أقامت مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث القبطي، حفل تأبين لمؤسسها الدكتور فوزي اسطفانوس، برعاية قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ورئيس مجلس أمناء مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث. وكان الحفل بمسرح الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية في العباسية، يوم الأحد الماضي.
حضر الاحتفال الأحبار الأجلاء أصحاب النيافة الأنبا توماس أسقف القوصية ومير والأب الروحي للمؤسسة حالياً، والأنبا مارتيروس الأسقف العام لكنائس قطاع شرق السكة الحديد، والأنبا إرميا الأسقف العام، والأنبا أنجيلوس الأسقف العام لكنائس قطاع شبرا الشمالية، والأنبا ميخائيل الأسقف العام لكنائس قطاع حدائق القبة والوايلي.
كما حضر الوزير الأسبق الدكتور حاتم الجبلي والوزير الأسبق الدكتور عادل العدوي وعدد مسئولي وأطباء مستشفى دار الفؤاد والتي كان لها شراكة وتعاون مع مستشفى كليفلاند في حياة الراحل الدكتور فوزي اسطفانوس.
بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من العلماء ومحبي التراث القبطي وأسرة الأرخن الفاضل المتنيح.
أحببته قبل أن أعرفه
تضمن برنامج الاحتفال عدة كلمات حية ومسجلة من أشخاص تلامسوا مع الدكتور فوزي اسطفانوس خلال مراحل مختلفة من حياته، وجاءت كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي رحب بالحضور في هذا التذكار قائلاً: نحن نتذكر إنساناً حبيباً لنا جميعاً تلامسنا معه وعرفناه، الدكتور فوزي كان إنساناً فاضلاً عاش بيننا وفي هذا اليوم كأننا لا نجتمع للتأبين بل لكي ما نرى نموذجاً إنسانياً رفيعاً..
أنا أحببته قبل أن أعرفه، فلم أكن أعرف الدكتور فوزي اسطفانوس إلا بعد تجليسي كبطريرك للكنيسة في نوفمبر 2012، وسبب هذه المحبة دون المعرفة أنني كنت أتابع ما ينشر عنه في مجلة الكرازة وما كان يكتبه البابا شنودة الثالث عن هذه الشخصية.
وكنت دائماً أتساءل كيف أن طبيباً عنده العلم والمعرفة الواسعة وفي نفس الوقت اهتم بالتاريخ والتراث.. فكيف كان يستهوي الدراسات العلمية والطب مع التاريخ. واستمر هذا السؤال بداخلي إلى أن جاء لزيارتي بعد عدة أسابيع من تجليسي، وتقابلت معه وتحقق لي الحلم أنني أراه وفي الواقع كنت أشعر دائما بالإرتياح لمقابلته وأشعر أنه نموذجاً رفيعاً من الناس.
لقد استمعنا لكلمات رائعة تصف الدكتور فوزي اسطفانوس، منذ انتقاله، كلمات قدمت لنا وصفاً لهذه الشخصية العظيمة. أخذت منها ثلاث صفات رئيسية التي يمكن أن نتعلم منها: أول صفة تميز بها الدكتور فوزي اسطفانوس أنه كان شخصية جادة.. استغل كل سنوات العمر الذي أعطاها الله له أن يكون شخصية جادة، في الدراسة في مراحل التعليم العام، بالجامعة، في التخرج، في العمل طبيباً، في السفر للدراسات لعليا، وفي الإنتقال من إنجلترا إلى أمريكا. حتى عندما بدأ في ممارسة هوايته من خلال اهتمامه بالتاريخ والتراث القبطي، كان جاداً وواضح في ذهنه ماذا يريد أن يفعله، وكانت أهدافه التي يحددها يسعى إليها بجدية. ولذلك أعتقد أن سنوات عمره 84 كانت كلها مثمرة وكانت لها حصيلة كبيرة جدا مما تلامسنا معه وما سمعناه عنه من ثمار.
الشخصية الجادة هي التي نحتاجها باستمرار على كل المستويات، والشخصية الجادة هي التي تفدي الأوطان.
أما الصفة الثانية التي تميز بها الدكتور فوزي أنه كان قامة كنسية.. يعتقد الناس أن القامة الكنسية تكون لرجال الدين والكهنوت فقط، ولكن الدكتور فوزي بالحقيقة له قامة كنسية عظيمة، وكما يقول الكتاب: الصديق كالنخلة يزهو، ثماره كثيرة.. واهتمامه بالتاريخ والتراث يجعلنا نقول أنه بالفعل إبن لمصر وإبن للحضارة المصرية وإبن للفراعنة وإبن للتاريخ الغني الكبير الذي لنا في مصر.
اهتمامه بمؤسسة سان مارك لحفظ التراث ولدراسات التاريخ القبطي، هو يمثل صفحات ناصعة البياض في تاريخ مصر وتاريخ الحضارة.
هذا الاهتمام لم يكن اهتمام بحثي فقط، بل قدمه في صور عديدة من المؤتمرات التي كان يهتم بها جداً وبداية معرفتي به كانت من خلال مؤتمر والندوة الدولية التي دعا إليها بدير المحرق في فبراير 2013 وسط ظروف صعبة في مصر. لكن شخصيته الجاذبة جعلتني أوافق وأذهب إلى دير المحرق وأحضر افتتاح هذا المؤتمر، وكان بمثابة أول نشاط أقوم به بعد تنصيبي بطريركاً
اهتم بالمؤتمرات والإصدارات والأبحاث وشجع أخرين على ذلك، وعنصر التشجيع أيها الأحباء أحد العناصر التي تصف لنا صفاء الإنسانية، في الدكتور فوزي.
كيف يشجع الصغار والكبار من الأطباء للعمل والتعلم لخدمة بلدهم، وأيضا شجع الباحثين في المجالات الكنسية والمجالات التاريخية وهذا التشجيع أثمر بأبحاث كثيرة جداً بعضها تم نشره بالفعل.
