“مصائب قوم عند قوم فوائد” أعادت تدابير فيروس كورونا بالخير على شركات خرجت عن دائرة الضوء منذ أربعينيات القرن الماضى.. فمنذ بدء أزمة كورونا والعالم يحصي الخسائر المستمرة فى الوقت التى كانت تجني شركات العطور والمطهرات المكاسب الأمر الذى أعاد الحياة لشركة الشبراويشى وجعلتها في صدارة مشتريات المصريين والأكثر طلبًا٬ كدرع أخير في التطهير والتعقيم حيث يتكالب المواطنين على شراء المطهرات ، ضمن منتجات شركة الشبراويشي للعطور وتحديداً “كولونيا 555” والتي تحتوى على نسبة كحول 70% .
هذا المنتج الذي كان دائم التواجد في البيوت المصرية ، وفي صالونات الحلاقة، وعاش في وجدان المصريين لسنوات طويلة , فلم يكن يجول بخاطر حمزة الشبراويشي في يوم من الأيام أن يتحول مصنعه الذي غزا بيوت المصريين كولونيا 555 إلى مقلب للقمامة، وأن يصبح منزله الكائن في حي المعادي مقراً للسفير الإسرائيلي، فمن هو”حمزة الشبراويشي” مؤسس المصنع وما هي حكايته؟
حكاية الشبراويشي
بدأت قصة “كولونيا 555” على يد حمزة الشبراويشي، الذي ولد في قرية شبراويش ( إحدى القرى في محافظة الدقهلية في مصر)،ولم يكن لديه شيئا سوى موهبته….. في صنع “أسنسات العطور”الذى يصنعه بيديه, وعرف النجاح سريعًا , ففي البداية استقر في منطقة الحسين وافتتح محلاً صغيراً لبيع العطور التي يصنعها بيديه وعرف النجاح سريعاً فافتتح فرعاً في الموسكي ثم وسط البلد، ثم قررأن يتحول معمله الصغير إلى مصنع، فاشترى قطعة أرض صغيرة في منطقة دارالسلام وكلما توافر لديه بعض المال كان يشتري قطعة مجاورة لتوسعة المصنع، وكان يزرع بنفسه الليمون الذي يستخدمه في تصنيع الكولونيا.
وتم إنشاء مصانع الشبراويشي في مصر في عام 1920م، وقد استطاعت منتجات الشبراويشي أن تثبت وجودها في السوق المصرية، وسط شركات أجنبية عاملة آنذاك، حيث استطاعت تصدير منتجاتها للدول العربية، ووضع ماركات مصرية عالية الجودة في السوق المحلي، استخدمها المصريون بكافة طوائفهم في حياتهم، وكذلك الفنانون في أعمالهم السينمائية.
ملك السعودية يستخدمها
الملك سعود بن عبدالعزيز، والذي زار مصر حوالي 5 مرات منذ العهد الملكي حتى نشوب ثورة يوليو 1952، كانت صورته من أهم الماركات التي اتخذتها مصانع الشبراويشي في إعلان شهير يقول: “رائحة جلالة الملك المحبوب سعود استوحتها مصانع الشبراويشي للعطورمن خلال تشريف جلالته لجمهورية مصر، ويسرها أن تقدمها بكل فخر للبلاد العربية وأبناء الجزيرة”، مشيدة بإخلاص العرب لشخصه المحبوب وتوكيدا لحبه في كل القلوب.
نافورة تضخ الكولونيا فى عيد الأم
كان الملك فاروق يقدم سنوياً جائزة لأفضل حديقة منزل،وكان منزله في المعادي بقطعة أرض حوالي فدان تفوزبالجائزة كل سنة، وكان في عيد الأم يقيم نافورة في أرض المعارض بالجزيرة تضخ الكولونيا طوال اليوم، وتوسع نشاطه حتى أصبحت منتجاته تفصيلة ثابتة فى حياة المصريين: الكولونيا، وبودرة التلك، ومستحضرات التجميل ولم يكن الشبراويشي مهتماً بالسياسة، وقاوم إغراءات كثيرة لشراء مصنعه كان رجل الأعمال، أحمد عبود باشا يطارده ليل نهار لشراء المصنع، لكنه كان يؤمن بأن ما يقدمه غير صالح للبيع.
