10 سنوات لم تنجح أي من المفاوضات في التوصل لاتفاق عادل و متوازن حول أزمة سد النهضة العملاق الذي يُعد أكبر منشأة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا بشكل يحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية و في ذات الوقت يحد من الأضرار المائية و البيئية و الاجتماعية و الاقتصادية على مصر و السودان .. حالة من الجمود و التوتر و التعثر تلازم ذلك الملف المحتقن منذ أن طرق أبوابه في عام 2010 و رغم تعاقب الأنظمة و الحكومات لم يجد الملف مساره في التوصل لحل يرضي كافة الأطراف الثلاث لتزداد المسألة أكثر تعقيدًا و تعثرًا وسط تبادل الاتهامات بشأن مسؤولية فشل المسار التفاوضي لتدار المسألة و كأنها في حلقة مفرغة تدخل فيها كل من مصر و السودان و إثيوبيا لمرحلة جديدة من المواجهة لاسيما مع إصرار الجانب الإثيوبي اتخاذ إجراءات أحادية فيما يتعلق بملء خزان السد في يوليو القادم للعام الثاني على التوالي دون التنسيق مع دولتي المصب مصر و السودان , و إعلانها صراحة اعتزامها باستكمال عملية الملء حتى و إن لم تتوصل لاتفاق مع الدول الثلاث بما اعتبر نهج لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب و غياب الإرادة السياسية في التفاوض من أجل تسوية الأزمة و رفض أي محاولات تعاونية للانطلاق نحو فرص للتعاون و التنمية , و هو ما ترفضه مصر و السودان باعتباره أمر يتعلق بتهديد الأمن الإنساني.
الوضع حرج , و تعسف الجانب الإثيوبي و ما يمارسه من انتهاكات في محاولة تغوله على حقوق مصر و السودان يفجر أزمة , فما كان من التوافق المصري السوداني للتحرك في كافة الأطر من خلال رفع آلية التفاوض لرباعية في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة و العودة إلى مفاوضات جادة و فعالة برعاية إفريقية و بمشاركة نشطة من المجتمع الدولي للتوصل في أسرع وقت ممكن لاتفاق عادل و متوازن و ملزم قانونًا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة قبل موسم الفيضان المقبل .
للوقوف على طبيعة الأزمة الراهنة بشأن سد النهضة؟ و لأي مدى الآلية الرباعية للوساطة يمكنها حل الأزمة لولا موقف تجميدها؟ و ماذا عن موقف الإدارة الأمريكية من هذا الملف؟ و ما مدى استجابة إثيوبيا خلال الفترة القصيرة المقبلة للتفاوض؟ و ماذا يحدث في حالة إصرار إثيوبيا على الملء الأحادي للسد؟ كان لنا لقاء مع دكتورة اماني الطويل – مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية , فكان هذا الحوار …
+ رؤيتك بشأن كلمة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في الاجتماع رفيع المستوى حول المياه بالجمعية العامة للأمم المتحدة ؟
++ أجدها كلمة موفقة و خطوة مهمة فيما تقدم به الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بكلمة لمخاطبة المجتمع الدولي فيما يتعلق بالشئون المصرية المرتبطة باحتياجات الشعب المصري و شرحه على وجه الدقة الوضع المائي في مصر بشكل حرج فيه الموقف بالنسبة لمصر وإعلانه صراحة أنه حتى اللحظة الراهنة للاستخدامات الحالية للمياه أو الاحتياجات المائية المصرية هي دون المستوى العالمي بما يندرج لحد “الفقر المضجع” , و لعل ذلك اتضح من خلال الإشارة إلى نصيب الفرد من المياه في مصر بكونه لا يتجاوز 560 متر مكعب سنويًا في حين عرفت الأمم المتحدة الفقر المائي بأنه ألف متر مكعب في السنة.
