” لو الكلية في محافظة تانية وهتكوني مغتربة بلاش” ..” الشغل ده مش مناسب ليكي انتي بنت” ” الملابس دي مش مناسبة ” ..” البنت مفيش داعي تكمل تعليمها مسيرها للجواز هتعمل أيه بالجامعة”،” لو الشغل هيبقى محتاج للسفر والتنقل من محافظة للتانية اعتذري عنه “، ” لو مضطرة تسافري محافظة تانية لازم ترجعي تباتي في البيت ما ينفعش تباتي بره بيت والدك”، …محاذير كثيرة و قيود تكبل الفتيات والنساء منذ طفولتهن و السبب دائمًا وأبدًا يقال إننا مجتمع شرقى و يتم الاستناد إلى العادات والتقاليد…؟!! ولقد فجرت حبيبة طارق الطالبة بكلية الآداب بجامعة طنطا أو كما أطلق عليها ” فتاة الفستان” وما حدث من تنمر عليها معضلة القيود المكبلة للفتيات والنساء، ووضع الفتيات في قوالب نمطية يجب ألا تخرج عنها لا لشيء سوى لأن المجتمع اعتاد أن يضع القيود والوصاية عليهن طوال مراحلهن العمرية… ومن الأمثلة الصارخة في استمرار هذه القيود ما حدث في بعض الفنادق من منع الفتيات تحت سن الأربعين من الإقامة بمفردهن وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاث نجمات بعدم السماح للسيدات المصريات اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة دون سواهن، بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن الذكور الدرجة الأولى…وبالرغم من أن علاء عاقل رئيس لجنة تيسير أعمال غرفة المنشآت الفندقية، قال إن هذا الأمر غير صحيح.. إلا أن هناك قضية تنظر أمام الدائرة الأولى للحقوق والحريات بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة تم رفعها منذ شهر مايو الماضى وتقرر مؤخرا تأجيل الدعوى لجلسة 17 يوليو القادم للرد والاطلاع، وطالبت الدعوى بإلغاء القرار والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق، والبنسيونات وجميع المنشآت ذات الصلة وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاثة نجوم، بعدم السماح للسيدات المصريات اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة.
حبيبة طارق والتنمر الذي تعرضت، تم اتخاذ العديد من الإجراءات تجاهه، حيث قام رئيس جامعة طنطا بتحويل الملف بأكمله إلى النيابة العامة للتحقيق، وقد بدا بت التحقيقات بالفعل مؤًخرا، كما دعمت المجالس القومية المتخصصة موقف حبيبة، و علقت الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، على الواقعة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وقالت: “البنت تحترم.. تلبس فستان تحترم.. تلبس حجاب تحترم..”وتابعت: فرض الوصاية على الناس كدة جريمة؟.. والقانون موجود”.
تقييد للحق في الاختيار
لمياء لطفي – مديرة برامج بمؤسسة المرأة الجديدة- تحدثت حول القيود التي تكبل الفتيات والنساء في المجتمع والأسباب وقالت:” إن فكرة الحق فى الاختيار مشكلة أساسية تعاني منها النساء في مصر، فالأمر لا يتعلق بحرية اختيار الملبس فحسب، لكن الاختيار بشكل عام بداية من الحق في التعليم، واختيار نوع التعليم ومستواه، وبعد ذلك الحق في اختيار مجال العمل فإذا كانت هناك فرصة عمل متاحة للفتاة و بها احتياج للتنقل والسفر قد يقابل ذلك بالرفض من قبل أسرة الفتاة.. كل هذه القيود فى الاختيار للنساء يحد من طموحها.”
وأضافت لطفى:” فيما يتعلق بواقعة الطالبة الجامعية حبيبة فهى واقعة تنمر بامتياز كما وصف قانون التنمر، حيث نص القانون على أنه يعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسئ للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي، ولقد جاء موقف الجامعة بإحالة الأمر للتحقيق بالنيابة العامة كأمر منطقى لانها جنحة تنمر وكان من المفترض أن يتم تحقيق إداري داخلي بالجامعة لمنع تكرار حدوث ذلك إداريا داخل الجامعة.”
واستطردت لمياء لطفي:” أما فيما يتعلق بلوائح بعض الفنادق وما أثير حولها هو أمر فيه وصاية اجتماعية على الفتيات، وكان الرد من قبل بعض الفنادق بأن هذه الإجراءات بتعليمات أمنية وهو ما أصدرت الجهات الأمنية ووزارة السياحة بيانا بإنكاره و التأكيد على أنه لا توجد تعليمات بذلك، وحينما كان يتم مواجهة الفنادق بهذا الأمر كان الرد يأتي بأن هذا يتم حماية للبنات وللمجتمع..؟!.”