نحن ككنيسة نحتفل به كقامة كنيسة ونعتز بأعماله وخاصة هذه المؤسسة المصرية القبطية التي قدمت لنا صور عديدة في التاريخ المسيحي المصري.
والصفة الأخيرة هي أنه كان يملك الروح المتهللة، كان دائما في حديثه كانت روحه متهللة ودايما فرحان، هذه الروح هي كانت المغنطيس الذي يجذب إليه جميع من عرفه على مستوى العالم كله.
في بعض المرات التي كنا نتقابل فيها كان يحكي بعض الذكريات المؤلمة، وبرغم الذكريات المؤلمة لكن روحه كانت متهللة وكان فرحان، هذا الفرح كان علامة قوية في حياته وولسلامة الحياة. روحه المتهللة بالتأكيد انعكست على عمله كطبيب وكأستاذ وكباحث، وأيضا في دراساته واهتمامه بانشاء هذه المؤسسة من أيام المتنيح البابا شنوده، وإنشاء مؤسسة لها غرض واضح وهو البحث في التاريخ الذي يعد أمرا صعباً، ولكنه استمر حتى أخر وقت كان متهللاً.
قبل نياحته بأيام قليلة كنت أحدثه تليفونياً للسؤال عنه، فوجدته يكلمني عن أحلام يريد تحقيقها، يحكي كل أحلامه ربما في ألم شديد لكن بروح متهللة.
نحن يا أخوتي الأحباء لا نجتمع لكي ما نكتر أحزاناً ولكننا نضع نموذجاً إنسانياً رفيعاً أمامنا.. شخصية جادة وقامة كنسية وصاحب الروح المتهللة. ولذلك لنا أن نفرح أننا عرفنا مثل هذا الإنسان وتمتعنا بما حباه الله من نعم ومن مواهب ومن قدرات.. وهذا النموذج نضعه أمامنا وأمام أجيالنا لكي ما توجد نماذج أخرى مماثلة.. نحن نتذكره بكل خير ونتذكر أعماله ونتذكر تاريخه ونشكر مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث التي نسقت لهذا الاجتماع وإنا فرصة عظيمة لنا جميعاً على أن نضطلع على هذه الشخصية الفريدة التي عملت وخدمت وطنها مصر خدمة كبيرة جداً وقدم الخدمات الطبية لآلاف من البشر إلى جانب اهتمامه بالتراث الكنسي كجزء من تاريخ مصر.
الدكتور فوزي يعد مثلاً أثرى الكنيسة والمجتمع
أما كلمة الأب الروحي لمؤسسة مارمرقس، نيافة الحبر الجليل الأنبا توماس، أسقف القوصية ومير قال فيها: نجتمع اليوم بكل إجلال وتقدير لنمدح الرجال الذين صاروا لنا مثالاً ومنارةً وفيهم أنشأ الرب براً وكرامةً وأظهر مجده وعظمته بفطنتهم وأقوالهم الحكيمة التي لهم وبمشورتهم وخدمتهم سار غنى واقتدار وسلام في كنائسهم وفي مجتمعاتهم. أولئك الذين هم أهلاً لكل كرامة في أجيالهم وأجيال تكن لهم فخر.. فهم أهل علم وتقوى ورحمة وبَرهم لا ينسى، والشعوب تتحدث بحكمتهم وما قدموه من أعمال أثرت حياتهم الشخصية وأثرت أيضا حياة كل من اتصل بهم.
دكتور فوزي اسطفانوس رجلاً محبوباً عند الله والناس، مبارك الذكر ومكرماً عند الجميع. واليوم نجتمع تحت رعاية ورئاسة وإرشاد قداسة البابا المعظم البابا تواضروس الثاني، وفي رحاب مؤسسة القديس مرقس لتوثيق التراث القبطي التي أسسها الدكتور فوزي اسطفانوس، نجتمع لكي نرفع مثلاً أثرى الكنيسة والمجتمع.
إحتفالنا بتأبين الدكتور فوزي إنما يظهر مدى تقديرنا وشكرنا لله الذي أوجد لنا هذا المثال العظيم في هذا الجيل. شكرا لجميع الحضور إذ أن حضوركم يعلن اهتمامكم بالعلم والتراث القبطي، تقديرا للقامات العلمية التي ساهمت في إثراء المجتمع والكنيسة.
نحن نجتمع سوياً لنتذكر حياة وأعمال الدكتور فوزي اسطفانوس لنحتذي به ونتعلم منه، فما أعظم بهاء قلبه عند افتتاح فمه بكلام المعرفة في زخائر الحكمة والعقل الذي يمتلئ بالسرور والفرح معلناً مجد الذين يملكونها. فطوبى لمن عاين طالباً هذا مصادفة فما أجمل حكمتك ومشورتك وفهمك وكثرة الخبرة التي هي إكليل العلماء وفخرهم. بكل اتضاع وبكل حكمة وبطول آناة ورؤية ثاقبة وقلب ثابت رأى الدكتور فوزي أبعد مما يراه من حوله لينير الطريق أمام أجيال كثيرة.
فما أعظم روح التقوى التي كانت له وما أجمل كلمات الحكمة التي نطق بها وما أبهى الثقة التي أعطاها للذين حوله وكم بادلوه أيضا هذه الثقة. فنحن وكثيرون يمدحون فضائله وتتحدث الأمم بحكمته وتفيض بركاته وثمار عمله كنهر لأجيال كثيرة.
يتمتع برؤية واضحة لما يريد أن يحقق
وسرد الأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، الذي الكثير من إنجازات الدكتور فوزي في حياته العملية في مجال الطب وخدمته لحفاظ على التراث القبطي وكذلك عن حياته الإجتماعية ورعايته لزوجته وأولاده وأحفاده.
