قرأت مقالاً أعجبني، وأشارك به في هذا الركن كل أب وأم لابن أو ابنة في عمر المراهقة. المقال بقلم چوناثان ماكي، وهو مؤلف لأكثر من ٢٠ كتابًا، ولديه ٢٠ سنة من الخبرة في العمل مع الشباب.
شيء ما يحدث في كل مرة أتكلم وأشارك أخطائي السابقة في التربية.. عندما أقول في محاضرة عن التربية: ”هنا أخفقت“، يغطي صمت رهيب المكان. ثم عندما أقول في النهاية: ”لكن هذا ما أفعله بشكل مختلف“، يبدأ كل قلم في الغرفة في الكتابة بسرعة..فما يتعلمه أحدهم من خبراته الماضية يصبح بصيرة لشخص آخر.
قضيتُ العامين الأخيرين في دراسة خبرات التربية؛ لأني لم أقابل أبًا أو أمًا لا يندم على قرار واحد على الأقل فيما يتعلق بالتربية. وعندما بدأت أوثق وأرتب هذه العوامل المشتركة، كان مثيرًا للاهتمام أن أرى أي هذه الأمور قد وجد صدى أكبر في نفوس الآباء والأمهات. أصبح بحثي هو كتابي: «لو كان لديَّ فرصة أخرى كأب/ أم». من التغييرات التي كنت سأجريها، وهو التغيير الذي يتفق عليه معظم الآباء والأمهات، هو تعلُّم تجنب الانغماس في دراما المراهقين.
أستطيع بسهولة أن أرصد والدي المراهقين؛ إذ يبدو عليهم التعب والإحباط. اسأل أبًا أو أمًا لمراهق أيهما أصعب: تربية الأطفال في سن المشي أم تربية المراهقين، وأنا واثق أنهم سيجيبون بصدق وأمانة. قد تستنزف تربية الأطفال في سن المشي الوالدين جسمانيًا، لكن تربية المراهقين تستنزف الوالدين عاطفيًا.
الغريزة الطبيعية للمراهق تدفعه إلى النضال من أجل الاستقلالية. وهذا ما يُعبَّر عنه كثيرًا في مناوشات ومعارك، وتنتهي عادة بالجملة الشهيرة للمراهقين: ”مفهاش حاجة، دي كلمة عادية!“ فهم تملأهم الرغبة في أن يكونوا كبارًا، لكن من جهات كثيرة لاتزال أمخاخهم في طور الطفولة.
المراهقون “يعرفون كل شيء”! وسيختلفون معك في كل موضوع.
قد يقول الأب: ”يعجبني البنطلون الذي ترتديه.“ فترد الابنة المراهقة: ”في الواقع هذا ليس بنطلون ولكنه ’ليجنج ‘!“
قد تقول الأم: ”أحتاج منك أن تجمع ملابسك المتسخة الملقاة في غرفتك.“ فيرد الابن المراهق: ”لماذا تشغلين بالكِ؟ هذه غرفتي!“
في هذه الأمور يعاني الآباء والأمهات. جميعنا لدينا ردود ملائمة على المراهق الذي قال للتو ”هذه غرفتي!“في النهاية، فهو لم يفكر أبدًا في تأجير شقة بمفرده.لكني أحذركم: لا تنساقوا وراء هذه الدراما. أو كما عبَّر أحد الآباء في استطلاع الرأي الذي أجريته: ”لا تَخُضفي هذا الجنون!“ لكننا أحيانًا لا نرى الجنون وهو قادم علينا.
قد يقول الأب: ”البس معطفك، وهيا بنا.“ فيرد المراهق: ”لا أحتاج إلى معطف، الجو ليس باردًا في الخارج.“ لا تجادل! المراهقون يبذلون أقصى ما لديهم ليكسبوا هذه المعارك التافهة. وسيقومون بالبحث على جوجل في محاولة لإثبات أن درجة الحرارة بالخارج ليست منخفضة على الإطلاق -بالطبع بالمقارنة بالقطب الشمالي. فضلاً عن أنهم سيخبرونك أنه من الظلم للحيوانات أن ترتدي أنت ملابس بينما تعاني هي مندرجات الحرارة المتجمدة.
