— يعقوب صنوع ” موليير مصر ” وأول مسرح وطني في مصر
— جورج أبيض ويوسف وهبى والمسرح الدرامي في أوائل القرن العشرين
— الشاعر خليل مطران وتأسيس الفرقة القومية المصرية
مسرح الستينيات ..الدكتور ثروت عكاشة ، توفيق الحكيم ، نعمان عاشور ، يوسف إدريس
حول مفهوم ” ثقافة النخبة وثقافة الشعب ”
“إذا كانت أوروبا لديها عصر النهضة وكان لديها أباء لهذا العصر مثل مايكل أنجلوا ولانكي ودافنشي وميكافيلي وجاليليو، نحن أيضًا لدينا آباء لعصر النهضة المصرية، الذين ظهورا مع عصر محمد علي حينما قام بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج ومن ضمنها الطهطاوي والذي يعتبر مثقف العصر الحديث، أو الأب الكبير وبشير التقدم مثلما قال نعمان عاشور، ثم صنوع بلعبته التيترية ثم عثمان جلال ومسرحياته المُمصره، ثم النديم ولعبة الادباتي كل من هؤلاء أصحاب بصمة في العصر الحديث، هؤلاء كانوا الآباء لعصر النهضة والتنوير الذين كانوا في مصر منذ 150 عامًا”.
بهذا التأريخ لفن المسرح تناول الناقد والمؤلف المسرحى الكبير أبو العلا السلامونى بحثه “الظواهر والأشكال المسرحية التي مهدت طريق الآباء ” وذلك فى إطار المحاور الفكرية للمهرجان القومي للمسرح برئاسة الفنان يوسف إسماعيل فى الفترة من 20 ديسمبر 2020 إلى 4 يناير 2021 بالأعلى للثقافة فى دورته 13 دورة الآباء التي تضمها الكتاب الصادر عن المهرجان هذا الاصدار المهم الذي جاء ليوثق فعاليات المهرجان بعنوان “150 سنة مسرح”، من اعداد وتقديم الناقد المسرحي جرجس شكرى وضم العديد من النقاشات من أبحاث وآراء لمسرحيين ونقاد والنقاشية وبمشاركة عدد من المسرحيين والاكاديمين، بالإضافة إلى شهادات من المسرحيين من أجيال مختلفة، و لتوثيق ريادة مصر في فن المسرح الذي يؤرخ له منذ عام 1870م. لجنة علمية مهمة وعلى رأسها الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني، وعضويتها للدكتور عمرو دوارة الذي أثار مناقشة تاريخ المسرح المصري في 150 سنة عبر العديد من الكتابات، ومنذ فترة طويلة.ضمت اللجنة أيضا الدكتور حاتم حافظ، والدكتور مصطفى سليم، و الكاتبة عبلة الرويني، والناقد جرجس شكري وهو المسؤول الأول عن المحاور الفكرية وتنظيمها بالاتفاق مع اللجنة العليا«.
المحور الفكرى
ضم الكتاب العديد من الابحاث : عبدالغني داوود “الأساطير المؤسسة للحضارة الفرعونية والمسرح الطقوسي الفرعوني إيزيس وأوزوريس نموذجا”. مرفت ناصر “الجذور المصرية القديمة للأدب المصري الشفاهي والمسرح.. السيرة الهلالية وحسن ونعيمة نموذجا”، الدكتور نبيل بهجت وبحثه حول “الأراجوز وخيال الظل” وذلك تحت عنوان “مسرح ما قبل المسرح”.
“150 سنة مسرح “.. لماذا؟
طرح الناقد جرجس شكرى سؤالا لفتح الحوار “150 سنة مسرح” لماذا؟ وقال: الدورة الحالية للمهرجان القومي للمسرح تحمل عنوان “دورة الآباء” موضحا أنه في البداية فكرت اللجنة العليا الذي هو أحد اعضائها أن تكون الدورة ” 13″ من المهرجان باسم يعقوب صنوع، هذا الرائد الذي مهد الطريق وتحمل عناء الريادة، ثم سافر بعد إغلاق مسرحه الذي لم يستمر سوى أربع سنوات، لكنها تركت أثرًا عميقًا في فن المسرح المصري.