كما أن مصر من أكثر الدول جفافًا و الأعلى اعتمادًا على مصدر واحد للمياه يتمثل في نهر النيل الذي يوفر 98% من احتياجاتنا المائية ، فجاءت الكلمة معبرة و محددة لأي مدى تشكل أهمية مسألة المياه للشعب المصري بالتأكيد على أن مسألة المياه و نهر النيل تحديدًا بالنسبة لمصر تتجاوز كافة الاعتبارات و ترتقي إلى مرتبة القضية الوجودية التي ترتبط بحياة هذا الشعب و ببقائه، فضلًا عن تطرق رئيس الوزراء إلى حجم المخاطر التي تواجهها مصر من مستوى الأداءات الإثيوبية في موضوع سد النهضة باعتبارها مخاطر لا يمكن السكوت عنها، و بالتالي فهي خطوة مهمة لاطلاع المجتمع العام الدولي من منصة الأمم المتحدة على طبيعة التحديات التي تواجهها مصر المائية و عدم القبول بالتصرفات الأحادية التي تمارسها إثيوبيا خاصة فيما يتعلق بمسألة ملء السد وآثاره ليس فقط على المستوى الاقتصادي بقدر ما له من آثار على المستوى الإنساني لكونه يعد تهديد صارخ للأمن الإنساني لكل من مصر و السودان.
+ بالفعل مصر عرضت قضيتها بوضوح من خلال كلمة رئيس الوزراء و كانت بمثابة رسائل للمجتمع الدولي؟
++ بالطبع قدمت رسالة للمجتمع الدولي في إطار جهود دبلوماسية مصرية تم بلورتها خلال الفترة الماضية في إطار اتفاق للمياه وقعت عليه ما يزيد عن 100 دولة متعلقة بحيوية مسألة المياه للشعوب , و يشهد للأداء المصري أنه كان مهم للغاية في هذا التوقيت في ظل التوجه الإثيوبي، و ما يصدر عنها بشأن السيادة على المياه و ربما استراتيجيات و توجهات لبيع المياه و غيرها من المقولات الإثيوبية حول الحقوق الإثيوبية وأحقيتهم في 86% من نهر النيل بما تعد مؤشرات خطيرة تدعو الدولة المصرية للحركة المكثفة في كل الأطر .. و الحقيقة مصر اختارت الإطار الصحيح و هو الأمم المتحدة .
+ أكثر من مرة يعلن و يؤكد رئيس الوزراء قلق مصر من اعتزام إثيوبيا على ملء خزان السد للعام الثاني على التوالي دون التنسيق مع دولتي المصب مصر و السودان , لأي مدى يمكن لإثيوبيا الإقدام على هذه الخطوة دون توافق ؟
++ وارد أن تقدم إثيوبيا على ملء سد النهضة دون التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث نتيجة لتراجع موقف الإدارة الأمريكية , فكان من الوسطاء أن يشترطوا قبول كافة الأطراف لعملية الوساطة و ربما يعد مسألة مهمة لكني كنت أتصور أن الإدارة الأمريكية كان من المفترض أن تأخذ موقفا أكثر حسمًا في هذه المسألة و تعطي رسائل أكثر إيجابية ليس لصالح طرف من الأطراف و لكن لصالح التدخل لحل مشكلة مؤثرة على الأمن الإقليمي والدولي في منطقة شمال و شرق إفريقيا .
+ كيف ترين نية إثيوبيا و رغبتها في فرض الأمر الواقع على مصر و السودان و اتخاذ إجراءات أحادية باستكمال ملء السد حتى و إن لم تتوصل الدول الثلاث لاتفاق ؟
++ المسألة هنا تتعلق بأمرين , الأولى منها خاصة بطبيعة الموقف الداخلي الإثيوبي بكونهم مقبلين على انتخابات و النخب السياسية في الحكومة مهتمة بأن تبدو متماسكة أمام الضغوط الخارجية التي تقوم بها مصر , الأمر الثاني مرتبط بطبيعة المشروع الإقليمي الإثيوبي الذي أنشأه ” التيجراي” أو زيناوي في عام 1995 و محاولة استكماله عبر سد النهضة، و هم متصورين أن المياه ستصبح آلية هيمنة إقليمية لهم في منطقة حوض النيل و الشرق القائم، و هو ما لم يتحقق و نرفضه على الإطلاق.
