منذ نشأت الكنيسة القبطية وهى تزخر بتراث عظيم والذى يعد كواحد من الروافد الرئيسية للثقافة المصرية، يجب المحافظة علية وحفظة مع النشر والتوعية بأهمية هذا التراث القبطى، والعمل على تدريب وتأهيل كوادر قادرة على العمل فى مجالات البحث العلمى والحفاظ على التراث القبطى المعرَّض أكثر من غيره للزوال والاندثار، ووضع مواقع التراث والآثار القبطية محل اهتمام محلى وعالمى، مع زيادة الاهتمام بحمايتها وترميم المعرَّض منها للدمار والتلف، والمساهمة فى حفظ التراث القبطى المادى كالآثار والمخطوطات، والشفهى كالعادات والتقاليد والموسيقى القبطية وغيرها، وذلك عن طريق الجمع والتوثيق والتصنيف، وتشجيع الباحثين المصريين على نشر ودراسة التراث القبطى من خلال إتاحة المادة العلمية لهم وطبع أعمالهم.
وتزخر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بكوكبة من الرموز والآباء الاساقفة والكهنة والباحثين الذين يعملون على حفظ وصيانة وتجميع وإعادة نشر المخطوطات والتراث القبطى وحصره والحفاظ علية وإعادة الاعتبار والاهتمام به.
ومن هنا كان الاهتمام بتجميع وإعادة نشر بعضًا من تُّراث القُمُّص ميصائيل بحر جرجس العلامة والمؤرخ والواعظ القدير لم يكن علامة فارقة في تاريخ أنصنا ودير أبـوحنس بل في تاريخ إيبارشية المنيا كلها، وقد امتد نشاطه وأعماله إلى أرجاء الكرازة وخارجها أيضاً .
قام بها مجموعة من الباحثين الجادين والذين لايدخرون وقت اومجهود فى سبيل البحث والتنقيب وحفظ التراث القبطى وهم الباحث اسحاق الباجوشى والباحث بيجول أنسي والباحث خلف شحاته، حيث قاموا بنشر كتاب من تراث القمص ميصائيل بحر “الشهداء والنيروز”والذى جاء فيه،
ولد القُمُّص ميصائيل بحر جرجس في 1903م في قرية دير أبو حِنِّس بملوي، وتربَّى وترعرع وتهذَّب في كُتَّابِها، وتدرَّج في التَّعليم حتَّى تخرَّج في المدرسة الإكليريكيَّة في 1923م، وسيِّم قِسًّا في 1924م، وتَنَيَّح في 31 مارس 1983م.* وقد نشَر القُمُّص ميصائيل بحر أكثر من أربعين كتاب وبحث، وعشرات المقالات بالمجلاَّت القبطيَّة الَّتي صدرَت في حياته، وامتدّ النَّشر في بعضها إلى ما بعد وفاته.. في: اليقظة (1924م)، الفردوس (1926م)، طريق الحياة (1931م)، رسالة المحبَّة (1934م)، الإيمان (1931م)، ثمرة الجهاد (1938م)، الأنوار (1946م)، صوت الشُّهداء (1959م)، رسالة الكنيسة، لصاحبها القُمُّص ميخائيل صليب جرجس (1963م)، الكرازة (1965م)، وجريدة وطني (1958م)، وغيرها. وساهم أيضًا في كتابات العديد من الآباء العُلماء، وله مُراسلات خاصَّة معهم، ومن هؤلاء: القِسّ منسَّى يوحنَّا، والقُمُّص بيشوي كامل، والدُّكتور وهيب عطا الله (نيافة الأنبا غريغوريوس)، والدُّكتور سامي جبرة، والأستاذ كامل صالح نخلة، والأستاذ يسَّى عبد المسيح، والأستاذة إيريس حبيب المصري، والأبّ موريس مارتان اليسوعيّ، الأبّ جامبرارديني، والأبّ جرار فيو، والبروفيسور بيتر جروسمان، والأستاذ دياب غبُّور، والدُّكتورة زبيدة محمد عطا، والأستاذ عبد الحميد زايد، وغيرهم.
