* الضحية مهما أنصفها القضاء تظل تدفع ثمنا فادحا
*صعوبات التعافي و مواجهة المجتمع
* اقتلاع جذور جريمة الاغتصاب من التنشئة إلى للعقوبة الرادعة
بعيداً عن الجدل المثار بشأن تقارب احداث مسلسل الطاووس مع القضية الشهيرة إعلامياً ب ” الفيرمونت ” و ما اثير حوله من لغط فور الإعلان عن طبيعة المسلسل و نوعية القضية التى سيطرحها خلال السباق الرمضانى , حرصنا من البداية على متابعته لمعرفة كيفية توظيف قضية ” الاغتصاب ” ضمن سياق درامي وفي أي إطار يضعه صناع العمل, و ما الرسالة الضمنية المراد تقديمها للمشاهد, فكان الشغف لمتابعة طرح القضية وسط زحم المسلسلات خلال شهر رمضان الذي ربما أعطاه ثقل كي يتابعه الآف المشاهدين لاسيما بعد الضجة التي أثيرت حوله وتردد أنباء بوقفه واحالة المسئولين عنه للتحقيق إلى أن صدر قرار المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام بمواصلة عرضه بعد التأكد من أن الموضوع لا يحمل أي إساءة للمشاهدين , وربما كانت المسألة لها حساسية خاصة بترويج البعض بأن المسلسل يحاكي قضية ” الفيرمونت ” وهي كانت لاتزال قيد العدالة مما يصعب تناولها بهذه الصورة ليخرج صناع العمل بتصريحات تنفي ما يتم ترويجه وأن العمل يناقش قضية رأي عام ولم تختزل في إطار واحد بتعدد النماذج التي تحاكي نفس الواقع الأليم , فكانت بحق الدعاية المجانية للمسلسل لمتابعة أحداثه وزيادة عدد مشاهديه .
يشهد لفريق عمل المسلسل إدراكه بمسئوليته المجتمعية في طرحه هذا النوع من القضايا ودعمه للمرأة و تشجيعها للدفاع عن حقوقها, فكان تناوله لقضية الاغتصاب باحترافية شديدة دون المساس بمشاعر و اخلاقيات المجتمع المصري وإنما التركيز على المشكلة ذاتها و حال ” أمنية ” تلك الفتأة البسيطة التي جسدت شخصيتها الفنانة الشابة “سهر الصايغ” , والتي وقعت في فخ شباب مستهتر نتيجة لانعدام اخلاقياتهم, و ظهر ذلك في تقديمه مشهد الاغتصاب الجماعي مكتفيا بالتركيز على أوجه الشباب وما يحملونه من شر لايذائها دون عرض أي مشاهد مفتعلة مبتزلة أو مسيئة أو استخدام ألفاظ غير لائقة احتراما لكيان الأسر المصرية وطبيعة عاداته وتقاليده وإنما تسليط الضوء على كم الأذى الجسدي والنفسي التي تعرضت له الفتاة بعد إيفاقتها و صدمتها بما حدث لها والدموع في عينيها وارتعاش جسدها، إلى جانب تعمد اسقاطه على مشهد الدم المتساقط، والذي عبر من خلاله ما هو أعمق من أي كلمات يمكن أن تنطق في مثل هذه الحالات .
البنت الجدعة
كانت”أمنية” بملامحها المصرية البريئة تجسيدا حقيقيا لفتيات كثيرات يكافحن في الحياة لتحقيق أحلامهن و ربما مساعدة أسرهن في كثير من الأحيان، و لم يعد ذلك أمر مخجل فالواقع يحاكي قصص نجاح ومشوار كفاح لكثيرات يستحقن منا كل الاحترام والتقدير لهن لاسيما وأن منهن ما يلجأ للموازنة ما بين دراستهن وعملهن، فكانت “أمنية” مثال البنت “الجدعة” التي تتحمل مسئولية نفسها و “بتجرى على أكل عيشها” لتلبية احتياجاتها وتدبير مصروفاتها لاستكمال دراستها وحلمها في التخرج و من ثم العمل بالشهادة الجامعية كحلم أي فتاة قبل أن تختطف احلامها ذئاب بشرية لم تدرك كم دمرت حياتها ومستقبلها .. لتنقلب حياتها وتجد نفسها في صراعات و عليها أن تحارب في كل الجبهات لاثبات حقها وتغيير نظرة المجتمع لها. .
