جاء انفجار ميناء مرفأ بيروت، بمثابة الكارثة الكبري التي عصفت بالاقتصاد اللبناني، حيث يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، سجلت فيها تراجعًا غير مسبوق لقيمة عملته، وجدد الانفجار الضغط على الليرة اللبنانية، التي جرى تداولها بنحو 8300 ليرة للدولار في السوق السوداء عقب الانفجار، مع تسجيل ارتفاعات تاريخية في مستويات التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، وانخفاض معدلات النمو ،بجانب الديون المتراكمة والتي تقدر بمليارات الدولارت.
ويقع لبنان تحت عبء دين عام يبلغ 92 مليار دولار، أي 170% من قيمة الناتج الإجمالي الداخلي، وعلق في مارس الماضي سداد دين بقيمة 1,2 مليار دولار، وأعلنت وزارة المالية التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار.
ويعد ميناء مرفأ بيروت محورًا أساسيًا من محاور الاقتصاد اللبناني،يتعامل ميناء بيروت مع 300 ميناء عالمي. لأنه أكبر نقطة شحن وركيزة أساسية في عمليات الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى أنه يشكل 70% من التبادل التجاري بين لبنان ودول العالم، ويوجد بالمرفأ العديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح والحبوب، تعد بمثابة خزان احتياطي استراتيجي للبنان.
ومعظم المخازن في الميناء كانت تحتوي على مواد غذائية بشكل أساسي ، حيث دمر الانفجار صومعة الحبوب الوحيدة بلبنان ، ويستورد لبنان وهو بلد يبلغ عدد سكانة نحو ٦ ملاييين نسمة كل احتياجاتة من القمح .وأشار وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة في الوزارة التي قدمت استقالتها ،إلى أنه «لا يمكن استخدام القمح المخزّن في صوامع ميناء بيروت لأنه بات ملوثًا جراء الانفجار»، وسيؤدي ذلك إلي أزمة غذاء في لبنان.
قال خبراء اقتصاديون إن التفجيرات التي هزت العاصمة اللبنانية بيروت،ستعمق من حجم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بالبلاد.
صعوبة توفير السيولة لإعادة بناء الميناء
المشكلة الأبرز، هي عدم توفير السيولة النقدية اللازمة لإعادة بناء الميناء والمرافق التجارية والسكنية، وهي أزمة قد تطال شركات تأمين عاملة في السوق المحلية، ستكون في مواجهة تعويضات بمئات الملايين من الدولارات.
وعلى الرغم من أن خسائر الانفجار لم يتم حصرها بشكل رسمي إلا أن محافظ بيروت قدرها بشكل مبدأي قد تصل لخمسة مليارات دولار، وهو ما يعد مؤشرًا واضحًا على حجم الأزمة التي تواجه لبنان.
وتعادل قيمة الخسائر الأولية البالغة 5 مليارات دولار، نحو 9.36 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبنان خلال 2019، والذي يقدر بحوالي 53 مليار دولار.
كذلك، يعادل المبلغ أربعة أضعاف قيمة سندات يوروبوند (أدوات دين بالدولار) تخلف لبنان عن سدادها في مارس الماضي، والبالغة 1.2 مليار دولار؛ كما تعادل الخسائر 25 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد البالغ 20 مليار دولار.
ويقول الاقتصاديون إن انفجار الثلاثاء، الذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من المرافق التجارية لبيروت– ليتجاوز بكثير توقعا صندوق النقد الدولي، ويتوقع الاقتصاديون مزيدا من التآكل في القوة الشرائية للعملة، التي فقدت نحو 80 بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر وسط تضخم يتجاوز 56 ٪
وتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يخلف الانفجارات 3 أزمات اقتصادية جديدة، هي: تأجيل تعافي السياحة حتى بعد أزمة كورونا، وصعوبة إبرام اتفاقية التمويل مع صندوق النقد الدولي، وتشكيل مزيد من الضغوط على سعر صرف الليرة المنهارة.
وقال الدكتور ياسر عمارة، رئيس شركة إيجل للاستشارات المالية، إن وقوع انفجارات في العاصمة اللبنانية يعطي مؤشرا جديدا بعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية المتأزمة بالأساس.
وتشير تقديرات إلى أن الخسائر الناجمة عن الانفجار، الذي أودى بحياة ١٦٠ شخصا وأصاب الآلاف فضلا عن تشريد ٣٠٠ ألف شخص وهدم مؤسسات تجارية وأطاح بإمدادات الحبوب الأساسية قد تصل إلى مليارات الدولارات.
– أزمات مالية:
وكانت أزمة مالية أجبرت لبنان بالفعل على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في مايو من العام الحالي بعد أن تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن تلك المحادثات تعثرت في غياب الإصلاحات.
ولكن لم تجد هذه المفاوضات حتى الآن أي جدوى، وفق تصريحات كريستالينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي.
وبعد حادث الانفجار جاء صندوق النقد الدولي ببيان رسمي يقول فيه إنه يستطلع جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني عقب الانفجار المروع الذي هز العاصمة بيروت، وحث السلطات على المضي في إصلاحات.
وحثت جورجيفا المجتمع الدولي أيضا وأصدقاء لبنان على «تقديم يد العون».
وقالت «صندوق النقد” يستكشف جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني، من الضروري كسر الجمود في المناقشات المتعلقة بالإصلاحات اللازمة ووضع برنامج جاد لإقامة الاقتصاد من عثرته وإرساء أسس المساءلة والثقة في مستقبل البلاد».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بينما كان يتفقد الدمار الذي أصاب ميناء بيروت ”في حالة عدم تنفيذ إصلاحات، فإن لبنان سيستمر في الغرق.