أن الفكرة تطورت بعد ذلك لتصبح دورة الآباء الذين أسسوا ودافعوا عن فن المسرح في مصر، فلا يمكن إهمال عبدالله النديم الذي عاش تقريبًا نفس المرحلة وقدم مسرحه في الاسكندرية، والأجيال التالية مثل سلامة جاري وسيد درويش، وغيرهم الكثير، ووصولاً إلى توفيق الحكيم الذي صعد بالنص الأدبي من الكتاب إلى خشبة المسرح، ومحمد تيمور، حيث امتدت سنوات الريادة ليشارك فيها مجموعة من المسرحيين بدء من سبعينيات القرن التاسع عشر، لقد وجدنا أنفسنا أمام تاريخ طويل وحافل لا يمكن اختصاره في شخص رغم أهميته ودوره العظيم في الولادة الحديثة للمسرح المصري.
وأضاف : أن هذه الدورة التي نحتفل فيها بمرور 150 عام على ولادة المسرح المصري في العصر الحديث لا أظن أننا نبحث في التاريخ بقدر بحثنًا في المؤثرات والروافد التي كان لها تأثير وأثرت المسرح المصري المعاصر، منذ النشأة وحتى وقتنا هذا، ولذلك جاء المحور الفكري ليناقش هذه الظواهر وأيضًا اتجاهات المسرح المصري حتى نؤكد على الاستمرار والتواصل بين الآباء والأبناء والأحفاد ..
ثقافة النخبة وثقافة الشعب
يقول الكاتب والناقد أبوالعلا السلاموني:«إن موقف المسرح فى فترة عصر النهضة المصرية قد اتجه إلى التراث الإغريقي، ووجد المسرح جاهزا لديه، وهنا نواجه اشكالية مهمة لابد أن نتحدث عنها ألا وهي اختلاف ثقافتين موجودتين لدينا في مصر، وهي ثقافة النخبة وثقافة الشعب، فثقافة النخبة كانت قائمة على اللغة والقول، وكلها تعتمد على السمع؛ بينما ثقافة الشعب تعتمد على ثقافة الفرجة والتي تعتمد على الرؤية والسمع في الوقت ذاته، أما النخبة فكانت للأسف الشديد ترفض الفرجة وتعتبرها ابتذالا، ومن هنا لم يظهر المسرح بشكله المعروف، ولكننا عرفنا المسرح بشكله الشعبي، والذي يظهر في أشكاله الشعبية مثل الأراجوز وخيال الظل والسامر والمحبظتية وغيرها»، مشيرًا إلى أن الصراع الحقيقي في تراثنا وهو صراع بين ثقافتين هي ثقافة النخبة، وثقافة الشعب.
وأضاف “السلاموني” : “أن يعقوب صنوع ربط بين فنون الفرجة التي كانت موجودة قبل قدوم مارون النقاش ورفاقه من الشام، والجمهور المصري، ولكن هؤلاء لم يكونوا أول من عرف المصريين بالمسرح فالمصريون يعرفون المسرح منذ زمن بعيد، ولكن بأشكال مختلفة والأدلة كثيرة.”
الأساطير المؤسسة للحضارة الفرعونية
وتحدث الناقد عبدالغني داوود، عن محور الأساطير المؤسسة للحضارة الفرعونية، والمسرح الطقوسي الفرعوني، وقال عبدالغني داوود: إن الكاتب الراحل لويس عوض، أثار مناقشة لم تمتد طويلا، بعنوان «محاكمة إيزيس»، متابعًا «قيل وقتها إن المسرح الفرعوني هو مسرح عروض، وليس نصوصا مسرحية، وهذا الكلام لم يختلف عليه أحد ، فالحكاية ماتت في المناقشة».
وأوضح «داود» أن هناك حوالي ٢٠ كاتب قاموا بالكتابة عن أسطورة إيزيس وأوزوريس، من بينهم توفيق الحكيم، وعلي أحمد باكثير، عبد العزيز حمودة، محمد مهران، محمد نصر ياسين، محسن الخياط، أحمد توفيق.
