في مثل هذا اليوم 23 بابة، تحتفل الكنيسة القبطية حسب السنكسار القبطي بعيد نياحة البابا القديس الأنبا يوساب الأول. ففي عام 849ميلادية تنيح الأب القديس الأنبا يوساب الأول البابا الثاني والخمسون من باباوات الإسكندرية.
كان من أولاد عظماء منوف وأغنيائها، ولما انتقل أبواه وتركاه رباه بعض المؤمنين، ولما كبر قليلًا تصدق بأكثر أمواله، ثم قصد برية القديس مقاريوس، وترهب عند شيخ قديس، ولما قدم الأنبا مرقس الثاني التاسع والأربعون من باباوات الإسكندرية وسمع بسيرته دعاه إليه.
ولما أراد العودة إلى البرية رسمه قسا وأرسله، فمكث هناك مدة إلى أن تنيح الأنبا سيماؤن الثاني الحادي والخمسون، وظل الكرسي شاغرًا إلى إن اتفق بعض الأساقفة مع بعض من عامة الإسكندرية على تقدمه شخص متزوج كان قد رشاهم بالمال، فلما علم بقية الأساقفة أنكروا عليهم عملهم هذا وطلبوا إلى الله أن يرشدهم إلى من يريده فأرشدهم إلى هذا الأب.
فتذكروا سيرته الصالحة، وتدبيره حينما كان عند الأب الأنبا مرقس، وأرسلوا بعض الأساقفة لإحضاره، فصلى هؤلاء إلى الله، قائلين:”نسألك يارب إن كنت قد اخترت هذا الأب لهذه الربتة، فلتكن علامة ذلك إننا نجد بابه مفتوحا عند وصولنا إليه”. فلما وصلوا وجدوا بابه مفتوحا، حيث كان يودع بعض زائريه من الرهبان، وإذ هم بإغلاق الباب رآهم مقبلين فاستقبلهم بفرح وأدخلهم قلايته. فلما دخلوا امسكوه وقالوا له “مستحق”. فصاح وبكى وبدا يظهر لهم نقائصه وعثراته، فلم يقبلوا منه، وأخذوه إلى ثغر الإسكندرية ووضعوا عليه اليد. ولما جلس على الكرسي المرقسي اهتم بالكنائس كثيرًا.
وكان يشتري بما يفضل عنه من موارده أملاكا ويوقفها على الكنائس، وكان كثير التعليم للشعب لا يغفل عن أحد منهم فحسده الشيطان وسبب له أحزانًا كثيرة، من ذلك إن أسقف تنيس وأسقف مصر أغاظه شعب كرسيهما فأنكر هذا الأب عليهما ذلك، وطلب منهما مرارًا أن يترفقا برعيتهما، فلم يقبلا منه نصيحة، واستغاثت رعيتهما، قائلة إن أنت أرغمتنا على الخضوع لهما تحولنا إلى ملة أخرى، وإذ اجتهد كثيرا في الصلح بين الفريقين ولم ينجح، دعا الأساقفة من سائر البلاد وأطلعهم على أمر الأسقفين وتبرأ من عملهما، فكتبوا جميعهم بقطعهما. فلما سقطا، مضيًا أن الوالي بالقاهرة، ولفقا على الآب قضية كاذبة، فأرسل الوالي أخاه مع بعض الجند لإحضار البطريرك. ولما وصلوا إليه جرد أخو الأمير سيفه، وأراد قتله، ولكن الله أمال يده عنه فجاءت الضربة في العمود فانكسر السيف، فازداد الأمير غضبًا وجرد سكينا وضرب الأب في جنبه بكل قوته، فلم تنل منه شيئًا سوى أن قطعت الثياب ولم تصل إلى جسمه فتحقق الأمير إن في البطريرك نعمة إلهية ووقاية سماوية تصده عن قتله، فاحترمه وأتى به إلى أخيه، وأعلمه بما جرى له معه، فاحترمه الحاكم أيضًا وخافه، ثم استخبره عن القضية التي رفعت عليه، فأثبت له عدم صحتها وأعلمه بأمر الأسقفين، فاقتنع وأكرمه، وأمر بأن لا يعارضه أحد في رسامة، أوعزل أحد من الأساقفة، أو في أي عمل يختص بالبيعة. وكان مداومًا على وعظ الخطاة وردع المخالفين، مثبتًا الشعب على الإيمان المستقيم الذي تسلمه من آبائه، مفسرًا لهم ما استشكل عليهم فهمه، حارسًا لهم بتعاليمه وصلواته.
وقد أظهر الله تعالى على يدي هذا الأب عجائب كثيرة، ولما أكمل هذه السيرة المرضية تنيح بسلام بعد أن أقام على الكرسي تسع عشرة سنة، وفي الرهبنة تسعا وثلاثين، وقبلها نيفا وعشرين سنة، صلاته تكون معنا آمين.