ناصر والكولونيا
عندما قامت ثورة يوليو في عام 1952 جرت في مصر متغيرات أهمها ما يرتبط بتأميم المشاريع، ورغم ذلك في كل مرة كانت توضع أمام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قوائم بأسماء ستخضع لقرار التأميم كان ناصر يشطب على اسم حمزة الشبراويشى، لا يلتفت إلى وشاية أو تقرير أمني كان ناصر يؤمن بأن الشبراويشي رجل عصامي و ليس إقطاعياً، ويمثل مصر بصناعة وطنية، فمنتجاته في كل بلد عربي. في مصر تحمل اسم 555 وفي السعودية تحمل اسم سعود وفي السودان تحمل صورة مطربهم الأشهر عبد الكريم كرومة، وفي مصر أيضا كانت أم كلثوم بطلة إعلانات منتجات الشبراويشي في الصحف. وعندما اقترضت مصر من أجل بناء السد العالي كان يتم سداد جزء من هذه القروض في شكل عيني (ثلاجات إيديال، منسوجات قطنية، أثاث دمياطي) وكانت كولونيا 555 تحتل موقعاً مهما في هذه القائمة.
وبعد ثورة يوليو 1952، تحولت مصانع الشبراويشي من أهم المصانع التي تتبع الدولة، وصارت تتخذ بعض صورها ومنتجاتها صورًا للرؤساء والفنانين العرب تضعها كماركة في منتجاتها، كتراث تاريخي عن تواجدها في السوق المصرية والعربية لجودة منتجاتها العالية…. حيث كان الزعيم جمال عبد الناصرعميلا منتظًما لمنتجات الشبراويشي….. ويحكي أحد القيادات الأمنية أنه عندما كان ضابطاً صغيراً مسئولاً عن تأمين مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي وصل أحد موظفي الرئاسة يحمل للرئيس حقيبته الخاصة، وأصر الضابط على تفتيشها، قال: وجدت فوطة، وفرشة شعر، وخرطوشة سجائر، وزجاجة كولونيا “555” وكان قراره صارماً، لن نؤمم الشبراويشي.. لكن لماذا تراجع الرئيس؟ هذا ما تستكمله الحكاية..
وشاية وتأميم
أصيب حمزة الشبراويشي بجلطة مع نهاية عام 1965، وسافر إلى سويسرا لتلقي العلاج, ولم يكن يعرف أن ناصر يستبعده طول الوقت من قرارات التأميم، لو كان يعلم ما خاف أن يرجع، كان يتابع من سويسرا أخبار الأذى الذي يتعرض له أصحاب بعض الصناعات، فقرر أن تكون العودة إلى بيروت بعد أن تم الشفاء وهناك افتتح مصنعاً صغيراً لتصنيع العطور كبداية جديدة بعيدة عن الجو العام في مصر. واستغل البعض ما حدث وكانت الوشاية مكتملة الأركان بإن “حمزة الشبراويشي” سيهرب من مصر إلى لبنان وسيستقر هناك بعد أن يصفى أعماله ويسحب أمواله كلها هنا كان قرار عبد الناصر بفرض الحراسة على ممتلكات الشبراويشي، وتم عرضها للبيع، وكان المقابل الذي دفعته شركة السكر والتقطير لشراء مصنع الشبراويشي، والمحلات، والاسم التجاري، والمنزل وبعض الفدادين زهيداً للغاية لم يتجاوز مبلغ 165 ألف جنيه عرف حمزة الشبراويشي الخبر وفهم أنه لا مجال للعودة، وذاع صيت “كولونيا 555″، حتى أصبح الشبراويشي يصدرها إلى العديد من الدول العربية والتي كانت أهمهما لبنان والتي أقام بها مصنعا صغيرا لتصنيع العطور كبداية جديدة له خارج مصرواستمر في لبنان ينتج ويواصل نجاحه حتى توفى مع نهاية الستينيات وعاد إلى مصر جثماناً ليدفن فيها حسب وصيته كان الشبراويشي يعتبر عمال المصنع شركاءه في التجربة وكانوا على قدر المسئولية فحافظوا عليه من بعده واستمرت منتجاته ناجحة، وعندما مات شيعوه سيراً على الأقدام من ميدان التحرير إلى مدفنه, ولكن مع مرور السنوات، تراجعت مبيعات الشركة بصورة كبيرة حيث حل محلها منتجات أخرى أحدث.
