يشهد النشاط الاقتصادي العالمي انكماشًا كبيراً خلال عام 2020 نظرًا لأثر جائحة كوفيد – 19 وما صاحبها من اضطرابات في العرض والطلب فى أسواق العالم، وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الكبرى التي تحيط بالآفاق المستقبلية، مع وجود مخاطر سلبية متصاعدة ، فمن المتوقع أن يتعافى النشاط الاقتصادي العالمي مع مرور الوقت ولكن ليس هو الحال كذلك بالنسبة للدول الأكثر فقراً واقتصاداتها الناشئة والأعلى تضرراً من الجائحة ولذلك تزايدت الدعوات لإلغاء ديون هذه الدول.
ودعا البابا فرنسيس إلى تخفيف أو إلغاء الديون عن أفقر دول العالم ، وتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على بعض الدول، موجها نداء من أجل تضامن أوروبا في وجه تفشي فيروس كورونا المستجد.
وقال البابا “يجب ألا يُترك هؤلاء الأشقاء والشقيقات الأكثر ضعفا الذين يسكنون المدن والضواحي في جميع أنحاء العالم وحيدين” .. في عالم “يعاني تحت وطأة الوباء العالمي الذي يشكل محنة كبرى لعائلتنا البشرية الواسعة”.
دعا البابا إلى الرد بـ”عدوى الرجاء ” ، وتمنى “تخفيف العقوبات الدولية التي تمنع البلدان الخاضعة لها من توفير الدعم المناسب لمواطنيها”، ودعا إلى التضامن الدولي “من خلال خفض إن لم يكن إلغاء الديون التي تلقي بثقلها على ميزانيات الدول الأكثر فقرا” .
وقال : ” لنضع جميع الدول في وضع يمكنها من تلبية أكبر احتياجات اللحظة ” .. كما طالب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كل من صندوق النقد والبنك الدوليين من مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى تمديد تجميد مدفوعات خدمة الديون للدول الأشد فقرًا حتى نهاية 2021 .
كما دعت منظمة العفو الدولية دول مجموعة العشرين إلى إلغاء الديون المستحقة على الدول الأكثر فقراً على الأقل في العامين المقبلين ، بينما طالبت منظمة “أوكسفام” أن يقوم وزراء مالية مجموعة العشرين بدور في تجنّب كارثة وشيكة لمئات الملايين من الناس .. كل ذلك ما دعا وزير المالية الفرنسي برونو لومير إعلان اتفاق دول مجموعة العشرين والدول الدائنة في نادي باريس لوقف جزئي لسداد مستحقات ديون أفقر دول العالم في عام 2020 بسبب أزمة فيروس ” كورونا “.
خفض صافي قيمة الديون
وحث ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي، مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى على تمديد تجميد مدفوعات خدمة الديون الرسمية بالنسبة للدول الأشد فقرًا حتى نهاية 2021 ، وقال إنه ينبغي لأعضاء المجموعة البدء في محادثات بشأن تخفيض ديون بعض الدول.
وأبلغ رئيس البنك الدولي، مسؤولي المالية بمجموعة العشرين أن بعض الدائنين الكبار لا يشاركون في مبادرة تجميد الديون بشكل كامل، مضيفًا أنه ينبغي للدائنين من القطاع الخاص وقف جميع المدفوعات من الدول الأشد فقرًا.
مضيفاً أدعو مجموعة العشرين إلى فتح الباب أمام مشاورات بشأن تراكم الديون ذاتها والوسائل الفعالة لخفض صافي القيمة الحالية سواء للديون الثنائية والديون التجارية على الدول الأشد فقرا” ، وأنه يجب على الدائنين من القطاع الخاص وقف جمع المدفوعات من الدول الأشد فقراً .
ومن ناحية أخرى توقع تقرير لـ “الصندوق ” أن تنكمش الاقتصادات المعتمدة على الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 7.1 في المئة ، محذراً من التراجع المحتمل في العمالة الوافدة بصفة خاصة فى هذه الدول وبصفة عامة فى كل دول العالم ، التي تشكل أكثر من 70 في المئة من القوى العاملة في بعض البلدان المصدرة للنفط، سيؤثر على إعادة إحياء الاقتصادات في هذه الدول .
تمديد تجميد مدفوعات خدمة الديون
ومن ناحية أخري، كشفت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدوليعن أن الصندوق يدرس أدوات إضافية لتوفير التمويل للدول الأشد فقراً في العالم وغيرها من البلدان التي تضرّرت بشدّة من جائحة فيروس كورونا ، وطالبت كريستالينا بإيجاد أدوات إضافية لتوفير هذا التمويل.
وأبلغت جورجيفا وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين بأنه ينبغي عليهم النظر في تمديد تجميد مدفوعات خدمة الديون الرسمية الثنائية المقدمة إلى الدول الأشد فقرًا إلى ما بعد نهاية العام، والعمل على تعزيز مشاركة أكبر للقطاع الخاص ، وعلاوة على ذلك، قالت جورجيفا : إن هناك حاجة إلى التفكير في “تخفيف عبء الديون بشكل أكثر شمولا للعديد من البلدان” نظرًا لخطورة الأزمة وارتفاع مستويات الديون التي كانت موجودة بالفعل قبل الأزمة الحالية، وقالت “جورجيفا” : إن نحو 80 بلدًا طلبت قروضاً من أدوات التمويل الطارئ، المتاح بها 50 مليار دولار تقريبًا، مع توقع 20 طلبًا أخرى على الأقل.
