تساوي المسيحية بين الرجل والمرأة في الميراث، ولكن يظن البعض أن رجال الدين المسيحي قد أتوا بهذا التشريع من عقولهم وأن الكتاب المقدس لم يذكر شيء عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. وسوف نتناول هذا الموضوع من ثلاثة جهات وهي: موقف السيد المسيح من القضايا الإجتماعية، الميراث في العهد الجديد، الميراث في العهد القديم.
*أولًا: موقف السيد المسيح من القضايا الإجتماعية:*
كان للسيد المسيح موقف واضح من العادات والقضايا الإجتماعية، فلم يأتي السيد المسيح لمحاربة عادات إجتماعية خاطئة أو للحكم في قضايا إجتماعية مثل الميراث، ولكنه جاء ليُتَمِمْ رسالة الخلاص ويَرُد الإنسان إلى رتبته الأولى، ثم يترك الرسل من بعده للحكم في مثل هذه الأمور لذلك قال لتلاميذه “كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.” (مت18: 18). ومثال على ذلك في عرس قانا الجليل (يو2: 1-11)، فقد حول السيد المسيح الماء إلى خمر، فهل كان السيد المسيح موافقًا على شرب الخمر؟ بالطبع لا، فهناك الكثير من الآيات التي تؤيد عدم موافقة السيد المسيح على الخمر ولكن كانت هناك عادة إجتماعية هي توزيع الخمر في المناسبات الإجتماعية مثل الأفراح. فلم يريد السيد المسيح أن يتصدى لهذه العادة الإجتماعية بل أظهر لاهوته محولًا الماء إلى خمر، كما أن الناس لم يكونوا قد وصلوا إلى مرحلة الكمال الإجتماعي. كذلك عندما تقدم إليه أحد الأشخاص قائلًا “«يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ».” فقال له السيد المسيح عبارته الشهيرة “«يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟»” (لو12:14). وليس هذا معناه أن السيد المسيح لا يبالي بقضايا الناس ولكن الوقت ليس وقت القضايا الإجتماعية وحل مشاكل الميراث، ولاشك أنه عندما ينال الإنسان الخلاص سوف يسير في طريق الكمال، ويبتعد عن الظلم والعادات الإجتماعية الرديئة.
*ثانيًا: موقف العهد الجديد من الميراث:*
لقد ساوى العهد الجديد بين الرجل والمرأة، وهناك أية صريحة تؤيد هذا وهي قول معلمنا بولس الرسول “غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.” (1كو11: 11)، وهذه الآية صريحة تؤكد التساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء وبالتالي فهما يتساويان في الميراث.
*ثالثًا: موقف العهد القديم من الميراث:*
هناك قصة حدثت في العهد القديم تقول أن هناك رجل إسمه صلفحاد قد مات ولم يكن بين نسله ذكور، فتقدمت بنات صلفحاد إلى موسى تطالبن بحقهن في أملاك أبيهم، فعرض موسى الأمر على الله ، فكان رد الله على موسى هو أن نصيب صلفحاد ينتقل كاملًا إلى بناته، وبهذا تساوي شريعة موسى بين الرجل والمرأة في الميراث. فقد قال الله لموسى “«بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ، وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ. وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ.” (عدد27: 7-9).