وأضاف: «السؤال هنا هل المسرح الفرعوني الخارج من قلب الدين والذى كان مخصصا فى جدران المعابد، نعتبره تراثا مصريا أم مجرد ظواهر مسرحية». واستكمل: «لدينا مسرح فرعوني، وإيزيس وأوزوريس هي من الأساطير المؤسسة، وليس هذا فحسب ولكن لدينا مجموعة ضخمة من الآلهة كلهم كانوا مشاركين في هذه العروض المسرحية»، وتابع: «الشعيرة الدينية لاتصلح أن تكون مسرحا ، والأساطير لا تصنع مسرحا، لأن الأسطورة من الشعيرة.
الأراجوز وخيال الظل- مسرح ما قبل المسرح
كما تحدث الناقد الدكتور نبيل بهجت عن «الأراجوز وخيال الظل- مسرح ما قبل المسرح» حيث قال :«عندما نتحدث عن تاريخ فن من الفنون فأننا نتحدث عن ذاكرة وطن ومحو جزء منه أو تجاهله يتنافى مع المصالح الوطنية فالتاريخ بتفاصيله هو وثيقة ملكية الأوطان وهذا التفاعل بين الزمان والمكان يخلق تلك الحكايات اليومية التي تصير بالتراكم ذاكرة نستعيدها لنقول كنا هنا» وتابع بهجت :«لم يكن المسرح حدثًا وافدًا أو غريبًا على الثقافة المصرية والعربية فالمسرح المصري عمره من عمر الحضارة الفرعونية وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد انتقال التراث الانساني الفرعوني لليونان وأن ما نراه ونسمعه اليوم عن الفلسفة والمسرح عند اليونان القديمة ما هو إلا ثمرة التأثير القوي للحضارة الفرعونية كذلك كان لمصر السبق في احتضان فنون مسرحية كخيال الظل والأراجوز وجماعات التمثيل التلقائي ولقد وصف لنا عدد من المستشرقين تلك العروض كإدور وليم لين وبلزوني وغيرهم ويطل المسرح علينا بشكله الحديث متزامنا مع نشأة الفكر الوطني في النصف الثاني من القرن 19 مع بداية من 1870علي يد يعقوب صنوع ذلك المغامر الذي أحدث نقلة نوعية في الثقافة المصرية حيث أسس الصحافة الساخرة والمسرح والكاريكاتير وترك اثرًا أمتد من بعده لنراه عند النديم في منهجه الثوري حيث اختار الصحافة والمسرح والعامية المصرية ليشكل الوعي الجمعي المصري وكذلك عند بديع خيري والذي أسس واحدة من أشهر الصحف الساخرة»
أما عن الأراجوز وخيال الظل فقد أوضح بهجت أن المسرح ليس المكان الوحيد الذي يحتفي بفعل العرض والفرجة، وإنما ظهر أيضًا من خلال تشخيص الممثل أو الدمى ، ومن هذا المنطلق فالمسرح كان جزءا أصيلا من الفنون والحياة في مصر على مر العصور، حيث تشير المراجع إلى أن العرب عرفوا هذا الفن للمرة الأولى في العصر العباسي، وكان مجيئه إلى مصر في عصر الفاطميين في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، وهناك بعض الإشارات التي قد تدلنا إلى معرفة العرب بهذا الفن منذ زمن مبكر.
مشيرًا إلى أن الباحثين قد اختلفوا حول الموطن الأصلي لخيال الظل، حيث يرى البعض أن الهند هي التربة الأولى التي نشأ فيها هذا الفن، إذ يؤكد أحمد تيمور هندية ذلك «يقال إن خيال الكل لعبة هندية قديمة، وأقدم ما وصل إليه علمنا عن اشتغال العربي بها كانت من ملاهي القصر بمصر خلال العصر الفاطمي، وكان لسلاطين مصر ولع بخيال الظل؛ حتى حمله السلطان شعبان معه عندما ذهب للحج عام 778. كما تطرق بهجت خلال كلمته إلى وصف شكل مسرح خيال الظل ومكانه ونشأته وأهم اللاعبين فيه كما أشارت كتب الباحثين والمؤرخين ووصف المصطلح والتعريفات العلمية له.
المسرح الشعبى
——————
وتحدث الكاتب والناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا عن المسرح الشعبي ما قبل المسرح التقليدي بشكله الحالي، مشيرا إلى أن توفيق الحكيم عندما وضع تصورا للمسرح الشعبي كتب نصوصا خاصة به مثل «الزمار والصفقة»، لكنه لم يستطع أن يكمل هذه المسيرة.