من أهم ما ورد في كلمته: اليوم نحن نؤبن رجلاً عظيماً، طبيباً، قائداً، مؤسساً بارعاً وأيضا باحثاً واستاذاً عالمياً، بل استطيع أن أقول إنه مدرسة ذات طراز مميز من الخبرات، له كفاءة فائقة في الإداريات.
ومن تعاملي معه في سنوات وجودي كسكرتير لمثلث الرحمات البابا شنوده الثالث، لمست فيه سلوك دبلوماسي خاص، اتسم بالحكمة والجلد والصبر والاحتمال، وكان يتمتع برؤية واضحة لما يريد أن ينجز ويحقق.
تخطت شهرته بلدته الصغيرة وأمسى رمزاً عالمياً وأصبح إنساناً مشهوراً في العالم أجمع. إنه الأستاذ الدكتور فوزي اسطفانوس مؤسس قسم التخدير بمستشفى كليفلاند كلينيك الذي قدم كثير من الإنجازات العالمية والمصرية.
في نبذة صغيره عن حياته، ولد في سوهاج عام 1937 وكان السابع بين أشقائه الثمانية وقبل أن يتم تسع سنوات تحمل المسئولية مبكراً لسفر إثنان من أشقائه للدراسة بالقاهرة، فكان يسطحب والدته لتحصيل إيجار ما تمتلكه الأسرة من أراض. عكف على الدراسة وتفوق في الثانوية العامة بمدرسة فؤاد الثانوية بسوهاج، وكان مجموعة بالثانوية يؤهله للالتحاق بكلية الطب بجامعة عين شمس وتخرج منها عام 1960م وعمل بوظيفة متخصص تخدير حتى عام 1967 ولحبه للعلم سافر إلى نيوكاستل في إنجلترا وعمل في مستشفياتها في مجال تخصصه. وفي عام 1970 حصل على الزمالة في التخدير من الكلية الملكية للجراحين ببريطانيا. وقرر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليعمل بمستشفى كليفلاند كلينك في العام نفسه.
وروى لي أنه عندما وصل إلى كليفلاند كلينك، كانت مستشفى صغير ولم يكن فيها مانراه الأن.. وسنرى ماذا فعل الدكتور فوزي في هذا المكان.
أما عن حياته الإجتماعية فقد تزوج من السيدة سميحة وأنجب منها ولدين – الدكتور مارك طبيب العيون والأستاذ جون المحامي ورجل الأعمال، وقد كان أباً عظيماً وجداً حنوناً. وأتوقف أمام زوج أحب زوجته وخدمها بكل ما يملك من قوة وإخلاص.
أما عن مستشفى كليفلاند كلينك، بدأ الدكتور فوزي رحلة العالمية حيث عمل جاهداً على تأسيس قسم التخدير فسار أحد أعظم الأقسام بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو أول من أنشأ أول قسم تخدير للقلب والصدر في العالم، والذي رأسه قبل أن يصير رئيساً لقسم التخدير والعناية المركزة حتى تقاعده.
جراحون عالميون شهدوا له ولكن في عمله هذا الذي لم يتوقف نشر العديد من المؤلفات والكتب العلمية التي تعد من أهم المراجع العالمية والعلمية. واشرك في كثير من المؤتمرات العلمية، وتم تعيينه بعد ذلك في ضمن مجلس إدارة مستشفى كليفلاند كلينك، وكذلك عضواً بمجلس إدارة مستشفى دار الفؤاد بالقاهرة.
وأختير كرئيس مجلس الإدارة في كليفلاند، فوجد نفسه أمام مشكلات كثيرة ودخل قليل مع عدم وجود دعم مادي وديون كثيرة مع احتياج إلى تطوير.. لكنهم اختاروا شخصية متميزة في الإدارة ومتميزة في العلم، هذا العملاق المصري الذي رحل عن عالمنا.
استمر في منصبه إلى أن حُلت جميع المشكلات واستقرت أوضاع المستشفى. وكان يتابع الأعمال الإدارية بنفسه إلى أن استقر الوضع. ثم رشح أحد الأطباء المقربين له ليحل محله في العمل..
إني اعتبر الدكتور فوزي صانع نجوم، مؤثر جداً في اتخاذ القرارات، حكيم له قدرة في تفهم الأمور وحل المشكلات بمنطق عجيب. كانت له موهبة فازة في ذلك. وكان أيضا يستطيع أن يجذب الكثيرين إلى النجاح الذي يحققه. وكانوا يطلقون عليه إسم “صانع النجوم ” في المستشفى بأمريكا. شخصيته تكتشف المواهب وتكتشف القدرات عينه كانت فاحصة ويقود المواهب بنجاح مهني وإنساني. في عهده كون فريق مصري كبير في كليفلاند كلينك من الأطباء الصغار الذين ساعدهم للدخول إلى المستشفى والعمل بها.
أسس مدرسة طبية زاعت شهرتها في العالم كله وكان شعارها “المريض أولاً” يهدف للعناية بالمريض وكيف يتوصل لبحث حالته الصحية وكيف يتابع المريض خطوة بخطوة. وصل بمستشفى كليفلاند لتنال المركز الأول في أمراض القلب والمسانة لعقدين من الزمان وأصبح كليفلاند كلينك بشهرته في عهده ملجأ لمرضى القلب حتى ذكر في المقالات أن أكثر من 133 دولة يرسلون مرضاهم إلى هذا الصرح العظيم بأمريكا.
تلك الحياة الحافلة بالإنجازات، وهذا العالم الذي يكن له جميع الأطباء كل احترام، أجده شديد التواضع وكان يطلق على نفسه لقب “مستر نو بادي” Mr. Nobody وكنت لا أفهم معنى هذا اللقب إلى أن عرفت أنه يحاول الهروب من الكرامة والمجد الذين كانا يلاحقونه أينما ذهب.