لقد بدأ الأستاذ خلف شحاته بجمع تُراث هذا الأبّ الجليل في عام 2004م، ثمّ انضمّ إليه الباحثان إسحاق الباجوشي وبيجول أُنسي، وتمّ تكوين لجنة للعملِ على جمع وتبويب وتحقيق ونشر تُراث هذا الأبّ الجليل. وأولى الأعمال الَّتي نُشرت عِظة بعنوان: «الطَّاعة» في عام 2014م. كما تمّ جمع أكثر من أربعين عمل آخر، من أهمِّها أعماله عن تاريخ الإيبارشيَّات التَّابعة لمُديريَّة (مُحافظة) المنيا وأديرة وكنائس ملوي، المعروف بإقليم المنيا عبر العصور، وأيضًا كتابه الهامّ عن الإسكندرية، والشُّهداء والنَّيروز (جُزء أوَّل)، وهو العمل الَّذي حظي بمُباركة وتقديم قداسة البابا تواضروس الثَّاني -أدام الله برّه وثبَّته على كرسيِّه- إذ تفضَّل قداسته بتقديم العمل وأثنى على جهودِ ناشريه. ولقد سجَّل القُمُّص ميصائيل بحر المؤرِّخ والعلاَّمة (1903-1983م) على صفحات السَّنة الأولى من مجلَّة ‘صوت الشُّهداء’ (1959م)، في بابٍ أسماه القُمُّص بطرس سيفين: ‘من بُطونِ التَّاريخ’. وقد كتَب القُمُّص ميصائيل بحر مُتفرِّقات عن الشُّهداء وأعيادهم وشخصيَّات منهم، تحت عُنوان: ‘صحائف خالدة من قُدَّاس الموعوظين’ (الأعداد 1 – 3)، و’عيد النَّيروز’ (العدد 10). ثُمَّ قدَّم القُمُّص ميصائيل من خلال صفحات هذه المجلّة، وعلى مدارِ ثلاثة عشرة سنة، مقالاته الَّتي جمعها ونشرها عام 1959م في كتابٍ تحت عُنوان: ‘إقليم المنيا في العصر القبطيّ’ وذيله بصحائِف خاصَّة عن تنميةِ السِّياحة الدِّينيَّة في مُحافظة المنيا ومسار العائلة المُقدَّسة في المنيا وأسيوط. إنَّ كتابات القُمُّص ميصائيل بحر تدعونا إلى الفخرِ والاعتزاز بكنيستنا القبطيَّة وتاريخها المجيد، لا سيَّما ما كتبه عن الشُّهداء، لأنَّ دمهم المسفوك كان بالحقيقة بذرة الإيمان.
وقد وجدنا بعضًا من هذه الكتابات في صورة قُصاصات بخطِّ أبينا القُمُّص ميصائيل بحر، فقُمنا بجمعِها وتقديمها للقارئ لأجل المنفعة، ولكي يكون لنا بالحقيقة نصيب في الشَّهادةِ الحقيقيَّة للرَّبِّ يسوع، عرض مُختصَر للكتاب.
نقدِّم الشُّكر والتَّسبيح والتَّمجيد والسُّجود اللاَّئِق بربِّنا وإلهنا ومُخلصنا يسوع المسيح، الَّذي أعاننا على إتمامِ هذا العمل، كما نشكُر حضرة صاحب الغبطة والقداسة البابا البطريرك الأنبا تواضروس الثَّاني بابا الإسكندريَّة وبطريرك الكرازة المرقسيَّة، على عظيم محبَّته ودعمه وتشجيعه لنا، واهتمامه بإعادةِ نشر كُنوز وتُراث المُتَنَيِّح القُمُّص ميصائيل بحر لمنفعةِ أبناء الكنيسة.
ولا يفوتنا أنْ نتقدَّم أيضًا بوافرِ الشُّكر إلى أُسرةِ القُمُّص ميصائيل (الأبناء والأحفاد)، ونَخُصّ بالشُّكرِ المُهندس سِريّ القُمُّص ميصائيل، والأُستاذ سمير القُمُّص ميصائيل، من أجلِ الثِّقة الَّتي أولونا إيَّاها، ومُباركتهم لعملنا على جمعِ وتحقيق ونشر هذا التُّراث المجيد. ونشكُر أيضًا بيت مدارس الأحد القبطيّ، والأستاذ الدكتور أشرف إسكندر صادق، والأستاذ الدُّكتور سينوت دلوار شنودة، الَّذين لم يدَّخِروا جَهدًا في سبيلِ مُساندة وتشجيع هذا العمل حتَّى خروجهِ إلى حيِّز النُّور. كما نَشكُر الأستاذ شُهدي فوزي الَّذي خصَّنا بترجمتهِ لمقالٍ هامّ يتَّصل بموضوع الكِتاب، وأيضًا الأستاذ شريف رمزي لتعبهِ في المُراجعةِ اللُّغويَّة لمادَّة الكتاب وتحريره وتنسيقه وتصميم الغُلاف. الرَّبّ إلاهنا قادرٌ أنْ يُعَوِّض الجميع عن تعبِ المَحبَّة والمؤازرة والتَّشجيع، بشفاعةِ العذراء القدِّيسة مريم، وبركة وصلوات الشَّهيد أريانوس وشُهداء أنصنا وكُلّ الشُّهداء القُدامى والمُعاصرين، وبصلوات قداسة البابا تواضروس الثَّاني، وشريكه في الخدمة الرَّسولية نيافة الأنبا ديمتريوس أُسقُف كرسيّ ملوي وأنصنا والأشمونين. ولإلهنا المجد الدَّائم في كنيستهِ المُقدَّسة آمين.
