طالب النائب حسن الميرا مؤخرًا بتغيير مسمى “أطفال الشوارع” في مشروع قانون صندوق الوقف الخيري إلى “أطفال بلا مأوى” و الوارد في المادة الثانية من مشروع القانون، و أيد هذا المقترح الدكتور حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب.
وطالب بإجراء هذا التعديل في سائر نصوص القانون، و بذلك تعود إلى أذهاننا كل صور تلك القضية الإنسانية والاجتماعية المؤلمة و الشائكة و المثيرة للجدل دائمًا، ولطالما اُقيمت مشروعات لمكافحة هذه الظاهرة و كتبت مقالات و تحقيقات صحفية و تغطيات إعلامية لهذه المجهودات.. لكن المشكلة لا تزال قائمة، أين يقع الخلل إذن؟
و ما هي الحلقات المفقودة؟ في هذا التحقيق نناقش الجانب الحقوقي من ناحية ودور وزارة التضامن و إنجازاتها بالمشاركة مع الجمعيات الأهلية في مكافحة هذه الظاهرة لإنقاذ أولادنا الذين اضطرتهم الظروف القاسية للعيش بلا أسرة وبلا حماية وبلا شعور بالأمان.
ضحايا وليسوا مذنبين:
في البداية التقت وطني بالأستاذ هاني هلال خبير حقوق الطفل، و رئيس المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة و أمين عام الائتلاف المصري لحقوق الطفل.. لنتعرف على إنجازات المؤسسة خلال السنوات الماضية في مجال حقوق الطفل وخاصة أطفال بلا مأوى.
+ ما السبب الرئيسي الذي دفعك للعمل في هذا المجال؟ و ما هي أهم إنجازات المؤسسة؟
++ أنا أعمل في مجال التنمية منذ حوالي 32 سنة، كانت البداية عندما قمنا بعمل مسح اجتماعي لمنطقة في شرق القاهرة و اكتشفنا أن الأطفال أكثر فئة مظلومة و التعامل معهم يكون بدافع الشفقة و ليس الحقوق ، فقررنا أن ننشيء كيانا اسمه المركز المصري لحقوق الطفل، في سنة 1990 أصدرنا وثيقة “وضع الطفل في مصر”، و بعد فترة طويلة رصدنا الاحتياجات الحقيقية للطفل أهمها عدم وجود كيان حقوقي لقضايا الطفل، و الاحتياج للتعديلات التشريعية و التوعية بالاتفاقات و المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، و توعية القائمين على قضايا الطفل المختلفة، و رصدنا وضع الطفل في التعليم و الصحة و الإعاقة، و عمالة الأطفال، و الأطفال الشهود على الجرائم. و أوصينا أن الطفل سواء كان جانِ أو شاهد أو ضحية فهو له حقوق.
في عام 2003 تم التوافق بيننا و بين المجلس القومي للطفولة والأمومة على ضرورة تعديل قانون الطفل في مصر، فالقانون القديم يعتبر الطفل الذي يتعرض للاعتداء الجنسي منحرفًا، مع أنه ضحية و يحتاج لحماية و ليس لعقاب.
موضوع الختان لم يكن هناك تجريم له ، و الاتجار بالأطفال لم يكن هناك تجريم له، عزوف الأسرة عن تعليم أطفالها يجب معاقبتها عليه ، وقد تم استخراج شهادات ميلاد لفاقدي الهوية علي أن تكون مجانية للمرة الأولي ، و في عام 2008 تم تعديل قانون الطفل المصري الذي كان قد صدر عام 1996 و أصبح واحدًا من أفضل قوانين الطفل في العالم ، و ذلك لأنه ضم كل جوانب الطفولة و نظمها قانونيا ، و لأنه تم بمشاركة مجتمعية، وحتى الأطفال أنفسهم تم أخذ آرائهم من جميع المحافظات و شاركوا في وضع القانون .
وضعية الشارع :
أضاف الأستاذ هاني هلال رؤيته لكل طفل يتواجد في الشارع قائلا انه ليس بالضرورة أن يكون الطفل بلا مأوى ليتواجد في الشارع فترات طويلة ف الأطفال الذين يستمدون نماذج سلوكياتهم من الشارع يعتبرون أطفالا في وضعية الشارع ، لدينا أطفال العشوائيات و الأطفال العاملون ، فنحن نجد أطفالا في المحاجر و الورش و نجدهم يجمعون القمامة أو متسولين ، نجد أطفالا يستغلون في ترويج المخدرات و في استغلال جنسي، هؤلاء يعتبرون أطفالا في وضعية الشارع ، لكن الطفل غير مسؤول عن الظروف التي ولد فيها، إنها مسؤولية الدولة والمجتمع.