وأضافت “لطفي”: “مصر وقعت على اتفاقية منع كافة أشكال التمييز ضد النساء – سيداو – منذ سبعينات القرن الماضى، والاتفاقية بها بند كامل حول الحق في التنقل والسفر واختيار محل الإقامة..لكن للأسف الشديد أي اختيار مختلف عن الإطار المجتمعي المجتمع يحاسب النساء عليه حساب عسير..؟!”
النيابة العامة تقوم بدور مهم
نورا محمد – مديرة برنامج مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية،قالت:” التربية والتنشئة داخل نسبة كبيرة من الأسر بها قيود على البنت بشكل مضاعف عن الولد منذ سنوات عمرها الأولى، في كلامها وتصرفاتها والخروج والملابس، كذلك في الأدوار داخل الأسرة دائما الفتاة هي اللي تساعد بالمهام المنزلية، فهي ثقافة نمطية تحتاج إلى التغيير.. ويعد السبب الأساسي في ذلك موروثات خاطئة، بالإضافة إلى أنه كثيرا ما يكون للسيدات دور في ذلك من خلال أسلوب التربية الذي يرسخ التمييز.”
أضافت نورا محمد :” نحتاج إلى حملات التوعية من قبل المؤسسات المعنية والمجالس القومية المتخصصة فهي احدى آليات الحماية، ودورها مهم جدا ويجب أن تكون هناك استمرارية لهذه الحملات وليس كرد فعل فقط على أحداث و مواقف بعينها.
كما أن للإعلام دور مهم خاصة فيما يتعلق بتشجيع الفتيات والنساء على عدم الصمت عند تعرضها للتنمر أو للانتهاك بأي شكل، وفي هذا الشأن يجب أن يكون هناك حماية للشهود والمبلغين حتى يتم ضبط الجناة وعقابهم.”
أوضحت نورا محمد قائلة:” علينا الإشادة بدور النيابة العامة مؤخرا في تحريك الدعاوى في مثل هذه القضايا وأنه يتم إجراءات عاجلة من قبلها، وهو أمر جيد، كذلك فكرة إتاحة أنه يكون في فرصة للبلاغ إلكترونيًا.”
سيادة القانون الأساس بالمجال العام
الدكتور كمال مغيث – الخبير والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، قال:” دور المرأة الاجتماعي على مدى التاريخ حتى الدولة الحديثة كانت تحكمها الضرورات الاقتصادية والقواعد العرفية، وعلى سبيل المثال المرأة الريفية لأنها امرأة فاعلة ومؤثرة ولها دور اقتصادي مستحيل أن نجد ظهور آراء تمنع عملها، والدولة الحديثة قسمت علاقة المرأة بما حولها إلى جزءين، الأول يخضع للوجدان والمعايير الاجتماعية والذوق الخاص، والجزء الثاني وهو المجال العام يخضع للقانون، فيما يتعلق بالذوق الخاص فإن موازين القوى متروكة لعلاقة الرجل بالمراة، وقد يكون شخص محافظ هذا الأمر دائرة يتركها القانون للتقدير الخاص و للتوجهات الشخصية، وإن كان في الحالات القصوى يتدخل القانون، أما المرأة في المجال العام لا ينبغي أن يحكمها سوى معيار وحيد وهو القانون، لكن الذي حدث ويحدث من وجهه نظرى هو أن هناك عدم اكتراث بالمبادئ الدستورية والقوانين وبالتالي بعض اللوائح والإجراءات والقرارات الوزارية قد تكون متعارضة ومتناقضة مع القانون والدستور، كذلك التطرف الديني لعب دورًا حيث أنه دائمًا ما يضع المرأة في مرتبة دونية وانها مثار للفتنة والغواية وطوال الوقت هي في موضع شك واتهام ..” ليه تسافر لوحدها – أو تقيم في فندق بمفردها”..إلخ”.
واستطرد مغيث قائلًا:” بالتأكيد هناك سبيل للحد من هذه المشكلات و الوصاية المفروضة على المرأة، و أول خطوة على الطريق أننا نرى كل اللوائح والقرارات الوزارية والتعليمات والإجراءات الأمنية التي تضع قيودًا ليست قانونية ولا دستورية على النساء أن نقوم بعرضها على القضاء العادل والنزيه، كذلك من المهم رفع الوعي المجتمعي، وهنا يأتي دور الإعلام والمؤسسات التعليمية والتأكيد على مخاطر التمييز وكيفية الانعتاق من هذا النفق المظلم.”