وفي حفل تكريم له بعد أن اجتاز سن المعاش تصادف وجودي في كليفلاند فدعاني لحضور هذا الإجتماع، وطلب مني أن ابدأ بالصلاة في وجود مختلف الديانات من العالم كله في هذا الإجتماع ومنهم عدد كبير جداً من اليهود. وكان الإجتماع مجتظاً بأغنياء العالم الذين جاءوا ليحتفلوا بالدكتور فوزي.
عرفت عنه البساطة، محبة شديدة للجميع، رؤية ثاقبة، عشقه للعمل وإيمانه بالعمل الجماعي وبقدرة الفريق الواحد لتحقيق الإنجازات. عُرف بالسعي دائما نحو تطوير أسلوب العمل وتجديده، لأنه يمتلك قدرات قيادية ومهارات يندر وجودها في شخص واحد، كان له قدرة متميزة في الإقناع.
ودعم الدكتور فوزي العديد من الجامعات والمدارس الطبية والمستشفيات بصفة أستاذاً نشطاً ومستشاراً.
كان رجل عطاء يحب المساعدة والخدمة لكل من يسأل ولمن يراه محتاجاً، لا يبخل على أحد بأي نصيحة حتى وإن لم يسأله.
كان يقضي أوقاتاً طويلة بالكنيسة في كليفلاند، يجمع الشعب ليستطيع بناء كنيسة في هذا المكان.
كان له تأثير قوي على مرضاه يشجعهم وبإيمانه استطاع أن يجبر الناس على احترامه. وجعل منه إنساناً فوق العالم.
حمل مصر في قلبه، واستطاع أن يرفع اسم مصر والمصريين عالياً في أمريكا، وعلى صعيد أخر ألقى محاضرات كثيرة في الجامعات المصرية ليرفع مستوى التعليم الطبي في مصر، وأتاح فرصة كبيرة للمصريين للتعليم والتدريب في كليفلاند كلينك. وسعى كثيراً للتبادل العلمي بدأ سنة 1975 بين كليفلاند وعدد كبير من الجامعات المصرية وقبل مئات من الأطباء بأقسام التخدير وجراحة القلب والمسالك البولية.
تعلمت منه الكثير أثناء الظروف القاسية، فكان له مقولة “الجلد السميك” thick skin فكلما وضعت عينك على الهدف الذي تريد الوصول له، وتخطى الإساءة ونقد الأخرين من أجل تحقيق الهدف، فكل ذلك سيزول وينسى بعد الوصول إلى الهدف.
كان مدرسة في التعليم واهتم بالتأريخ الإنساني، فهو شخص يعرف قيمة ما بين يديه من علم، وبالطبع وسط كل إنجازاته لم ينسى تاريخ مصر ولم ينسى التاريخ القبطي، فأنشأ مؤسسة مارمرقس لدراسة التاريخ القبطي. وكانت لها العديد من الإصدارات منها: تاريخ الأمة القبطية، تاريخ الأدب القبطي، حياة القديس مرقس الرسول وكثير من الكتب التي ساهمت الجامعة الأمريكية لنشرها.
كان له دورا مهماً في إنشاء المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي وكان أحد الأعضاء البارزين في مجلس أمناء المركز. وأتذكر أنه هو الذي عرفني على الكثيرين من الذين ساهموا في بناء المركز الثقافي القبطي.
إن حياة الدكتور فوزي رحلة حياة، كان أساسها محبة الله من كل قلبه، وحبه للإنسانية وحبه للوطن وحبه للكنيسة. فأصبح الدكتور فوزي أيقونة مصرية خالصة.. نياحاً لروحه الطاهرة.. وليكافئه الله على كل أعماله الصالحة.
محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف
ووقف المهندس كريم سامي سعد رئيس مجلس إدارة شركة “سامكريت” وأحد أعضاء مجلس أمناء مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث فخوراً بهذا اليوم وقال: نحن اليوم موجودين لكي نحتفل ونتذكر شخص عزيز علينا جميعاً العالم والطبيب، الإنسان والخادم الدكتور فوزي اسطفانوس.
الدكتور فوزي كان إنسان جميل وكانت له ثمار كثير جداً.. وعندما أفكر في ثمار الدكتور فوزي أتذكر رسالة الرسول بولس إلى أهل غلاطية: “أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف.” في الحقيقة من معرفتي للدكتور فوزي اختبرت كل تلك الثمار فيه.
السادة وزراء الصحة الحاضرين اليوم وممثلي دار الفؤاد، كانوا يتكلمون عن الدكتور فوزي
عندما كان يرأس قسم التخدير بمؤسسة كليفلاند كلينك كان مسئول عن 3000 طبيب وفني، وكانت موازنتهم السنوية حوالي 500 مليون دولار. بمعنى أنه كان رجل مؤسسي ويعرف كيف يدير هذا العمل المعقد في هذه المؤسسة الكبيرة.
لكنه رأي أيضا كيف أنه في دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة كيف أن أموال الخير تتجه للبحث العلمي والدراسة وليس فقط لإنشاء دور العبادة.
وهو جاء بهذا الفكر عام 1998م ليقترح على المتنيح قداسة البابا شنوده ، إنشاء مؤسسة مارمرقس بهدف توثيق التراث والتاريخ القبطي.
فأعطاه قداسة البابا شنوده طرس البركة عام 1998م ومن وقتها مؤسسة سان مارك قامت بتسع مؤتمرات دولية ، 25 إصدار كتاب باللغة العربية والإنجليزية من ضمنهم كتب مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، توثيق 41 دير أثري وكنيسة قديمة كاملاً ، خمس ورش عمل، وبحسب تعليمات قداسة البابا تواضروس الثاني جاري عمل ترجمة الموسوعة القبطية التي عملتها جامعة كليرمونت. بالإضافة إلى ملتقى شبب الباحثين الذي سيعقد الملتقى الثالث منه في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر، وسيتقدم فيه 71 باحث بأوراق بحثية علمية وثلثيهم غير مسيحيين، أخواننا المسلمين في الوطن الذين يهتموا بالشأن القبطي والتاريخ القبطي.