وأكد أن الكثير من كتاب المسرح والنقاد لم يكملوا في هذا الإطار برغم أن المسرح الشعبي يمكن أن نقول أنه مسرح ما قبل المسرح، وذكر ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» أن هناك ظواهر مسرحية لم تسجل، والنخبة لم تهتم بها ولم تطورها، حيث أن الاهتمام بذلك كان سيجعل لدينا تاريخا هاما للمسرح نستند إليه.
وأوضح أن «مسرح ما قبل المسرح» أو الظواهر المسرحية كانت موجودة وليست مجرد «مبنى» فكانت الكثير من الأشكال المسرحية موجودة، ولكن فكرة المبنى جاءت عام 1870 عندما بنى الخديوي إسماعيل أول مسرح بشكله التقليدي.
وأشار إلى أن علي مبارك كان يحارب الفرق المسرحية، وكان مثل وزير المعارف، وكان قد ذكر يعقوب صنوع أن علي مبارك فصله من عمله بالمدرسة، فقد كان «على مبارك» مضطهدا لأعمال يعقوب صنوع، لأنه استند للتراث وأضاف للمسرح الذي كان يقدمه وأدخل الظواهر الشعبية في المسرح، ولذلك أخفى علي مبارك هذه التجربة وفرض على الصحف بحكم منصبه ألا تكتب عن المسرح وعن رائدة يعقوب صنوع.
الكوميديا عند قدماء المصريين
وعقدت، ، ندوة بعنوان “من التمصير إلى الكوميديا المصرية” وشملت محور “الكوميديا بين الترجمة والتمصير” والذي قدمه الناقد أحمد هاشم، وأدار المحور المخرج والناقد المسرحي د.عمرو دواره.
قال الناقد أحمد هاشم، إن بدايات الكوميديا في مصر بدأت 1870، وعلى مدار 50 سنة منذ ذلك التاريخ كانت مرحلة في منتهى التشابك والتعقيد.
وأضاف هاشم : أن إرهاصات الكوميديا في مصر، بدأت منذ عصور القدماء المصريين، وتمثلت في محاولات للإضحاك يقدمها مجموعات وفرق لم تكن في الشكل المسرحي المعروف، ومنها مجموعة تقوم بتقليد المشيعين بشكل ضاحك في الجنازات بعد إتمام الدفن وذلك كنوع من تخفيف الحزن عن أسرة المتوفى وإضحاكم، وغيرها من المحاولات في إلقاء النكات الساخرة.
وأكد أن الكوميديا تمتد في مصر إلى العصور القديمة، قبل أن يقدمها يعقوب صنوع الذي اعتمد في الكثير من العروض التي قدمها على كوميديا “موليير”.
وأضاف: “قدم الكوميديا بعد صنوع، أمين صدقي الذي أحدث نقلة في الكوميديا المصرية، حيث اعتمد بشكل كبير على كوميديا الفارص وأضاف إليها النكات، وظل متربعا على عرض الكوميديا فترة طويلة خاصة بعد تعاونه مع نجيب الريحاني، ثم اختلفا الثنائي، وترك أمين صدقي، الريحاني، وبدأ رحلة تعاون جديدة مع علي الكسار، الذي قدم معه أعمالا كثيرة ناجحة على مدار خمس سنوات، حققا منها أرباحا هائلة تعادل ملايين الجنيهات في الوقت الحالي”.
وأكد هاشم، أن الكوميديا كانت تعتمد في الأساس على النصوص الأجنبية المترجمة من الفرنسية أو الإيطالية أحيانا، مشيرا إلى أن التمييز بين “كوميديا الترجمة والتمصير” أمر في غاية الصعوبة على الباحث .
وأشار د. عمرو دوارة، إلى أنه لم يكن هناك مسرح فرعوني واضح بالشكل المعروف عن المسرح، ولكنها كانت مجرد إرهاصات ولم تثبت تاريخيا كما هو المسرح الإغريقي، أي أن المسرح الفرعوني لم يثبت كنصوص ومسرح ومؤلفين ومخرجين، ولكنه ظواهر كوميدية قدمتها فرق لتحقيق البسمة ومحاولات لإثارة الضحك وليست عروضا مسرحيا بالشكل المعروف.