ألم التخلي
واجهت “أمنية” ألم تخلي أسرتها عنها ، ومن خلال المسلسل تم تقديم عدة اسقاطات كرسائل ضمنية للأسر المصرية ومنها تعامل أسرة “أمنية” معها فور علمها بالحادث التي تعرضت له وبدلا من أن تصبح السند والداعم لها في محنتها كانت المفارقة مخيفة بأن تكون أول من تخلى عنها وتعامل معها من منظور الجاني والمتهم وليس الضحية فكان توجيه اللوم وتعمد الإساة لها، و هو ما اتضح من خلال شخصية الأخت “سمية” ومشهد فضحها أمام والدها وضربها الأمر الذي تسبب في وفاته أمام عينيها لتزداد معاناتها بالأكثر حينما تجد نفسها بلا سند ليزداد الأمر سوء بطردها من منزل ابيها على يد زوج اختها لتجد نفسها في الشارع .. فكان التركيز على موقف الأسرة المتخاذل و تخليها عن ابنتها رغم ضيقتها، الكل أعطاها ظهره دون احتضانها ومساندتها في محنتها لأخذ حقها من منطلق أنها كانت الأولى في تصديقها وأن تكون محل ثقة بالنسبة لها، و كأن الرسالة المراد تقديمها للمشاهد “أرحموا , اسندوا، دعموا ” .. “اوعوا تتخلوا، قفوا بجانبها وافضحوا الجاني و عافروا لحد ما تثبتوا براءتها ” .. ” ماتكنش في يوم سبب وجع وعامل طرد و تضطر تلجأ للغريب” .. “خلوا الثقة بينكم وصدقوا في اللى واجهته و صروا أنكم تجيبوا حقها .. ” ماتخلوش كلام الناس يتحكم فيكم و لا تتأثروا بنظرة المجتمع مهما كانت قاسية علشان مصير الحق يرجع لاصحابه ” .
الحق لازم يبان
وسط ألم “أمنية” بتظهر شخصية الفنان السوري” جمال سليمان” ليشع بصيص نور وسط عتمة حياتها بإعلان تضامنه معها وانحيازه لقضيتها باعتبارها قضية جماهيرية تخص المجتمع ككل وليست حالة فردية و عليه نجده ينحاز لها ويصدقها منذ البداية رغم عدم معرفته بها مسبقا فيكون لها السند والظهر ليدافع عنها باستماتة ويقف ضد التيار و يتحمل أي صعاب ويحارب ضد اسماء كبيرة لها ثقلها و نفوذها دون خوف من تهديدات للتنازل عن القضية بل بإصرار يقرر أنه يتخلى عن كل شىء في سبيل حصولها على حقها وتغير نظرة المجتمع حيالها .. وهذا ما نتمناه في اصرار اسرنا و بناتنا على المواجهة ليظهر الحق للنور، فكانت الرسالة الموجهة أن الطريق ربما لم يكن سهلاً لكنه لا يعني التخلي عن الحق، فالمسألة تحتاج للمثابرة و المعافرة والنحت في الصخر وأخذ الحق بالقانون “لأن الحق لازم يبان”.
طول الوقت كان لشخصية المحامي دور مهم في تشجيع “أمنية” بأنها تتكلم وتكشف وتفضح ما تعرضت له من ايذاء جسدي ونفسي و “ماتخفش و ما تسكتش عن حقها أبداً” .. كان دائما ينصحها بألا تضعف أو تيأس مهما طال الوقت في المقابل ألا تقبل بأي عروض تقدم مهما كانت الأغراءات وإنما تواصل مسيرتها ومشوارها في أن تحارب لإثبات حقها وبرائتها أمام كل من تجرأ عليها أو يحاول التجرأ عليها داخل المجتمع على اعتبار أنه ” طالما لك حق، علينا أن نحارب سوياً كي نحصل عليه ونظهره للنور ” .