بعد تجليس قداسة البابا تواضروس الثاني عام 2012م، زاره الدكتور فوزي بعد فترة وجيزة لعرض فكرة المؤسسة عليه برؤيتها، وطلب الدكتور فوزي من قداسة البابا أن يكون الرئيس الشرفي للمؤسسة، وكان رد قداسة البابا تواضروس أنه سيكون الرئيس الفعلي للمؤسسة، وفي الحقيقة هذا القرار أعطى المؤسسة زخم كبير جدا لتستطيع أن تعمل تحت قيادة وبارشاد قداسة البابا.
خلال السنوات الماضية كان لنا اجتماعات كثيرة مع قداسة البابا تواضروس والدكتور فوزي لفهم رؤية قداسته لدور المؤسسة لخدمة الكنيسة.
وفي أول أكتوبر عام 2019 أصدر البابا قراره الباباوي رقم 12 الذي كان بمثابة تتويج عمل وجهاد الدكتور فوزي وكان نص القرار كالآتي:
تكليف مؤسسة سان مارك للتاريخ القبطي بإنشاء “وحدة علمية لحفظ التراث القبطي” تعتني بكل نوعياته، مع إعداد كوادر دراسية على مستوى علمي متخصص في دراسة وصيانة وحفظ مقتنيات هذا التراث، وتأهيله لخدمة العلماء والباحثين والمهتمين بمثل هذه الدراسات. ويكون مجلس إدارة المؤسسة مسئولاً عن هذه “الوحدة العلمية” مالياً وإدارياً. وعلى ابن الطاعة تحل البركة.
بعد صدور هذا القرار، خلال العامين الماضيين، اجتمع مجلس الأمناء والعلماء والعاملين بالمؤسسة أكثر من مرة لقراءة القرار بعمق ودراسة كيفية تحويل هذا القرار إلى واقع يحقق رؤية قداسة البابا ورؤية الدكتور فوزي الأصلية التي بدأ بها المؤسسة في الأصل.
وجدنا أن المؤسسة يجب أن يكون لها جانب كبير في مجال البحث العلمي بأهداف إعادة صياغة منظور تراثي وثقافي للأجيال القادمة. وهذا تطلب منا أننا نعمل بشكل مؤسسي بإعداد خطط وكوادر لكي نغطي ملامح خطة البداية.
من ضمن الخطة الموضوعة أولاً من جهة التراث المادي – الفني والمعماري، العمارة والجداريات والأيقونات والمخطوطات والمقتنيات، نعمل على إعداد برنامج لتدريب وإعداد الكوادر الازمة لتمكينهم من حفظ التراث بأسلوب علمي ممنهج، لكي يستطيع عدد المتدربين من تغطية الأماكن المختلفة بالتراث العميق الموجود في إيبارشيات مصر كلها.
أما من جهة التراث الفكري والمعنوي، من أدب وتاريخ ونصوص، نخطط إصدار ما لا يقل عن أربع إصدارات جديدة سنوياً لإثراء المكتبة القبطية، ونخطط إصدار سلسلة “الدكتور فوزي اسطفانوس” وهي كانت آخر فكرة مقترحاته لنا من أسابيع قليلة، لنشر الرسائل العلمية وهي عبارة عن مسابقة مفتوحة لكل الباحثين في كل الجامعات للتقدم برسائلهم المحكمة من لجنة بالمؤسسة لتختار وتدرس الرسائل العلمية بشكل أكاديمي وتعيد نشرها.
لكي ننفذ الخطة كان يجب أن نستثمر في بنية تحتية تكنولوجية تمكن من تحديث تقنيات التوثيق والأرشفة وتكفل تسجيل كل هذه الثروة التاريخية الموجودة. وبدأنا بالفعل بعمل تطوير للأجهزة بالمقر التي تتيح لنا الفرصة للدخول في عصر الرقمنة.
الحقيقة كان الحلم الأساسي منذ البداية هو عمل برنامج لرفع الوعي بأوجه الحضارة القبطية لأن التراث القبطي ليس شأن الباحثين والعلماء فقط، بل يخص كل أبناء الوطن أيضا، وخاصة الشباب والأطفال، لأنه ميراث الذي نستمد منه قيمنا ونمارسها.
هذا البرنامج يقدم الحضارة القبطية بأشكال معاصرة جذابة تخاطب الشباب وتجتذب اهتمامهم، خصوصاً الشباب في المهجر، لبنيان الجسور مع كل الأجيال.
وفي النهاية يكون دور المؤسسة تكوين جسور بين الماضي والمستقبل، بين الكنيسة والمجتمع، بين العلماء المتخصصين والشعب المتعطش للمعرفة. وبهذا نستطيع أن نجعل تراثنا القبطي القوي والعميق والمهم ينتج ثقافة متنورة تحدد هوية مجتمعنا في المستقبل.
وفي ختام كلام المهندس كريم سامي سعد أكد على أن المؤسسة لن تنسى الدكتور فوزي، وكل عضو في المؤسسة يعي تماماً أننا أبناء لمصريين عظماء في التاريخ القديم والحديث، لدولة وكنيسة كانت وستكون مشجعة للدراسين وللمعلمين لمخاطبة أجيال أكثر تفتحاً وعلماً.