+ لأي مدى التصريحات تعكس غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض من أجل التوصل لتسوية للأزمة ؟
++ حقيقة ما نطالعه من تصريحات من الجانب الإثيوبي بتعكس غياب الإرادة السياسية للتفاوض، كما تعكس نوع من أنواع محاولة الاستقواء الإقليمي الذي لا تملك شروطه سواء ” الجيوسياسية ” باعتبارها دولة مغلقة أو شروطه الداخلية من حيث الاندماج الوطني أو شروطه من حيث قوة مؤسسة الدولة و قدراتها الشاملة أو شروطه الاقتصادية و العسكرية , فحينما أطرح نفسي كقوة قائدة في الإقليم يجب أن أمتلك قدرات تساوي هذه القوة , و هي بالفعل لا تمتلك تلك الشروط .. فإذا كانت إثيوبيا تراهن على نوع من أنواع التحالفات الإقليمية أعتقد أنها غير متاحة لها في هذه اللحظة , و من ثم أجد أن الموقف الإثيوبي غير قائم على عوامل قوة بقدر ما هو قائم على ” جعجعة ” و لا مجال لمنطق سياسي يزعم أن إثيوبيا تقود الإقليم , بالفعل حدث رهان عليها خلال الفترة السابقة و على أدوارها في محاربة الإرهاب لكنها لم تحرز تقدما لاسيما في الصومال بوجود تنظيم الشباب و اختراق الدواعش شرق إفريقيا وصولا إلى كينيا و الكونغو , و من ثم لم تقم بأدوارها الموكلة اليها من قبل عواصم عالمية .
+ بالفعل الاستمرار في عملية ملء سد النهضة دون وصول الدول الثلاث إلى اتفاق يخالف كافة الالتزامات و القواعد الدولية و يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح مصر و السودان. . كيف ترين هذه المسألة ؟
++ في رأيي أن استمرار ملء سد النهضة سيلحق بأضرار ليس فقط بمصالح مصر و السودان بقدر ما أن هذا النوع من الأداء السياسي من جانب إثيوبيا له تأثيرات على القرن الإفريقي، و على أمن البحر الأحمر , و هي بطبيعة الحال منطقة مصالح كبيرة لمجموعة من الدول المهمة و أظن أن ممارسة نوع من أنواع الضغوط على إثيوبيا لتصحيح الأوضاع مسألة في منتهى الأهمية .
+ ماذا عن التوافق المصري السوداني بشأن ملف سد النهضة فيما يتعلق بالآلية الرباعية للوساطة , و تأييد مصر مقترح السودان في هذا الشأن ؟
++ خطوة مهمة و أساسية تقوم خلالها كل من مصر و السودان بأدوارهم لمواجهة التحديات التي يواجهونها كدولتي مصب غير معترف بحقوقهم من جانب دولة مهمة في المنبع , أعتقد أن حجم التوافق السياسي السوداني المصري في هذه المرحلة فيما يتعلق بسد النهضة هو كبير و مهم و يلبي مصالح البلدين كل على حدى و أيضًا يتجاوز مسألة السد إلى ملفات أخرى مرتبطة بالموقع الجيوبوليتيكي لكل من مصر و السودان إيذاء بعضهم البعض و مرتبط بأمن البحر الأحمر و مرتبط باستقرار الأوضاع في السودان كمطلب مصري.
+ رؤيتك بشأن سرعة إقدام السودان و طلبها رسميًا وساطة رباعية لحل الخلاف حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي عقب عودة دكتور حمدوك من مصر ؟
++ موقف السودان جاء بعدما واجه مخاطر حقيقية اعتبارا من مارس الماضى بانتباه النخب السياسية السودانية إلى مخاطر الوضع الراهن لاسيما بعد انسحاب إثيوبيا من التوقيع على اتفاق واشنطن , وهو ما أسفر عنه نوع من أنواع ” الشرخ ” في العلاقة الإثيوبية السودانية ثم أقدمت إثيوبيا على ربط ملف الحدود بسد النهضة فكان معول هدم في العلاقات الإثيوبية السودانية، ثم أقدمت إثيوبيا على ملء بلا اتفاق مع السودان و هو ما خلق حالة من الانكشاف الاستراتيجي داخل السودان.