عودة للتاريخ
ومن الكتاب وأبحاث المهرجان الى عودة للتاريخ
أولا : المسرح المصرى فى العصر الفرعونى
كانت بداية ظهور بذرة فن المسرح في مصر منذ العصر الفرعوني، وقد أهتم المسرح آنذاك بالجانب الديني واعتبر المسرح وقتها أداة للتعبير عن القصص الدينية ، وقد ظهر ذلك فى عدة مسرحيات، منها مسرحية” منف” في عهد الملك مينا، و”التتويج” في عهد الملك سنوسرت الأول، وغيرها من المسرحيات، وكان لتلك المسرحيات مغزى ديني وأهمية كبرى في ذلك الوقت، أما عن ممثلي المسرح آنذاك فكانوا من رجال الدين أنفسهم، وذلك يدل على ارتباط المسرح الوثيق بالدين. وقد دلت العديد النقوش الأثرية المكتشفة حديثا على وجود فن المسرح فى العصر الفرعونى وقد أكدت على أن بداية المسرح كانت بداية دينية بحتة. ولم يستمر المسرح على نفس الوضع طوال العصر الفرعوني بل تطور ليعبر عن الحياة العامة ومشاكلها. واكتشف العلماء والباحثون مجموعة من النقوش والبرديات التي شملت نصوصا قصيرة لروايات مصرية قديمة تناولت المسائل الدنيوية إلى جانب المسائل الدينية مثل قصة مغامرات حورس، و قصص فلسفية مثل الصدق والكذب وقصص سيكولوجية، والتي عبرت عن الحياة الواقعية للإنسان المصري القديم، ويؤكد على هذا ما ذكره الكاتب “عمر الدسوقي “في كتاب “المسرحية” الذي نشرته مكتبة الأنجلو المصرية عام 1954م حيث قال ” لم يقف المسرح المصري القديم على عتبة المعبد بل خرج إلى الشعب، وكان يقوم بالتمثيل فرق متجولة ويدخله بعض عروض الرقص والغناء”.
ثانيا : الحملة الفرنسية والمسرح في مصر
جلبت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت بعثة علمية وكان من ضمن البعثة كل من “ريجل” و”فيلوت” وهما من كبار الموسيقيين المشهورين وقد يرجع الفضل في إنشاء المسرح الحديث في مصر إلى نابليون بونابرت الذي أنشأ “مسرح الجمهورية والفنون” وهو أول مسرح في مصر و بنى هذا المسرح فى منطقة الأزبكية وهدم فيما بعد ذلك- ، وكان هدف المسرح الأول هو الترفيه عن جنود الحملة، وقد مثلت مئات المسرحيات في مصر في عصر الحملة الفرنسية أشهرها : رواية “الطحانين”، ورواية “زايس وفلكلور”، وقد اشترك في تشخيص المسرحيات أغلب علماء فرنسا بمصر. وذكرت العديد من المصادر التاريخية دور المسرح الفرنسى فى مصر ، ويعد الجبرتي أول عربي تحدث عن المسرح الفرنسي في مصر وذلك من خلال كتاباته التي أرخت للحملة الفرنسية بشكل عام ، ويعد رفاعة الطهطاوي هو ثانى عربي تحدث عن المسرح الفرنسي، ولكنه أول عربي تحدث عن تفصيلات المسرح الغربي في كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز” كما تحدث “الطهطاوي في عدد من مؤلفاته عن المسرح في وقت الاحتلال الفرنسي في مصر، وكل تلك الأدلة التاريخية تؤكد على أن الحملة الفرنسية ونابليون بونابرت كان لهم أثر كبير فى تشكيل بدايات فن المسرح فى مصر.
ثالثا : الخديوى اسماعيل والمسرح القومى
عن نشأة المسرح القومى فى مصر يحدثنا التاريخ عن أنه في بداية الأمر كان يسمى “مسرح وتياترو الأزبكية” ..
فقد كانت البقعة التي أنشأ فيها المسرح القومي أي حديقة الأزبكية هى بركة تعرف باسم بركة الأزبكية نسبة إلى الأمير أزبك اليوسفي المملوكي…فى عام 1870 أمر الخديوى إسماعيل حاكم مصر بتحويل بركة الأزبكية إلى حديقة غناء على غرار حديقة لوكسمبورج بباريس حتى أنه استورد نفس أنواع وأعداد الأشجار الموجودة بالحديقة الباريسية..وتم افتتاحها رسميا عام 1872.
