** رنات الموبايل صارت تقلقني.. ونادرا ما أسمع خبرا سارا مفرحا.. وكأن كورونا جاءت لتحول حياتنا إلي دراما مأساوية لو كان كتبها أعظم الروائيين ما خرجت بهذا الخطر الحزين الكئيب.
** الاثنين الماضي بدأت صباحي بأول رنة للموبايل.. مددت يدي تنتابني مشاعر القلق… علي الشاشة أرقام غير معروفة لي.. ازداد قلقي وتمتمت مع نفسي خير إن شاء الله
جاءني صوت أنثوي أدركت من نبراته أنه لفتاة تتحدث في خجل, قالت لي: أنا كريستين بنت هاني.. بعدها ضاع صوتها ولم أعد أسمع إلا بكاء متواصلا.. ما ظننت من نبرات صوتها أنه خجل لم يكن خجلا ولكنه كان نحيبا.
حاولت بكلمات مشجعة أن أوقفها عن البكاء, لكنها لم تستجب وفيما كنت أحاول أن أهدئ من روعها, أخذت أبحث في ذاكرتي عن هاني.. لحظات وتذكرته, فليس في كل من أعرفهم من يحمل اسم هاني غير صديقنا في حقل الخير..
قلت لها: أنت بنت هاني إللي في شبرا الخيمة.. يبدو أن كلماتي هدأتها وتوقفت عن النحيب, وقالت: أيوه ياعمو..
إجابتها صدمتني.. توقعت شيئا غير مريح.
سألتها بما كنت أتمتمم به مع نفسي وأنا أقترب من الموبايل.. خير إن شاء الله.. سؤال طرحته في عفوية وسط كل هذه المناحات.. وكل الدلائل من بداية المكالمة توحي بأن هناك خبرا غير سار, لكن من هذا يبقي داخلنا الأمل والرجاء.
جاءتني إجابتها بحروف متقطعة تفصلها نبرات بكائها المتواصل: بابا راح السما.. إجابة صادمة هزتني بشدة.. كلمات التعزية التي حاولت أن أستجمعها لحظتها لم توقفها عن البكاء.. كان من الصعب علي وعليها أن نتواصل.. أتممت المكالمة وأنا أنسحب في ألم ربنا معاكم يابنتي سأتصل بك بعد شوية.
** جلست مع نفسي أسترجع ذكرياتي مع هاني الرجل البسيط, الطيب, الهادئ وكان يعمل في إحدي شركات القطاع الخاص.. لم يكن له عمل محدد.. عامل بوفيه وفي ظروف طارئة اضطر أصحاب الشركات لتصفيتها, ووجد هاني نفسه بلا عمل وبلا مورد لكنه لم ييأس.
كان في صباه يعمل في إحدي ورش إصلاح أجهزة تهوية, حاول أن يعود لكن تكنولوجيا الأجهزة تطورت, فلم يجد إلا أن يعمل مع نفسه, كلما تعطل جهاز لأحد معارفه واستدعاه لإصلاحه, وهذا لم يكن كافيا لأبسط احتياجات أسرته.. يومها استضفناه في حقل الخير.. كل شهر نقدم بركة.
مضي علي هذا 11 عاما, فالبداية كانت في أبريل ..2010 الغريب أنه كان حريصا أن يأتي في يوم من كل شهر.. قبل أن أصل إلي الجريدة قد يسبقني وفي انتظاري.
كنت أداعبه.. ياهاني أنا بعرف إن النهاردة أول يوم في الشهر لها ألاقيك قدامي.. كنت بأفرح بلقائه والتزامه, وأعرف أن هذا لشدة احتياجه لبركة.
** ابنته الوحيدة طالبة, كان يري فيها الثمرة التي أعطاها الله له وعليه أن يحافظ عليها, حرم نفسه وزوجته من أشياء كثيرة ليقدما لابنتهما كل احتياجات الدراسة والتحقت الابنة بكلية الألسن, وبقيت هي كل حياته وأمله.
منذ شهورعندما قابلته قال لي والفرحة تغمره وتطل من عينيه عندي لك خبر حلو كريستين أخذت الليسانس بتقدير, كل ما أتمناه من الدنيا أن ربنا يعطيني العمر وأشوفها عروسة, وأوصلها لبيت ابن الحلال إللي يصونها ويسعدها وأفرح بها.. تذكرت كلماته كما خرجت من فمه, وسألت نفسي: لما قال لي هذا.. وعدت إلي الموبايل.
** عدت إلي كريستين فاسمها صار من الآن مسجلا علي شاشة الموبايل وقائمة اصدقائنا.. أعرف أنني لست واعظا, لكن الله أعطاني من كلمات التعزية ما أدخل السكينة إلي قلبها, وبدأت تحكي لي ما حدث.. كان كعادته يستقبل الصيف مبكرا ويتخلص من الملابس الثقيلة بمجرد أن يقل البرد, لكن البرد يعود إلي شدته وهو لا يعود إلي الملابس الثقيلة, لذلك بمجرد أن ظهرت عليه بوادر الكحة وتكسير العظام ظننا أنه دور برد وتعاملنا معه علي أنه إنفلونزا, لكن يوم واثنين وتدهور تماما, ولم يعد قادرا علي التنفس.
** معذورة لضيق المساحة لم استطيع أن انقل لكم ما قالته كريستين.. إلى اللقاء في الأحد القادم.