كما علمت من قيادات سياسية سودانية أنه هدد الحكومة بالفعل بالانهيار بعدم وجود مياه للشرب و توقفت محطات الشرب إلى جانب وجود مخاطر على سد ” روسيرس ” .. كل هذه الأمور أدت إلى انكشاف استراتيجي في السودان بما دفعها إلى أن تبلور مصالحها الاستراتيجية كدولة مصب في هذه المرحلة تجاه مسألة بناء السد أو مسألة ملء بالاتفاق .
+ في رأيك هل كان للوساطة الرباعية أن تحل الأزمة لولا تجميدها ؟
++ بالتأكيد في استطاعة الوساطة الرباعية حل الأزمة لولا تجميدها بعد عدم قبولها من الجانب الإثيوبي، على اعتبار أن الجهات المنخرطة في هذه المعادلة هي جهات مؤثرة لكن هذا لا يمنع من ضرورة أن يكون في ضغوط أيضًا من عواصم مهمة مؤثرة على إثيوبيا و خاصة بكين .
+ كيف ترين موقف إثيوبيا الرافض للوساطة الرباعية و قبولها بأن تكون الوساطة الأفريقية دون تدخل الأطراف الثلاث الأخرى , مبررة أن هذه الخطوة من شأنها تدويل للملف ؟
++ أمر طبيعي أن تراهن إثيوبيا على الوساطة الإفريقية لكونها وساطة ” بلا أسنان” غير قادرة على التأثير , بخلاف ذلك فمن المعروف أن الاتحاد الإفريقي دولة المقر بالنسبة له هي إثيوبيا و من ثم لا يستطيع الأفارقة حقيقة ممارسة ضغوط على إثيوبيا , و بالتالي هي تتمثل بمن لا يملكون قدرة على التأثير عليها .
+ إثيوبيا ترى أن مقترح الوساطة الرباعية يستهدف تعطيل الملء الثاني لسد النهضة ؟
++ إثيوبيا ترى فى الوساطة الرباعية إمكانية أن توقع عليها ضرر بإقرار عقوبات حيالها من قبل بعض العواصم , و من ثم تخوفها بأن يتم التعامل مع الملف في مجلس الأمن تحت البند السابع فيقرر عقوبات .. تلك هي المخاوف الحقيقية التي تواجهها اثيوبيا حال قبولها رفع آلية التفاوض لرباعية فكان موقفها الرافض كى تنأى بنفسها عن تلك المخاطر .
+ البعض يرى أن رفع آلية التفاوض لرباعية سيكشف للرأى العام العالمى ما تقوم به إثيوبيا من مخالفات صريحة للقوانين المراعية للمياه ؟
++ بالتأكيد هذه الخطوة ستركز على الملف بشكل أو بآخر , فإدراج منظمة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن الأطراف المعنية للتفاوض , أمر على المستوى السياسي و الفني سيصبح أكثر انفتاحًا على طبيعة الانتهاكات التي يتم ممارستها ضد القانون الدولي و ضد الأمن الإنساني من جانب إثيوبيا , و بالفعل سيكون مؤثرًا للغاية بوجود أطراف دولية ليست أطرافًا مباشرة في العملية أو في الصراع و أطراف لها حجية من الخبرة بالطبع أمر يمثل ضغط على إثيوبيا و إحراج سياسي لها كما طالعنا في تقرير اللجنة الدولية فيما يتعلق بسد النهضة و ما جاء فيه من سلبيات من جانب إثيوبيا .
+ لماذا لم ينجح الاتحاد الأفريقي حل الأزمة بشكل مستقل دون اللجوء لوساطة رباعية ؟
++ حقيقة الاتحاد الأفريقي أهمل مسألة التدخل في الأزمة , و دخل في هذه المباحثات بناء على تنبيه من مجلس الأمن الدولي، و لعله نأى بنفسه عن هذه المشكلة ربما كان لديه حرج سياسي بشأن التدخل و مقره في إثيوبيا.
وكانت النتيجة أنه لم يتدخل إلا حينما طلب منه ذلك من قبل مجلس الأمن الدولي الذي تعامل مع هذه المسألة طبقا للبند الثامن من ميثاق الأمم المتحدة مادة 53 والتي تنص على أن لمجلس الأمن ولاية على المنظمة الإقليمية و تستطيع المنظمة الإقليمية أن تمارس جهودا في حل هذه الأزمة .