حرية الاختيار
يشهد لدور المحامي مساندته و دعمه لها دون فرض أي وصاية أو املاء لرغبته عليها وإنما اعطائها حرية الاختيار وما كان منه إلا احترام إرادتها و رغبتها في استكمال مشوارها في القضية من عدمه، و هو ما اتضح في قوله” من حقك تلغي التوكيل وتقبلي العرض المقدم من الخصم ” وبعدها ينسحب بكل هدوء احتراما لرغبتها .. بالفعل كان دوره قوي في تنبيها، وهو حقيقة أسلوب نفتقده داخل غالبية أسرنا في تعاملها مع ابنائها في مثل هذه الحالات تحديداً باجبارهم في كثير من الأحيان للتنازل عن القضية و من ثم حرمانهم حرية الاختيار و اعطائهم المساحة الكافية لتحمل نتيجة اختياراتهم وقراراتهم فيما يواجهونه، وبالتالي فهي نقطة جوهرية يفترض منا كأسر وضعها في الاعتبار ضمن عملية التنشئة الاجتماعية بألا نفرض قراراتنا وراغباتنا على أولادنا دون الالتفات أو الوضع في الاعتبار رغباتهم وإرادتهم كي نخلق منهم أفراد مسئولين عن اتخاذ قراراتهم .. فاحترام حرية الاختيار، واجب و ضروري ومهم .
كما أعطى المشهد ذاته رسالة قوية غير مباشرة في صلب القضية التي يدافع عنها أحداث المسلسل، وهي تحفيز المشاهدين بشكل عام ولاسيما كل الفتيات “الساكتات عن حقهن” بأن يتخذوا القرار من داخلهم ومن تلقاء أنفسهم بضرورة الإبلاغ وبدء المشوار واستكماله دون تراخي أو ملل أو يأس حتى لا يفلت الجناة من العقاب بعدما اصبحت “أمنية” في رسالتها المجتمعية بتحاكي نماذج ليست بقليل داخل المجتمع وتتحدث بلسانهم .
صوت الضمير .. ينتصر
ظلت “أمنية” تعيش حالة من الصراعات الداخلية والخارجية في أزمتها، الكل من حولها يضغط عليها للتنازل عن قضيتها والتفريط في حقها ومنها تهديدات و خطف من قبل أهالي الجناة ومحاولة ترهيبها وترضيتها بشقة وسفر للخارج و غيرها من العروض .. كل ذلك وسط الحاح من أسرتها لقبول العرض المقدم من أهالي الجناة خوفا عليها من الفضيحة ومن ثم محاولة اقناعها بالجري وراء مصلحتها وأن تخرج بالأزمة بالتعويض المرضى “بدل الجري” في المحاكم دون التوصل لشىء من وجههة نظرهم , مبررين موقفهم أنهم قليلين أمام إناس كبار و ذوي سلطة ونفوذ إلى جانب كونها فرصة للزواج من شخصية “فيجو” باعتباره الأصلح لها بعد الحادث .. وهنا كان نغمة اليأس و الإحباط التي كثيراً ما يعزفها أسر وقعت في ذلك الفخ مستسلمين لحالهم، رافضين لأي مواجهة خوفاً من الفضيحة وتشوية سمعة ابنتهن و أسرهن الأمر الذي تسبب في ضياع كثير من الحقوق و “تفويت الفرصة ” على الجاني كي يلقي عقابه ومن ثم ارتكاب جرائم أكثر متسترا .
