انطلاقًا من دور المجلس في نشر ثقافة حقوق الإنسان بين كافة طوائف المجتمع، ولما للدراما التليفزيونية من دور هام في تشكيل الوعي المصري بما يؤثر على هذه الثقافة سلباً أو إيجابًا، أقام مساء أمس الموافق السبت الموافق 21 نوفمبر 2020، المجلس القومي لحقوق الإنسان حفل توزيع جوائز الإنتاج الدرامي المتميز في مجال حقوق الإنسان لعام 2020 بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية الساعة السادسة مساءً .
و قد تم تقييم مسلسلات رمضان لهذا العام وقد تم اختيار 4 أعمال فائزة لتكريمها وذلك بواسطة لجنة متخصصة من النقاد، برئاسة السيد جمال فهمي رئيس لجنة الحقوق الثقافية وعضوية كلا من : المخرجة أنعام محمد على – الناقد طارق الشناوي – الكاتب /كرم النجار- الناقد /ماهر زهدي- الناقد/ رامي عبد الرازق – الكاتبة/ خيرية البشلاوي.
وجاءت كلمة السيد / محمد فايق – رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في حفل توزيع جوائز الإنتاج الدرامي المتميز في مجال حقوق الإنسان لعام 2020 ، كالتالي:
مساء الخير عليكم جميعاً
أرحب بكم و أشكركم على تلبية دعوة المجلس القومي لحقوق الإنسان .
السيدات و السادة الأعزاء
في الأوقات الصعبة، وقت الكوارث، و خاصة تلك التي تتعرض فيها حياة الناس للخطر، مثل الحروب أو انتشار الأوبئة – مثل الكورونا عندنا حالياً – يكون الهدف العام هو الحفاظ على أهم حق من حقوق الإنسان و هو ” الحق في الحياة ” حياة الناس، و استمرار الحياة المجتمعية العامة التي تضمن توفير لقمة العيش للجميع.
في مثل هذه الظروف الصعبة، تتضافر كل الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف، و من بينها جهود كل الفنون بجميع أشكالها و ألوانها باعتبار أن الفن هو أكسير الحياة.
من أجل ذلك ، ونستون تشيرشل رئيس وزراء بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية قام بمنح وسام رفيع إلى صاحب ناديليلى في لندن كان يقدم عروضاً فنية كل ليلة، ظل يعمل طوال فترة الحرب لم يغلق بابه يوماً واحداً رغم كثافة الغارات الجوية على العاصمة البريطانية، واعتبر تشيرشل ذلك إسهامًا في استمرار الحياة ومقاومة العدوان الألماني و إسهاماً في النصر.
و هكذا من ناحيتنا نحن، استطاعت مجموعة الفنانين الموجودين معنا اليوم أن يصلوا إلى الناس من خلال فن رفيع أسعدهم و أمتعهم، دون إسفاف بكلمة أو إيماءة ، دون الاعتداء على أي حق من حقوق الإنسا، فكان ذلك – في حد ذاته – دعماً ” للحق في الحياة ” حياة الناس و استمرار الحياة المجتمعية العامة .
وهكذا كان الفن – فن الدراما فى هذه الحالة هو بالفعل أكسير الحياة .
السيدات و السادة الأعزاء : اسمحوا لي أن أتوجه بخالص الشكر لكل الذين جعلوا هذا الحفل ممكناً ، و سوف نكرمهم جميعاً في نهاية حفلنا – و شكر خاص للدكتورة / إيناس عبد الدايم – وزيرة الثقافة .
و لكنني لا أستطيع أن أختم كلمتي دون أن أوجه خالص الامتنان
و الشكر و التقدير للفنانة الرائعة / أنعام محمد على – على عطاءها الغير محدود لإنجاح هذه الليلة .
السيدات و السادة : أدعو لكم بالسلامة من هذه الكورونا الخبيثة ، و أدعو الله أن يزيح هذه الجائحة عن شعبنا و بقية شعوب العالم أجمعين .
و السلام عليكم
وقدم كلمة لجنة التحكيم الأستاذة المخرجة أنعام محمد علي، والتي جاء نصها :
سيداتي .. سادتي ..الحضور الكريم..
اهلا بكم معنا..في هذا اللقاء السنوي المتجدد..مع مبدعي الأعمال الدرامية الذين فازوا هذا العام..في مسابقة المجلس القومي لحقوق الإنسان، قام باختيار الأعمال الفائزة..لجنة مكونة من 6 نقاد..شاهدت 25 عملًا دراميًا و10مسلسلات رسوم متحركة.
