لازالت ردود الفعل الإيجابية الناتجة عن موكب مومياوات ملوك وملكات مصر تظهر حتى الآن.
أحد تلك ردود الفعل، رصدها وحللها الطبيب النفسي والكتاب، د. محمد طه، وعرضها في منشور كتبه على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك.
وكان د. محمد طه قد أفاد أنه رصد أكثر من 3000 رسالة وتعليق لأناس –معظمهم من المصريين وبعضهم من العرب والأجانب- قالوا أنهم سمعوا كلمات أنشودة المهابة من قبل وأنها مألوفة لهم، وقالوا إنها “لمستهم ومسّت أرواحهم بشكل مدهش.. خطفتهم وجعلتهم كالمتصوفة المجذوبين بمنتهى الغرابة”.
وأكد أن ماحدث هو ليس ظاهرة “حدث من قبل” Déjà vu الشهيرة، موضحًا أن تلك الظاهرة لا تحدث لآلاف الناس في ذات الوقت.
وأفاد طه أن ماحدث هو ظاهرة انتقال ذاكرة بين الأجيال Intergenerational Transmission of Memories من أعقد ما يكون، ووصفها بـ”المعجزة”.
وعزى الطبيب النفسي والكاتب ظاهرة انتقال الذاكرة بين الأجيال، إلى مايسمى بالذاكرة الجينية Genetic Memory والتي تنقل أحداث ومواقف وردود فعل عبر أجيال عديدة. لافتًا إلى أنه تجري حاليًا العديد من الأبحاث حول تلك الظاهرة.
ونقل عن تلك الدراسات أن بعض الذكريات يتم تخزينها في الجينات وهي تترك أثر وتغيّر في الحمض النووي DNA للشعب باكمله، ليس فقط على مستوى التعبير الجيني Gene Expression بل أيضًا على مستوى التركيب والتكوين الجيني Gene Structur. وقال: “الذكريات القوية -سواء المؤلمة أو المبهجة- تترك آثارًا عميقة وممتدة عبر الأجيال.. آثار حقيقية على مستويات تركيبية ووظيفية متعددة.”
التعبير الجيني هو العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية لاصطناع منتجات جينية الوظيفية. هذه المنتجات قد تكون بروتينات، أو قد تكون أحد الأنواع العديدة من الأحماض النووية الريبوزية، مثل الرنا الريبوسومي، الرنا الناقل والرنا RNA النووي الصغير. أما التركيب الجيني فهو تنظيم عناصر التسلسل المتخصصة داخل الجينات. تحتوي الجينات على المعلومات اللازمة للبقاء على قيد الحياة وتتكاثر الخلايا الحية. في معظم الكائنات، تصنع الجينات من الدنا، حيث يحدد تسلسل الدنا المعين وظيفة الجين.
وأضاف د. محمد طه: “نحن نتحدث عن كلمات سمعها أجداد أجداد العالم.. عن لغة تشربت بها الأرض منذ فجرها الأول.. عن أناشيد جلجلت ودوى صداها بين أركان أول حضارة عرفها الإنسان.. لقد سمعنا جمل مجدولة في شرائط الأحماض النووية للبشرية كلها.. حروف تم تكرارها واستنساخها من جيل إلى جيل حتى وصلت للأجيال الحالية..كروموسومات تناقلت.. وتلاقحت.. تزاوجت.. وأنجبت.. سافرت.. واستقرت.. هاجرت.. طفرت.. وثبتت.. تغيرت.. وتطورت.. وظلت محتفظة ببعض الذكريات الأولى.. التي حُفِرَت في أعمق أعماقها.”
وتابع حديثه: “ما حدث في موكب الملكات فريد ونادر جدًا.. يشبه ايقاظ حد ميت من آلاف السنين.. وبث الحياة فيه مرة أخرى.. كلمات نائمة تم إيقاظها في أرواحنا من جديد..نغمات ساكنة.. تم تحريكها في وعى البشر الجمعى بمنتهى الهدوء والقوة معًا .. أناشيد موغلة في سحيق التاريخ.. خرجت من تحت تربة مصر مرة أخرى.. فيما يشبه المعجزة.”
وخاطب من شعر بألفة لتلك الأناشيد: ” من سمع الكلام وشعر أنه سمعه من قبل لا يتعجب.. فقد سمع أجداده قبل ذلك ونُقِشَ على جيناتهم.. من تجاوب مع الإنشاد والموسيقى وشعر أنها مألوفة وليست غريبة –سواء مخيفة وحزينة وقابضة أحيانًا- لا يتعجب، فالأنشودة محملة بذكريات عريقة عراقة معابدنا القديمة..” وقال: “من تناغم مع اللغة المصرية القديمة وكأنه كان يتحدث بها بالأمس.. روحه كانت تتحدث بها بالأمس فعلاً.”
وتطرق طه إلى العديد من الدراسات والتجارب التي تتناول ظاهرة الذاكرة الجينية، من بينها دراسة نشرها Dias and Ressler في مجلة Nature الشهيرة في ديسمبر 2013، عن تجربة تم تعريض فئران بها لرائحة أسيتوفينون مصاحبة لتعريضهم لصعقة كهرباء خفيفة تسبب لهم بعض الألم. وفوجئوا أن أبناء هؤلاء الفئران وأحفادهم كانوا يخشون تلك الرائحة ويبتعدوا عنها، رغم عدم تعرضهم لتلك التجربة.
في دراسة أخرى نشرت في نفس البحث، وُجد إن الأطفال اللى نتجوا من زواج آباء وأمهات في هولندا أثناء وقت الحرب في أربعينيات القرن الماضى، كانوا أكثر إصابة بأمراض السكر و القلب من غيرهم.
نتيجة مشابهة وصلت ليها دراسة ثالثة (سابقة النشر) على أسرى الحرب الأهلية من الجنود الأمريكيين، اللى تعرضوا لظروف نفسية صعبة بسبب الحرب والأسر، وجد أيضاً أن متوسط عمر أبناءهم أقل من الطبيعى بشكل غير معتاد.
يذكر أن الأنشودة التي تليت خلال موكب نقل مومياوات ملوك وملكات مصر، هي مختارات من ترانيم المهابة لإيزيس من معبد دير الشلويط، وهو من معابد العصر اليوناني الروماني ويقع 4 كيلومتر جنوب مدينة هابو. وقد قام باختيار ومراجعة وترجمة تلك النصوص د. ميسرة عبدالله، أستاذ الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة. وقام بنشرها عبر موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك، ليستطيع الجميع الوصول لها.