إحنا شغالين عند مارمرقس
ثم جاءت كلمة دكتور جودت جبره – أحد مؤسسي مؤسسة سان مارك لدراسة التراث القبطي وأستاذ في الدراسات القبطية بجامعة كليرمونت بكاليفورنيا، وأحد كبار العلماء في الدراسات القبطية في العالم.. وألقاها عنه الدكتور أشرف ناجح مدير مؤسسة سان مارك، قائلاً: لم أكن أتخيل يوماً ما، أنا أقف أمام حضراتكم لإلقاء كلمة الدكتور جودت جبره تأبيناً للدكتور فوزي اسطفانوس. إن الدكتور فوزي كان عظيماً بقدر صنيع مجده الذي قدمه من أجل الاهتمام برعاية أخيه الإنسان، علمياً في مجال الطب وثقافياً في مؤسسة سان مارك، فكان من الذين يتركون لنا أشياء جميلة محفوظة في قلوبنا تفوح عطراً في جنبات ذاكراتنا.. دكتور الفوزي لو حرمنا الموت لقياك فلن يحرمنا من ذكراك. وإليكم نص كلمة الدكتور جودت جبره:
انجازات الراحل الكريم معروف كطبيب وأكاديمي عالمي وكمؤسس مؤسسة مارمرقس لدراسات التاريخ القبطي. إلا أود في عجالة أن أذكر بعض اللمحات من سيرته العطرة التي رواها لي أو التي عايشتها معه والتي قد تكون غير معروفة للبعض.
عندما كان طالباً في مدرسة الثانوية بسوهاج، أسس مع بعض زملائه جمعية صغيرة تدعى “شباب السلام” هدفها تشجيع الطلاب على مداومة الحضور للكنيسة ومساعدة الفقراء. وبعد التحاقه بكلية طب بجامعة عين شمس عام 1956م تم انتخابه رئيساً لجمعية الخدمات الإجتماعية بالكلية وكان يسكن المدينة الجامعية، فطلب من المسئولين التصريح لأحد الكهنة ليعظ الطلبة المسيحيين، إلا أن الجامعة واقفت شريطة أن يكون الواعظ أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وليس كاهناً.
وأثناء فترة دراسته الراحل الكريم بالجامعة، كان يدرس في مدارس الأحد بكنيسة الأنبا رويس بالعباسية.
ومرت الأعوام وبدأ الدكتور فوزي عمله في مستشفى كليفلاند في أوائل السبعينات من القرن الماضي وكان المتنيح القمص مرقس مرقس يحضر من كندا مرة كل شهر لعمل قداساً ليتناول الشعب القبطي الإفخاريستيا. فكان للراحل الدكتور اسطفانوس دوراً كبيراً في تأسيس كنيسة مارمرقس في مدينة كليفلاند.
وفي أواخر عام 1996 وهو لم يبلغ 59 من عمره أوضح لي رغبته في إنهاء خدمته كطبيب ليبدأ مشروعاً يخدم به الكنيسة القبطية، مما يبين محبته الفائقة للكنيسة حيث لا توجد سن للإحالة للتقاعد في أمريكا.
ومن الذكريات التي لا تنسى، إنعقاد الندوة الدولية لتاريخ المسيحية والرهبنة في مصر الوسطى، بدير المحرق، في منتصف شهر فبراير 2013 ولم يكن قد مضى سوا ثلاثة أشهر على جلوس قداسة البابا تواضروس الثاني على كرسي الكرازة المرقسية وتزامن ذلك مع فترة حكم الأخوان المسلمين لمصر. لم يفكر الراحل الكريم نهائياً في تأجيل الندوة نظراً للظروف الأمنية في صعيد مصر، بل ذكر أن جميع المساهمين في هذه الندوة في حماية القديسة العذراء.
وافتتح قداسة البابا تواضروس الندوة في أول دير يتفقده قداسته بعد رسامته بطريركاً.
كان الراحل الدكتور فوزي اسطفانوس مخططاً طموحاً وإدارياً ممتازاً وإنساناً متواضعاً، وكان شغوفاً بدراسة تاريخ وتراث الكنيسة القبطية وحضور المؤتمرات الدولية للقبطيات.
وعندما يأتي ذكر أحد المراجع التي اصدرتها مؤسسة مارمرقس كانت تنفجر أساريره ويظهر على وجهه علامات الفرحة والإمتنان ويقول: إحنا شغالين عند مارمرقس..
الأرخن الفاضل والخادم الأمين الدكتور فوزي اسطفانوس يمثل استمراراً لظاهرة تميزت بها الكنيسة القبطية طوال عصورها وهي أراخنتها العظام الذين أحبوا وتفانوا في خدمة كنيستهم القبطية العريقة.. الرب ينيح نفسه في فردوس النعيم في حضن شفيعه مارمرقس.
فيلم تسجيلي
ثم تم عرض فيلم تسجيلي عن الراحل الكريم الدكتور فوزي اسطفانوس، تخلله صور عن انجازاته خلال حياته العملية والخدمية، وأوضح الفيلم أنه كان له الفضل في توقيع اتفاقية تعاون بين مؤسسة كليفلاند كلينك ومستشفى دار الفؤاد عام 1999م. وأنه فاز بجائزة الأستاذية الشرفية في تخصص تخدير القلب. ثم تطرق الفيلم إلى حياته الأسرية كزوج وأب وجد، حيث تزوج عام 1967م وأنجب إبنان – جون ومارك اسطفانوس وبارك الله في الأسرة ليكون له خمس أحفاد. وانتهى الفيلم بعرض مقتطفات عن رحلة الدكتور فوزي كباحث في التاريخ القبطي والأب المؤسس لمؤسسة مارمرقس.
تعاون في الترجمة
وجاءت كلمة أبونا وديع عوض الفرنسيسكاني – باحث ومتخصص في التاريخ العربي المسيحي، قال فيها: منذ البداية ارتبط مشروع الدكتور فوزي اسطفانوس باطلاق مؤسسة سان مارك لكلمة قادت هذا العمل وهي “التعاون”
أول تعاون جاء مع ميلاد الفكرة عندما ذهب لعرضها على الكنيسة ونال بركة مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث، وموافقته.
وعندما بدأت المؤتمرات الدولية كان يوجد احتياج لخبراء في المجال العلمي وهنا بدأ التعاون مع الدكتور جودت جبره، والدكتور هاني تكلا.