كان لأمنية وسط كم الضغوط من حولها، موقف إيجابي بسماع صوت ضميرها ولمن وقفوا جانبها بحق كي تدافع عن حقها دون التفريط فيه و من ثم قررت سد أذنها عن كل الأصوات الباطلة اليأسة المحبطة المستسلمة المنهزمة من حولها و ترفض أي إغراءات مادية مقابل سمعتها وحقها واثبات برائتها، وهو ما اتضح في مشهد عدم قبولها أمضاء التنازل والاستسلام لحالة الضعف البشري الذي مرت به مقابل شقة و سفر بالخارج لتنسحب في آخر لحظة، رافضة أي استسلام أو التفريط في حقها لتعلن استكمال ما بدأته من مشوار في إظهار برائتها و قطع الطريق على جناة يمكنهم العيش على حساب آخرين وبامكانهم أن ” يدوسوا على غيرهم بفلوسهم و نفوذهم ” .. قررت أن تسعى وراء حقها و تبرئة سمعتها الذي لا يسترد بالمال و انما بالحكم العادل الصارم املا فى وجود مجتمع ينصفها و يحتضنها و يساعدها كي تلقي بالماضي المؤلم ورائها وتبدأ حياة جديدة بتيقنها أن عدالة السماء سوف تطل على الأرض وستسمع صوت الحق مضويا .
كانت الرسالة الضمنية هنا أن شعورك بالضعف البشري ربما يكون طبيعياً في بعض الأحيان ولكن دعيه ألا يسيطر عليكي فيفقدك حقك، لا تخافي، لا تيأسى أو تستقلي أو تستضعفي نفسك .. حاربي وواجهي مهما كانت التحديات والظروف والصعوبات المحيطة بك .. لن تقبلي بالتنازل عن قضيتك لأن خضوعك للضغط و قبولك للتنازل يعني شىء واحداً وهو الإبقاء على القضية في إطار المسكوت عنه و ضياع للحقوق لمجرد خوفك أن تتحدثي وتكشفي وتعلني ما حدث معك بما يعطي الفرصة للجاني ارتكاب جرائم أكثر في حق الغير وفي أمان لادراكه خوفكن من التكلم والإفصاح عما تواجهونه .. فقط أعلمى أن فضح الأمر وكشفه يضعه في الإطار الصحيح، وهذا ما نادت به المجالس القومية و الجمعيات الأهلية و منظمات المجتمع على مدى سنوات بالدفاع عن الحقوق و الإصرار على الابلاغ و تحرير محاضر في اقسام الشرطة لقطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه للإساءة لأي فتأة، وهذا ما يؤكده المسلسل في رسالته التي اتمها و أوضحها بشكل مباشر كتابة في نهاية أخر حلقاته حينما كتب باللون الأبيض عبارات صريحة تعلن المغزى الحقيقي للأحداث الدرامية بأن “هذا العمل ليس انتصارا لشجاعة كل من أعلنت عن تعرضها لاذى لفظي أو جسدي فحسب ولكنه بمثابة تحية وتشجيع للمسكوت عنهن من ضحايا، وناقوس يدق أجراسه تحذيرا لكل من تسولت له نفسه بارتكاب مثل تلك الجرائم .. أن العدالة أمر حتمي ” .
مواقف مشرفة
جاء موقف النيابة ضمن أحداث المسلسل مشرف باهتمامه بنوعية البلاغ المقدم و ما أدلته “أمنية” منذ اللحظة الأولى من أقوال في حق مرتكبي الحادث رغم ثقل اسمائهم و نفوذهم في المقابل كونها بنت “بسيطة” بما أعطى انطباعا إيجابياً وإشارة واضحة بأن هناك تقدماً من قبل أفراد الشرطة في تعاملهم مع مثل هذه النوعية من القضايا وعدم الاستخفاف بها أو السخرية من الفتأة و الاستهانة بها حينما تلجأ لتحرير محضر من هذا النوع داخل قسم الشرطة كما كان يحدث خلال فترات سابقة في التعامل مع حالات تحرش على سبيل المثال وربما اتخاذ محاولات للعدول عن تحرير البلاغ أو الغائه بما ينبىء بأن الوضع الحالي مشجع ومدعم للمرأة بشكل كبير وهو أمر يحتذى به .
