نظم مركز “بى لمباس” للدرسات القبطية بكنيسة السيدة العذراء مريم بمهمشة، برئاسة وحضور نيافة الحبر الجليل نيافة الأنبا مارتيروس أسقف عام منطقة شرق السكة الحديد، اللقاء الشهري المعتاد، حيث استضاف المركز الاستاذ الدكتور سامح فاروق حنين أستاذ الأدب اليوناني بكلية الآداب جامعة القاهرة، حيث القى محاضرة قيمة تحت عنوان تاريخ اللغة اليونانية فى مصر.
بدء اللقاء بصلاة أفتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس، ثم رحب بالحضور الكريم، وقام المهندس اشرف موريس منسق اللقاءات بالمركز بالتنوية عن المحاضرة ، وتقديم الدكتور سامح فاروق والذى بدء المحاضرة.
بالتنوية عن أول إشارة لوجود اليونانيين فى مصر وبالتالى وجود اللغة اليونانية، بقوله: “كانت الإشارة الأولى لوجود اليونانيين فى مصر منذ القرن السابع قبل الميلاد على الأقل، ووردت عند هيرودوت عندما زار مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد”. ووفقا لشهادة هيرودوت انشأ الملك بسماتيك الأول (644-610 قبل الميلاد) حامية من المرتزقة الأجانب فى مصر كان معظمهم من الايونيين والكاريين الإغريق.
اما الايونيون فكانوا عبارة عن قبيلة تسكن مدينة اغريقية قديمة تقع على الساحل الغربى لاسيا الصغرى على البحر الابيض المتوسط بالقرب من مدينة ازمير او سميرنا ومن اسم هذة القبيلة جاء اسم “اليونانيين”.
وكان الكاريون اصلا يحترفون القرصنة ثم اصبحوا بعد ذلك من الجنود المرتزقة او المحاربين المأجورين.
ويشير الدكتور سامح فاروق للكتاب الثانى المخصص للحديث عن مصر ففى الفقرة 152 ومابعدها نجد بها (واسماتيك هذا كان قد فر فيما مضى امام “شباكو” الاثيوبى الذى قتل اياة “نيكوس” ولجأ عندئذ الى سورية، وعندما انسحب الاثيوبى بسبب الحلم الذى رأه أرجع المصريون “اهل سايس” ابسماتيك الذى تولى الحكم بعد ذلك، وحدث لسوء حظة ان نفاه الملوك الأحد عشر مرة ثانية الى المستنقعات بسبب الخوذة، ولما احس انهم امتهنوا كرامته فكر فى الانتقام ممن طردوة فأرسل الى معبد “ليتو” فى مدينة “بوطو”، حيث يوجد وحى مصدق تمام التصديق عند المصريين، وجاء الوحى بأن الانتقام سيأتى من البحر عند ظهور قوم برونزيين وداخلة شك كبير فى مجئ رجال برونزيين لمساعدته، ولكن بعد مضى وقت غير طويل شاء القضاء المحتوم ان يطوح الى مصر بنفر من الايونيين والكاريين وكان قد ابحروا بغية السلب.
ونص الفقرة 154 اعطى “ابسماتيك” الايونيين والكاريين الذين ساعدوة اراضى ليسكنوها بعضها قبالة البعض يمر النيل فى وسطها وتسمى المعسكرات منحهم هذة الاراضى، ووفى لكل بما كان قد وعد به، كما أنة عهد إليهم بصبية مصريين ليتعلمو اللغة اليونانية ومن هولاء الذين تعلموا انحدر التراجمة الحاليون بمصر .
واقام الايونيون والكاريون بهذة الاراضى وقتا طويلا وتقع بجانب البحر بعد مدينة “بوباسطيس” بقليل وعلى فرع النيل المسمى بالفرع اليلوزى، واخيرا هجرهم “امازيس” من هذا المكان واسكنهم “ممفيس” وجعلهم حرسة الخاص يتقى بهم المصريين وبسكنى هولاء مصر وبفضل اتصال اليونانيين بهم عرفنا تماما كل ما جرى بمصر ابتداء من حكم “ابسماتيك” وما بعدة وهم اول من سكن مصر من الأجانب، ولقد بقيت حتى وقتنا هذا الاماكن التى كانوا يحفظون فيها سفنهم وبقايا مساكنهم موجودة فى الاراضى التى هاجروا منها تلك كانت سبيل استيلاء “ابسماتيك” على مصر .
وفى القرن السابع قبل الميلاد (650 ق.م) تقريبا تأسست مدينة ناوكراتيس (قرية كوم جعيف بمركز ايتاى البارود بالبحيرة ) فى مصر القديمة، وكانت اول مستعمرة يونانية دائمة فى مصر طول معظم تاريخها المبكر وعملت كحلقة تعايش لتبادل الفنون والثقافة المصرية اليونانية.