وعلى مقربة من حديقة الأزبكية أنشأ إسماعيل المسرح الكوميدى (مبنى المطافى حالياً) ودار الأوبرا الملكية عام 1869 وأعدها لاستقبال ضيوف قناة السويس كما أنشأ فى الحديقة مسرحا صغيراً، والذى شغله مسرح يعقوب صنوع رائد المسرح المصري، وكان بمثابة أول مسرح وطنى، ليقابل ويواجه مسرح الطبقة الأرستقراطية كما كان هذا المسرح مقصد الفرق الأوروبية التي تفد على مصر لتقدم عروضها للأجانب المقيمين فى مصر، كما تم به عرض للفانوس السحرى عام 1881 والعديد من العروض المسرحية والسحرية .
رابعا : يعقوب صنوع وفكر المسرح الجديد
يعد يعقوب صنوع من أوائل رواد المسرح المصري والصحافة الساخرة، أطلق عليه الخديوى إسماعيل “موليير مصر”، ولد صنوع في 15 أبريل عام 1839 ، أرسله الأمير يكن حفيد محمد علي باشا إلى إيطاليا لتعلم الفنون والأدب على نفقته. كان يعقوب مولعا بالمسرح، ويعد صنوع هو مؤسس فن المسرح الحديث فى مصر.
كتب يعقوب صنوع مسرحيات قصيرة ممزوجة بأشعار وقام بتلحينها ،وأسس فرقة مسرحية من تلاميذه فعرض مسرحيته على منصة مقهى موسيقي كبير بحديقة الأزبكية بالقاهرة وكانت توجد في ذلك الوقت فرق تمثيل إيطالية وفرنسية تعرض أعمالها للجاليات الأوروبية في القاهرة، ونجحت مسرحيته نجاحا كبيرا. ظهرت النساء لأول مرة فى فرقة يعقوب صنوع الخاصة، وطلب منه الخديوى إسماعيل أن يعرض مسرحياته على مسرحه الخاص في قصر النيل. وعرض صنوع ثلاث مسرحيات كوميدية هي : “آنسة على الموضة، وغندورة مصر، و الضرتان”، ولاقت مسرحياته إعجاب الخديوي حتى سمح له بإنشاء مسرح قومى لعرض مسرحياته على عامة الشعب، لذلك أنشأ مسرحه عام 1870 ليكون أول مسرح عربي تعرض على خشبته مسرحيات عربية متأثرا بما رآه فى إيطاليا وقد عرض على هذا المسرح أكثر من 200 عرض لـ 32 مسرحية كتبها يعقوب صنوع بنفسه. وكان مسرح يعقوب صنوع رائد المسرح المصري، بمثابة أول مسرح وطنى، ليقابل مسرح الطبقة الأرستقراطية كما كان مقصد الفرق الأوروبية التي تفد على مصر لتقدم عروضها للأجانب المقيمين فى مصر، وتم به عرض الفانوس السحرى عام 1881 والعديد من العروض المسرحي،كان الخديوى إسماعيل شديد الإعجاب بـ “موليير مصر” وراضيا عنه ولكن سرعان ما ساءت العلاقة بين الخديوى وصنوع إلى أن نفاه إلى فرنسا وأغلق مسرحه بسبب مسرحيته “الوطن والحرية” والتي أغضبت الخديوى حيث كان يسخر فيها من فساد القصر، فاستقر صنوع فى باريس إلى أن وافته المنية عام 1912
خامسا : مسرح القرن العشرين
انتشرت فى بداية القرن العشرين المسرحيات الغنائية وكانت تسمى بـ«أوبريت»، واشتهر بها الفنان «جورج أبيض» بعد عودته من فرنسا فى ١٩١٠، وحمل على عاتقه المسرح الدرامى، لكن العروض الغنائية الراقصة فرضت نفسها عليه واعتمد من خلال هذه العروض على مجموعة كبيرة من الفنانين المعاصرين، أمثال «سلامة حجازى، سيد درويش»، لكن أخذ المسرح الدرامى يفرض نفسه على الساحة فى العشرينيات بانضمام الفنان «يوسف وهبي» لقائمة رواد المسرح، فقدم أعمالا مسرحية حققت نجاحا كبيرا فى القاهرة والإسكندرية إلى جانب الدول العربية، تراجع المسرح الجاد في عام 1914 و ازدهر المسرح الهزلي وحققت الفرق الكوميدية نجاحا كبيرا منها نجيب الريحاني وعلي الكسار .
