* أنطون سيدهم ومشوار وطني
انطون سيدهم.. والسياسة الداخلية
قبل أن نتكلم عن الإصلاحات المختلفة التي يرجوها الشعب من حكومة الرئيس حسني مبارك فإن هناك مطلبا عاجلا وهاما وبدونه فسوف تتعثر الإصلاحات المطلوبة, ولن تأتي بالمرجو منها, هذا المطلب الرئيسي هو أن تقوم الحكومة بالضرب بيد من حديد علي الطبقة البيروقراطية المنتشرة في جميع الوزارات والمصالح بشكل مؤسف ومثير, هذه الطبقة التي تعرقل أي عمل أو إصلاح بما تضعه في طريقه من معوقات وتفسيرات عجيبة للقوانين واللوائح مما يؤدي إلي تعطل كل عمل صالح وخصوصا الاستثمارات التي نلهث وراءها حتي تتحقق التنمية المرجوة وزيادة الإنتاج والارتفاع بمستواه كما وكيفا, وتشغيل الأيدي العاملة لتخفيف العبء علي الحكومة والأم والعائلات التي تعاني وتتعثر في الحياة بسبب تعطل أبنائها بعد أن عانت الأمرين في سبيل تعليمهم وتربيتهم وكانت تنتظر يوم تخرجهم للمساعدة في تربية باقي الأولاد, أو علي الأقل لتحمل أعباء أنفسهم, فنكبت هذه العائلات بتعطل أبنائها وزيادة أعبائها.
أن هذه البيروقراطية هي التي يشكو منها الشعب مر الشكوي لتعطل أعماله, فالمشكلة التي يجب أن تحل في ربع ساعة, تأخد أياما وأسابيع بل وأحيانا أشهرا, في تعالي بكره أو الأسبوع القادم, وتكرار هذا مرات عديدة والفرد يلهث ذهابا وإيابا بدون نتيجة حتي يحن عليه الموظف أخيرآ وينهي له مشكلته, وإن أنسي لا أنسي أنه منذ عدة سنوات سافرت ابنتي مع زوجها وأولادهما في منحة له بأمريكا, وكانت ابنتها الكبري في السنة السادسة الابتدائية, ولكي يتم امتحانها في السفارة المصرية, طلب منها شهادة بأنها انتقلت من السنة الخامسة إلي السادسة الابتدائية, فقمت لها بهذه المهمة, فكم تعبت في الانتقال من مدرستها بالزمالك, إلي المنطقة التعليمية في مجمع التحرير الذي استلزم علي الأقل ترددي عليه ست مرات ما بين مكتب وآخر وغياب بعض الموظفين الذين يلزم توقيعهم علي الشهادة, وبعد لأي كان لابد من الذهاب إلي مكتب آخر بجاردن سيتي أكثر من مرة وأخيرا الذهاب إلي وزارة الخارجية للتصديق علي الأختام والتوقيعات فأخبروني بأنه يجب ذهابي إلي مكتب لهم بالعباسية فذهب إليه ووقفت في الطابور حوالي الساعة حتي وصلت إلي آخر مرحلة وهو خاتم وزارة الخارجية, فأمسك رئيس الإدارة المختصة بالشهادة وضحك وقال لي ما هذا.. اثني عشر توقيعا وخمسة أختام حكومية هل ستتولي إحدي الوزارات بعد كل هذا العناء, لقد قضيت ثلاثة أسابيع وأنا أجري وراء الحصول علي هذه الشهادة, علما بأنني كنت في هذا الوقت عضوا بمجلس الشعب, وهذا قد سهل لي الكثير.. هذه هي المصالح الحكومية بروتينها وبيروقراطيتها المؤلمة.
هناك أيضا مصيبة أكبر, وهي انتشار الرشوة بشكل خطير في أغلب المصالح الحكومية وبين جميع درجات الموظفين, فبعد أن كان الموظف يأخذ الرشوة علي استحياء فقد تطور الأمر إلي الأسوأ فأصبح يطلب الرشوة ويحدد قيمتها وعندما يستكثرها صاحب الحاجة فإنه يدخل مع الموظف في عملية فصال مقززة, إن هذا الداء الوبيل يضر أولا وأخيرا بالصالح العام, وسمعة البلاد خصوصا بالنسبة للاستثمارات والمشروعات, فكم من مشروعات ضخمة هربت من العمل في مصر ولاذ أصحابها بالفرار عندما وجدوا أنه من أولي الخطوات فقد طلبت منهم مبالغ خيالية لإنهاء أعمالهم.
أنه يجب أن تتخذ الحكومة اجراءات حازمة وعنيفة للقضاء علي هؤلاء البيروقراطيين والمنتفعين والمرتشين حتي تأتي الإصلاحات الاقتصادية بنتائج طيبة كما نأمل ونرجو.
***