وعندما زار هيرودوت مصر فى القرن الخامس ق.م كان اليونانيون، قد اقاموا مجموعة من المراكز التجارية على النيل مثل مدينة نيابوليس “اخميم” والتى كانت نوعا من المدن الهيللينستية فى مصر وقد استقى هيرودوت معلوماته عن مصر من السكان اليونانيين ومن كهنة مصريين فى ممفيس وهليوبوليس كانوا على دراية باللغة اليونانية، وقادرين على التحدث بها مع المؤرخ اليونانى ومن هنا نستطيع ان نقول: “أن المصريين المثقفين اهتموا بمعرفة اللغة اليونانية كلغة حديث يومى قبل ان يغزو الاسكندر المقدونى مصر عام 332 ق.م، وكانت اللغة اليونانية تستخدم بالتأكيد بين التجار والإداريين المحليين وخاصة الكتبة المحترفين، وقد عزز الزواج بين الجنود اليونانيين والمصريات عملية الاستيعاب الثقافى واللغوى”.
ويضيف الدكتور سامح فاروق فى الفترة مابعد القرن السابع ق.م وفتوحات الاسكندر الاكبر قرن الرابع ق.م، انتشرت اللغة اليونانية بين سكان البلاد الأصليين “المصريين” وخاصة بين التجار والمسؤولين، وايضا بين النساخ المحترفين وتمصر جزء كبير من اليونانيين المرتزقة فى ممفيس، ولعب الزواج بين الجنود اليونانيين والمصريات دورا هاما فى عملية الاستيعاب الثقافى واللغوى ومن هنا بدأ التغلغل البطئ للغة اليونانية فى مصر القديمة.
اما بعد فتوحات الاسكندر الاكبر فقد انتشر فى البلاد نخبة مسيطرة تتحدث اليونانية وقد اندمجت تدريجيا فى البيئة المصرية، ولكن هذة المرة كان هناك نوع اخر من اللغة اليونانية غير تلك التى كانت سائدة فى مصر قبل 332 ق.م وهى اللغة اليونانية الكوينى، والتى انتشرت فى جميع انحاء العالم الهللينستى انذاك وكان قوامها الاساسى هو اللهجة الاتيكية المبسطة، وقد ظلت اللغة اليونانية الكوينى هى لغة الإدارة لأكثر من 1000 عام، وأصبح لدينا ثلاثة انواع من اللغة اليونانية :اللغة اليونانية الكلاسيكية “قبل الاسكندر الاكبر ” واللهجة العامة الادبية واللهجة العامة العامية، فاللهجة العامة الأدبية كانت هى لغة النصوص الأدبية والوثائق الرسمية “لغة الترجمة السبعينية والعهد الجديد”، اما اللهجة العامة العامية فكانت هى لغة المخاطبات الشخصية والامور الخاصة والإدارة الداخلية، وظلت هذة اللهجة العامة العامية هى لغة البردى والاوستراكا والمخطوطات، ويشهد على هذا التطوير المستمر للغة اليونانة فى مصر اكثر من 40000 قطعة بردية.
ويؤكد الدكتور سامح فاروق انة خلال العصر البطلمى “عصر خلفاء الاسكندر بعد موته عام 332 ق.م “، ظلت اليونانية هى لغة الطبقات الحاكمة فى حين كان معظم الشعب المصرى يتحدث المصرية وبخلاف كليوباترا السابعة “التى كانت تعرف المصرية القديمة ” كان البطالمة غير معتادين عليها حتى انة فى حال صدور قرار كانت تنشر صورة منه بالهيروغليفية- الديموطيقية وتترجم نسخة منه الى اليونانية، ولأن اليونانية كانت هى لغة الطبقات الحاكمة كان يتعين على من يريد ان يصل الى درجات عليا فى الدولة المصرية “رتب عسكرية او كهنوتية” ان يجيد اليونانية.
ومنذ بدايات القرن الثالث ق.م ظهرت ماتعرف باسم “اللغة القبطية”، وهذا رأى مخالف للمتعارف عليه شفهيا ان العلامة بانتينوس هو مخترع اللغة القبطية !!.
ويضيف الدكتور سامح فاروق ان الهيروغليفية هى اقدم لغات المصريين وهى كلمة يونانية مركبة من هيروس بمعنى مقدس وغليفو بمعنى خط وهى نفس ما اطلقة المصرى القديم على لغتة “نترخيرو” اى الكلام المقدس وبدأ استعمالها قبل التاريخ واختفى التعامل بها تماما فى اواخر القرن الرابع الميلادى واستعملت كنمط كتابة رسمى لتسجيل الأحداث على المعالم والنصوص الدينية.
اما الهيراطيقية فهى نوع من الكتابة المصرية القديمة كتبت برموز مبسطة للرموز الهيروغليفية فهى طريقة مختصرة للكتابة للاغراض العملية.
والديموطيقية هى احد الخطوط القديمة التى استخدمت فى تدوين النصوص الدينية ونصوص تدريب الكتبة والرسائل والوثائق القانونية والتجارية لدى المصريين القدماء.