السفير الإسرائيلي
تحول “منزل المعادي” الذى حصل على كأس الملك فاروق تحول بعد فرض الحراسة بسنوات إلى منزل للسفيرالإسرائيلى منذ عام 1980 حتى رحل عن المعادي ومصنع دارالسلام الذى أصبح مهجورا ومغلق منذ أكثر من 15 عاما وتحول إلى مقلب للقمامة، أما الكولونيا نفسها فقد صار البعض يراها مناسبة للسخرية، أما البعض الآخرفيراها جزءا من تاريخه.
كتاب “صنايعية مصر”
وفي كتابه “صنايعية مصر”الصادر عن دار الكرمة، يشير مؤلفه عمر طاهر إلي مدي انتشار استخدام كولونيا “555” بين المصريين٬ حيث كانت القاسم المشترك بين احتفالات وأفراح وأعياد ميلاد وأمراض وترمومترات وجروح وإغماءات….. في حديثه عن الشبراويشي ونهايته ٬ طرح سؤال هل كان سوء حظ الشبراويشي أم خوفه الغيرمبرر وراء تأميم مصانعه؟ ربما لو قرأنا ما كتبه طاهر نجد الإجابة…. حيث قال:” في كل مرة كانت توضع أمام عبد الناصر قوائم بأسماء ستخضع لقرار التأميم٬ كان ناصر يشطب علي اسم” حمزة الشبراويشي”. لا يلتفت إلي وشاية أو تقرير أمني٬ كان يؤمن أن الشبراويشي رجل عصامي وليس إقطاعيًا٬ ويمثل مصر بصناعة وطنية٬ فمنتجاته في كل بلد عربي٬ في مصر تحمل اسم ” 555 ” وفي السعودية تحمل اسم” سعود”٬ وفي السودان تحمل صورة مطربهم الأشهر (عبدالكريم كرومة) , وتابع: في مصر أيضا كانت أم كلثوم بطلة إعلانات منتجات الشبراويشي في الصحف وعندما اقترضت مصر من أجل بناء السد العالي٬ كان يتم سداد جزء من هذه القروض في شكل عيني (ثلاجات إيديال٬ منسوجات قطنية٬ أثاث دمياط) وكانت كولونيا الثلاث خمسات تحتل موقعًا مهمًا في هذه القائمة.
غزت بها الأسواق الإفريقية
قال الباحث التاريخي، أحمد حزين الشقيري: إن الملك سعود ملك السعودية , زار مصر المرة الأولى في عام 1926م ، بعد إنشاء مصانع الشبراويشي للعطوروجاءت زيارته الثانية لمصرعام 1954م، بعد أن تم تنصيبه ملكًا، حيث التقى الرئيس محمد نجيب، وزار المصانع الحربية وفي وقت زيارته، قامت مصانع الشبراويشي بإهدائه منتج العطور، وهو دلالة على الصلة القوية بين الشعبين المصري والسعودي , كان لمصنع الشبراويشي خطط إستراتيجية للتفاعل مع محيطها العربي ومع السودان الشقيق، الذي كان تحت الحكم المصري آنذاك، فقد وضعت صورة الفنان عبدالكريم كرونة الملقب بكروان السودان ، وذلك على أحد منتجاتها بعد ذيوع شهرة أغنيته “دمعة الشوق” التي سجلها في القاهرة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، لتُوضع صورته بجانب زعماء وقادة السودان الذين وضعت صورهم الشبرويشي على منتجاتها التي غزت بها الأسواق الإفريقية وأعطاها شهرة متناهية , ويؤكد “الشقيري”، أن من ضمن وثائق مصانع الشبراويشي فاتورة تم تحريرها بعد زيارة الملك سعود لمصر بعام واحد في عام 1955، حيث تظهر الفاتورة أن المصنع صار عضوًا للاتحاد المصري للصناعات، ورئيس غرفة مصانع العطور ومستحضرات التجميل لافتًا أن الفاتورة أظهرت مكانه وهو طريق حلوان , وأظهرت فاتورة الشبراويشي كمية المنتجات التي تقوم بطرحها في الأسواق المصرية، حيث تم تقديم الفاتورة التي ضمت كثير من الأنواع والعطور ومستلزمات التجميل لإحدى الصيدليات وهي صيدلية كرونيك، التي كانت تتواجد في شارع قصر النيل بجوار البنك الأهلي.