تجنَّب كل هذا! وفِّر طاقتك للمعارك التي تستحق! في النهاية، في معظم المواقف ستعلمهم التبعات الطبيعية أكثر من أي محاضرات تقدِّمها من جانبك. دَعه يتجمَّد مرة؛ وسيتذكر معطفه غدًا بدون أن تتفوه بكلمة!
أتمنى لو وجدت مَنْ يحذرني في السابق كم من السهل أن ”أغرق في الجنون“.. لقد ارتكبت هذا الخطأ الفادح مع أطفالي مرات لا حصر لها. كنت أسأل: ”هل نظفت أسنانك باستخدام الخيط؟“ ”لا.“ وكنت للأسف أرد: ”ماذا؟ هل تعلم منذ متى ونحن نعالج أسنانك بالتقويم، وأنت تضيع كل هذا المجهود والمصاريف؟ اجلس ودعني أحدثك عن ٣٧ سببًا يوجب عليك أن تنظف بشكل منتظم أسنانك باستخدام الخيط…“
لستُ وحدي في هذه المعاناة. صديقي جاري ذكر لي مؤخرًا أنه طلب من ابنته على الأقل ١٣ مرة أن تضع المنشفة في مكانها: ”وجدنا كومة مناشف بالأمس في زاوية من غرفتها لأنها لا تفعل هذا أبدًا. ماذا يُفترض أن نفعل؟“ وبينما أحاول استيعاب سؤال صديقي، ساعدته أن يضع هذا السؤال في نصابه الصحيح.أحد أبنائنا كان متمردًا بشكل خطير أثناء سنوات نضوجه؛ لذا سألت صديقي في البداية: ”هل ابنتك تخرج خلسة من البيت؟“
قال: ”لا.“
”هل تخفق في مادة الرياضيات؟“
”لا، على الإطلاق، درجاتها ممتازة.“
فسألته: ”هل تدخن سجائر ملفوفة في غرفتها؟“
ضحك وقال: ”لا.“
ابتسمتُ، وقلت: ”إذًا أخبرها: بما أنكِ تحبين جمع المناشف، فقد حان الوقت لتغسليهم بنفسك. أخبرها مرة، وأعطها مسحوق الغسيل مرة… ودَعها لشأنها.“
منذ خمس سنوات، لم أكن أعرف أن أعطي هذه النصيحة. لكن الآن بعد أن التحق أبناؤنا بالجامعة، وبدأوا في اتخاذ قراراتهم باستقلالية، صرت واثقًا أنه كان يجب أن ”أدعهم وشأنهم“ مرات أكثر في الماضي، وأن أمنحهم فرصًا أكثر ليتعلموا بأنفسهم دروسًا كثيرة.
لا تسئ فهمي.. أنا لا أقصد أن تسمح لأطفالك أن يعصوك، أو يتحدثوا بطريقة غير مهذبة. إذا طلبت من أحد أبنائك أن يفعل شيئًا وتجاهلك، قم بتحذيره. وإذا استمر في تجاهلك، طبِّق التبعات المنطقية التي يستطيع أن يتعلم منها الدرس بنفسه.
اسأل نفسك: ما هي بعض التبعات المنطقية الجيدة التي يمكن أن تساعد ابني/ ابنتي المراهق أن يتعلَّم؟ لا تحرم ابنتك من الخروج لمدة أسبوع لأنها لا تضع المناشف في مكانها! بالأحرى، دعها تغسلها بنفسها، كما سبق أن ذكرت.
بنفس الطريقة، إذا كان أطفالك يردون بشكل غير مهذب، أخبرهم: ”أنتم غير مضطرين لتتحدثوا بشكل غير مهذب عندما أخبركم بأن تعلقوا المناشف.“ (ثم امتنع عن إضافة شعارهم المفضل: مش هاقول تاني!)
صحح أسلوبهم غير المهذب، ثم دع الأمور تمر. وسيُقدِّرون أنك لا تستغرق في أمور بسيطة. أخفقتُ في هذا الجانب مرات لا حصر لها، لكن في النهاية تعلمت كيف لا أقع في فخ هذه الدراما، وأختار المعارك، وأمنح أبنائي المراهقين فرصة ليتعلموا مع التبعات الطبيعية والمنطقية.. ثم أتجاوز الأمر.