اما القبطية فهى اخر مرحلة من مراحل المصرية القديمة واستخدمت فيها الابجدية اليونانية لصياغة اللغة المصرية بصفة عامة والخط الديموطيقى بصفة خاصة.
وعن اللغة القبطية يؤكد الدكتور سامح فاروق انة بدخول اليونانيين البطالمة الى مصر ظهرت الكتابة القبطية باستخدام الالفباء اليونانية مع اضافة سبعة حروف من الديموطيقية لتمثيل الاصوات القبطية التى لايوجد ما يمثلها فى الحروف اليونانية، وفى البداية كانت الرموز الديموطيقية المستعارة فى الكتابة القبطية اكثر من الحروف السبعة التى استقرت فيما بعد فى اخر الالفباء القبطية وهى شاى فاى خاى.
ورغم ان اللغة القبطية قد اخذت من الابجدية اليونانية إلا ان اليونانيين كانوا قد سبقوا واخذوها من الفينيقيين فقد كانت الكتابة المصرية هى بلا شك المصدر الذى اخذت منة الابجدية السينائية التى كانت بدورها اساسا للكتابة الفينيقية التى انتشرت فى مختلف بلاد البحر المتوسط.
والكتابة بالعلامة الهائية يثبت ان القبطية عاصرت هذة الطريقة من الكتابة، وان هذا الصوت الهائي كان لايزال ينطق اما ظاهرة اسقاط هذة النطق الهائي الذى نجدة فى البردى فيرجع الى القرن الثالث ق.م وهذا يعنى ان استعارة الابجدية اليونانية لكتابة المصرية القديمة كان سابقا على القرن الثالث ق.م.
ومنذ حكم البطالمة والرومان وحتى وقت دخول العرب اليها فى القرن السابع الميلادى كانت اللغة اليونانية منتشرة فى الإسكندرية وبعض المراكز الثقافية فى المدن الكبرى والادارات الحكومية.
وتعد اللغة اليونانية واحدة من اقدم فروع اسرة اللغات الهندو – اوروبية وهى اللغة التى كانت منتشرة فى بلاد اليونان القديمة وهى لغة قديمة يعود تاريخها الموثق لاكثر من 3500 عام.
وعن اصل الأبجدية اليونانية قال الدكتور سامح فاروق
اقتبست الأبجدية اليونانية من الأبجدية الفينيقية خلال القرن التاسع قبل الميلاد تقريبا وتشتمل الابجدية اليونانية على 24 حرفا وكانت اليونانية فى البداية تكتب من اليمين الى اليسار، وفيما بعد كتبت بطريقة سطر واحد من اليمين الى اليسار والذى يلية من اليسار الى اليمين فى طريقة تسمى “حرث الحقل” ثم صارت تكتب جميع الاسطر من اليسار الى اليمين بعد حوالى عام 500 ق.م، وقد صممت معظم الحروف الابجدية فى اوروبا الحديثة على نمط الابجدية اليونانية.
اما عن العلاقة بين اليونانية والهيروغليفية
بخلاف التزاوج الشهير بين المصرية القديمة والابجدية اليونانية وانتاج ما يعرف باسم “اللغة القبطية” كان هناك تداخل اخر بين اللغتين فى مجال تشارك بعض المفردات.
العلاقة بين اليونانية والقبطية
بعيدا عن المفردات اليونانية الكثيرة التى دخلت الى اللغى القبطية واثرتها كانت هناك نوع اخر من التفاعل بين اللغتين ليس له مثيل ألا وهو الكتابة باللغتين القبطية واليونانية متداخلتين.
واختتم اللقاء ببعض المداخلات الهامة من السادة الحضور، كما أجاب الدكتور سامح فاروق على العديد من الأسئلة والتعليقات والاستفسارات من الحضور، في جو من الحب والود ثم قدم نيافة الأنبا مارتيروس الشكر للحضور الكريم وللدكتور سامح فاروق.
ومن المعروف ان مركز (بي لمباس) يختص بدراسة أنشطة التراث القبطي والرحلات العلمية وورش عمل، وتبنى أبحاث علمية جديدة لتدريب صغار الباحيثن على الدراسة والبحث فى مجال القبطيات، بالإضافة إلى كورسات خاصة بدراسة اللغة اليونانية ، لمدة ساعة ، ومناقشة نصف ساعة ، وذلك بقاعة مجهزة خاصة بمقر نيافة الأنبا مارتيروس ويحاضر فية نخبة من السادة الأساتذة المتخصصين في التراث القبطي ، كالتاريخ والفن والآثار ، والأدب القبطي ، والموسيقي القبطية ، وتاريخ الرهبنة ، والمخطوطات ويقيم المركز محاضرة شهرية تقام فى الساعة السادسة والنصف من يوم الجمعة الأولي من كل شهر.