+ هل تعتقدين أن جنوب أفريقيا برئاستها السابقة للاتحاد الأفريقي كانت غير حاسمة في تحقيق رؤية عادلة لأزمة سد النهضة ؟
++ في رأيي هناك علاقات خاصة بين جنوب أفريقيا و إثيوبيا , و نوع من أنواع التباعد بين جنوب أفريقيا و مصر ساهم في أن الملف لم يحسم.. لكن في النهاية لم أستطع القول بأن جنوب أفريقيا قد قصرت بقدر ما أزعم بأن هناك ” كوابح ” ضد دور أفريقي في هذا الملف مرتبط أولا بإدراكه لأن الإدراكات الأفريقية إيذاء مصر إلى حد كبير تم تضليلها عبر السرديات الإثيوبية في المقابل لم يكن لدينا سرديات مقابلة و لم ننشط خلال الفترات السابقة في الأطر الإفريقية . الأمر الثاني يتعلق بمدى استقلالية القرار الأفريقي عن اتجاهات المجتمع الدولي، و هذا لم يتحقق باعتبار أن جزء كبير من تمويل الاتحاد الأفريقي من الاتحاد الأوروبي.
أما عن الأمر الثالث فيكمن في أن الاتحاد الأفريقي نفسه ليس لديه خبرات فيما يتعلق بصراعات الحدود أو المياه , وبالتالي نجده على المستوى الفني ربما يكون غير مؤهل للتدخل في مثل هذه الصراعات .
+ هل معنى ذلك أننا لا نأمل في الفترة القادمة مع رئاسة الكونغو الديمقراطية أن يتحقق إنجازًا و أن يتم الدفع بالمفاوضات إلى الأمام ؟
++ الواقع العملي يوضح أن وزن الدولة الرئيس في الاتحاد الأفريقي في صناعة القرار الافريقي لم يكن كبيرًا، ففي النهاية هناك مفوضية الاتحاد الأفريقي.
و في آلية لصنع القرار و بالتالي ليس بالضرورة أن تكون دولة الرئيس مؤثرة فيها خاصة وأنها رئاسة دورية تكاد تكون شرفية , و من ثم التأثير لم يكن بالقدر الذي نتخيله .
+ بالفعل هناك توجها لملء السد في يوليو القادم.. لأي مدى يمكن خلال هذه الفترة القصيرة الوصول لاتفاق بما لا يضر بمصالح شعوب المنطقة في مصر و السودان و إثيوبيا ؟
++ ربما تصعيد الضغوط يمكنه الوصول لحل في المرحلة الاخيرة و خاصة إذا أعلنت مصر و السودان نيتها من الانسحاب من المفاوضات إذا تم الملء الثاني بلا اتفاق , واظن أن هذا الأمر يمكنه تشكيل نوع من أنواع الضغط و يحدث صدى أمام المجتمع الإقليمي و الدولي بأن هناك مشكلة حقيقية .
+ من واقع خبرتك في الملف الإفريقي.. ما مدى استجابة أشقاؤنا في إثيوبيا خلال الفترة القادمة للوصول إلى مسار توافقي و حل حاسم لهذه القضية بما يحقق مصالح الشعوب الثلاثة ؟
++ إثيوبيا لن تتحرك إلا بالضغط الكبير خاصة أن الموقف السياسي الإثيوبي حوامله غير منطقية و كل ما تفعله مجرد تعبير عن محاولة للاستقواء الإقليمي , و للأسف فتح المنطقة على صراع بالتأكيد يهمل فرص التعاون التنموي ، و من ثم يضع إثيوبيا في منصة صراعية مع كل النطاق الإقليمي، و هو أمر لم يكن إيجابيًا على الإطلاق في ضوء الاحتكاكات بين إثيوبيا و كينيا و من قبلها مشاكل مع بعض الدول لاسيما موقفها في القرن الأفريقي و في شرق أفريقيا .. و بالتالي الوضع غير مريح .
