أثار نقل تمثال فرديناند ديليسبس من محافظة بورسعيد إلى مقر المتحف العالمي لقناة السويس بشارع محمد علي بالإسماعيلية الأسبوع الماضي , ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ومعارض لنقل التمثال، منها ما يرحب بنقله من محافظة بورسعيد ووضعه فى مزار سياحي وآخر يرفض نقله من مكانه الأصلي, كما رفض عدد من الكتاب والمثقفين والمؤرخين محاولات إعادة تمثال ديليسبس إلى موقعه القديم في مدخل قناة السويس باعتباره رمزًا استعماريًا وهو ما يسيء للتاريخ الوطني ويهدر تضحيات المصريين في شق القناة , حيث دشن نشطاء صفحة على “فيسبوك” تطالب بنقل تمثال ديليسبس من مدخل القناة باعتباره رمزًا لحقبة مقيتة في تاريخ مصر الحديث واقترح الرافضين لتمثال ديليسبس بوضع تمثال “للفلاح المصري” على قاعدة التمثال في مدخل القناة، حيث نقل التمثال على متن الوحدات البحرية التابعة لإدارة الكراكات بهيئة قناة السويس بمشاركة نحو 200 عامل ووسط إجراءات تأمينية.
ويذكر أن يعد تمثال المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس أحد المعالم الأثرية صدر القرار رقم 446 لسنة 2019 من مجلس الوزراء بإدراجه ضمن الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بعد موافقة المجلس الأعلى للآثار.
تمثال للفلاح المصري
في البداية، أنهي الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس الجدل والانقسام الذي حظيت به قضية عودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته الحالية من عدمه بموقعها الخالي بممشى شارع السلطان حسين ببورسعيد المطل على المجرى الملاحي القناة، حيث أصدر تعليمات بنقل التمثال من ترسانة بورسعيد البحرية إلى متحف قناة السويس العالمي بمحافظة الإسماعيلية المجاورة للفيلا ديليسبس، والذي يتم تطويره حاليًا من خلال شركة المقاولون العرب بتكلفة 170 مليون جنيه.
وقال: إن نقل تمثال ديليسبس، تم دون أي مشاكل أو تعرض التمثال لأي مكروه، وتحت إشراف متخصصين , مؤكدًا أن التاريخ واضح ولن يستطيع أحد تزيفه، مؤكدًا أنه جارِ عمل قاعدة لتمثال التوسط “متحف قناة السويس العالمي بالإسماعيلية، بالإضافة إلى وجود نية لوضع تمثال ضخم للفلاح المصري، الذي حفر قناة السويس.
متحف عالمي لهيئة قناة السويس
ويذكر أن تنفذ شركة المقاولون العرب فرع سيناء مشروع المتحف العالمي لهيئة قناة السويس لصالح هيئة قناة السويس يشمل المشروع إدراج “استراحة فرديناند ديليسبس” داخل المتحف، وعمل جدارية تذكارية تحكي تاريخ قناة السويس، ويشغل المتحف مساحة 10 ألاف متر مسطح تمثل مساحة المباني المشغولة منها 5500 متر مسطح وبدروم بمساحة 1200 متر مسطح، كما يشمل المشروع شبكة أنفاق داخلية ممتدة خارج نطاق المتحف ويضم المبنى 99 قاعة و114 باب و175 نافذة و303 عمود خشبي ومشروع المتحف عبارة عن أعمال انشائية وترميم وإعادة تأهيل أول مبنى إداري لقناة السويس وإعادته لسالف عهده إبان الافتتاح التاريخي لقناة السويس عام 1869 و تأهيله ليكون متحف عالمي يحكي تاريخ قناة السويس منذ نشأتها حتى افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي لقناة السويس الجديدة.
