تحدثنا في المرة السابقة عن أهمية المبادرة بالحديث مبكرًا مع أبنائنا عن موضوع الجنس.. افعل ذلك بتلقائية وبدون توتر، تمامًا كما لو أنك تتحدث عن الطعام الذي أعددته. إن الصغار يعكسون كمرآة مشاعر الكبار؛ فإذا كنت متوترًا سيشعرون هم أيضًا بالتوتر.. وإذا تحدثت عن الأمر وكأنه شر لابد منه، فإنهم سيكبرون ولديهم نظرة غير صحيحة عن الجنس.
ومن الطبيعي بينما يتقدم الأطفال في العمر يزداد حب الاستطلاع لديهم أن يعرفوا المزيد عن الموضوع؛ عندئذ يمكن أن نعلمهم الأسماء الصحيحة لأعضائهم الجسدية الخاصة. وإذا شعرت أن طفلك يستطيع أن يستوعب المزيد، اشرح له ببساطة وصدق وظائف هذه الأعضاء، وفي كل مرة أكد له أن الاستخدام الجنسي لهذه الأعضاء سيأتي وقته عندما يكبر ويتزوج. قد يفضل البعض استخدام تسميات ظريفة وبسيطة عند الإشارة إلى الأعضاء الجنسية عند حديثهم عن الجنس مع أبنائهم.. وهذا أمر مقبول؛ لأنه يسهل الحديث على جميع الأطراف. لكن لابد من الاتفاق أولًا على اختيار هذه المسميات، وأن يفهم الطفل أنها ليست الأسماء الحقيقية للأعضاء. كما يجب أن تستخدم هذه الأسماء في مناسباتها، وباحترام، حتى ولو رسمت ابتسامة أو ضحكة هنا أوهناك في البداية.. مع الوقت والتكرار سيصبح الأمر طبيعيًا.
لا يستطيع الآباء أن يحموا آذان أبنائهم من أن يسمعوا خارج البيت ألفاظًا غير لائقة تشير إلى الأعضاء الجنسية، أو العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة.. فلا تغضب إذا سألك طفلك عنها، وانتهز الفرصة لكي تعلّمه كيف يدرب نفسه على “فلترة” كل ما يصل لأذنه من ألفاظ أو عبارات، حتى يستطيع أن يميز بين المقبول منها، والذي لا يتفق مع بيئته أو أخلاقيات أسرته.. فهذا يطور من شخصيته لتصبح سوية وناضجة.
إذا كنت تشعر بعدم الارتياح أو الارتباك عند تفكيرك عن كيفية مشاركة أبنائك بالأمور المذكورة هنا.. قد يساعدك أن تشارك مشاعرك هذه مع شريك حياتك في عدم وجود الأبناء، أو ربما يمكنكأن تستعين بخبرة أبوين آخرين خاضا التجربة من قبل مع أولادهما. وعند الحديث مع ابنك أو ابنتك قد يسهّل عليك الأمر اعترافك بأنك تشعر ببعض الحرج.. وإن كان صحيحًا، يمكنك أن تشارك معهم أنك افتقدت فرصة الحديث مع والديك عن هذا الموضوع عندما كنت صغيرًا. ثم عبّر بصدق أنك تريد أن تتحدث معه أو معها عن كل أمور الحياة، وليس عن هذا الموضوع فقط، وشجعه أن يأتي إليك بأي سؤال وفي أي وقت، مهما كان نوعه.. ومن هنا دع الحوار يبدأ ويستمر.
لابد أن تكون التربية الجنسية، خاصة في أيامنا هذه، هدفًاتربويًا لدى كل أب وأم يسعيان لأن يكبر أبناؤهما بشخصيات سوية، ولديهم معرفة صحيحة عن الجنس كأحد المكونات الأساسية للإنسان، والتي تؤثر أيضًا على مستقبل علاقاتهم مع الآخرين. والتحدي الذي يواجهنا جميعًا يكمن في السؤالين: كيف أبدأ؟ وماذا أقول؟ والنصائح التي نقدمها هنا ليست نابعة من القراءة والاطلاعفقط، بل وأيضًا من الخبرة العملية والحياتية.
تتطلب التربية الجنسية داخل الأسرة تقديمًا هادئًا ومستمرًا للمعلومات، والتي لابد أن تُقدَّم مبكرًا بقدر الإمكان. فالدراسات تشير إلى أن الأطفال يبدأون في تكوين معرفتهم عن الجنس من عمر الثلاث سنوات تقريبًا؛ حيث تبدأ ملاحظتهم عن الاختلاف العضوي بين جسمي والديهما، كما يرون هذا الاختلاف أيضًا بينهم كصغار من ذكور وإناث. كذلك، ومع الأسف، هناك الرسائل الجنسية المباشرة وغير المباشرة التي تصلهم عبر وسائل الإعلام.
لهذا، لابد للأبوين أن يأخذا المبادرة بإعداد طفلهما لهذه المعرفة، حتى قبل أن يبدأ هو بسؤالهم عن الجنس. فمثلا عندما تُعلم طفلك الصغير أسماء أعضاء جسمه المختلفة بالأسئلة التقليدية: “فين عينك؟” أو “فين ودنك؟” يمكنك الإشارة أيضًا إلى وجود الأعضاء الجنسية كجزء طبيعي من تكوين الجسم، والذي يجعل منه صبيًا أو منها صبية. وبينما يكبر الطفل يستمر الأبوان في تطوير هذه المعرفة تدريجيا بإضافة المزيد من المعلومات حتى يستطيع أن يفهم ويدرك الموضوع جيدًا.
عندما يدور الحديث عن الاختلاف العضوي بين الذكر والأنثى، تكلّم عن الأمر ببساطة، واشرح أنه هكذا خلق الله الإنسان رجلاًوامرأة، وأنه عندما يتزوجان فإنهما يقتربان من بعضهما في علاقة خاصة.. وهكذا تصبح ماما حُبلى، وتلدك بعد تسعة أشهر! ربما تحتاج أن تلفت نظر طفلك إلى التغيرات التي تحدث في جسم أمهوهي حُبلى أو أي امرأة حُبلى في محيط الأسرة. ويرى خبراء التربية أنه مع هذه المرحلة المبكرة لابد أن نكرر ونؤكد لأطفالنا أن العلاقة الجنسية هي علاقة خاصة جدًا بين الأب والأم، ولا مجال لممارسة هذه العلاقة التي أعدها الخالق للإنسان إلا داخل إطار الزواج.
تشير الدراسات إلى أن الأبناء الذين تتاح لهم فرصة الحديث بانفتاح وثقة مع ذويهم عن موضوع الجنس يكونون أقل عرضة في فترة المراهقة لأن ينخرطوا في ما نسميه “السلوكيات المنحرفة” مقارنةً بأولئك الذين لم يستطيعوا الحديث عن الموضوع في بيوتهم.. وللحديث بقية.