+ في حالة إصرار إثيوبيا على الملء الأحادي للسد كما شهدنا العام الماضي في يوليو.. ما الإجراء الذي يمكن اتخاذه كي تنأى عن هذه الخطوة إذا كان خيار الحرب غير وارد ؟
++ مسألة الملء الثاني للسد هي رمزية سياسية أكثر منها ضرر عملى مؤثر خلال هذا العام , فقط من خلال إقدام إثيوبيا على هذه الخطوة تعلن صراحة مدى تعنتها بكونها غير متعاونة و أنها تستقوى في الإقليم . أما على المستوى الفني و العملي فبالنسبة لمصر لدينا مخزون في بحيرة ناصر لتكمن المشكلة في وضع السودان بالإقدام على هذه الخطوة في الملء الثاني بلا اتفاق بما يعنيه من رمزية سياسية تنم عن القدرات الإثيوبية و تغولها على حقوق كل من مصر و السودان .. و لاسبيل غير بالضغط و تصعيد الموقف .
+ ما رؤيتك بشأن استخدام المسئولين الإثيوبيين لغة السيادة في الحديث عن استغلال موارد نهر عابر للحدود ؟
++ تعد لغة السيادة مجرد خطابات داخل إثيوبيا و ليس أكثر , فالأنهار الدولية ملكية مشتركة و لا يجوز لأحد بسط السيادة عليها أو السعي لاحتكارها بل يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي وأهمها مبادىء التعاون و الإنصاف و عدم الإضرار .
+ تعليقك على المغالاة في تصوير إثيوبيا بكونها عاشت ضحية لمصر و السودان لسنوات طويلة ؟
++ هكذا تحدث مشكلة السرديات الإثيوبية القائمة على التضليل , و السؤال هل مصر مسئولة عن الفقر الإثيوبي؟ بالطبع ” لا ” و إنما الحقيقة أن الصراعات الإثيوبية – الإثيوبية هي المسئولة عن الفقر الإثيوبي بعدم وجود قدرة على التعايش , ففي حرب التيجراي الأخيرة السلطة الإثيوبية في أديس أبابا دمرت بنية تحتية و دمرت مصانع و محطة كهرباء و لعله يحدث ذلك الأمر كل عشر أو خمسة عشر سنة فى متوالية ثائرية بين القوميات الإثيوبية تارة الامهرة و الاورومية ضد التيجراي مثلما يحدث حاليا و أخرى التيجراي و الأمهرة ضد أورومية .. و الحال هكذا منذ قرن من الزمان فى متوالية صراعية أسفرت عنه حالة عدم القدرة على التنمية و عن الفقر و ليس استحواذا على نهر النيل كما يزعمون لسبب بسيط و هو أن لديهم 9 أحواض أنهار أخرى و حجم مياه متوفر بمعدل 900 مليار متر مكعب لا يستغلونها , فهم بحق لديهم موارد مائية لم تستغل نتيجة عدم الاندماج الوطنى و متوالية الصراع الى جانب طبيعة تكوين الدولة الاثيوبية التى تكونت بالضم القسرى بالحروب و هو بالتأكيد له تأثير .. فنحن لسنا مسئولين عن الفقر الافريقى , ومشكلتنا الاساسية أننا لم نقم بسردية مقابلة و إنما تعاملنا مع الموضوع في الأطر الرسمية فقط على خلاف تحركات الجانب الإثيوبى في الأطر الرسمية و غير الرسمية .
