تأثير الحضارة النوبية المسيحية على جُدران دير الأنبا هدرا الداخلية من خلال وجود بعض الكتابات باللهجة النوبية، وهذا بدوره يُؤكد تردد أهالي النوبة على الدير في أوقات مختلفة لاسيما بعد انتشار المسيحية في أنحاء النوبة المصرية.
الاكتشافات الأثرية في الدير:
وفى دير الأنبا هدرا، اكتشفت شواهد قبور حجرية هامة نشرها بوريان سنة ١٨٨٤م. وأعاد العالم الفرنسي كليدا نشرها مرة أخرى عام ١٩٠٨ م. كما عُثر على مخربش باللغة اليونانية ينسب إلى كاتب نوبي وفقًا لما أكده العالم جريفيث سنة ١٩١٣م. ووجدت بقايا أحجار ورَحَى لطواحين وعصَّارات للزيت والنبيذ لإعداد الأباركة بين هذه الإطلال. وملحق بدير الأنبا هدرا حاليًا عدة مباني خدمية إلى جانب دار ضيافة بنيت خصيصًا لاستقبال الضيوف الذين شاركوا في المؤتمر الدولي الخامس للمسيحية والرهبنة القبطية بأسوان في عام ٢٠١٠م. والذي سبقت الإشارة إليه.
– يمكن القول بأن دير الأنبا هدرا بأسوان هو واحدٌ من أهم الأديرة القبطية في مصر نظرًا لمبانيه الأثرية ذات الطرز المعمارية المتنوعة إلى جانب ما تم اكتشافه بداخله من تحف أثرية وكتابات ونقوش ومخربشات ساعدت في توضيح كثير من تفاصيل حياة الرهبان وآباء الصحاري المصرية في عصور تاريخية مختلفة، الأمر الذي يشجِّع على وضع هذا الدير الأثري ضمن البرامج السياحية الجديدة مع ما حوله من مواقع أثرية وسياحية هي بحق محل اهتمام كثير من السائحين الوافدين إلى مصر من كل أنحاء العالم.