في عام 1921 افتتح المسرح القومي بأربع مسرحيات بمعدل يومين لكل مسرحية وذلك عقب جلاء الإنجليز عن مصر، وفي عام 1935 أنشأ الشاعر خليل مطران الفرقة القومية المصرية والتي بدورها افتتحت معهداً للتمثيل،كما أرسلت الفرقة البعثات للخارج. وفي أغسطس 1942 صدر قرار بحل الفرقة ، وعندما قامت الثورة كان هناك فرقتان مسرحيتان كبيرتان هما : الفرقة القومية المصرية ، وفرقة المسرح المصري الحديث .
وفي الخمسينيات ظهر جيل جديد من كتاب ومخرجي المسرح يختلفون عمن سبقوهم ويبدأون بالفعل مرحلة جادة في تاريخ المسرح المصري الحديث ومنهم : لطفي الخولي ، يوسف إدريس ، نعمان عاشور ، سعد الدين وهبة ، ألفريد فرج . ومن المخرجين : نبيل الألفي ، سعد أردش ، عبد الرحيم الزرقاني ،أما فى الستينيات بدأ الفكر المسرحي البحث عن هوية مسرحية متميزة عن القالب التقليدي المستعار من المسرح الغربي . وجاءت آراء توفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما كمساهمات جادة في هذا الطريق .
كما أنشأ الدكتور ثروت عكاشة عام 1960 ” المؤسسة العامة لفنون المسرح والموسيقى” ، ومسرح القاهرة للعرائس الذي قدم أول عرض له في مارس 1959 ، وقد أدى نجاح عروض الصوت والضوء في الهرم عام 1960 إلى إقامة مسرح أبو الهول المكشوف الذي قدمت عليه في أغسطس 1961 فرقة ” أولدفيك” الإنجليزية الشهيرة مسرحيتي ” روميو وجوليت” لشكسبير و ” سانت جان ” لبرنارد شو، وهكذا بدأت الاستفادة من الأماكن الأثرية في تقديم العروض الفنية، كذلك فقد بدأ المسرح الشعري في مصر تجسيده الحقيقي من خلال لغة القصيدة الحديثة على يد الشاعر صلاح عبد الصبور،وفي السبعينيات واصل رواد المسرح إبداعهم فقدم المسرح القومي عام 1972 مسرحية توفيق الحكيم ” الأيدي الناعمة” ، وقدم يوسف إدريس مسرحية ” الجنس الثالث”، وقدم ألفريد فرج ” النار والزيتون ” وقد ظهر جيل آخر من أساتذة الجامعات ومنهم سمير سرحان ، محمد عناني ، فوزي فهمي ، ومن أهم الأحداث في السبعينيات ظهور ثنائي مسرحي يقدم تجربة متميزة في مسرح القطاع الخاص وهما : الكاتب لينين الرملي والممثل المخرج محمد صبحي. فكونا في بداية الثمانينات فرقة ” ستوديو 80″ وقدما معا عدداً من أنجح المسرحيات في الثمانينات بأسلوب راقي لمسرح القطاع الخاص ،وفي التسعينيات انتشر مسرح القطاع الخاص بشكل كبير وبرز نجوم المسرح الكوميدي ، وتراجع المسرح الجاد إلى حد كبير
المسرح التجريبي :
جاء المسرح التجريبي خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ليؤكد قدرة المسرح على استيعاب التجارب المسرحية السابقة وإعادة صياغتها وفق نهج جديد يتماشى والتطورات الهائلة التي تحدث ،ومن ضمن الإحتفالات الكبرى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، حيث تتنافس العروض على الجوائز والمسابقات ..
مسرح ما بعد كورونا
يأتي مسرح ما بعد كورونا ليمثل دور الفن وقت الأزمة .. وهذا سيكون محل دراسة أخرى مستقلة