ومن المقرر أن يتم افتتاح متحف قناة السويس بداية العام المقبل، وسوف يضم مقتنيات كثيرة حقيقية كانت موجودة في حفل افتتاح قناة السويس الأولى وكانت موجودة فى فرنسا وتم إهداؤها لمصر، إضافة لبعض الكتب والتماثيل لديليسبس ومنزله ومقتنياته وكل هذا حقيقى، كما سيوضع به ماكيت حقيقي لحفل افتتاح قناة السويس يعود عمره لنحو 150 عامًا، حيث أهدت فرنسا الماكيت لمصر، كما سيضم المتحف مكتب ديليسبس، والأدوات التي كان يستخدمها، وبعض كتبه، ويحكي المتحف تاريخ شعب، وقناة السويس محفورة في وجداننا كلنا، ومشروع المتحف عبارة عن أعمال إنشائية وترميم أول مبنى إدارى لقناة السويس وإعادته لسالف عهده إبان الافتتاح التاريخي لقناة السويس عام 1869، وتأهيله ليكون متحفا عالميًا يحكي تاريخ قناة السويس منذ نشأتها حتى افتتاح الرئيس السيسي، لقناة السويس الجديدة.
طبقة غير مثقفة
من جانبه انتقد الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية، رفض المواطنين ببورسعيد وضع تمثال فرديناند ديليسبس الفرنسي لمدخل قناة السويس، معتبرًا أنه رأي يعبر عن الطبقة غير المثقفة، أما بالنسبة مؤكدًا أنه مع وضع التمثال في مدخل قناة السويس لأنه يخلد ذكرى خاصة وأنه الرجل الذي خطط لحفر قناة السويس, مضيفًا :أن التمثال نحته الفنان الفرنسي الشهير إمانويل فرميم عام 1899، وذلك محاكاة لشخصية فرديناند ديليسبس.
يطبق عليه قانون حماية الآثار
وقال الدكتور رأفت النبراوي، عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة سابقًا، إن تمثال “ديليسبس” يطبق عليه قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والذي ينص على: “يعتبر أثرا كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام حتى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها”.
وأرجع النبراوي قرار رئيس الوزراء بأن التمثال صُنع في الفترة الإسلامية لذا وجب تصنيفه في عداد الآثار الإسلامية والقبطية , وأوضح أنه أيا كان دور “ديليسبس” تاريخيًا سواء إيجابي أو سلبي، إلا أن وجود التمثال يعد تخليدًا لهذا الحدث التاريخي وهو حفر قناة السويس، إلا أنه أكد أنه في حال وجود التمثال في مدخل قناة السويس يثير شعور الغضب لدى أهالي محافظة بورسعيد من الممكن وضعه في متحف قناة السويس بدلًا من مدخل القناة.
جدير بالذكر أن يبلغ ارتفاع تمثال ديليسبس بالقاعدة المعدنية 7.5 متر، ويزن 17 طناً، وهو من تصميم الفنان الفرنسي إيمانويل فرميم، مصنوع من البرونز والحديد وطلي باللون الأخضر البرونزي، ووضع عند المدخل الشمالي للقناة للمرة الأولى عام 1899، وأدرج العام الماضي في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، بعد موافقة رئيس الوزراء ، ونص القرار على اعتبار التمثال ذا قيمة أثرية وفنية وتاريخية , وصدر القرار رقم 446 لسنة 2019 , بإدراجه ضمن الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بعد موافقة المجلس الأعلى للآثار.
استراحة ديليسبس بالإسماعيلية
ويضم شارع محمد على الكائن به “المتحف استراحة ديليسبس بالإسماعيلية” تحتوي على مقتنيات خاصة به ومكتب ووسائل معيشة وصور وكتب والمقرر أن تنضم للمتحف , و فرديناند ديليسبس هو مهندس فرنسي، والذي يعتبر أول من درس مشروع توصيل البحر الأحمر بالبحر المتوسط وحاول إقناع عباس باشا حاكم مصر آنذاك به إلا أنه رفض المشروع وبعد أن تولى سعيد باشا حكم مصر في 14 يوليو 1854 تمكن دي لسبس والذي كان مقربا من سعيد باشا من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس في نوفمبر 1854 الأول وكان مكونا من 12 بندا أهمها حفر قناة تصل بين البحرين ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة وزار دي لسبس برفقة بعض المهندسين منطقة برزخ السويس في 1855 لبيان جدوى حفر القناة .