يشهد للدولة موافقتها على مشروع قانون للحفاظ على سرية بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي والذي راعى خلاله مصلحة المجنى عليهن في الحفاظ على سرية بياناتهن حيث تضمن المشروع “عدم إثبات البيانات في المحاضر والأوراق المتداولة، والاحتفاظ بها في ملف فرعي بحوزة المحقق على أن يعرض هذا الملف على المحكمة أو المتهم أو الدفاع عند الطلب، ويعاقب من يفشى هذه السرية بالمادة 310 من قانون العقوبات”، بما يعد خطوة إيجابية ودعم للضحايا للإبلاغ دون خوف أو ترهيب و طمأنة الأهالي على سمعة ومستقبل بناتهن بعدما أثير شكاوى من قبل الفتيات وخوفهن الإبلاغ عن جرائم التحرش والاعتداء الجنسي التي ترتكب في حقهن خشية تأثيرها على سمعتهن و سمعة اسرتهن والإضرار بهن . فضلاً عن كونها خطوة كبيرة ستساعد الدولة على استرجاع حقوق الكثيرين ممن تعرضوا لمثل هذه الجرائم غير الأخلاقية .
الكيان الهش
تطرق المسلسل في إطار معالجته للقضية إلى وضع الأبناء الجناه و ما وصلوا إليه من استهتار لارتكاب جرائم في حق الغير من خلال طرح مشكلة التفكك الأسرى وعلاقة الانفصال بين الزوجين حتى داخل المنزل الواحد و كيفية تأثيره السلبي على الأبناء نفسيا بافتقادهم الحب والحنان واحساسهم بالأمان حينما يتخذون من ابنائهم مجالا للشد و الجذب فيما بينهم لتخلق منهم كيانات هشة مريضة غير سوية كارهة لنفسها ولمن حولها تسعى لتفريغ طاقاتها المكبوتة في غيرهم دون الإكتراث بما يرتكبونه و ما يتسببونه من أذى للغير دون ذنب اقترفاه .
كما كانت هناك رسالة أخرى موجهة لأسرنا، مضمونها أن تربية ابنائكم أمانة بين أيديكم حيث الوعي والاهتمام بالأبناء وتنشئتهم بشكل سليم وعدم الإنشغال عنهم، فكانت الشخصيات الدرامية من أهالي الشباب مرتكبي الجريمة يعتقدوا أن مقياس النجاح في العمل وتحقيق الشهرة وجلب الأموال وتوفير حياة كريمة لهم و لابنائهم إلى أن اكتشفوا الحقيقة الموجعة بأن انشغالهم عن ابنائهم كان الخسارة الأكبر، ولعل مشاهد دموع الأهالي وحزنهم في مواقف كثيرة كانت خير دليل على كم ألمهم و وجعهم و ندمهم حينما وجدوا ضياع مستقبل ابنائهم أمام أعينهم نتيجة لأهمالهم .. فالتنشئة الصحيحة للأبناء لم يكن في توفير الحياة الكريمة من مأكل و مشرب وملبس بقدر ما هو خلق أفراد صالحين متوازنين نفسيا و اجتماعيا وصحيا ودراسيا لأنفسهم و لمجتمعهم مع التأكيد أن الاخلاق و الالتزام بالقيم والمبادىء هو المعيار الأساسي للنجاح داخل أى أسرة و ليست في الثراء والأموال الطائلة . إلى جانب التنبه لمسألة التدليل المفرط والحرص على تحقيق المعادلة المتوازنة بين الشدة والتراخي مع الوعي بأن عوامل التربية واحدة بكونها لم و لن تتجزأ، فالمسئولية واحدة ومشتركة بين الزوجين تجاه الولد و البنت، و وأهم من يعتقد أن تربية البنت تختلف عن الولد ومن ثم يصبح التركيز مع البنت أكبر من منطلق ان الولد “ده راجل مايتخفش عليه”، فما يحدث من تفرقة في التعامل أمر “مغلوط ” وبحاجة لتصحيحه .
