مع الاحتفال بانتصارات أكتوبر المجيدة نتذكر فيها المدينة الباسلة أرض الصمود وهي السويس التي شاهدت البطولات فى ملحمة 24 أكتوبر سجلها أبنائها و المقاومة الشعبية، حتى أصبح هذا اليوم عيد السويس القومي ومازالت تلك الأيام تكتسب أحساسا خاصا ومشاعر مختلفة بالفخر والاعتزاز.
والتقينا البطل السويسي “محمد توفيق” الذي كان ضمن الأجهزة الأمنية كمقاتل بالقوات المسلحة في الجيش الثالث الميداني هو أحد الأبطال الذين حكوا كيف سجل الشهداء الذين وهبوا أرواحهم فداء للوطن بحروف من دمائهم انتصارات رائعة مؤكدًا أنها تبقى راسخة في الذاكرة فلا زوابع التغير تمحوها ولا شوائب الأحداث تخفى ملامحها أنها عادة تأخذ مكانا خصبا في ذاكرة البشر
– ما هي طبيعية عملك أثناء حرب أكتوبر ؟
احمد الله أن الظروف قد ساعدتني كمقاتل بأحد الأجهزة الأمنية بالقوات المسلحة في الجيش الثالث الميداني لكي أكون في قلب منطقة مهمة في أحداث معركة أكتوبر العظيمة لكي أقول شهادة معايشة حقيقية في ارض الواقع ومهما مرت السنين ستظل تلك الأيام تكتسب إحساسًا خاصًا ومشاعر مختلطة بالفخر والاعتزاز فإن عملنا بدأ الإعداد له قبل حرب أكتوبر مباشرًا وكانت قيادتي بمنطقة الزيتيات بالسويس و كانت مهمتنا هي تأمين مداخل ومخارج محاور الجيش الثالث وتأمين القوات التي ستعبر للضفة الشرقية وتأكيد خطة التمويه التي كانت سببا رئيسيا في مفاجأة العدو.
– وماذا عن حصار السويس ؟
رغم صدور قرار وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر كان الخطر مازال داهمًا وكان الجميع يتوقعه ومن ثم بدأ العمل في تشكيل قوات الدفاع الشعبي من المتطوعين الموجودين داخل كردون مدينة السويس من المدنيين.
وعندما بدأ الطيران الإسرائيلي ظهر يوم 23 أكتوبر في قصف مدينة السويس منتهكا قرار وقف إطلاق النار توقع رجال القوات المسلحة غزو المدينة صباح اليوم التالي فجر 24 أكتوبر بعد إن أكدت معلومات الرجال الذين يتولون حماية مداخل المدينة أن القوات الإسرائيلية بدأت تقترب بالمدرعات في اتجاه المداخل الثلاثة للمدينة من ناحية طريق الزيتيات وعلى طرق القاهرة السويس ومن طريق الإسماعيلية الزراعي.
هل كان هناك تدعيم للمقاومة الشعبية في ذلك الوقت ؟
عندما حل المساء وبينما الطائرات الإسرائيلية مازالت تواصل قصفها للمدينة تأكدت المعلومات لقيادة الفرقة 19 مشاه أن العدو قد نوى فعلا غزو المدينة فجر يوم 24 أكتوبر، وأمر اللواء يوسف عفيفي قائد الفرقة إرسال خمسون مقاتلاً وضابطًا يحملون أسلحة “الار بى جى” المضاد للدبابات إلى مدينة السويس.
ومن قلب مسجد الشهداء خرجت أول إشارة إلى جميع أنحاء المدينة تعلن نبأ تقدم المدرعات الإسرائيلية جنوب المدينة وخرج الشيخ حافظ سلامة يدعو للجهاد وكان له دور كبير فى المقاومة الشعبية وتوجه إلى ميكرفون المسجد ليدعو الناس الثبات والمقاومة مؤكدا لن نسلم او نستسلم وبدأت جماعات المقاومة الشعبية تأخذ مواقعها جنبا إلى جنب مع أفراد القوات المسلحة حاملي “الار بى جى” على جانب شريط السكة الحديد الذي كان يقسم المدينة إلى نصفين، حيث يتوقع مجئ الإسرائيليين بينما أخذت جماعات أخرى من المقاومة الشعبية مواقعهم فوق أسطح المنازل و خلف الشرفات و بين طرقات الشوارع الجانبية، والكل متأهب ومستعد للقتال ويتابع تقدم الدبابات الإسرائيلية تغزو شوارع السويس في عز ظهر يوم 24 أكتوبر حتى وصل مقدمة “القول” وهي تعني طابور المعدات العسكرية إلى ميدان الأربعين دون أدنى مقاومة و تخيل الأعداء أن أهل السويس قد هجروها أو اختبأوا خوفًا منهم.