وأصدر تقريرا في 20 مارس 1855 والذي أثبت سهولة إنشاء قناة تصل بين البحرين , وشكل ديليسبس لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسين وزاروا منطقة برزخ السويس وبورسعيد وصدر تقريرهم في ديسمبر في نفس العام , وأكدوا إمكانية شق القناة وأنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويين في المنسوب وأنه لا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملي مع افتتاح قناة السويس شُيد تمثال للمهندس الذي كان سببا في تشييد هذا المشروع فرديناند ديليسبس تكريما لدوره البارز في المشروع، وظل التمثال كما هو حتى عام 1956, وفي هذا العام أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس ما تسبب في العدوان الثلاثي “فرنسا وبريطانيا وإسرائيل” على مصر ومع انسحاب قوات الاحتلال من مصر عام 1956، وجد سكان المدينة على التمثال علم بريطانيا وفرنسا، كتذكار من الاحتلال على استمرار سيطرتهم على القناة، ما تسبب في غضب شديد لأهالي بورسعيد، وهو ما دفعهم للتخلص منه.
مذكرات “مصطفى الحفناوى”
واعتبر علي الحفناوي، نجل مصطفى الحفناوي المراجع القانوني لقرار تأميم قناة السويس، أن نقل التمثال كان وفق توجيهات رسمية , قال الحفناوي: ترجمت مذكرات “الدكتور مصطفى الحفناوى” إلى اللغة الفرنسية وتم نشرها بفرنسا، واستطرد :شرفنى الوزير “جاك لانج”، وزير خارجية فرنسا السابق ووزير الثقافة، وحاليا رئيس معهد العالم العربي بباريس، بكتابة نص لمقدمة كتاب المذكرات , وانتقيت عدة أسطر من تلك المقدمة ، أن الحق في الحرية والاستقلال قيمة عالمية، تجعل العدو يحترمك ويحترم تاريخك حتى وإن تعارضت مصالحه مع مصالحك الوطنية , فيقول الوزير الفرنسي عن مصطفى الحفناوى: لقد فهم هذا المجاهد الوطنى أن أفضل وسيلة للكفاح من أجل بلاده هي استخدام معرفته بالقانون، ولذلك فقد وضع علمه، كرجل قانون، في خدمة قضية تأميم قناة السويس.
وأضاف: لقد فعل ذلك من خلال رسالة دكتوراة، سببت حرجا واضطرابا في كل من لندن وباريس، ومع ذلك ورغم الضغوط الهائلة التي تعرض لها من قبل شركة القناة، استطاع مناقشة رسالته في السوربون أمام لجنة تحكيم مكونة من عتاة رجال القانون، وحاز على أعلى تقييم , فرغم أن علماء القانون الذين ناقشوه قد فوجئوا بجرأة الرسالة ومحتواها، إلا أن الأمانة العلمية اقتضت أن يرضخوا أمام العمل الجاد الموثق المقدم لهم, وبهذه الرسالة المعتمدة، وضع مصطفى الحفناوى الأسس القانونية المتينة التي سمحت لجمال عبد الناصر بعد خمس سنوات باتخاذ قرار التأميم.
تمثال “الحرية” …”الفلاحة المصرية”
وقال الحفناوي:نعلم أن “اتفاقية سايكس بيكو” التي وضعت بين إنجلترا وفرنسا قسمت العالم العربي إلى مستعمرات اقتسمتها الدولتين , ولكن، من يعلم أن حفيد بيكو الذى وقع الاتفاقية، اسمه “جاك جورج بيكو”، كان آخر رئيس لشركة قناة السويس بعد التأميم، ومؤسس جمعية “أصدقاء فرديناند ديليسبس” , واستطرد الحفناوي: إن الخديوي إسماعيل طلب فى عام 1867 من “المثال الفرنسي بارتولدي” إقامة تمثال ضخم على مدخل قناة السويس يرمز”للفلاحة المصرية” وهى تحمل “شعلة الحرية ” , حيث قام بارتولدي بتصميم التمثال وتقديم المشروع للخديوى، لكنه رفضه بإيعاز من ديليسبس بحجة أن تكلفته مرتفعة وتحول التمثال إلى تمثال الحرية الشهير، أهدته فرنسا لأمريكا لوضعه بمدخل مدينة نيويورك تعبيرا عن الصداقة بين البلدين (عام 1884).
