كما أن الموج جزء من طبيعة كل بحر، فإن المشاعر الجنسية المتضاربة، والعنيفة أحيانًا، هي جزء طبيعي من الصراع الذي يدور داخل كل مراهق؛ فيكون أحيانًا كموج البحر في تقلباته المزاجية، وردود أفعاله غير المتوقعة.. فماذا نفعل حتى لا يؤثر هذا الصراع الداخلي على سلوكيات أبنائنا، في السنوات التي تتشكل فيها شخصياتهم وقِيمهم؟ لنخترق حاجز الحَرَج والخوف، ولنُبادر بالحوار معهم عما يدور في رؤوسهم عن الجنس، ونتائج السلوك الجنسي غير السوي وتأثيره على نمو وتطور شخصياتهم، وكيف يمكن أن تؤثر اختياراتهم سلبًا أو إيجابًا على المستقبل الذي ينتظرهم، وعلى حياتهم ككل. في النهاية لابد أن يقرر الابن (أو الابنة) لنفسه ما سيختاره، لكنها مسؤوليتنا نحن أن نُعلِّمهم، بقلب أب وأم اختبرا الحياة، ما هو الاختيار الأفضل.
الشخصية، النجاح، المستقبل.. الحديث عنهم يُعطيك أفضل مدخل للحوار مع أبنائك عن النتائج التي تترتب على الممارسات الجنسية في غير موعدها أو مكانها الصحيح. ففي مرحلتي المراهقة والشباب المبكر يحتاج الأبناء إلى كل طاقتهم وجهدهم لبناء شخصياتهم، وتطوير قدراتهم الخلاقة على التفكير والتحصيل العلمي.. بينما الانخراط في ممارسات جنسية سيشتت قدرتهم على التركيز، ويبدد الطاقة التي يحتاجون إليها ليكملوا طريقهم نحوالنضج والنجاح.
العلاقة الجنسية بين أي شاب وفتاة خارج الزواج تُنتج شخصية أنانية، تعتاد أن تأخذ بدون اعتبار للطرف الآخر.. وأسوأ ما في هذه العلاقة هو الكذب الذي يمارسه الشباب (الذكور) ليحصلوا على ما يريدون من الفتيات دون التفكير في التبعات، أو الاستعداد لتحمل مسؤولية العلاقة معهن. هكذا تَفسَد الشخصية، ويصبح الغش هو الأسلوب المتبع لحصول الشخص على ما يريد! فلنناقش مع أولادنا تأثير هذا التوجه السلوكي على شخصياتهم، ومستقبل علاقاتهم مع شريك الحياة.. حيث تلعب الشخصية دورًا حيويًا في دعم العلاقة الحميمية والحب المتبادل بين الزوجين، عندما تتساوى بهجة العطاء مع متعة الأخذ.
“الماء المسروق حلو الطعم، والخبز الذي يؤكل في السر لذيذ!” هذا ما قاله الحكيم في القديم في وصف الإغراء الخادع لتجربة الجنس خارج الزواج. وأبناؤنا يسمعون اليوم هذه الكذبة، ولو بصياغة معاصرة مختلفة.. فلنعلِّمهم أن الهلاك ينتظر كل الحمقى الذين يجربون المسروق، ويسعون لتجربة المتعة في الخفاء.
مثل كثيرين لم يخطر على فكري أبدًا أن يأتي اليوم الذي أبادر فيه بمناقشة مثل هذه الأمور وجهًا لوجه مع ولديّ! لكن عالم الأبناء لم يعد محدودًا بتأثير الأبوين؛ ففيض الرسائل الجنسية يهدد الأسرة، حتى داخل غرفة المعيشة وليس فقط خارج البيت. لذا قررت ألا أنتظر حتى أضطر للتعامل مع نتائج السلوك، وبادرت بمناقشتهما فيما يمكن أن يطور شخصيتيهما ليقولا أكبر “لا” لأي تجربة جنسية قبل أن يعطي الواحد منهما نفسه لأول مرة لشريك حياته المستقبلي في ليلة زفافه.
ومن الأسئلة التي يجب أن نثيرها مع أبنائنا في هذا الحوار: ما الفرق بين الانجذاب والحب والشهوة؟ هل الجنس هو التعبير الوحيد عن الحب؟ وفي هذه السلسلة، سنتعرض تباعًا لبعض النقاط الأخرى، والتي تحتاج منا بعض المعرفة لنفضح الأكاذيب التي تحيط بأبنائنا مثل: هل يوجد جنس آمن؟ وهل صحيح أن الحمل لا يحدث مع أول ممارسة للجنس؟ هل يجب أن تساير التيار، أم يمكنك أن تكتسب وتطور القدرة على أن تقول “لا” لأي ضغوط تخالف قِيمك وإيمانك؟
ترى هل يوجد حقًا “جنس آمن”؟ الجنس في إطار الزواج بين زوجين مُخلِصين لبعضهما آمِنٌ تمامًا.. لكن السؤال هنا يرتبط بافتراض أن الشاب سيجرب الجنس في مرحلة ما قبل زواجه، فلابد أن يحمي نفسه بشكل أو آخر حتى لا يُصاب بأحد الأمراض التي تنتقل بالممارسات الجنسية. ومع تزايد التفكك الأسري، وغياب التأثير التربوي والدعم المعنوي للأبوين لأسباب مختلفة، أصبح البعض يتعامل مع هذا الافتراض وكأنه واقع لا يمكن تجنبه؛ لدرجة أن بعض المؤسسات العالمية تروج لفكرة ضرورة استخدام “الواقي الذكري” مادام الشاب لا يستطيع أن يمتنع حتى الزواج، أو أن يبقى مخلصًا لشريك حياة المستقبل!
ما يسمى بـ “الجنس الآمن” كذبة كبيرة لابد أن نفضحها في حواراتنا مع أبنائنا حول القيمة العظمى لاختيار الامتناع عن الجنس حتى الزواج.. فالواقي الذكري لا يضمن ألا ينتقل المرض من حامله أو المصاب به إلى الشخص السليم بنسبة ١٠٠٪، خاصة أن بعض الأمراض الجنسية تنتقل بالتلامس الجلدي للأعضاء التناسلية. فلنُعلِّم أولادنا أن الطرف الذي يقبل أن يُتيح نفسه لمعاشرة جنسية لا يوجد ما يضمن أنه لم يفعل نفس الشيء مع آخرين من قبل.. ومع احتمال وجود خبرة سابقة أو أكثر لهذا الشخص، فإن احتمالات الإصابة بأحد الأمراض المعدية المنقولة جنسيًا تكون عالية. ومما يزيد الأمر سوءًا أن أعراض أغلب هذه الأمراض لا تظهر لفترات زمنية طويلة، بل تظهر فجأة بعد فوات الأوان.. و”الإيدز” أشهر مثال لهذه الحقيقة، مع أنه ليس الوحيد القاتل أو المدمر من بين قائمة هذه الأمراض. الامتناع هو أسلوب الحياة الوحيد الآمن تمامًا.
ومثلما لا يستطيع أحد أن يأخذ نارًا في حضنه ولا تحترق ملابسه، أو يمشي على جمر نار مشتعل ولا تكتوي رجلاه.. هكذا الجنس في غير موعده أو مكانه الصحيحين يحرق ويكوي. فلماذا نترك أولادنا ليجربوا ما يمكن أن يصابوا به فيفضحهم أو يدمر حياتهم؟ أو ما يجعلهم يعيشون أيامهم في خوف من هذا أو ذاك؟!
سامي يعقوب
FocusOnTheFamily.me