كما دق المسلسل جرس إنذار و ناقوس خطر لكل أسرة بضرورة تأكيدها على بعض القيم والمفاهيم الصحيحة خلال تنشئتها الاجتماعية لابنائها وهي التمييز بين الصح و الخطأ وعدم تبرير الخطأ حال حدوثه بل وضع الأمور في نصابها الصحيح، و أن تغرس لديهم الرقابة الداخلية لرفض كل ما هو خطأ ومحاولة مقاومته على قدر المستطاع حتى لو على حساب نفسه و حياته، فكان موقف شخصية “على” الذي حاول تبرئة نفسه من التهمة بأنه لم يشارك في جريمة الاغتصاب في المقابل نجده بكل سهولة يقول “أنا كنت باصور فقط” من باب انفاء التهمة عنه ومحاولة تبرير خطأه بخطأ أكبر، أمر في غاية الخطورة أن لم نتنبه له، و لعله أتضح أيضاً بشكل كبير في تصرفات الأهالي أنفسهم حينما كانوا يخططون ويدبرون للضغط على “أمنية” من خطف وتهديدات للتنازل عن حقها في سبيل نجاة ابنائهم فكان مواقفهم مخزية بمحاولاتهم ارتكاب أخطاء أكثر دون تصحيح الخطأ، كان في اعتقادهم أن بنفوذهم وسلطتهم بإمكانهم أن ” يدوسوا” على حق الغير وأن يعلو فوق القانون .. فكانت المعايير مختلطة بشكل ضاعت حيالها القيم والمبادىء وهو ما لا نتمناه في أسرنا وأبنائنا ايمانا بأن لمجتمعنا المصري قيمه ومبادئه وأنه لا أحد فوق القانون .
أيضاً التأكيد على قيمة الحرية و معناها الصحيح من خلال شخصية ” حماد” وإظهار ندمه فيما ارتكبه، وهنا الرسالة لشبابنا بأن ” حريتك .. مسئوليتك” و حدودك تقف عند حدود الآخرين .. فعيش حياتك ” صح ” دون أنانية لأن حريتك ثمنها غالي .
الدفىء و الأمان
لا ننسى دور الفنانة القديرة سميحة ايوب و تجسيدها شخصية ” الست ماتيلدا ” و التي كانت بمثابة الملجأ و الحضن الدافىء ” اللي بيطبطب وقت الوجع ” وهي رسالة قوية لاحتواء كل اسرة ابنتها حال مرورها بمثل هذه الظروف لكونها بحاجة للحب و الامان و الإحساس بالاطمئنان وسط مجتمع قاسي متنمر لا يرحم، فكان وقوفها بجانبها مثال طيب وأمر يحتذى به إلى أن وصلت لبر الأمان وظهر حقها و خروج الحكم العادل بإعدام المتهمين .. ذلك الحكم الذي أثلج قلوب المصريين ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه لارتكاب مثل تلك الجرائم .
كان للعمل الدرامي رسالة في تعمده اسقاط الضوء على اختلاف العقيدة دون افتعال أو اقحام وإنما بانسيابية و سلاسة بابرازه صور السيد المسيح و السيدة العذراء و الصليب معلقة على حوائط المنزل في كافة المشاهد التي تجمعها مع “أمنية” إلى جانب ارتداء ” ماتيلدا ” الصليب في المقابل إهداء “أمنية” اسدال و سجادة صلاة و مصحف , و ارتياح كل منهما للآخر دون احساس باختلاف أو غربة للتأكيد على ان الإنسانية لا تعى اختلاف المذاهب أو الملل وإننا بإمكاننا العيش معاً في محبة وسلام بغض النظر على المعتقد .
تحية واجبة
تحية شكر وتقدير لصناع العمل من مؤلف ومخرج و فنانين لتقديمهم مثل هذه النوعية من القضايا و تسليط الضو عليها والمجازفة بها لعرضها ضمن زخم السباق الرمضاني لا لشىء إلا لايمانهم بقضايا المرأة و دعمها و مساندتها .. وفي انتظار النجاح الحقيقي بتشجيع كل “الساكتات عن حقهن” لاتخاذ المبادرة والحصول على حقها بالقانون العادل، فلا مجال للاستسلام ” خليكي زي أمنية و ماتخافيش وخلي عندك إرادة إنك تظهري حقك للنور ” . كما نأمل في أعمال درامية أخرى هادفها ذو قيمة لتنوير المجتمع وتبصيره بقضايا المرأة و التعامل معها .