القانون يعاقب الأسرة التي تنتهك حقوق الطفل بنزع الطفل منها و ايداعه مؤسسة ، لكن نفس الانتهاكات التي تحدث داخل الأسرة قد تحدث داخل المؤسسة ، لأن القائمين عليها ليسو مؤهلين .
لجنة حماية الطفل :
نسأل الأستاذ هاني متي تنتهي هذه الظاهرة ، فيقول : كل جهة في الدولة لها استراتيجية منعزلة ، فيجب التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني و الأخصائيين في كل المجالات المتعلقة بالقضية ، و يجب تأهيل القائمين على المؤسسات، هناك نوعان من التربية، التربية بالتحكم و التربية بالحب، الحب هو الذي يجعل الطفل يطيع و ينصاع.
و لابد من وقف العنف ضد الطفل داخل الأسرة وليس داخل المؤسسات فقط، القانون أوصي بوجود “لجنة حماية الطفل” في كل حي في جميع محافظات الجمهورية بحيث تكون تابعة لكل من المجلس القومي للطفولة والأمومة و المجلس المحلي، و تكون مهمتها التدخل لمنع العنف الأسري ضد الأطفال ، و لكن هذا البند لم يفعل بشكل حقيقي حتى الآن.
انتهى كلام الأستاذ هاني هلال و رغم كل هذا الوصف من ظروف مأساوية للأطفال بلا مأوي كنت واثقة أن الصورة ليست قاتمة الي هذه الدرجة لأني أعرف كما يعرف الكثيرون أن وزارة التضامن تبنت مبادرة “أطفال بلا مأوي” منذ عام 2016 ، بهدف تقديم خدمات الرعاية والتأهيل لهم، ودمجهم في المجتمع تمشيا مع سياسة الوزارة التي تعتمد على تجفيف المنابع و التدخل الفوري للحد من الظاهرة.
بدأت المبادرة في عشرة محافظات أصبحوا الآن 13 محافظة، وقد تطور المشروع ليصبح المشروع القومي لحماية أطفال و كبار بلا مأوى، حيث تم دمج الكبار مع الأطفال في هذه المؤسسات و نجحت التجربة. والتقت وطني بالأستاذ حازم الملاح المسؤول الإعلامي للبرنامج القومي لحماية الأطفال و الكبار بلا مأوى بوزارة التضامن الاجتماعي.
مؤسسة متنقلة :
+ نود أن نعرف لمحة عن البرنامج .
برنامج أطفال بلا مأوى هو مشروع يتم بالتعاون و الشراكة بين وزارة التضامن وصندوق تحيا مصر، تم توقيع البروتوكول بينهما عام 2015 ، وبدأ التنفيذ في يونيو 2016 ، و في عام 2019 ، لدينا 17 وحدة متنقلة موجودة في الشوارع يوميًا، داخل كل وحدة متنقلة يوجد أخصائي اجتماعي، أخصائي نفسي، أخصائي نشاط، مسعف، أخصائي إدارة حالة، والوحدة المتنقلة هي أشبه بدار رعاية مصغرة متنقلة، يوجد بها بلاي ستيشن، يتم عمل أنشطة لاكتشاف إمكانيات وظروف كل طفل، إذا كانت ظروف أسرته تسمح يتم دمجه مع الأسرة و إذا لم تسمح يتم إيداعه دار الرعاية.
+ كيف تعرفون أماكن تواجد الأطفال بلا مأوى؟
++ لدينا خريطة بوزارة التضامن الاجتماعي تحتوي جميع أماكن تجمعات الأطفال و محدثة من خلال فرق الشارع التابعة لنا، و في البداية كان التحدي عدم معرفة الأطفال بفريق العمل و لا الوحدة المتنقلة لكن بمرور الوقت عرفوا الفريق، ونحن نتلقى يوميًا بلاغات بوجود أطفال في أماكن معينة، حتى الآن نجحنا في إنقاذ 5000 طفل من خلال الدمج داخل الأسرة أو الدمج داخل مؤسسة و من خلال المسعف أنقذنا حالات تعرضت لحروق و جروح . و لدينا خط ساخن هو 16439
+ في ظل ظروف وباء كورونا.. ما هي الإجراءات الاحترازية التي يتم اتخاذها ؟
++ نقوم بعمل مسحة لأية حالة ستنضم لدار رعاية.
+ ما هي المحافظات التي تعملون بها ؟
++ نعمل في 13 محافظة هي الأكثر كثافة لتجمعات الأطفال بلا مأوى هي : “القاهرة، الجيزة، القليوبية، الإسكندرية، المنوفية، الشرقية، السويس، بورسعيد، الغربية، الفيوم، بني سويف، أسيوط، المنيا”.
