** صعب أن تواجه قسوة القدر.. هذا ما حدث مع صديقتنا فيولا.. الأكثر صعوبة أنها واجهت قسوة القدر وهي تحبو إلي الحياة طفلة في الخامسة من عمرها بدأت تظهر عليها بوضوح مظاهر الروماتويد.. فالتكلس في مفصلي الفخدين, وأعوجاج في مفصل الركبة, وصعوبة في استخدام اليدين.. لم تعش طفولتها.. لم تعرف الجري ولا اللهو ولا اللعب كباقي الأطفال.. لم تعش أيضا شبابها.. ولم يكن القدر قاسيا عليها وحدها, لكنه كان قاسيا علي والدها أيضا الذي حملها طفلة صغيرة, وشابة لا تستطيع المشي لمسافات, وطاف بها كل المستشفيات علي أمل أن يخلصها من قسوة القدر.
** القصة صارت معروفة لكم.. حدثتكم من قبل عن قسوة القدر مع فيولا وعن الأكثر صعوبة.. لكن دعوني اليوم أحدثكم عن الأكثر أكثر صعوبة.. أحدثكم عن عناد القدر, فكلما لاح أمل في الشفاء انتزعه القدر من أحلامها وكأنه في حرب شرسة معها مصر فيها علي الانتصار وتحطيمها.. عندما فشلت كل علاجات الأطباء وجاءتها بارقة أمل في نصيحة بالذهاب إلي واحة سيوة, وقطع معها الأب مئات الكيلومترات في رحلة صعبة, وقضت أياما مطمورة في الرمال, وعادت تملؤها الفرحة بعد أن تصورت أنها تخلصت من سجن المرض الذي كان يقيد جسدها, وتغلبت علي قسوة القدر.. أيام وشهور ليست بكثيرة وعاودتها الآلام بل وأكثر شراسة, وكشف القدر عن عناده.
** فيولا التي قبلت صليب المرض بشكر منذ طفولتها لم تستسلم لعناد القدر, ليس عن قوة إرادة لكن لأن الآلام شديدة قاسية لا تحتمل.. مرة أخري عاد والدها يطوف بها علي عيادات الأطباء, إلي أن لاحت لهما بارقة أمل في علاج قرره لها أستاذ الروماتيزم والتأهيل بجامعة السويس.. وكاد الأمل يضيع من أحلامها فتكلفة العلاج (12 حقنة Enbrel) 23 ألف جنيه, وليس لأسرتها تدبير ثمن حقنة واحدة تقترب من ألفي جنيه..
ومن هنا كانت بداية صداقتنا مع فيولا.. استجبنا لنداء دموعها ورجاء والدها, وكان الرب معنا فأرسل من عطايا أصدقائنا صناع الخير تكلفة العلاج وأكثر.. وعاد الأمل إلي أحلامها والفرحة إلي قلبها, واستمرت ثلاثة شهور كاملة تأخذ كل أسبوع حقنة, وفي النهاية رأينا القدر المتربص بها يكشف عن قسوته وعناده.. المرض مازال يسكن جسدها.
** لم تستسلم فيولا لقسوة القدر ولا لعناده.. عادت تواجهه بسلاح الرجاء.. عادت في عشرة حقيقية مع الرب بالصلاة وكان أقوي سلاح.. لكن قسوة الوجع المتواصل مازال يسكن جسدها.. بشكل كامل تقبلت أن تعيش حياتها وإلي منتهي الأيام علي مجموعة من العلاجات بعضها مسكن وبعضها لمواجهة أية مضاعفات.. وكما عاهدناها لم نتركها.
** لأكثر من خمس سنوات نتقابل مع بداية كل شهر بوالد فيولا.. يأتي مبكرا قبل أن نصل ويجلس في انتظارنا.. نفرح بحضوره ونطمئن علي صديقتنا ونقدم له شنطة العلاج الشهري ليلحق بالقطار الذي جاء به مع خيوط الفجر من بورسعيد ليواصل رحلة العودة الأصعب.. شتاء وراء صيف لم يتخلف عن الحضور أبدا.. مع الأيام والسنين رأيناه شمعة تحترق في محبة أبوية باذلة قلما وجدناها.. ملامح الشيخوخة بدأت تظهر علي وجهه وتعوق حركته لكنه مستمر في رحلته ونحن نري فيه مثال الأبوة الحانية..
ذات مرة تأخر عن موعده أياما.. انتظرناه يوما بعد يوم ولما طالت الأيام اتصلنا تليفونيا فشنطة الدواء في انتظاره.. غاب عن ذهني أن يكون للقدر ضربات أقوي من قسوته وعناده.. وكانت الصدمة.. رحل الأب!!
** في محبة أكثر بذلا أخذت شقيقة فيولا المهمة.. انحنينا لها.. شنطة الدواء تصل إلي فيولا في موعدها تحمل محبتكم الكبيرة التي لولاها ما واصلنا رحلتنا معها.. شكرا لكم يا كل الأصدقاء صناع الخير.. دامت محبتكم.