ولأول مرة يجرى على أرض مصر تجمع دارسين من العالم كله، توحدوا في بوطقة واحدة، رغم الاختلاف البين بينهم ، وما كان بالإمكان عقد هذه المؤتمرات لولا التعاون بين مؤسسة سان مارك وبين الكنيسة متمثلة في قداسة البابا ورؤساء الأديرة وبين الدولة متمثلة في وزارة الداخلية.
ورغم صعوبة الأيام أقيمت المؤتمرات في جو من السلام والأمان ولاسيما في محافظات الصعيد الأقصى التي كانت غير آمنة لغير المصريين، وهذا أمر لم يسمع به من قبل.
وفي طباعة الدراسات واعمال المؤتمرات باللغة الإنجليزية جرى التعاون مع الجامعة الأمريكية في القاهرة، أما المنشورات العربية فصارت بإسم المؤسسة بأسعار مناسبة للإمكانيات المصرية.
يمكن تشكيل مؤتمرات بمهارة الإسكندرية الأولى التي عاد الدكتور فوزي بنائها، وقرروها في مختلف بقاع مصر سواء في المحافظات المباشرة أو بالأعمال المطبوعة التي كلمت العالم الخارجي باللغة التي يفهمها.
من ضمن المنار التي أراد الدكتور فوزي أن ينيره هو ترجمة الموسوعة القبطية ويقوم بهذا العمل مجموعة من المصريين وقد ساهمت معهم بالترجمة 99 مقالاً
وهناك منارة ثالثة أتمنى أن تستكمل بهمة مؤسسة سان مارك وبمباركة الكنيسة وتشجيعها وتخليدا لذكرى الدكتور فوزي، وهو إطلاق مشروع ترجمة لأهم المراجع عن الجغرافيا القبطية فلا يقوم تاريخ بدون جغرافيا وهنا أشير إلى كتاب ستيفن كين عن جغرافيا مصر القبطية وكتاب جاندوليس عن أديرة الصعيد الأوسط. وأنا مستعد لترجمة بعض الكتابات عن أديرة الصعيد.
رسالة شكر من أسرة الراحل
أعلنت أسرة الدكتور فوزي قائلة: هو أيضا كان يحملكم في قلبه.. وجاءت الكلمة على لسان إبنه جون فوزي اسطفانوس.
أشكركم جميعاً أنا وأخي مارك لمشاركتكم إيانا الاحتفاء بانتقال أبينا د. فوزي اسطفانوس إلى السماء.
وأود أن أعبر عن امتناننا لرسائل الحب والاهتمام التي وصلتنا من كل أنحاء العالم للتعبير عن مشاعركم النبيلة لرحيل والدنا العزيز.
وأعلم أنه بينما يجلس الأن في السماء وينظر إلينا يشعر بالسعادة وبكل هذه المحبة من كل أولئك الذين احترمهم وأحبهم كثيراً.
لقد كان مصدر إلهام وقدوة لكل من عرفه، كان زوجاً مخلصاً وداعماً لزوجته سميحة لأكثر من 50 عاماً. والدي كان مرشداً محباً وصديقاً لأحفاده الخمسة. أن ومارك فخورين بالعلاقة التي اختبروها جميعاً مع جدهم وأنه سيكون معهم إلى الأبد.
نحن حزانى لرحيله لكننا نشعر بسعادة غامرة بسبب عمل الخير الذي خلفه في العالم، والمساندة من مجتمعنا بأكمله في مصر وهنا في الولايات المتحدة. ونحن ممتنون لإتاحة الفرصة لنا للاحتفال معكم.
لقد تلامس أبي مع عدداً لا يحصى من الناس ليكون لهم حياة أفضل من خلال حبه وإلهامه لكثيرين. وذلك من خلال شراكته وصداقته وحبه مع العديد منكم، تمكن أبي من تحقيق الكثير في حياته.
بفضل قوة الكنيسة ومجتمعه وزملائه وأصدقائه، كان أبي قادراً على مساعدة الأخرين ودعمهم، وهذا هو المجال الذي رأي فيه أعظم إنجاز له. ومن خلال هذه القوة تمكن من النجاح في الطب وعمله كطبيب معالج حيث قدم الرعاية والرحمة لكل من التقى به. فأبي كان يؤمن أنه يجب معاملة الجميع بمساواة وأن الجميع يستحقون دعمه وحبه.. فهو أعطى بسخاء دون انتظار مقابل.
أحب الكنيسة والمجتمع القبطي بكليفلاند، وكانت جهوده لجمع التبرعات أسطورية. لقد دخل في شراكة مع آخرين لإنشاء مؤسسة على أمل أن تساعدنا في معرفة المزيد والحفاظ على المزيد ومشاركة المزيد من التراث القبطي وتاريخنا المزهل.
عمل الدكتور فوزي اسطفانوس كل هذا بدافع حبه واحترامه لتراثه وثقافته، وهناك العديد من الدروس التي تعلمناها من أبي، وهي أن نتكل علة الله ونعمل باجتهاد ونقوم بكل عمل صالح، أيضا تعلمنا منه أن نعطي بسخاء ولا نتوقع شيئا في المقابل، كذلك معاملة الجميع سواسية وبنفس قدر الاحترام والكرامة وأن نثق في الآخرين ونؤمن بخيرهم.
ونحن نشعر بإمتنان لأنه حتى بعد وفاته، نشعر بتأثيره وبالاحتفاء به في عمله ووسط عائلته وحتى كنيسته.
كان فخوراً بمصريته، وكان قبطياً حتى النخاع.. وإلى جميع الحضور للاحتفال بأبي، أود أن أقول إننا شاكرون وممتنون بحضوركم اليوم.
كلمة دكتور حاتم الجبلي – وزير الصحة الاسبق ومؤسس مستشفى دار الفؤاد
اتشرف أن أكون حاضر هذا اليوم لتأبين الدكتور فوزي اسطفانوس، في الحقيقة بعد الوصول إلى سن معين يكون حياة الإنسان مثل الفيلم السينمائي. هذا الفيلم يكون في أشخاص مؤثرين في حياته مثل الأب والأم أو أخ وأخت.. الدكتور فوزي بالنسبة لي شخصياً كان له حيز كبير جدا في شريط حياتي، منذ التسعينيات.