مشكلة ثقافية مجتمعية
منى عزت – باحثة في قضايا النوع الاجتماعي – مسئولة النوع الاجتماعي بمؤسسة طاقات مصرية للتنمية، قالت:” التدخلات القانونية هي فقط أحد الآليات المساعدة في تغيير ثقافة المجتمع، لأن ما يحدث بشكل متكرر هو بالأساس مشكلة ثقافية اجتماعية مرتبطة بنظرة المجتمع بشكل عام للمرأة، و مرتبطة بكل شيء يتعلق بتنميط صورة عامة للنساء والتي مفادها أن المرأة تحتاج دائمًا للوصاية، وتظهر هنا بشكل جلي في الملبس أو في تقييدها بشكل عام، وبالتالي هذه هي المشكلة الأكبر التي تواجه النساء، وعلى سبيل المثال حينما تتعرض فتاة أو سيدة للتحرش يكون أول سؤال “هي كانت لابسة أيه؟” وكأنهم يبحثون عن شيء لتبرير ما تم ضدها، كذلك يتساءلون لماذا تبيت ابنتي في فندق بمفردها؟، وبمجرد حدوث أي انتهاك ضدها يتم تصدير أن المشكلة عند الفتاة أو السيدة للتأكيد دائما على فكرة أنها تحتاج دائما للحماية والوصاية عليها، وهذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بالفكر الذكوري وهو الأمر المترسخ لدى الكثير من الرجال والنساء أيضًا.”
وأضافت “عزت”:” نفس الأمر بالنسبة للمظهر العام للفتاة، وهذا ما يفسر ما حدث مع الطالبة الجامعية حبيبة بجامعة طنطا، فهي كانت ترتدي فستانًا، وهذا يختلف عن فكرة الملبس المحتشم من وجهة نظرهم، وبدلا من أن يقولوا إنها ترتدي زيا مختلفا عنهم وهذا أمر طبيعي ومقبول قالوا إنها ترتدي زيًا غير تقليدي وغير معتاد عليه في أماكن عامة كالجامعة، فالفكرة هنا أنها خرجت عن التنميط لذلك تنمروا عليها وتم القول إنها فعلت أمرا غير مقبول حتى يبررون تصرفهم وتنمرهم عليها. فكل تصرف ضد النساء في هذا السياق وله أسبابه، فالذي يقوم بالتحرش بفتاة عادة ما يكون هدفه أن يشعر بالقوة وفرض السيطرة على غيره، كذلك الموظفة بالجامعة التي تنمرت على الطالبة الجامعية لارتدائها الفستان هي تمارس عليها سلطة ولكن بهدف أن الطالبة تكون في ذات السرب المعتاد عليه لهن، وكأنها رسالة تهديد للطالبة لتعود إلى التنميط، كذلك الذي يضع لائحة داخلية لبعض الفنادق تمنع الفتيات تحت سن الأربعين من الإقامة بمفردهن بالفندق يفعل ذلك وكأنه يزيح عن نفسه أي شبهات من وجهة نظره.. فالدوافع الداخلية لكل انتهاك من هذا القبيل تختلف ولكنها تأتي جميعًا في إطار فرض السلطة والسيطرة ويتعاملون مع المرأة بنظرة دونية بل و يتم التدخل في الأمور الخاصة بأجساد النساء و بملابسهن كنوع من السلطة والسيطرة واستباحة النساء وشؤونهم الشخصية الخاصة يقوموا بتحويلها إلى شأن عام؟!!”
واستطردت منى عزت:” تطبيق القانون أحد الآليات الأساسية للحد من هذه الانتهاكات، ونحتاج إلى إنشاء مفوضية منع التمييز ..كما يجب أن يكون لدينا خطابات مختلفة موازية وان يكون هناك مبادرات مجتمعية تعمل على ذلك سواء من قبل مؤسسات المجتمع المدنى، أو مبادرات شابة موازية للخطاب الرجعى السلطوي ليكون هناك خطابات مختلفة، حيث أن التدخلات المجتمعية بالتوازى مع الإجراءات القانونية كل هذا يحد من الانتهاكات ضد النساء وفرض الوصاية المجتمعية عليهن.”