كمين الأربعين
وفجأة بدأ هدير الطلقات من مدافع “الار بى جى” المضادة للدبابات يدوى وطلقات المدافع الرشاشة تنهال على القوات الإسرائيلية من كل مكان من فوق أسطح المنازل ومن نوافذ البيوت ومن بين الشوارع ومن خلف سور السكة الحديد لتعطيل مؤخرة الطابور العسكري للدبابات المعادية وإغلاق طريق الرجعة عليهم وليبدأ رجال المقاومة الشعبية بالاشتباك مع مقدمة الدبابات في ميدان الأربعين
– وماذا عن شهداء المقاومة الشعبية يوم 24 أكتوبر ؟
البطل الشهيد أحمد أبو هاشم
واقترب الفدائي البطل الشهيد أحمد أبو هاشم وهو قائد كمين مزلقان البراجيلى ويصوب مدفعه “الار بى جى” على دبابة مؤخرة طابور الدبابات ويطيح ببرجها وتتناثر أشلاء سائقها وتدور معركة شرسة بين أبطال المقاومة المصرية والدبابات الإسرائيلية المذعورة وظل الشهيد أحمد أبو هاشم يقاتل بضراوة مع زملائه ويتقدم بشجاعة نادرة ويلمحه أحد الجنود الإسرائيليين ويطلق علية الرصاص ليسقط كأول شهيد في يوم 24 أكتوبر مسطرًا أنصع صفحات البطولة والشجاعة والمجد.
ويتوقف طابور المدرعات في المسافة بين مزلقان البراجيلى وقسم شرطة الأربعين فيقوم أبطال المقاومة بتدمير ما تبقى من الدبابات و جنودها فحدث ارتباكًا شديدًا حل بالإسرائيليين و دفع معظمهم إلى الفرار بعد احتراق دباباتهم في محاولة للاختباء داخل قسم شرطة الأربعين والاحتفاظ بضباط وجنود القسم كرهائن للمساومة وسرعان ما وزعوا أنفسهم على جميع أدوار وغرف القسم ووضعوا ضابط وجنوده في إحدى الحجرات العلوية وكلفوا جندي منهم بحراستهم.
ويكمل البطل ” محمد توفيق” حديثه عن أصعب اختبار أمام المقاومة الشعبية
وهنا أصبح الاختبار صعبا أمام قيادة المقاومة الشعبية وكان بالإمكان تدمير قسم الشرطة بمن فيه من جنود العدو و لكن كانت العقبة هي كيف المحافظة على أرواح الضباط والجنود المصريين داخل القسم “ضابط و ثلاثة جنود”.
وهنا آخذو القرار بمحاولة اقتحام القسم مهما كانت التضحيات لإنقاذ المحتجزين
البطل الشهيد اشرف عبد الدايم وأول محاولة لاقتحام القسم
في الوقت الذي كان يدور فيه اشتباكات شرسة في كمين رويال “بنك إسكندرية حاليا” لإنقاذ المحجوزين و تمكن فيه قائد الكمين البطل إبراهيم سليمان وزملائه اشرف عبد الدايم وفايز حافظ أمين من تحطيم دبابة للعدو من طراز “سنتوريون ” العملاقة وفر ما تبقى من طاقمها مذعورين لمحاولة الاختباء في قسم شرطة الأربعين وتعقبهم رجال المقاومة واقتحم الفدائي البطل أشرف عبد الدايم الباب الأمامي للقسم تحت تغطية كثيفة بنيران زملائه وبعض أفراد القوات المسلحة وقابله جندي إسرائيلي من أعلى السلالم الداخلية وأطلق عليه النار ليسقط شهيدا أعلى الخندق الداخلي للقسم
البطل الشهيد فايز حافظ أمين
وفى بطولة نادرة كان البطل فايز حافظ أمين متابعا لزميله أثناء عملية الاقتحام من خارج باب القسم ولم يحتمل سقوط صديق عمرة فاندفع نحوه يطلق الرصاص والقنابل اليدوية في كل اتجاه وقتل الجندي الذي أصاب زميله و أجبر باقي الجنود الإسرائيليين على التراجع والابتعاد وحمل زميله أشرف عبد الدايم في محاوله لإنقاذه إلا أن رصاص الغدر من العدو أصابه في ظهره بعدة طلقات ليسقط شهيدا محتضنا صديق عمرة ونالوا الشهادة معا .
