بآيات ثلاث وردت في سفر الأمثال تعرفنا علي الثالوث الأقدس في تدبيره العجيب لنا ورحلتنا معه, وعمل محبته لبشريتنا عبر العصور, منذ خلقتنا وحتي الأبدية, مرورا بكل خبرات السقوط وتدبير الخلاص.
* الصديق يحب في لك وقت, أما الأخ فللشدة يولد. (أم 17:17)
بها تعرفنا علي الله الصديق, البار المطلق في بره, الذي أحبنا في كل وقت, أحبنا ونحن مجرد فكرة في عقله في الأزل, أحبنا لما خلقنا ورآنا في الصورة البهية, كل شئ حسن جدا. وكان قد أعد كل شئ لسعادتنا ولم يدعنا معوزين لشئ من أعمال كرامته, فلم نكن ناقصين في شئ سوي أن نمارس معه المحبة في التصاق كما أحب هو. وأحبنا لما سقطنا واخترنا العصيان بتصديق الحية.
ولو نظرنا للكلمة بمعني الصداقة, فسيكون الله أيضا صديقا لبشريتنا, تعلنه زياراته المتكررة للجنة ومناداته لآدم, فهو القائل:… لذاتي مع بني ادم. (أم 8: 31,30). هو صديقنا السماوي, الصالح البار كامل الاستقامة في محبته وصداقته.
وكان أن سقط الإنسان, وأدخل نفسه في شدة رهيبة وورطة عصيبة, فالعصيان ألبسه الفساد وأدخل الموت إلي وجوده. مقاطع كثيرة من الكتاب المقدس سطرت معاناة بشريتنا بعد العصيان وشدتها, اكتفي بشاهد واحد من إشعياء يلخص مأساتنا:’
قد دبلنا كورقة, واثامنا كريح تحملنا… لأنك حجبت وجهك عنا, وأدبتنا بسبب آثامنا… مدن قدسك صارت برية… وأورشليم موحشة. بيت قدسنا وجمالنا حيث سبحك آباؤنا, قد سار حريث نار, وكل مشتهياتنا صارت خرابا. ألا جل هذه تتجلد يارب؟ أتسكت وتذلنا كل الذل؟ (إش 64: 6ـ12).
وكان إشعياء قد ترجاه ممثلا للبشرية ليتك تشق السماوات وتنزل!. (إش 64:1). طلبها كأمنية ورجاء وصرخة أخيرة من الشدة, شدة إنسان بنس تماما من كل محاولاته للفرار من الضيقة, ولم يعد يري مخرجا إلا أن ينزل الإله.
وقد فعلها الرب, شق السموات, ونزل إبن الله متجسدا, أني إلينا كالأخ المولود للشدة الذي حكي عنه سليمان (أم17:17) ولد أخا وبكرا لبشريتنا العاجزة, لينقذنا من الشدة, وأي شدة.
هذه الأخوة قال عنها بولس الرسول:
لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل, وهو آت كثيرين إلي المجد, أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام….. فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة, قائلا: أخبر باسمك إخوتي, وفي وسط الكنيسة أسبحك… فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما, لكي يبيد بالموت ذاك الذي ل سلطان الموت, أي إبليس, ويعتق أولئك الذين ـ خوفا من الموت ـ كانوا جميعآ كل حياتهم تحت العبودية…. من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شئ, لكي يكون رحيما,.. لأنه في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين.(عب 2:10ـ 18).
لاحظ كيف كرر كلمات مثل: إخوة, أبناء, ولاد, تأكيدا للفكرة, يسوع هو الأخ المولود للشدة, القادر أن يعين المجربين.
دعني أصف لك أنين الشدة بوضوح أكثر, هل تتذكر ما قرأه يسوع يوم دخل المجمع في الناصرة ودفع إليه سفر إشعياء النبي؟ ها هو يصف ملامح الشدة: … لأن الرب مسحني لأنشر المساكين,…. لأعصب من كسري القلب, لأنادي للمسبيين بالعتق, وللمأسورين بالإطلاق…. لأعزي النائحين. لأجعل لنائجي صهيون, لأعطيهم جمالا عوضا عن الرماد, ودهن فرح عوضا عن النوح, ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة… يبنون الخرب القديمة, يقيمون الموحشات الأول, (إقرأ إش 61: 1ـ4).
هذا هو اللقب الثاني الذي تعرفنا به علي التلوث, الأخ المولود للشدة.
عن الأخ المعين والمنقذ قال الحكيم:
* الأخ أمنع من مدينة حصينة, (أم 18:19) وحقا, كيف صار يسوع مخلصنا, حصننا الحصين وحمايتنا الأكيدة. إنه غافر خطايانا, منقذ حياتنا من الفساد ومكللنا بالمراحم والرأفات, فهو هالق الكل مخلص الجميع. هذا الفادي بحبه العظيم ورعايته صار لنا مدينة حصينة.
وقدم الرب لنا نفسه بلقب ثالث في حضور إلهي يكمل عمله الثالوثي معنا, فقال:
* المكثر الأصحاح يخرب نفسه, ولكن يوجد محب الرق من الأخ. (أم 18:24).
إنه الروح القدس, بعدما تبنانا للأب الصديق الصالح المحب الذي لا يتغير, وبعدما نقل إلينا بالمعمودية كل هبات صليب يسوع الأخ المولود للشدة, يتقدم ليعلن أمام عيون قلوبنا خوفه علينا من خراب النفس ويعلن أنه الألزق من الأخ, أي الأكثر قربا لي ولك من أي أخ ندعي أنه قريب منا أو سندنا في الحياة. وذلك بأن أوجد فينا مسكنا, وصرنا هيكلا له بالميرون. وأعطانا أن نصير منه شركاء الطبيعة الإلهية تري هل يوجد أقرب من ذلك؟
دعوة في هذه الأيام الصعبة نترجي المولود لشدتنا ينقذ أرضنا من الوباء وكل المآسي, كما أحبنا الثالوث وتعهد قضايانا, وليتنا نسلك في حياتنا بهذا التدبير الثالوثي.