فشله في إنشاء قناة بنما
وأضاف: أراد ديليسبس استغلال شهرته لإنشاء قناة بنما لوصل المحيط الأطلنطي والمحيط الهادى، فاشترى حق الامتياز من لويس نابليون، وبدأ في بيع الأسهم ولكنه فشل في جمع المال الكافي (حيث لا يوجد خديوى سعيد في بنما لسداد الفرق وتسخير العمالة)، فبدأ مع ابنه شارل في رشوة نواب البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ لتمرير قانون يسمح بجمع الأموال من السندات الحكومية، ولكنه فشل أفلست الشركة وتحولت مشكلة قناة بنما إلى فضيحة، وتم محاكمة ديليسبس وأعوانه سنة 1893، وحكمت عليه محكمة السين الفرنسية بالسجن خمس سنوات وغرامة 3000 فرنك للنصب والاحتيال.
وأوضح أنه فى قضية أخرى حكمت المحكمة على ابنه “شارل ديليسبس” بالسجن سنة واحدة للرشاوى التي قدمها , لم ينفذ الحكم على ديليسبس لكبر سنه ولكنه نفذ على ابنه شارل , وتوفي ديليسبس سنة 1894 وهو في الثامنة والثمانين من العمر.
وأضاف: أراد مجلس إدارة شركة قناة السويس البحرية، والمكون جزئيا من بعض أفراد عائلة ديليسبس، تلميع صورة الشركة لدى الرأي العام العالمى، فقررت إقامة تمثال فرديناند ديليسبس عند مدخل قناة السويس، أقامه المثال “ايمانويل فيرميه” وتم تدشينه يوم 17 نوفمبر من عام 1899 بمناسبة الاحتفال بثلاثين عاما على افتتاح القناة , كما أضاف: لم تنتهى مشاكل عائلة ديليسبس مع القضاء، حيث حكمت محكمة السين في مايو عام 1949 بإعدام أحد أبناءه، بول ديليسبس، بسبب الخيانة العظمى أثناء الحرب العالمية، ومحاولته تمرير خرائط عسكرية لمنطقة قناة السويس للألمان، ومواقع معسكرات الإنجليز فهل كان ذلك كرها للاستعمار الإنجليزى لمصر؟،كما أنه تاجر بأسهم الشركة المملوكة لبعض الأسر اليهودية لبيعها للألمان.
وأضاف: استطاع بول ديليسبس الهرب، فصدر الحكم غيابيا بالاعدام، وقد توفي بول عام 1955 , كذلك لا يمكن عدم تذكر الدور الأساسي ماتيو ديليسبس، والد فرديناند، في تنصيب محمد على واليا على مصر كما أضاف: ان فرديناند ديليسبس وعائلته جزءاً من تاريخ مصر، بما لهم وما عليهم… وكما قال مصطفى الحفناوى:قد يستحق ديليسبس تمثالا في كل موانئ أوروبا التي استفادت تجاريا من قناة السويس في القرن التاسع عشر الاستعمارى، ولكن مكانه في مصر ليس بمدخل القناة، وقد يمكن أن يكون في متحف لتاريخ قناة السويس، ليس إلا.
وقال الحفناوى:إنه وجه سؤالا للفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس ، أكد أن إجابته كانت مطمئنة بشأن إعادة تمثال ديليسبس بمدخل القناة وإن التمثال، سيستقر بالمتحف، حيث يقص التاريخ حقيقة هذا الرجل بما له وما عليه , وأوضح, إنه التقى الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بداية الشهر الماضي، لإهداء متحف قناة السويس، تحت التأسيس بالإسماعيلية، نسخة من تسجيل تلفزيون فرنسا لحلقة نقاشية دارت عام 1969، بمناسبة الاحتفال بمئوية افتتاح القناة وأشار إلى أن والده مصطفى الحفناوى شارك آنذاك ممثلا عن مصر في هذه الحلقة، وحضر عن فرنسا بنات فرديناند ديليسبس مع آخرين من أحفاده، بالإضافة إلى نخبة من القانونيين والمؤرخين الفرنسيين والإنجليز.