يتزايد اهتمام وسائل الإعلام بالمشكلات التي يعيشها بعض ساكني المدينة كالقاهرة والإسكندرية, علي حين نجد أن الريف بالرغم من الاهتمام المتزايد به من قبل المسئولين علي المستويات المركزية والمحلية لا يحظي من وسائل الإعلام المختلفة بنصيب عادل في الإعلان عن مشكلاته, وربما يرجع ذلك إلي عديد من الاعتبارات أهمها أن معظم قري الريف لم تتكون بها حتي الآن قيادات واعية, تستطيع أن تأخذ علي عاتقها الإعلان عن المشكلات ودراسة أسبابها واقتراح الحلول الكفيلة بالقضاء عليها أو التخفيف من حدتها.
وأنني -وأنا أعيش في القاهرة- أكاد أظن أن أجهزة الإعلام المختلفة تنظر إلي المشكلات من خلال عدسات المدن الكبري فقط, فدائما نقرأ أو نسمع عن مشكلات التموين والمجمعات الاستهلاكية والمواصلات الداخلية وغيرها التي تحدث في المدن الكبري, ونادرا ما نجد أن بعض وسائل الإعلام قامت بإجراء بحث شامل في موضوعات تخص الريف كالتسويق التعاوني, ودور الجمعيات التعاونية الزراعية ومسائل التموين, ومدي كفاية الأجهزة القائمة بأداء الخدمات الصحية والاجتماعية حتي الموضوعات التي سبق وتناولتها الصحف بالتعليق في هذا الشأن, كان لا يعدو لمس المسائل من جانب واحد من جوانبها, ألا وهو جانب المزايا التي تتحقق أو يحتمل أن تتحقق عن طريقها, وذلك دون أن نلمسها في نواحي التطبيق العملي, والعيوب التي أسفر عنها, ودون أن تلمس مدي كفاية الأجهزة والأشخاص القائمين علي تنفيذها.
وقد تقتصر الصحف ووسائل الإعلام الأخري علي إجراء بعض الأحاديث مع القائمين علي إدارة بعض الشئون, وغالبا ما يعطي بعض هؤلاء صورة غير واقعية للأمور.
وأود في هذا المقال أن أشير إلي بعض المشكلات التي يعانيها الريف والتي يجدر بوسائل الإعلام -وعلي وجه الخصوص الصحافة- أن تتناولها بالبحث والتعليق.
فالعيوب وأوجه النقص التي شابت نظام التسويق التعاوني للمحصولات في بعض الجهات, لم تتحدث عنها الصحافة أو الوسائل الإعلامية الأخري, إلا بعد أن ناقشا الجهاز التنفيذي نفسه ممثلا في اجتماعات مجلس الوزراء, واتخذ الحلول لمعالجتها, وأود أن أوضح أن معظم عيوب نظام التسويق التعاوني للمحصولات, لا يرجع إلي عيب في النظام ذاته, إنما يرجع إلي عيوب في الأجهزة القائمة علي تنفيذه.
كذلك نسمع ونقرأ عن أن الأجهزة التنفيذية المختلفة اتخذت الخطوات اللازمة لمضاعفة كميات المواد الاستهلاكية المطروحة في أسواق المدن الكبري, علي حين نجد أن الريف يعاني من النقص في المواد التموينية, فضلا عن تحكم فئة من التجار في الكميات المطروحة منها.
ويوم أعلن الجهاز الحكومي عن رغبته في إنشاء مؤسسة عامة لتنمية الثروة الحيوانية هللت الصحف وكبرت لهذا المشروع, ولكنها لم تبين أن هذا الإجراء وحده غير كاف لحل المشكلة, فإنه يلزم أن نرجع إلي أصول المسائل وجذورها. وفي رأيي أن جذور المشكلة في الريف, فيجب أن نبحث لماذا أصبح اهتمام الفلاح بتربية المواشي والدواجن أقل مما كان عليه فيما سبق. علينا أن نسأل أنفسنا لماذا أصبح الفلاح الذي كان يملك عددا من رؤوس المواشي, وأعدادا من الدواجن , أصبح الآن لا يملك منها شيئا أو يملك منها ما لا يتناسب ووجوب تنمية ثروته الحيوانية علينا أيضا أن نسأل أنفسنا هل عادت الجمعيات التعاونية الزراعية في الريف دورها المرسوم لها عن طريق الأجهزة القائمة عليها, أم أن القائمين علي تلك الأجهزة مازالوا متخلفين عن الركب الثوري وينقصهم الكثير من التعمق في المفاهيم التعاونية والاستهلاكية, والتفاني في خدمة المواطنين, والبعد عن الأغراض والمنافع الشخصية؟
وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن التلاعب والاختلاسات في المجمعات الاستهلاكية ببعض المدن الكبري, لا نسمع أو نقرأ شيئا عن الكيفية التي يسير بها العمل في الجمعيات التعاونية الزراعية في القري, ولا أستطيع أن أقطع برأي فيما إذا كان ذلك يرجع إلي تقصير وسائل الإعلام ذاتها في تناول مثل هذه الموضوعات أم أن القصور كامن في أجهزة الرقابة نفسها لعدم وضع يدها علي ما يدور في تلك الجمعيات. رغم أن الذي يسير في شوارع قرية من القري يسمع ويشهد الكثير.
