ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
اشكروا في كل شيء
هذه هي اللؤلؤة العاشرة من عقد اللؤلؤ الذي يجب أن نتحلي به, ولكي يكون هذا التأمل أكثر فائدة سنضعه في سؤالين:
- لماذا نشكر الله؟
- ولماذا يوجد أشخاص لا يشكرون الله؟
أولا:ـ لماذا نشكر الله؟
اشكر الله…
1- علي كونك إنسانا.
2- إنك جئت هذا الزمان.
3- إنك تعيش في هذا المكان.
4- إنك تحيا في هذا الإيمان.
اشكر الله…
1- علي كونك إنسانا:
اشكر الله علي كونك إنسانا موجودا, فوجودك هو فضل من الله, وهبة منه, فوجودنا أعطي لنا مجانا بدون مقابل, من منا دفع شيئا مقابل وجوده؟ ما هو الثمن الذي دفعناه؟ لا شيء.. وهذا ما نسميه نعمة, فالنعمة هبة مجانية.
وهناك سؤال يتردد دائما, لماذا خلقني الله؟ وإجابة هذا السؤال: لأن الله يحبني ويمكن تشبيه هذا الأمر, بفنان في ذهنه لوحة جميلة يريد أن يرسمها, فأحضر اللوحة والألوان والفرشاة, وبدأ يضع بعض الخطوط لرسم هذه اللوحة, واستمر في العمل حتي أكمل هذه اللوحة البديعة التي ننبهر ونندهش من روعتها, لذلك اشكر الله, لأنه أوجدك وأعطاك الحياة.
إن الله قد أعطاك هذه الحياة بعد أن أوجد لك كل هذه المسكونة, من ماء وهواء ونباتات وأشجار وحيوانات.. إلخ, ثم توجك ملكا علي هذه الخليقة, فصار الإنسان هو قمة الخلق بعد أن صار ملكا عليها, وفي سفر التكوين يذكر الكتاب أن الله كان بعد إتمام خلق أي شيء, يقول عنه إنه حسن ورأي الله ذلك أنه حسن (تك1:12), ولكن عندما خلق الإنسان قال عنه إنه حسن جدا ورأي الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدا (تك1:31), وميز الله الإنسان بنعمة العقل, فصار الإنسان إنسانا عاقلا.
اشكر الله لأنه ميزك بالعقل عن باقي الكائنات, فالحيوانات تعتمد في سلوكياتها علي الغريزة وليس التفكير, فالحيوان لا يخطط, بينما الإنسان يخطط ويبتكر ويجدد ويتخيل ويتخذ قراراته ويسترجع المعلومات ويستخدمها ويحفظها ويخزنها, وبذلك جميع ما نحن فيه الآن من حضارة عظيمة هو من صنع العقل وإنتاجه, فما نشاهده الآن في العالم من فن وعلم وتكنولوجيا وثقافة.. إلخ, هو من إنتاج عقل الإنسان, فصار الإنسان كائنا عاقلا عاملا.
ومع العقل أعطي الله الإنسان الحرية, ليس في المكان فقط, بل أيضا في الزمان, بمعني أن الإنسان في أي وقت يستطيع أن يسترجع في عقله أية مدة زمنية مضت, ويمكنه أيضا أن يرسم لنفسه ومستقبله سنوات قادمة, كذلك أنت حر في أن تحب وأن تكره, وأن ترفض وتقبل.
اشكر الله أيضا لأنه أعطاك نعمة الخلود, فجميع الكائنات مثل الحيوانات والنباتات تنتهي بموتها, أما الإنسان فقد أعطاه الله نعمة الخلود أو الحياة الجديدة التي تبدأ بعد الموت, وبذلك أصبح هناك معني لطبيعة الحياة الإنسانية.
بعد الموت سيكون لك خلود, والأبرارسيشكرون الله, لأنهم سيتمتعون بالسماء, أما الأشرار فسيكونون في عذاب أبدي.
والسيد المسيح في يوم الدينونة العظيم, سيقول لنا: تعالوا ألي يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم (مت25:34).
أما الأشرار سيقول لهم: اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته (مت25:41).
نشكر الله أيضا لأنه خلق الإنسان عابدا, بمعني أنه قد صار له قلب, وهذا القلب هو بمثابة هيكل له, فعندما ندخل الهيكل نخلع الحذاء أولا, ثم نقف في خشوع وصمت ونصلي في قطع الأجبية قائلين: إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء, فاجعل قلبك هو المحطة التي تتقابل فيها مع مسيحك, لأن قلبك هو سماؤك, فنحن نشكر الله دائما علي هذه المنح الكثيرة.
2- إنك جئت في هذا الزمان:
بغض النظر عن سلبيات هذا الزمن, لكن أقول لك اشكر الله علي إيجابيات هذا الزمن التي نتمتع بها:
+ يوجد كثير من الاختراعات والابتكارات والتقدم في وسائل المواصلات والاتصالات, فأنت تستطيع أن تصل لأي مكان في زمن قصير, فمثلا الأديرة كانت لا يستطيع أحد أن يصل إليها إلا بالجمال, أما أنت الآن في ساعة أو ساعتين تكون في قلب الدير تأخذ بركة وبركته رهبانه.
وكان الذي يسافر مثلا أستراليا, كأنه مات فأسرته ومعارفه لا يعرفون عنه شيئا إلا عن طريق الخطابات والتي تصل بعد أيام وأيام, فنجد أن أول كاهن سافر للخدمة من مصر إلي أستراليا استغرق حوالي شهر كامل في رحلة سفره, وقد قضي كل هذه الفترة في سفينة في البحر, أما الآن فنحن نستطيع أن نسافر إلي أستراليا في أقل من يوم أي في بضعة ساعات, وتستطيع أن تكمله وتراه وأنت في مكانك.
+ وفي هذا الزمان توجد ثورة اتصالات, فأنت في عصر الراحة, فباستخدام الأجهزة نستطيع بضغطة مفتاح أن تصل للغرض المطلوب, فأنت في عصر المعرفة والمعلومات تستطيع أن تصل للمعرفة بكل أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة, ملايين المواقع علي النت, وملايين الكتب في كل فروع العلم, قديما كان الفرد يسافر بلادا لكي يجد إجابة علي سؤال, مثل القديس إكليمندس السكندري والعلامة أوريجانوس.
+ في هذا الزمان أيضا توجد أدوية لكثير من الأمراض, وتوجد مسكنات لكثير من الآلام, ويوجد طب متقدم وكثير من العمليات الجراحية, وعمليات المناظير المتقدمة, فنحن نعيش في زمان منح الله لنا فيه نعما كثيرة جدا وهذه النعم متعددة وكثيرة.