وأكد “الشقيري” أن مصانع الشبراويشي عاشت عصرها الذهبي في رعاية الحكومة المصرية لها، والتي كانت تزيل كافة العقبات أمام المنتج المصري، حتى جاء عصر مبارك الذي اتبع سياسة الخصصة وبيع المصانع المصرية المنتجة لرجال الأعمال , مشيرا، أن وثائق وصور الشبراويشي تخدم أحياء شراء المنتجات المصرية لدفع الاقتصاد المصري للأمام في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية لما تمثله من تاريخ عريق سواء في الإنتاج أو حتى في علاقات مصر بمحيطها العربي.
إعادة إنتاج منتجات قسمة والشبراويشي
أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخليةعن إعادة إنتاج منتجات قسمة والشبراويشي ومنها كولونيا 555 عبر شركة السكر والصناعات التكاملية بشكل كبير لإعادة توزيعها في الأسواق كأحد أبرز المطهرات في السوق. وكشف الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية عن بدء توفير الكولونيا بالمجمعات الاستهلاكية بشكل عاجل، معتبرا أنها تعد أعلى نسبة تركيز للكحول، وتصل في بعضها إلى 90% , وأوضح أن شركة السكر للصناعات التكاملية تعد أكبر منتج للكحول في مصر، موضحا أن هذه الشركة تعد أكبر منتج للكحول في مصر.
وأضاف أن الجهات المستهدفة هي المستشفيات والمصانع وأماكن التجمعات الكبرى، وسيتم توفير منتجات “555 وقسمة والشبراويشى” في المجمعات الاستهلاكية قريبًا، والتي تعد أعلى نسبة تركيز للكحول، وتصل في بعضها إلى 90% , مشيراإلى إن العجز الذي حدث في منتجات المطهرات الكحولية نتيجة أن معظمها ينتج من القطاع الخاص ولم يكن هناك إقبال من الأساس عليها قبل تطورات فيروس كورونا, وتنتج شركة السكر للصناعات التكاملية كولونيا 555، وتنقسم الشركة لعدة قطاعات منها قطاع مصانع العطوروالخلاصات باسم “قسمة والشبراويشي”، وأكدت عبر موقعها الرسمي، أنها من أشهر العلامات التجارية في صناعة العطور ومستحضرات التجميل في مصر، حيث يعود تاريخها إلى منتصف القرن الماضي.
رب ضارة نافعة.. بالمجمعات الأستهلاكية
أكد من جانبه قال محمد عبدالرحيم رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية إحدى شركات القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين، إنه سيتم ضخ 10 آلاف عبوة في فروع المجمعات الاستهلاكية الأهرام والنيل والإسكندرية؛ وذلك لسد عجز المنتجات الكحولية في الأسواق، مشيرا أنه خلال ساعات ستكون منتجات الشركة والتي تشمل الشبراويشي وكولونيا 555، متاحة للمستهلكين، بالإضافة إلى حاملي البطاقات التموينية بسعر 38 جنيهًا لكلٍّ منهما , وأضاف:أنه سيتم أيضًا طرح الكحول الإيثيلي في فروع شركتي المصرية والعامة لتجارة الجملة، خلال الأسبوع الحالي، وذلك للمستشفيات والمصانع بغرض تطهيرها وتعقيمها، مشيرا أن الكحول الإيثيلي سيكون متاحًا أيضًا للمواطنين كافة، ولكن بحد أقصي 2 لتر لكل مواطن وأوضح عبدالرحيم، أنه جارٍ تحديد سعر بيع لتر الكحول الإيثيلي مع لجنة سياسات التسعير بالشركة القابضة للصناعات الغذائية وجهاز حماية المنافسة.
يُذكر أن الشركة القابضة للصناعات الغذائية تتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية وتعد إحدى أذرع الحكومة لتوفير كل السلع الغذائية الاستهلاكية للمواطنين حاملي البطاقات التموينية وغيرهم من المستهلكين، ويبلغ عدد فروع المجمعات الاستهلاكية ما يزيد على 3 آلاف فرع في القاهرة والجيزة والأسكندرية، وهي شركات الأهرام والنيل والأسكندرية.