ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني، عظة في قداس تدشين كنيسة السيدة العذراء مريم والشهيدة دميانة بابا دبلو، قال فيها:
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا رحمته ونعمته من الآن وإلى الأبد آمين.
اليوم يوم فرح نحتفل فيه بتدشين هذه الكنيسة المقدسة ويعيش الأنبا أنجيلوس ويعمر مع الأحباء المهندسين والفنيين والآباء، وكل الذي ساهم في بناء هذا الكيان الكبير الذي يفرح السماء والأرض، ودائمًا نسعد بمراحل التاريخ الجميلة.
كما ذكر نيافة الأنبا أنجيلوس الكنيسة تأسست سنة ١٩٤٤م وكانت أثناء الحرب العالمية الثانية، أثناء الحرب والكنيسة تمضي في سلام وتؤسس كنيسة صغيرة وتوضع البذرة الصغيرة وتبدأ من خطوة لخطوة ومن سنة لسنة ومن عقد لعقد حتى تصل الكنيسة لهذه الصورة، وفي سنة ١٩٦٨م تظهر السيدة العذراء في كنيسة الزيتون وسنة ١٩٨٦م تظهر مرة أخرى هنا في كنيسة القديسة دميانة و تأخذ الكنيسة بركة السماء بظهور السيدة العذراء وخدمة الآباء فيها، وخطوة بخطوة يكبر العمل ويمتد حتى نصل هذا اليوم إلى هذا الجمال وبرغم المساحة الكنيسة ليست ضخمة وزادت عشر أضعاف عن ما كانت ٦٠ مترًا ولكن بها مسحة الجمال الرقيق (وهذه هي الكنيسة التي نلت فيها العماد) تاريخ جميل وكلنا نفرح به وبعمل الله، لأن ربنا يستخدمنا كلنا كأدوات بدون استثناء وفي كل الأجيال كما حكى سيدنا من سنة ١٩٤٤ إلى اليوم كم مر من أجيال؟! وكم من أفراد كان قلبهم مخلص في صلواتهم وتضرعاتهم والله يتمجد في الوقت المناسب، هذا يوم فرح ونفرح بوجود الآباء الأحبار الأجلاء يفرح معنا الآباء الكهنة والشمامسة ويوم سعيد نفرح بعمل الله الذي يتمجد من سنة إلى سنة.
أتكلم معكم اليوم في تأمل روحي حول إنجيل هذا الصباح، أنجيل هذا الصباح نسميه (أنجيل وكيل الظلم) وكيل الظلم برغم أنه كان إنسان رديء وفاسد ولكن الله مدحه وأِعلم أن الله مدحه اداريًا لا أخلاقيًا لأنه تصرف بحكمة من الناحية الإدارية، هذا الرجل كان عنده حكمة إدارية ويفكر في المستقبل، ما يهمنا في الموضوع أنه يقول لنا في هذا المشهد قانون الأبدية ” اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ ” ولذلك الأمانة هى قانون الأبدية وضع أمامك هذه العبارة.
ما هو الأساس الذي سوف يدين به ربنا العالم؟؟ القاضي يحكم بالقانون وهذا القانون يكون معروف، الله أيضًا الديان العظيم عندما يقف أمامه بني البشر لديه قانون هو القانون الذي يقوله اليوم ” اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ ” ولذلك الأمانة هي قانون الأبدية وهذه العبارة في غاية الأهمية لكل إنسان يعيش الحياة.