وأعلن مكتب الرئيس إيمانويل ماكرون، أن فرنسا حصلت على تعهدات بقيمة 252.7 مليون يورو (298 مليون دولار) لتقديم مساعدة للبنان على المدى القريب.
وقال الإليزيه إن المشاركين في مؤتمر دعم لبنان تعهدوا بتقديم مساعدة بقيمة 252.7 مليون يورو، بينها 30 مليون يورو من جانب فرنسا
أعلنت عدة دول خلال انعقاد مؤتمر دولي عبر الفيديو نظمته فرنسا بالتعاون مع الأمم المتحدة، دعمها للشعب اللبناني لمواجهة تداعيات الانفجار الذي هزّ بيروت .
– ترامب يعرض مساعدة مالية “كبيرة” :
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن بلاده ستقدم مساعدة مالية كبيرة للبنان، لكنه أحجم عن تقديم أرقام.
وأوضح ترامب،أن واشنطن سترسل طائرات إضافية لمساعدة لبنان، بعد الانفجار المروع الذي ضرب مرفأ بيروت وطالب إجراء تحقيق كامل وشفاف في الانفجار، معربا عن استعداد واشنطن للمشاركة فيه.
وجاء في بيان للبيت الأبيض أن ترامب “دعا إلى الهدوء في لبنان وأقر بالدعوات المشروعة للمتظاهرين السلميين المطالبة بالشفافية والإصلاح “، وأضاف أن ترامب “اتفق مع القادة الآخرين على العمل معا بشكل وثيق في جهود الاستجابة الدولية”.
وشارك الرئيس الأمريكي،في مؤتمر دولي عبر الفيديو، وكتب على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”: “الكل يرغب في المساعدة”.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، «من المستبعد للغاية أن يتمكن لبنان من تدبير التمويل الذي يحتاجه للتغلب على مشاكله الاقتصادية العميقة. بعض الشركاء قد يبدون ترددا في تقديم الدعم نظرا للدور المؤثر لحزب الله المدعوم من إيران داخل الحكومة اللبنانية.
وبلغت الأزمة المالية اللبنانية مرحلة حرجة في أكتوبر الماضي في ظل تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات ضد الفساد وسوء الإدارة، بينما حدت أزمة في العملة الصعبة البنوك لفرض قيود صارمة على سحب السيولة وتحويل الأموال إلى الخارج.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بـ30 مليون يورو “بهدف تلبية الحاجات الأكثر إلحاحا” لسكان بيروت، إضافة إلى 33 مليون يورو .
كما أعلنت المملكة المتحدة مساعدة بقيمة 20 مليون جنيه استرليني، إضافة إلى خمسة ملايين جرى إعلانها كدعم طارئ ووجّه خصوصا إلى الصليب الأحمر البريطاني.
وسترسل إسبانيا طائرة عسكرية تنقل إمدادات طبية ومعدات لمن صاروا بلا مأوى. وستمنح عشرة ملايين طن من القمح، توزّع عبر مؤسسة “اولوف بالم”.
أما النرويج، فستساهم بـ70 مليون كورونة (6,5 ملايين يورو)، بينما ستمنح الدنمارك 20 مليون يورو وسويسرا أربعة ملايين فرنك سويسري (3,7 ملايين يورو)..
وستضع قبرص مطارها ومرافئها القريبة من لبنان بالتصرف، فضلاً عن مساعدة بقيمة خمسة ملايين يورو.
وسترسل البرازيل أدوية وإمدادات طبية في طائرة، ثم أربعة آلاف طن من الأرزّ عبر البحر
ويقول الاقتصاديون إن الإصلاحات الأشد إلحاحا التي يجب تطبيقها لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد تشمل معالجة عجز الميزانية الجامح وتنامي الديون والفساد المزمن.
– الأزمة تطال شركات التأمين:
وفي سياق متصل قالت مصادر بقطاع التأمين أنه من المرجح أن يبلغ إجمالي خسائر انفجار مستودع ميناء بيروت المؤمن عليها نحو ثلاثة مليارات.
وقدّر مصدر تأميني خسائر انفجار بيروت المؤمن عليها بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.
يشمل ذلك مطالبات من الميناء نفسه على خلفية الأضرار التي لحقت بالمنشأة وتعطل النشاط، وهو ما قد يصل إجماليه إلي “بضع مئات ملايين” الدولارات.
وبحسب الخبراء فقد باتت مفاوضات بيروت مع صندوق النقد الدولي مهددة الآن بالفشل أكثر من أي وقت مضى، نظرا للضعف الشديد الآن بمؤشر الثقة في الاقتصاد.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتّسم بتراجع غير مسبوق لقيمة عملته أدى إلى إغراق نصف الشعب اللبناني في الفقر.
وأوضح أن الاضطراب الأمني سيؤجل أي فرص لتعافي النشاط السياحي داخل لبنان، ولن يرتبط انتعاشه بعد الآن بانقضاء جائحة فيروس كورونا المستجد.
ويشهد لبنان مزيدا من الاضطراب داخل الحكومة اللبنانية التي تعاني بالأساس من انقسام حول رؤية المشهد المستقبلي، ما أدى إلى تقديم الحكومة استقالتها للرئيس اللبناني ميشال عون ، ومن ثم سيصعب صياغة استراتيجية اقتصادية الفترة الراهنة.
ودخلت الحكومة اللبنانية في محادثات مع صندوق النقد في مايو بعد التخلف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية، لكن المفاوضات تعطلت في غياب الإصلاحات ووسط خلافات بين الحكومة والبنوك والسياسيين حيال الخسائر المالية الضخمة التي ستتحملها البلاد.