وأود هنا أن أشير إلي حادثة -شاهدتها بنفسي في إحدي القري في موسم تأجير الأراضي الزراعية للعام الزراعي 1964/63- فقد تبين أن عقود إيجار الأراضي الزراعية التي أعدتها المؤسسة التعاونية الزراعية العامة تيسيرا للفلاحين في كتابة عقود الإيجار وتوحيدا لنصوص تلك العقود, أصبحت وسيلة من وسائل الكسب غير المشروع, حيث إنه بدلا من أن تبيعها الجمعيات التعاونية المحلية بالقري بسعر ثمانية عشر قرشا للعقد الواحد من ثلاث نسخ, كانت تباع بسعر يزيد علي خمسة وثلاثين قرشا لدي البقالين وتجار المحصولات, وأصبح وجودها في الجمعيات الزراعية ضربا من الخيال. وقد توجهت يومها لمقابلة السيد مدير إدارة الزراعة بالمركز التابعة له تلك القرية, ووجدت أن سيادته يعلم تلك الحالة وسألته يومها لماذا لا يبحث تلك الظاهرة مع المسئولين, رحمة بالفلاحين, لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لوصول تلك العقود إليهم بالسعر الرسمي, فألقي سيادته يومها اللوم علي المؤسسة الزراعية صاحبة المدة, وبنك التسليف الزراعي والتعاوني ولم استطع أن أفهم عنه أسباب ذلك أو أتبين صحة ادعائه.
وجدير بالذكر أن الفلاح كان مجبرا بأن يحرر عقود الإيجار علي النسخ المطبوعة الواردة من المؤسسة الزراعية وإلا فإن الجمعيات التعاونية الزراعية بالقرية ترفض تسجيل عقده بها.
ولم أستطع أن أتبين سبب تلك الأزمة ومن المستفيد من ورائها؟ وأرجو ألا تتكرر تلك الظاهرة وأمثالها في الموسم الحالي.
إن ما أشرت إليه لم أقصد به إلا إعطاء أمثلة عن مشكلات جديرة باهتمامنا في ميدان الصحافة والإعلام, يجب إبرازها بقصد إيجاد الحلول المناسبة لها بدلا من أن تترك الداء يستشري حيث لا ينفع علاج أو دواء.
ولكي تؤدي وسائل الإعلام والصحافة دورها في مجتمعنا الاشتراكي الديمقراطي التعاوني, نري أن تخرج عن دورها السلبي التقليدي في طريقة تناولها للموضوعات, إلي دورها الإيجابي في النقد البناء لكي تحقق الغرض من وجودها كأداة من أدوات التعبير الشعبي والرقابة الشعبية.
إن علي وسائل الإعلام بأنواعها من صحافة وإذاعة صوتية ومرئية أن تقوم بدور آلة التصوير الجيدة في إظهار الصورة بما فيها من عيوب ومزايا, وعليها أن تبرز العيوب تمهيدا لدراسة أسبابها لتلافيها أو التخفيف من حدتها وذلك بنفس القدر الذي توضح به المزايا تشجيعا للأجهزة لتشجيعها علي العمل بكفاية حتي إذا أردنا أن نضع بين يدي الجمهور صورة حقيقية لأي موقف عن المواقف كان علينا أن نحصل علي تلك الصورة من الجمهور نفسه الذي وضع التنظيم لخدمته لا من القائمين علي التنفيذ فقط.