تحركات أوروبية
واقترح وزير المالية الفرنسي برونو لو مير على نظرائه في دول مجموعة العشرين تمديد تجميد سداد ديون العام الحالي حتى نهاية عام 2021، قائلاً إنّ هناك دلائل إيجابية على إمكان التوصّل إلى اتفاق بهذا الصدد ، في الإطار ذاته، تعهّدت وزارة المالية الألمانية ، بتقديم ثلاثة مليارات يورو (3.4 مليار دولار) لمساعدة الدول الفقيرة ، وأن هذه الأموال ستُتاح في هيئة قروض طويلة الأجل في الصندوق الائتماني للنمو والحدّ من الفقر التابع لصندوق النقد الدولي.
وقالت “المالية الألمانية : إن “الدول ذات الدخول المنخفضة تستطيع الحصول على قروض بفوائد منخفضة بدرجة كبيرة وحل اختناقات السيولة” ، منوهة أن ألمانيا ستقدم 8.7 مليار يورو في المجمل ضمن إجراءات لمساعدات دولية خلال 2020 و2021″ ، وكان مسؤولو الصندوق ذكروا أنهم تلقوا تعهدات من استراليا واليابان وكندا وفرنسا وبريطانيا بتقديم 11.7 مليار دولار في المجمل لصالح الصندوق الائتماني للنمو. فيما لم تتعهد الولايات المتحدة بأي أموال للبرنامج .
وفي يونيو الماضي، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن إجراءات الحدّ من الوباء تسبّبت في انخفاض قياسي بنسبة 3.4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات مجموعة العشرين في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 .. ووفقاً لتقارير من منظمات “أوكسفام” و”كريستيان إيد” و”غلوبال جاستيس ناو” فإنه تقدمت حتى الآن 42 دولة من أصل 73 من أفقر دول العالم بطلب تعليق خدمة الديون، وأن هذه الدول الـ73 لا تزال ملزمة بدفع ما يصل إلى 33.7 مليار دولار لتسديد الديون حتى نهاية العام ، وتابعت “يجب جعل (مبادرة تعليق سداد الديون) ملزمة قانونياً لإلغاء جميع مدفوعات الديون، بما في ذلك الخاصة والمتعدّدة الأطراف حتى نهاية عام 2022، على أن تشمل البلدان ذات الدخل المتوسط”.
قال كبار مسؤولي إدارة أفريقيا بصندوق النقد الدولى إنهم تلقوا طلبات تمويل طارئ من أكثر من 20 دولة في المنطقة، وإنهم يتوقعون عشرة طلبات أخرى قريبا ، وأعلن الصندوق أن غانا طلبت صرف قرض طارئ بشكل فائق السرعة لمحاربة جائحة فيروس «كورونا»
مجموعة الدول السبع تستجيب
وعلى أثر ذلك ناشد وزراء مالية دول مجموعة الدول السبع دولهم ضرورة الإلتزام بتخفيف رسمي لأعباء الديون الثنائية للدول الأكثر فقرا والإنضمام لـ ” مبادرة تجميد مدفوعات خدمة الديون ” وتعزيز الإفصاح عن بيانات الدين العام ، وقالوا : إنه يتعين على جميع الدائنين من القطاع العام أو الخاص، اتخاذ قرارات إقراض مسؤولة تتماشى مع التوجيهات المتعلقة بالقدرة على تحمل الديون ، والحد من استخدام شروط سرية، بما في ذلك للشركات المملوكة للدولة.
وقال وزراء مجموعة السبع إنهم يرحبون بقيادة مؤسسة التمويل الدولية وينشدون تقدمًا سريعًا على صعيد عمل أداة لحفظ بيانات قروض القطاع الخاص للدول المنخفضة الدخل ، هذا وشدد بيان مجموعة السبع على أهمية التمويل الخاص لاستدامة التنمية، وقال إنه يتطلع إلى متابعة من دائني القطاع الخاص بعد أن أصدرت مؤسسة التمويل الدولية الأسبوع الماضي مخططا لمشاركتهم في جهود تخفيف أعباء الديون.
و قالت مجموعة العشرين نظرًا لنتائج ما اتخذناه من أدوات سياسية هائلة ، وحاليًّا نتخذ تدابير فورية واستثنائية لمواجهة جائحة كوفيد-19 وآثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتشابكة، عبر تطبيق إجراءات غير مسبوقة لضمان استقرار المالية العامة والتوازن النقدي والمالي، بينما يتم ضمان قدرة المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية ذات العلاقة على تقديم الدعم الضروري لاقتصادات الدول الناشئة والنامية والمنخفضة الدخل.
المجموعة الأولى
وقال صندوق النقد إن المجموعة الأولى من الدول التي ستحصل على تخفيف لخدمة الديون من الصندوق الائتماني لاحتواء الكوارث هي: أفغانستان، وبنين، وبوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وجزر القمر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغامبيا، وغينيا، وغينيا – بيساو، وهايتي، وليبيريا، ومدغشقر، ومالاوي، ومالي، وموزمبيق، ونيبال، والنيجر، ورواندا، وساوتومي وبرينسيب، وسيراليون، وجزر سولومون، وطاجيكستان، وتوغو، واليمن.