كانت أول مقابلة لنا في مؤتمر طبي عن القلب، وكنت أعرف مكانته في كليفلاند كلينك فتكلمت معه عن إنشاء مستشفى في مصر بالتعاون مع كليفلاند كلينك، وكان رد فعله غير مستغرب لإقتراحي لكثرة تردد هذا المقترح عليه من أطباء مصريين كثيرين، يحلمون ويتكلمون بدون فعل حقيقي. أخذ يسمع مقترحاتي ثم أنهى الحديث بلطف، وبعد يومين وصلني اتصال تليفوني منه يخبرني فيه بالموافقة للعمل معي.
وعرفت بعدها أنه سأل عني في الحقل العملي والكنسي ليتخذ القرار بالتعاون لإتمام مشروع دار الفؤاد بالتعاون مع كليفلاند كلينك، لولا وجوده لم يكن هذا المشروع يمكن حدوثه.
كان لو دور جوهري في تأسيس مستشفى دار الفؤاد واختيار الأطباء، وساعد كثيراً لإدارة العمل في البداية وتخطي المشكلات.
ومن هنا تولدت بيننا وبين أسرتينا العلاقات الوطيدة. هو رجل لا يعوض، هو رجل علم ولو نظرنا إلى المستقبل سنجد كثيرون يتذكرونه بكل حسن، من أطباء وعلماء وباحثين ومرضى عالجهم سواء في مصر أو بالولايات المتحدة.
أماكن كثيرة كان له بصمة فيها مثل مؤسسة سان مارك أو مستشفى دار الفؤاد ولن ينسوا عمله معهم أبداً. وندعو له بالرحمة.
كلمة دكتور عادل العدوي وزير الصحة والسكان الأسبق
أتشرف بحضوري معكم اليوم لكي نتذكر عظيماّ من عظماء مصر، شرفت بمعرفته في سنواته الأخيرة حينا انضممت إلى مجلس إدارة مستشفى دار الفؤاد التي أسسها الدكتور حاتم الجبلي لكي يكون بمصر صرحاً طبياً يحلم جميع المصريين بوجوده، وحلم أيضا الراحل لعظيم باستمرارية هذا الصرح العظيم.
تعلمت منه كثيراً ورأيت في الدكتور فوزي اسطفانوس مثال واضح للقول: خير الناس من طال عمره وصلح عمله.. فليس هناك مثالاً من صلاح العمل أكثر من الدكتور فوزي.. تعلمت منه كيف يكون الإنسان دؤؤباً وكيف يستيقظ في الصباح الباكر كي يحضر معنا اجتماعات مجالس إدارة لمستشفى دار الفؤاد، فقد كان حريصاً على الاستمرارية من حيث الجودة والتطوير الدائم والأهم أنه كان حريصاً على إسم مصر.
فكان دائما مثالاً عظيماً لقوى مصر الناعمة، الذي أتى من صعيد مصر إلى أخر العالم ليتبوأ أعلى الأماكن وأعلى الدرجات العلمية ويكون خادماً للإنسانية وخادماً لأبنائه وزملائه، وحريصاً على تعليم المصريين وأن يأخذ بأيديهم لكي يعودوا إلى مصر ويقدموا الطب في أعلى صورة للمرضى المصريين.
عمل الدكتور فوزي اسطفانوس في مجال الطب وفي حفظ التراث القبطي في مؤسسة سان مارك هو مثال حق لما ينفع الناس ويمكث في الأرض ليخلد ذكراه.
كلمة مستشفى دار الفؤاد يلقيها الأستاذ سعد أمين مهدي،
لم أتصور يوما ما ان اقف لأتحدث عن أخ عزيز فقدناه في الأونة الأخيرة.. هو فعلاً خير أخ لم تلده أمي.. عرفت الدكتور فوزي اسطفانوس منذ خمسة وعشرين عاماً عام 1996 حينما شرفت بالعمل مع سيادة الوزير الأسبق الأستاذ الدكتور حاتم الجبلي مؤسس مستشفى دار الفؤاد.
وحينما بلغت الدكتور حاتم بوفاة الدكتور فوزي إسطفانوس ، قال لي: لقد كانت له يد بيضاء في انشاء دار الفؤاد، وستظل هذه اليد يذكرها كل من وفد من مرضى على المستشفى.
كيف استطاع الراحل العظيم أن يخدم وطنه مصر من خلال عمله في مؤسسة كليفلاند كلينك، من المتعارف عليه عالمياً في مثل هذه المؤسسات العالمية أنها لا تعاقد ولا تتعاون فنياً ولا تدخل مساهماً إلا في مؤسسة قائمة. حبه لوطنه أعطاه القدرة لإقناع مؤسسة كليفلاند كلينك أن تتعاقد مع مؤسسة كانت فكرة تحت الإنشاء، وقدم لبلده كل الدعم.
قربي من الدكتور فوزي اسطفانوس وإشرافي على تنفيذ الإتفاق الموقع بين دار الفؤاد وكليفلاند كلينك، أشهد أنه قدم الكثير لبلده من تدريب للسادة الأطباء وللتمريض والإداريين وكذلك الفنيين، لكي ينقل لهم أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في عالم الطب إلى بلده مصر.
ليس هذا فقط بل جاء كثيرا من أجل توكيل الملايين من الدولارات لدار الفؤاد بدل من أن تدفع لكليفلاند كلينك لتبقى في وطنه مصر.
لقد مات رجلاً عظيماً تاركاً لنا سيرة عظيمة تعيش أطول من عمره على الأرض، ولقد نجح الدكتور فوزي اسطفانوس في ذلك.. إن ما تركه من علم وخدمات وأعمال خيرية ستظل واصلة لعمله الصالح يصل بها إلى أخرته.