بقلب جريح خسر زوجته وأبنائه وعائلته، وعقل واعٍ قرر استرداد إنسانيته وأبوته، سار ناجي أيوب – اسم مستعار- في طريق التعافي من إدمان المخدرات، وذلك بعد إدراكه أنه سقط في القاع المادي، المعنوي، والاجتماعي؛ بسبب إدمانه.
سرد ناجي ابن حي مصر القديمة حكايته لـ”وطني”، منذ أن دخل إلى عالم الإدمان، قائلًا:”كنت أبلغ من العمر 27 عامًا، وأعمل مندوب أدوية، دخلت عالم الإدمان عن طريق التجربة، فاستحببت تناول الخمور والحشيش والحبوب المخدرة – الترامادول وغيره- مما كان يسهل علي الحصول عليه بحكم مهنتي”.
*نشوة كاذبة
وأكمل:”بدأت التجربة بنشوة السعادة الكاذبة التي لم تستغرق سوى شهر، وبعدها ظللت أتناول المخدرات والخمور بشكل اعتيادي لمدة 14 عامًا، فلم أكن مقتنعًا أني (مدمن) رغم سعي والدي ووالدتي لفت انتباهي لذلك بشكل متكرر”.
*خسر حياته الزوجية
تفاقمت مشكلة ناجي مع الإدمان بعد أن اختار شريكة حياته وتزوج، ورزقه الله بطفلين، كانا يفتقداه كأب.
فقد كانت موارد الدخل مهدرة بسبب إنفاقها على المخدرات، ومن هنا بدأت زوجته تطالبه بحقوق أبنائه المادية والمعنوية، ما دفعه إلى التصرف بشكل عنيف لعجزه عن تحقيق ذلك.
فأضرم النيران في شقته مرتين، فضلًا عن تعنيفه النفسي والجسدي لزوجته، مما أدى إلى انفصاله وحرمانه من زوجته وأبنائه.
*السقوط في القاع
شعر ناجي في لحظة أنه خسر كل شيء: شقيقاته وأبويه وزوجته وأبنائه، فحاوطه اليأس ولم تستطع المخدرات أن تخرجه من يأسه وإحباطه، فرغبته في ممارسة إنسانيته ومسؤوليته المجتمعية كانوا أقوى من رغبته في تناول المخدرات، حينها كان يشعر أنه سقط في القاع المادي والمعنوي والاجتماعي فاتخذ قراره بأن يعيد حياته.
*قررت أكون إنسانا
قرر ناجي من 9 سنوات أن يقلع عن الإدمان، فكان يعتقد أن الأمر سهل، لأنه لم يكن مقتنعًا أنه مدمن حتى بعد أن خسر حياته، ويرى أنه يستطيع التوقف عن تناولها في أي وقت يريده.
وكان لوالديه الدور الأكبر في مساعدته للسير في طريق التعافي، فهما أول من حاول إقناعه أنه مدمن، وكانا يقدما له الدعم النفسي والروحي والتشجيع بشكل دائم.
ظل ناجي يقلع شهر أو شهرين وثلاثة على الأكثر ثم يعود مرة أخرى بلا وعي، معللًا ذلك بأنه كان يريد الهروب من المشكلات التي سببها لأهله، فقد وصل الحال به إلى الحصول على أموالهم دون علمهم، ولكن ظلت المحاولات.
*الرجاء للرعاية والتنمية
ذهب ناجي إلى الكنيسة ضمن محاولات والديه لمساعدته في الإقلاع عن المخدرات، ووجهته الكنيسة إلى مؤسسة الرجاء للرعاية والتنمية -وهي مؤسسة خدمية أهم أنشطتها تقديم الدعم النفسي وعلاج الإدمان-، وتوجه بالفعل إلى المؤسسة وهنا اقتنع ناجي أن لديه مشكلة حقيقية وأدرك أنه مدمن غير قادر على الإقلاع دون مساعدة الآخرين وأصبح الأمر بالنسبة إليه هدف يستحق السعي خلفه بإيجابية.
*كبوة وأمل
قضى ناجي فترة علاجه بالمؤسسة والتي استمرت 6 أشهر، فضلًا عن 3 أشهر متابعة، ثم وفرت له المؤسسة – برعاية ودعم الدكتورة أميرة فؤاد رئيس مجلس أمناء المؤسسة- فرصة عمل كفني صيانة داخل المؤسسة.
وعلى الرغم من نجاح ناجي في عبور تلك المرحلة بنجاح، إلا أنه شعر بأنه إنسان فاشل بسبب بعد أهله عنه، فكان شوقه إليهم يقتله كل لحظة، لأنه يرى أنه خسرهم بلا عودة.
عبر ناجي للدكتورة أميرة فؤاد، رئيس مجلس أمناء موسسة الرجاء للرعاية والتنمية عن مشكلته ورغبته في الذهاب بعيدًا عن المؤسسة، إلا أنها طلبت منه فرصة شهر واحد، ثم يرحل بعدها إن أراد.
وبعد مرور أسبوعين تفاجأ ناجي بإشراقة أمل أحيت فيه الحياة وزادت من إصراره على استكمال طريق التعافي، حيث رأى أبناءه بعد حرمان 9 سنوات، وجاء معهم والديه، حينها عجز ناجي عن وصف سعادة برؤية أبنائه بعد الغياب.
*خسائر لا تعوض
لم يشعر ناجي بأي قلق أو خوف من مواجهة المجتمع، فالأمر بالنسبة له طبيعي يعيش فيه الكثيرين، فضلًا عن أن الدعم النفسي والمعنوي الذي قدمته له مؤسسة الرجاء عزز قدرته على مواجهة المشاكل الخارجية، ولكن الخسارة التي لم يستطع استرجاعها، هي زوجته وحبيبته، فهي بالنسبة له خسارة لا تعوض، معللًا رفضها للعودة بالأمر الطبيعي بعد ما تعرضت له من تعنيف وقت إدمانه للمخدرات.
*آلالام التعافي
بروح تملؤها الطاقة الإيجابية والإصرار، قال ناجي في ختام حديثه مع “وطني”: ألمي النفسي كان أقوى من الشعور بأعراض خروج المخدر من جسدي، فكان هدفي أن أسترد إنسانيتي وآدميتي، فلم أبالِ للصداع والإعياء وعدم القدرة على ممارسة الأنشطة البدنية في بداية فترة التعافي.. وقدم ناجي نصيحته لكل من يفكر في بدء ذلك الطريق بكلمة واحدة، وهي: “متجربش”.