وقد قام قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندريَّة وبطريرك الكرازة المرقسيَّة، أطال الرَّبّ حياته بتقديم الكتاب بكلمة جاء فيها
هذا عمل تاريخيّ موثّق يحفَظ تُراثًا خالدًا كتبه الأبناء عن الأجداد، فها هو واحدٌ من المؤرِّخين المُجتَهدِين المُتَنَيِّح القُمُّص ميصائيل بحر جرجس (1903 – 1983م)، وقد اجتهد في حياته دارسًا في كُتُبِ التُّراث وسِيَر القدِّيسين والشُّهداء وكتَب أبحاثًا ومقالات هذا عددها، ونشَرها في مجلاَّت وإصدارات زمانه. وحديثًا اهتَمّ بعض الأبناء والأحبَّاء بجَمعِ وشَرح بعضًا من هذا التُّراث في مقالات ومواعِظ تدور حول عيد الشُّهداء، وسِيَر بعضهم رجالاً ونساءًا وأطفالاً مع عِدَّة ملاحق مُضافة إلى هذا التُّراث المجيد. أُحيي جامعوا هذا التُّراث: إسحاق الباجوشي – بيجول أنسي – خلف شحاتة، على هذا المجهود الشَّيِّق، والَّذي سيصحبك عزيزي القارئ عبر الصَّفحات في مُتعةِ الإبحار في تاريخِنا المجيد. ونعمة المسيح تشملنا جميعًا.
وعن فصول الكتاب وما يحويه:
نجد ان الفصل الأوَّل من هذا الكتاب يتناوَل تعريف عيد النَّيروز من النَّاحيتَينِ اللُّغويَّة والتَّاريخيَّة، أعدَّه مُحقِّقو وجامعو تُراث القُمُّص ميصائيل بحر جرجس.
أمَّا كتاب أبينا القُمُّص ميصائيل بحر فيَبدأ من الفصلِ الثَّاني، ويفتتحه بنبذةٍ تاريخيَّة عن النَّيروز، ويقتبس بعض الأبيات الَّتي تغنَّى بها الشُّعراء في وصفهِم لهذا العيد المصريّ القديم، ثُمَّ يتحدَّث عمَّا يجب على أبناءِ الشُّهداء فعله في أعياد الشُّهداء القدِّيسين، وما هي هدايا هذا العيد الجليل (وهي عِظة له نُشِرَت في أكثر من مجلَّة).
وفي الفصل الثَّالث يتطرَّق القُمُّص ميصائيل إلى الحديثِ عن اليوم الثَّاني من شهرِ طوبة المُبارك، تذكار نياحة البابا ثاؤنا، البطريرك 16 (282 – 300م)، فيذكُر نشأته واختياره للبطريركيَّة ونياحته، وفي السِّياقِ ذاته يُشير إلى ألقاب أُسقُف الإسكندريَّة (البابا – البطريرك)، والحُدود الجغرافيَّة الخاضِعة لرعايتهِ.