البطل الشهيد إبراهيم سليمان
في الوقت الذي كان فيه البطل إبراهيم سليمان رجل المقاومة و بطل الجمباز السابق نجح في تسلق السور الغربي للقسم لمشاغلة الجنود الإسرائيليين وأصابت عدة طلقات غادرة جسد الشهيد إبراهيم سليمان الذي ظل جسده معلقا على سور القسم حتى فجر يوم 25 أكتوبر
اقتحم النقيب شرطة محمد عاصم حمودة على رأس قوة من رجال الشرطة مكونه من الرقيب محمد سلامة حجازي والرقيب محمد مصطفى حفني والعريف محمد عبد اللطيف والعريف محمد مسعد لتخليص زملائهم من ايدى العدو وأصيب العريف محمد مصطفى كما أصيب النقيب محمد عاصم حمودة بطلق ناري في رأسه ليسقط شهيدا والسلاح في يده و دمائه تروى تراب هذا الوطن
الهجوم الشامل لتحرير قسم شرطة الأربعين
وسرعان ما اشتعل القتال في جميع أنحاء المدينة و قرر الرجال القيام بهجوم شامل على القسم من جميع الجهات تشمل الباب الأمامي و الخلفي و كل الأسوار لتحرير الجنود المحتجزين و قتل كل أفراد العدو مهما كان الثمن.
– شهداء الشرطة
وبينما طلقات النيران تدوي في كل مكان و أصوات القنابل اليدوية تسقط على المبنى من كل جانب و في أروع ملحمة شعبية للمقاومة المصرية اقتحم الرائد شرطة “نبيل شرف على ” ومعه قوة من جنود قسم شرطة السويس و مقاتلين من القوات المسلحة و أفراد المقاومة الشعبية اقتحموا قسم شرطة الأربعين و جرت معركة شرسة أستخدم فيها السلاح الأبيض والقنابل اليدوية و المدافع الرشاشة واجبروا ما تبقى من الجنود الإسرائيليين على الانسحاب للداخل والاختباء داخل غرف القسم و تم تحرير الضابط والجنود المحتجزين بعد قتل الحارس الإسرائيلي و مجموعه كبيرة من أفراد العدو وسهلوا خروج المحتجزين من الباب الخلفي للقسم وسط تغطية نيرا نية كثيف من خارج القسم أضاءت ظلمات سماء المنطقة
وأصيب الرائد شرطة ” نبيل شرف على ” بطلق ناري في رأسه أيضا بعد ما اطمئن على خروج زملائه المحتجزين وسقط شهيدا وهو يردد هتافات ” الله اكبر الله اكبر ” وزف عريسا إلى السماء لأنه كان ينوى الزواج بعد عيد الفطر آنذاك مباشرة
الهزيمة الثانية للقوات الإسرائيلية
ويكمل ” محمد توفيق ” قائلا كانت معركة 24 أكتوبر الهزيمة الثانية للقوات الإسرائيلية بعد إن تصدت لهم المقاومة الشعبية وقوات الجيش الثالث الميداني و قوات الشرطة والدفاع المدني والشعبي وأبطال منظمة سيناء في أروع ملحمة للتلاحم بين قوى الشعب المصري واستطاعوا إسقاط 18 دبابة و عربة مجنزرة و عربة شئون إدارية احترقت في طريق المثلث أمام ورشة السكة الحديد
وطوال مساء 24 أكتوبر كانت مدينة السويس يقظة لا تعرف النوم و قوات المقاومة تصفى ما يتبقى من الإسرائيليين اللذين لم يجرؤ على مهاجمة المدينة مرة أخرى بعد ما دمرت دباباتهم يوم 24 أكتوبر
– بعد كل هذه البطولات والذكريات نريد كلمة من البطل محمد توفيق الذي شاهد ورصد تلك الأحداث
حرب أكتوبر أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وتحية لكل شهداؤنا من المدنين والعسكريين الذين استشهدوا من اجل مصر الغالية
نريد ان نحافظ على روح أكتوبر 73 ليتوراثها الاجيال لرفع اسم مصرعاليا وسوف نستطيع ان نتقدم إلى الأمام دائما