يحتفل الموارنة والكاثوليك والكثير من المسيحيين العرب في لبنان، وسوريا، إسرائيل، فلسطين، الأردن وتركيا بعيد الشهيدة بربارة والذي يوافق يوم 4 ديسمبر.
وبحسب التقاليد العريقة فيقوم المحتفلون بُسلَق القمح في عيد القديسة العظيمة في الشهيدات بربارة، حيث تُعدّ صينية “الكوليفا” (القمح المسلوق) وتُزيّن بالسكّر المطحون والزبيب واليانسون وبعض أنواع المُطيّبات الأخرى، وهذا التقليد مُتّبع في أعياد القديسين والشهداء عموماً، حيث يُصلّى على صينية القمح المسلوق “الكوليفا” في نهاية القداس الإلهي ليوزّع بعدها على المؤمنين.
أن حبّة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلة إلّا إذا ماتت، كقول السيّد المسيح له المجد: ” إن لم تمُت حبّة الحنطة فإنها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير” (يوحنا 24:12). وهذه هي صورة حياة الشهداء القديسين، الذين باستشهادهم وقبولهم الموت ورفضهم نكران المسيح، إنما أعطوا بعملهم هذا انتشاراً ونُموّاً للإيمان المسيحيّ وبغزارة، كحبّة القمح الواحدة التي إن ماتت تأتي بسُنبلةٍ مليئة بحبّات القمح.
و يُقال أيضاً أن القديسة بربارة لما هربت من والدها الوثني الذي طاردها ليقتلها بعد علمه باعتناقها للمسيحية، اختبأت في حقل قمح واختبأت بين السنابل التي غطّتها وأخفتها عن عيونه. ويروي البعض أيضاً أنها صادَفَت بعض الرعاة وكانوا يسلقون القمح فطلبت منهم شيئاً للأكل فأعطوها بعض القمح المسلوق لتأكله.
القمح في المسيحية هو رمزٌ القيامة وعلامة الحياة الأبدية الخالدة التي تعقُب الموت عن العالم لنحيا في المسيح ومعه.
_قصة القديسة:
ولدت بربارة من ابوين وثنيين. توفيت والدتها وهي صغيرة وعاشت في أيام الملك الطاغي مكسيميانوس، تشير بعض المصادر أنها ولدت في نيقوميديا في تركيا الحالية أو في بعلبك الفينيقية في لبنان.
لما كانت بربارة ابنة وحيدة لأبيها جميلة الطلعة والتربية يفتخر أهلها بحسن أخلاقها وبسبب صغر سنها وجمالها أرادوا أن يحفظوها من أنظار العالم فبنوا برجا ً عاليا ً وحجزوها فيه تعطى كل ما تحتاجه من أطعمة وألبسة ووسائل أخرى للراحة دون أن يراها أحد .
عندما بلغت الفتاة سنها القانوني تقدم من أبيها الكثيرون من أشراف المدينة الذين وصلهم صيتها طالبين الزواج منها, ولكنها لم تكن تريد الزواج, بل البقاء عذراء.
تذكر مصادر أن القديسة بربارة كانت قد تلقنت العلوم من بيان وتاريخ وفلسفة مما قادها البحث عن الإله الحقيقي.
وكان خدامها المسيحيون قد أخبروها عن العالِم الكبير في ذلك العصر وهو أوريجانس, استاذ مدرسة الإسكندرية, فأسرعت وكتبت له برسالة. فجاوبها برسالة بسط فيها عن الإيمان المسيحي, فتعلق قلبها بالسيد المسيح فنذرت حياتها لله، ونالت المعمودية دون أن تفاتح والدها، وقررت أن تعيش بتولاً تكرس حياتها للعبادة.
لما عرف والدها وانقض عليها وجذبها من شعرها وهمّ ليضربها بالسيف، فهربت من أمام وجهه وانطلقت من باب القصر، وكان يركض وراءها حتى وصلت إلى صخرة أعاقت طريقها,فانشقت الصخرة لتعبر في وسطها، ثم عادت الصخرة إلى حالها الأول. أما والدها إذ رأى ذلك لم يلن قلبه بل صار دار حول الصخرة حتى وجدها مختبئة في مغارة، فضربها بعنفٍ، ورجع بها إلى بيته حيث وضعها في قبوٍ مظلم.
أخذها والدها إلى الحاكم, الذي أعجبته فصار يلاطفها, ويعدها بمكافآت كثيرة إذا سجدت للأوثان, ولكنها بدأت تحدثه عن المسيح, فأمر بجلدها, حتى سالت منها الدماء, ثم مزقوا جسدها بمخارز مسننة بينما هي صامتة تصلي. ألبسوها مسحًا خشنة على جسدها الممزق بالجراحات، وألقوها في سجنٍ مظلمٍ.
إذ كانت تشعر بثقل الآلام ظهر لها السيد المسيح نفسه وعزاها كما شفاها من جراحاتها، ففرحت وتهللت نفسها.
استدعاها الحاكم في اليوم التالي ففوجئ بها فرحة متهللة، لا يظهر على جسدها أثر للجراحات فازداد عنفًا، وطلب من الجلادين تعذيبها، فكانوا يمشطون جسدها بأمشاط حديدية، كما وضعوا مشاعل متقدة عند جنبيها، وقطعوا ثدييها؛ ثم أمر الوالي في أن تساق عارية في الشوارع. صرخت إلى الرب أن يستر جسدها فلا يُخدش حيائها، فسمع الرب طلبتها وكساها بثوب نوراني.
طلب والدها من الوالي أن يقطع رأسها بسيفه, فأذن له بذلك. فنالت إكليل الشهادة.