ثُمَّ يتحدَّث عن الشُّهداءِ في شهر طوبة، مع لمحة تاريخيَّة لأهمّ أحداث وتذكارات هذا الشَّهر، ومنها: تذكار شهادة القدِّيس سرجيوس الأتريبيّ ومَن استشهدوا معه، ويتعرَّض للحديثِ عن مدينة أتريب (والَّتي أصدَر عنها بعد ذلك كتابًا، تولَّى نشره القُمُّص بيشوي كامل)، فضلاً عن موجةِ الاستشهاد التي اجتاحَت بلاد مصر، والمُعجزات التي صاحبت هذا الاضطهاد. ثُمَّ يتطرَّق إلى الحديث عن أريانوس والي أنصنا، وإيمانه واستشهاده، مع لمحة تاريخيَّة عن مدينة أنصنا. وبنهاية ما كتبه أبينا القُمُّص ميصائيل بحر تبدأ ملاحق الكتاب، وتتضمَّن عِدَّة مقالات تتَّصِل كُلّها بالشُّهداءِ وبعيد النَّيروز وتاريخه في الكنيسة القبطيَّة.
•المقال الأوّل للقِسّ برسوم المعروف بشمس الرِّئاسة أبو البركات ابن كبَر، كاهِن الكنيسة المُعلَّقة (†1324م)، يتناوَل فيه عيد النَّيروز وتاريخه وأُصوله المصريَّة القديمة
• المقال الثَّاني هو أيضًا عن عيد النَّيروز وعلاقته التَّاريخيَّة بالاحتفالِ بوفاءِ النِّيل، للأنبا إيسوذورس العلاَّمة أُسقُف دير البرموس (†1942م)، نشرَه في مجلَّةِ صهيون.
•المقال الثَّالث من وَضعِ توفيق بك إسكاروس (1871م – 1942م)، يتعرَّض فيه إلى تلك الرُّواية المزعومة الَّتي كان يَحلو للبعضِ أنْ يتشدَّقوا بها دون فَحصٍ أو دراسة، ويُفَنِّدها، وهي الرُّواية المُتعلِّقة بعروسِ النِّيل وإلقاء عذراء فيه! ومُخالفتها للحقيقةِ التَّاريخَّية.
• المقال الرَّابع للقُمُّص صموئيل تاوضروس السُّريانيّ (†1983م)، يتحدَّث فيه عن الإمبراطور دقلديانوس، وسُلوكه الدَّمويّ ضِدّ المسيحيِّ، وأسباب اضطهاده لهُم.
• المقال الخامس بقلم الأبّ القُمُّص مرقس سلامة الكاهن بملوي (1923 – 1993م)، يستكمل فكرة المقال السَّابق، حيث يتناوَل شخصيَّة ذلك الإمبراطور الطَّاغية (دقلديانوس)، والتَّفاصيل الخاصَّة بحياتهِ وفترة حُكمه، وموقفه العنيف ضِّد المسيحيَّة، وموته أخيرًا.
•المقال السَّادس هو ترجمة لمقالٍ نشرته مجلَّة جمعيَّة الآثار القبطيَّةBSAC ، في العام 1990م، تحت عُنوان: DIOCLETIAN IN THE COPTIC TRADITION (دقلديانوس في التَّقليدِ القبطيّ)، في المُجلَّد 29، والمقال للكاتبة: GONNIE VAN DEN BERG-ONSTWEDDER (جوني فان دِن بِرج-أونستفيدر)، [ص 87 – 122]، وقام بالتَّرجمة: شُهدي فوزي كامل. ويتحدَّث المقال عن شخصيَّةِ دقلديانوس في التَّقليد القبطيّ، وكيف تناوَلها الأقباط في مصادرهِم المُختلفة الَّتي تناوَلت تاريخ ذلك الإمبراطور الطَّاغية، فضلاً عن الخصائِص المُتعلِّقة بأدبِ رواية الاستشهاد في المصادرِ القبطيَّة، وما قاله المؤرِّخون الأقباط عن دقلديانوس وحُكمه، اعتمادًا على سِيَرِ أكثر من ثلاثين شهيد، دوِّنَت باللُّغةِ القبطيَّة. وهذا الكتاب بمكوناتهِ هو في الحقيقة مُحاولة لتقديم صورة مُبسَّطة لما كان عليه أجدادنا الأقباط في القُرونِ الغابِرة، وما وصَل إليه عِلمهم، على الرَّغمِ من صُعوبة أوضاعهِم المعيشيَّة، وما حاق بهم من جورٍ واضطهاد. كانوا نورًا ومنارة للإيمان، وشُعلة مُتأجِّجة بفعلِ حرارة الرُّوح القُدس. وهو حال المسيحيِّين وكنيستهم المجيدة في كُلِّ زمانٍ، لأنَّ الإله الَّذي يعبدونه هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد (عب 13.8).