لا يختلف أحد أن عام 2020 موسمَه الرمضاني يعتبر مٌوسماً استثنائياً وغير مسبوق، وكما نعلم جميعاً حجم الظروف الصعبة التي فرضها وباء كورونا ولايزال، اقتضت بقاء الناس في منازلهم بعيداً عن دور العرض، وعن شتى أشكال التجمعات .. ووسط ذلك الحصار المجتمعي أصبحت الفرجة على منصات العرض المنزلي مخرجا وحيداً، والأعمال الدرامية بدت أحد عوامل الهروب والتخفيف من الآثار الجانبية السلبية، التي فرضتها ضرورة البقاء في المنزل، وفي نفس الوقت بات تأثيرٌها مضاعفاً.
ورغم هذه الظروف شديدة الكآبة استطاعت صناعة الدراما، أن تتواجد وتتسم بالتنوع، وتمدٌ المشاهد بأطباق فنية ليست كلها شهية بالضرورة وأن ضمت أنواعاً تٌقدِم لأول مرة بعد حرمان طويل.
فلأول مرة تتناول الدراما المصرية من خلال عمل ملحمي عسكري ضحم .. واحدة من أكثر معارك الحروب الحديثة، وأعنى معركة البرث التي تابعنا تفاصيِلها في مسلسل “الاختيار”.. وكٌلنا نعرف حجم التأثير والدور الإيجابي الذي أحدثه إنتاج واحدة فقط، من معارك الصراع مع الجماعات الإرهابية الإجرامية المسلحة..ولم يكن الموضوع فقط هو منبع التأثير وإنما الأسلوب الفني والقيمة الإنتاجية والأداء البارع لمجموعة الفنانين والفنيين.
كما قدمت صناعة الدراما لهذا العام ولأول مرة نوعية ” الخيال العلمي” بإمكانيات جيدة، حيث تعتمد هذه النوعية بشكل أساسي على التكنولوجيا، حيث المؤثرات البصرية والسمعية، عناصر أساسية في لغة التعبير عن أحداث مستقبلية، سوف يحققٌها التطور العلمي للبشرية، وهو ما قدمه مسلسل “النهاية” بطولة يوسف الشريف.
ومن الأعمال التي لفتت نظر لجنة التحكيم .. مسلسلات التحريك ، عرض منها في الموسم الرمضاني عشرةٌ أعمال تميز منها ثلاث، نافست المسلسلات الدرامية في جودة تنفيذها وثراء وتنوع موضوعٌاتهِا، التي تخاطب الصغار والكبار، والتي عوضت بعض النقص الذي تفتقدٌه المسلسلات الدرامية منذ عدة سنوات .. فقدمت المسلسل الديني ” نوح” عن صراع سيدنا نوح مع الرافضين دعوته للتوحيد .. والمسلسل التاريخي الذي يدور حول دخول العثمانيين مصر، واستبسال طومان باي حاكم مصر وقتَها في الدفاع عنها .. ومسلسل علمي وضع مادته العلمية أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا .. هذا المسلسل أوصت لجنة التحكيم بأن تستعين به وزارة التربية والتعليم في تطوير طريقة شرح المواد العلمية بأسلوب جذاب ومشوق، يٌسهِل مهمة المٌعلم ويزيد من استيعاب الطالب للمواد العلمية .
احتوى هذا الموسم أيضًا بأجوائِه الأستثنائية، التي أثرت على نسبة المشاهدة إيجابياً .. 5 أعمال تندرج تحت نوعية المسلسل الكوميدي، التي كررت نفس أخطاء السنوات السابقة من حيث ضَعف النصوص المبالغات والأداء الكاريكاتيري الخشن، المليء بالافيهات السوقية والفجة .. لم يستثنىَ من الأعمال الخمس إلا مسلسل واحد، تميز بفكرة جديدة وسيناريو منضبط، وأسلوب الإخراج الذي اتسم بالحداثة .
ولكن خلال هذا الموسم الرمضاني رصدت لجنة التحكيم، بعض الظواهر السلبية التي تساهم في ترسيخ مبادئ وقيم وسلوكيات، ليس فقط ضد مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، ولكن أيضاً في تكريس، العديد من الأفكار المجتمعية السلبية والهدامة .. منها “تيمة الانتقام الفردي” التي دارت حولها كثير من الأعمال الفنية هذا العام .. بمعنى وقوع ظلم على شخصية البطل والتحرك نحو تحقيق هذا الانتقام، في أقصى صورة ممكنة دون تسامح أو غٌفران، أو اللجوء إلى القانون الوضعي .. يأتي مسلسل “خيانة عهد” على رأس هذه الأعمال، بالإضافة إلى “البرنس” “شاهد عيان” “الفتوة” “ليالينا” “فرصة تانية” و”النهاية” التي وصلت فيه الرغبة في الانتقام إلى أن البطل “الروبوت” يقرر إفناء البشرية بأكملِها عقاباً لها على ما فعله البعض بالأشخاص الآليين..خطورة تكرار وتأكيد هذا الانتقام الفردي هو تحويلة لدى المشاهد إلى شئ مشروع بل ومحبب ومباح .