وللأمانة جوانب كثيرة:
١- أمانة في الجانب الشخصي جانب الفكر: عقولنا وأفكارنا وأحيانًا تأتي إلينا أفكار متعبه وشريرة ولهذا السبب كنيستنا مليئة بالصلوات لتجعل فكرنا مقدس ولا تترك فرصة لعدو الخير ليحتل عقل الإنسان، ويجب أن أكون أمين في فكري ويجب أن يكون فكري متجه نحو الله ولذلك يعلمنا في المزامير ” خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ” جعلت فكري خزانة أخبئ فيها كلام الله، أكثر شيء يساعدنا أن يكون للإنسان الفكر الأمين ويكون فكره دائمًا حسب فكر الأنجيل ” مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ ” لأن الفكر هو الذي يقود الإنسان، فأول جانب من جوانب الأمانة التي هي قانون الأبدية أن يكون للإنسان دائمًا فكر نقي ويكون أفكاره مقدسة مباركة وإيجابية مثل فكر الإنجيل ” كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ ” فكرة إيجابية … فكر الثقة في الله ورؤية وعمل الله.
٢- أمانة الكلام: أكثر نشاط يقوم به الإنسان كل يوم هو الكلام، ما هو شكل كلامك؟! يقولوا إن “القلم مثل الرصاص” لأن الكلمة يكون تأثيرها كالرصاص، أعرف أنه لا توجد كلمة نطقت بها إلا وسوف تحاسب عليها بما أن الكلام به خطية أو اعتداء على الآخر أو مسك السيرة أو الكذب أو أي صورة من الصور، ونجد داود النبي يقول ” لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ ” ” اجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِسًا لِفَمِي. احْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ “، العالم عاش زمن طويل في زمن الكلام منذ اختراع الراديو والتليفون ثم دخل في عصر الصورة عند اختراع التليفزيون والفيديو ثم الموبيل وأصبح الكلام والصورة هو ما يملأ الساحة وأحياًنا يغرق الإنسان في كلام لا يليق، فهل أنت أمين في الكلمة؟! تعرف سبب وأثر الكلمة التي تقولها وكيف يراها الله؟ وكنيستنا مليئة بالتسابيح حتى يتعود لسان الإنسان على الكلمة الحلوة باستمرار “قلبي ولساني يسبحان الثالوث” كل الكلام هو عبارة عن تسبيح للثالوث، فهل أنت أمين في الكلام في بيتك وخدمتك وعملك؟
٣- أمانة في الفعل: ربنا أعطى كل واحد فينا مسئولية، من الخطايا المشهورة في الأعمال أن يسرف الإنسان في الوقت، الإحساس بقيمة الوقت هو شكل من أشكال الأمانة، يجب أن يكون عملك عمل إيجابي يخدم الآخرين ويبني للملكوت ويقدم سلام على الأرض للناس، الكنيسة عندما تفتح عيادة أو مدرسة يكون هدفها أنها تساهم في سلام وبناء المجتمع وعندما تهتم الكنيسة بالإنسان تساهم في أن يكون المجتمع سالم. ما هي أعمالك الخفية والظاهرة؟؟ … هناك أشخاص يعتمد عليهم … أمانة الفعل مثل نحميا في العهد القديم كان أسير في السبي وذهب ليبني أسوار بلده رغم المعوقات وأكمل بناء السور في ٥٢ يوم، أمانة العمل في الخدمة والكنيسة والمجتمع والإنسانية بصفة عامة.
النهارده يوم جميل ونتعلم فيه أن الأمانة هي قانون الأبدية أمانتك في فكرك – كلامك – أعمالك… يباركنا الله بهذه البركة الروحية ويبارك كل عمل بالكنيسة ويبارك هذا العمل الجميل ويعوض كل الذي تعب، ويوم التدشين هو العيد الخاص بالكنيسة وبمثابة كتابة شهادة ميلاد ويكون في التاريخ ويسلم من جيل إلى جيل.
أنا سعدت جدًا أول ما دخلت الكنيسة ووجدت مجموعة من الأطفال (الكورال) ويقولوا الترنيمة الحلوة الخاصة بكم ويقولوها بحماس قوي وذلك في غاية الأهمية للتاريخ ويكون كما نصلي في القداس من جيل إلى جيل. ربنا يعوضكم ويعيش الأنبا أنجيلوس ويعمر والآباء والأحباء معه وكل شعب الكنيسة ودائمًا فرحانين بالمسيح لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.