+ كم عدد مؤسسات الرعاية وما هي إمكانياتها؟
++ لدينا 6 مؤسسات للرعاية تم تطويرها و أصبحت بيوت آمنة بالتعاون و الشراكة مع صندوق تحيا مصر ، لدينا مؤسسة دار التربية بالجيزة بنين و دار فتيات العجوزة بنات، و مؤسسة الحرية بنين بعين شمس، و دار التربية بنين بالشرقية، ومجمع الدفاع الاجتماعي بالإسكندرية، و دار التربية للبنين بالمنيا.
+ ماذا يتعلم الأطفال في هذه المؤسسات ؟
++ بعضهم يتلقى تعليمًا حسب قدراته و البعض الآخر يتعلم حرف في الورش، أما البنات فيتعلمون فنون الكروشيه و الخياطة و الخرز و الخزف في حال عدم استجابتهم للتعليم المدرسي.
+ ما حجم التمويل لهذا المشروع ؟
++ 164 مليون جنيه، ساهمت وزارة التضامن بـ 50 مليون جنيه، و ساهم صندوق تحيا مصر ب 114 مليون جنيه .
التقت وطني أيضًا بالأستاذ محمد سيد مدير دار التربية للفتيان بالشرقية، وهذه الدار هي فرع من الجمعية المصرية للدفاع الاجتماعي و مقرها الرئيسي خارطة الشيخ مبارك بمصر القديمة، وهذه الجمعية واحدة من المؤسسات التي أسند إليها عام 2017 مسؤولية المشاركة في مشروع أطفال بلا مأوى، و جدير بالذكر أن الجمعية تأسست و تم إشهارها عام 1969 .
سلوكيات سلبية :
+ ما التحديات التي واجهتكم في بداية التعامل مع أطفال بلا مأوى ؟
++ كون هؤلاء الأطفال قد اكتسبوا صفات سيئة من الشارع مثل عدم الإهتمام بالنظافة الشخصية وعدم الالتزام بالمسؤولية، و التعود على المكسب السريع من خلال التسول وعدم الأمانة، و كونهم في حالة من الجهل و المرض كل هذه تحديات، و لكننا تغلبنا عليها من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة، يتم إشراك الأطفال فيها وتعليمهم السلوكيات الإيجابية، بخلاف تحديد برنامج يومي يقوم عليه فريق العمل بالدار من مقدمي أوجه الرعاية الإجتماعية ووضع خطة علاج و تأهيل سواء كانت فنية أو تعليمية أو صحية .
+ هل يستجيب الأطفال للتعليم؟
++ يستجيبون بنسبة 80% ، وذلك من خلال المدرسة المجتمعية داخل الدار للأطفال المتسربين من التعليم و الالتحاق بالمدارس الحكومية المحيطة ( محو أمية، ابتدائي، إعدادي ، ثانوي سواء كان أزهريًا أو عامًا)،
و يتم تدريب الأطفال في ورش التركيبات الكهربائية، و ذلك حسب بروتوكول بين وزارة التضامن الاجتماعي و شركة المصرية للاتصالات، من سن 12 – 18 عاما وهذا تخصص يحتاج إلى المتعلمين والذين لديهم مهارات فنية، أما الذين لم يوفقوا في التعليم فيلتحقون بأقسام النجارة واللحام و الدهانات و الأحذية و كاوتش السيارات .
+ هل توجد أية انتهاكات من أي نوع داخل الدار من قبل المشرفين على هؤلاء الأطفال ؟
++ لا توجد أية انتهاكات ولا أعمال عنف، حيث تطبق الدار سياسة الحماية وقد وقع جميع العاملين بالدار على ميثاق السلوك الذي يضمن حقوق الأطفال و العاملين و ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
+ كم عدد الأطفال بالدار ؟
عدد الأطفال بالدار 40 طفلًا، منهم 18 طفلا بلا مأوى، و قد تم تجربة دمج الكبار بلا مأوى مع الأطفال بلا مأوى في هذه الدار لأول مرة في مصر، وقد نجحت التجربة لأن الأطفال يفتقدون الجو الأسري و الكبار أيضا يفتقدون الأبناء و الأحفاد، و قد نشأت صداقة بين الطرفين إلى حد كبير .
+ هل يتناقص عدد أطفال بلا مأوى؟
إن عددهم في تناقص مستمر بالمنطقة ، مع العلم أن الدار تخدم محافظتي الشرقية و القليوبية، نظرًا لدور الدار في استهدافهم وإعادة تأهيلهم، ثم إعادة دمجهم في المجتمع ( من سن 6 – 18 ) سنة .