الظاهرة الأخرى التي رصدتها أيضاً لجنة التحكيم، كثرة الأعمال التي تم تصويرٌها في “كومباوندز” فاخرة وبيوت فخمة وقصور وفنادق، وتمتلك أيضاً شخصيات العمل سيارات آخر موديل، ويعملون في مهن استثمارية أو تسويقية تَكفٌل لهم من الأموال أرقام فلكية (كما في مسلسلات “لما كنا صغيرين” “أحب تاني ليه” “فرصة تانية” وغيرها) .. فتصبح المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لمثل هذه الشرائح القليلة، مشكلات عادية تحمل قدر من الرفاهية المستفزِة، إذا ما تمت مقارنتٌها، بحجم المشكلات التي تعانيها الأغلبية الساحقة من المصريين، من فقر وعوز واحتياج للتعليم والعلاج، ومشكلات السكن وغلاء المعيشة والعنوسة وتعاطي المخدرات والهجرة غير الشرعية وغيرها..مثل هذه المشكلات لا تجد لها وجود على الشاشة إلا فيما نَدر .. لكن غالبية المسلسلات التي تعرض على الشاشات، تدور في أجواء اجتماعية ومادية تحمل بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يشبه الدعوة للاحتقان الطبقي.. والأزمة أن صٌناع هذه الأعمال لا يدركون حجم الضغط النفسي الذي يمارسونه على المشاهدين المنتمين إلى الشرائح المتوسطة والدنيا، ولا يدركون أن التأكيد على وجود طبقات فاحشة الثراء في دولة فقيرة، قد يؤدي إلى انتشار الجريمة والخروج عن القانون، والرغبة في الثراء السريع بأي وسيلة ..وضرباً عرض الحائط بقيمة العمل والكفاح .
لاحظت اللجنة أيضًا أن هذا العام، شهِدَ تكرار ظاهرة التأخير في بَدء تصوير كثير من الأعمال، إلى ما قبل حلول شهر رمضان بأشهر قليلة، وبعدد حلقات لا يتعدى ربع أو ثلث المسلسل .. والنتيجة بداية مبشرة في بعض المسلسلات تجذب المشاهد .. ومع توالي الحلقات تتقطع أنفاس المؤلف والمخرج .. وصولاً إلى نهاية محبطة لا تترك أثراً في ذهن المشاهد.
وفي هذا الموسم أيضاً، زادت حالة التغول الممل على المادة الدرامية بفعل المساحة الأعلانية، التي أفسدت متعة الفرجة وأفقدت التواصل مع العمل الفني المعروض، وجعلت الدراما مجرد فاصل في مسلسل الإعلانات التجارية .. إنها الفوضى الهدامة، التي طالت العلاقة بين الإعلانات والعمل الدرامي، والنتيجة تعثر الرسالة التي تصل إلى المشاهد، وهي الهدف الرئيسي للعمل الفني.
وبالطبع لم تخلو الدراما هذا العام من لمحات جميلة ، إلا أنها لا تتناسب مع ما هو مفروض .. ومن هذه اللمحات الجميلة .. ومن بين 25 مسلسل استطاعت اللجنة وبالإجماع، أن تلتقط ثلاث مسلسلات .. اكتملت فيهم شروط المسابقة، من حيث الجودة الفنية والموضوعية وفي سياقها الدرامي وبشكل مباشر تعالج قيماً ومبادئ لحقوق الإنسان..ومن بين عدد 10 مسلسلات رسوم متحركة اختارت اللجنة واحداً .. لتمنحه جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
وأخيراً ترى لجنة التحكيم..أن النهوض بالدراما المصرية يحتاج إلى خطة مدروسة..يتعاون في وضعها الجانب القومي..وشركات الإنتاج الخاصة..خطة تلبي احتياجات المواطن في دراما مختلفة ومتنوعة..تساهم في إذكاء فكره ووجدانه وتنشئة أبنائه..وتنمية الانتماء والارتباط بالوطن وإدراك خطورة التطرف..والفرق بين الدين والسلاح .