+ حتى الآن مصر حريصة بعدم الإضرار بإثيوبيا و لذلك لم تتضمن في مطالبها خلال الفترات السابقة أي قرارات عقابية تجاه تعسفها في مفاوضات سد النهضة . ما تعليقك ؟
++ على المستوى الرسمي لم يكن في الإمكان حدوث ذلك , فالحقيقة يمكننا القول أن أداء الدبلوماسية المصرية فيما يتعلق بسد النهضة يعد أداء ملتزم سياسيا بمحددات الدبلوماسية المتعارف عليها بكونه يعبر عن الموقف السياسي المصري بدقة و بحنكة و في ذات الوقت لا يدخل في جدل صراعي على الهواء كما يفعل الساسة الإثيوبيين و الذين يحاولون ” جرنا ” إلى مثل هذا الجدل , و يشهد أن هناك انتباه مصري لعدم التورط في مثل هذا النوع من الخطابات و إنما ضرورة التعامل مع الملف باحترافية و هذا ما تفعله مصر على المستوى الدبلوماسي، لكن ربما على المستوى غير الرسمي و على مستوى الخبراء بالفعل هناك مطالبات بفرض عقوبات على إثيوبيا باعتبارنا كشعب مصري مضارين و نتعرض لتهديد في حقنا بالحياة و نستشعر بعدم عدالة الطرح الإثيوبي سواء على الصعيد الإنساني أو الاقتصادي، و من ثم ندعو كافة الكيانات غير الرسمية في العالم التضامن مع حق الشعب المصري و الشعب السوداني في أمنهم الإنساني , فنحن كما يقولون ” ايدينا في النار ” ربما تكون الدولة و مؤسساتها لديها ضرورات التقييد بمحددات الدبلوماسية كما يعرفها العالم و تعبر عن ذلك سياسيا لكن نحن من ” نكبش النار , نحن من تنقطع علينا المياه في منازلنا , نحن من تتأثر زراعتاتنا , نحن من نواجه هذا التحدي المستقبلي الكبير سواء في هذا الجيل أو في الأجيال القادمة ” .
+ دائما ما كانت إدارة ترامب تقف في صف مصر , لكن مع ” بايدن ” حتى الآن لم نستوضح الموقف الأمريكي , في رأيك لأي مدى يمكن للولايات المتحدة – وهي تملك أدوات – أن تحقق نوع من الحسم بشأن هذا الملف ؟
++ أعتقد أن الولايات المتحدة ستستخدم ملف سد النهضة في الضغط على مصر لتحقيق أغراض وأهداف أخرى في ملفات أخرى ربما منها إقليمية وأخرى داخلية لكن بشكل عام نستطيع القول أن الإدارة الأميركية ايضًا مشغولة بحالها و بتحدياتها الداخلية، حيث انقسام الأمة الأمريكية بين مرشحين و بين اتجاهين و هو انقسام غير مسبوق و لعله اتضح في حالة العنف القائمة داخل الكونجرس بما يطرح العديد من التساؤلات بشأن المستقبل الأمريكي, ومن ثم فالتحديات الداخلية الأمريكية ستستغرق الكثير من الجهد من قبل المؤسسات الأمريكية و خاصة إدارة الرئيس ” بايدن ” فيما يتعلق بالحالة الأمريكية .. لكن من الملاحظ أن الإدارة الأمريكية انتبهت مؤخرا لهذا الملف بدليل استعدادها للتدخل في الوساطة بعدما أصبح هناك حرج في الوقت , والأمر لا يدعنا نغفل ” كورونا ” و ما خلقه من حالة مؤثرة على كافة الإدارات الغربية و على الإدارة الأمريكية بشكل عام , فالتحدي الداخلى كبير و مؤثر بالتأكيد على عملية صناعة القرار في أي إدارة حول العالم .
+ على مدى 10 سنوات لم تنجح أي من المفاوضات في التوصل لاتفاق عادل و متوازن يحقق لاثيوبيا أهدافها التنموية وفى ذات الوقت يحد من الأضرار المائية و البيئية و الاجتماعية و الاقتصادية لهذا السد على مصر و السودان , في رأيك ما أوجه الخلل و من المتسبب في إحداث تلك الحالة من الجمود ؟
++ أرى أن جزء من المسئولية يقع على الإدارات المصرية السابقة لإدارة الرئيس السيسي خاصة إدارتي” السادات ” و ” مبارك ” على اعتبار أن إدارة ” السادات ” تخلت و أدارت ظهرها لأفريقيا لاسيما بعد الانسحاب المصري من التأثير في القرن الأفريقي، و هو ما أحدث فراغا سياسيا تم استخدامه من جانب إثيوبيا . المسألة الثانية تتعلق بجمود إدارة ” مبارك ” حيث وجود ادارة ليس لديها مشروع تنموي أو سياسى لتسير بحالة الدفع الذاتي , غير أن حادثة محاول اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1995 حرمت مصر من وجود الرئيس في نادي القمة الرئاسية في مؤتمرات القمة الأفريقية و بالتالي لم يعد للصوت المصري أو الطرح المصري أو السرديات المصرية أي وجود , و بالتالي حرمنا من الوجود .. حرمنا من التأثير .. حرمنا من التفاعل باتجاهات إدارة مبارك , و في لحظة عام 2013 كان بالفعل تمت بلورة سد النهضة الذي بدأ منذ عام 2010 في نهاية حكم ” مبارك ” بوجود إدراك إثيوبي بمدى سيولة نظام مبارك بعدما بدأ يفقد نظامه السياسى صلاحيته و عدم قبول مشروع التوريث على المستوى الشعبي و على مستوى المؤسسة العسكرية , وبالتالي كان هناك تقدير موقف صحيح في إثيوبيا بأن هذه هي اللحظة المناسبة لتوجيه ضربة لمصر ببناء سد النهضة كانت قبل ثورة يناير و لتكن بعده .
+ كثيرون يرون أن الخلاف في ملف سد النهضة.. سياسي أكثر من كونه فني , و الوصول لحل مرضي لكافة الأطراف ممكن في أقل وقت حال أرادت إثيوبيا ذلك ؟
++ بالفعل يعد سد سياسي يستهدف بناء قوى إقليمية إثيوبية و هو ما كان واضحا فيما تم اعلانه عام 2002 من الجانب الإثيوبي حول توجهاتهم السياسية الخارجية، فيما اعتبروا أن مصر منافس يرتقي إلى درجة العدو , و كان أحد الأسباب الرئيسية في الحالة الصراعية الراهنة تكمن في النيل و المياه .. و نعرف أن هناك مشروع إسرائيلي قديم للغاية يرغب في تواجد إسرائيلي في تخوم المنطقة العربية حتى يتم إضعاف القدرات الشاملة للمنطقة العربية و خاصة مصر باعتبارها دولة مواجهة .
أما عن مسألة الوصول لحل مرضي لكافة الأطراف، أعتقد حينما تتوافر إرادة سياسية تعاونية من جانب إثيوبيا و في استطاعتنا تجاوز هذا الموقف و الانطلاق إلى فرص للتعاون التنموي بين دول حوض نهر النيل الأزرق و لعله مشروع اقترحته مصر أكثر من مرة على إثيوبيا لكنها ترى أنها الوحيدة القادرة أو تغرد خارج السرب وحيدة .
+ شن السودان هجوما غير مسبوق على إثيوبيا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة , متهما اديس أبابا بالتخطيط لاهداف غير معلومة و التصرف بسوء نية بتوسعة الخلاف وسعيها لكسب الوقت , من واقع خبرتك و درايتك بالملف ما الأهداف الخفية و النوايا غير الحسنة التي يمكن أن تخطط لها ؟
++ المخطط الأساسي هو أن تكون دولة قائدة للإقليم و خاصة في القرن الإفريقي لما له من وجود بحري في البحر الأحمر مؤثرة و مهيمنة على مقدرات جيرانها لاسيما المقدرات السودانية و هو تحدي استراتيجي حقيقي و جيبوبولتيكي للسودان .
+ كيف ترين خطوات الإصلاح الاقتصادي التي تتخذها حكومة حمدوك داخل السودان ؟
++ حقيقة السودان يسير بخطوات صحيحة خاصة بعد رفع العقوبات كما يشهد له وجود إرادة دولية للاستثمار في السودان و مساعدته , و هناك مؤتمر سينعقد في مايو القادم لخفض الديون السودانية و بموجبه ستحصل السودان على قروض دولية و بالتالي قدرتها على ضبط اداء اقتصادها سيصبح ايجابيا , اما على المستوى السياسي فيدعم حالة من السلام و وقف اطلاق النار و هذا السلام سوف يكتسب زخم خلال الفترة المقبلة .. فقط ما نأمله هو ان يرتفع حجم التوافق بين أطراف المعادلة السياسية و أن يقل حجم المكايدة السياسية المعروفة في السودان و ان ينتبه للمصالح الوطنية السودانية الشاملة , كل ذلك سوف يقبل على مرحلة من الاستقرار و التقدم .