إن تربية الأبناء رحلة حياة ممتعة، لكنها أيضًا مسؤولية تتطلب من الأب والأم بذل الجهد للحصول على المعرفة التي تساعدهم على صياغة حواراتهم مع أبنائهم، والإجابة على أسئلتهم المختلفة. لكنهل يُقلقك أمر الحديث عن الجنس مع أبنائك؛ فلا تعرف كيف تبدأ، أو ماذا تقول؟ وفي نفس الوقت، هل تخشى أن يحصلوا على معلوماتهم عن هذا الموضوع من مصادر غير صحيحة؟
ما يدعو للطمأنينة هو أن معظم الأطفال يسألون عادة عن المعلومات عندما يحتاجونها؛ لذلك يجب أن ننتهز هذه الفرص عندما تتاح لنا.. ولنلاحظ أن الطفل يعطي أحيانًا إشارات أو تلميحات غير مباشرة عما يريد أن يسأل عنه مباشرة. ورغم أن الحوار التلقائي حول موضوع الجنس يمكن أن يكون أسهل علينا من المناقشة المُعدة مسبقًا، إلا أن بعض الأطفال بطبيعتهم لن يُعبِّروا عن أسئلتهم بكلمات صحيحة أو مناسبة. كذلك، فإن بعضهم يكون شغوفًا بالمعرفة، بينما لا يعطي آخرون أي اهتمام واضح بالأمر. وفي كل هذه الحالات فإن مسؤولية بدء الحديث عن الجنس تقع على عاتق الوالدين، وما لم يفعلا هذا فإن هناك مَنْ سيقوم بالمهمة بدلاً عنهما، والخطورة هنا أنه في كثير من الأحيان قد لا يشاركك هذا المصدر نفس القيم التربوية والأخلاقية التي تؤمن بها.
قبل الحديث عن الجنس مع أبنائك من المهم أولاً أن تختبر توجهك الشخصي في هذا الأمر.. فما هي وجهة نظرك أنت شخصيًا عن العلاقة الجنسية مع شريك حياتك؟ وهل تشعر أنه من غير اللائق الحديث عن الجنس مع أبنائك؟ هل تخجل من أن يعرف أبناؤك أن هناك علاقة خاصة بين “بابا وماما”؟ أم أنك ترى الحديث عن هذا الأمر، عندما يكون في سياقه الصحيح، جزءًا طبيعيًا من عملية التربية الصحية والصحيحة؟ إن إجاباتك الشخصية على هذه الأسئلة بوضوح، وتبني الأب والأم لوجهة نظر صحيحة عن علاقتهما الحميمية معًا تشكل الخطوة الأولى والأساسية لتربية جنسية سوية للأبناء في جو أسري مملوء بالثقة والنضج.
من المهم أيضًا أن تؤكد دائمًا لابنك أو ابنتك أنه يستطيع في أي وقت وبدون تردد أن يرجع إليك ليشاركك بأي سؤال أو موقف يتعرض له فيما يتعلق بموضوع الجنس. ومما يساعدك على تطوير قنوات تواصل مفتوحة وصحية مع أبنائك لمشاركتك بثقة بما يفكرون فيه، وبلا خوف من أي عقاب، هو ألا يكون موضوع الجنس مثارًا للسخرية أو المزاح الذي تُستخدم فيه ألفاظ أو إيحاءات غير لائقة.. أو أن يشار إلى الحديث عنه بأنه خارج عن قواعد الأدب، أو أنه دخول إلى منطقة مُحرمة. علِّم أبناءك ألا يصدقوا كل ما يصل إليهم من معرفة عن الجنس، وكرر لهم أهمية أن يشاركوك في الحال بكل ما يسمعونه أو يعرفونه خارج البيت عن هذا الموضوع؛ حتى تستطيع مبكرًا أن تصحح لهم معلوماتهم، وتتأكد من سلامة أفكارهم.
يجب أن نؤكد، بينما نبدأ هذه السلسلة من الحوارات التربوية، أنه بالرغم من أن كل ما يُقدم من معلومات ومفاهيم تربوية فيهذه المساحة مستمد من مراجع علمية وتربوية موثوقة، ويمكن لأي شخص الرجوع إليها؛ إلا أنه نابع أيضًا من خبرات حياتية محلية عايشت الصراع بين التحريم التقليدي للحديث مع الأبناء عن الجنس، وحداثة الانفلات المعلوماتي عنه، والتي لم يعد باستطاعة أي أبوين أن يمنعا أبناءهما من التعرض له. فلنتقدم إذًا بثقة للحديث والحوار عن الأمر، واضعين نصب أعيننا كل ما يتفق مع القيم الأخلاقية والأسرية التي تعمل “من أجل العائلة” لدعم استمرارها في مجتمعنا، ومن أجل وطن ومستقبل أفضل.
إن الحديث مع الأبناء عن الجنس هو أحد أهم أركان تطوير شخصية سوية وصحيحة. وهنا لابد من ملاحظة أن الجنس الذي نقصد الحديث عنه ليس مجرد أن يعرف الأبناء الاختلاف العضوي بين الرجل والمرأة، أو أن يعرفوا شيئًا عن العلاقة الحميمية بين الزوجين.. فالجنس جزء من التكوين الأساسي للإنسان، وهو يذهب إلى أبعد جدًا من ذلك. إن التربية الجنسية وثيقة الصلة بما يشعر به الابن أو الابنة عن هويته كذكر أو كأنثى، وهذا بالتالي يقودهم ليقرروا بعض الاختيارات الحياتية التي تؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم.
إن الحوار مع الأبناء حول موضوع الجنس يتيح للوالدين أن يقدما معلومات صحيحة ودقيقة عنه. فما يتعلمه الأبناء خارج البيت قد لا يكون صحيحًا، كما لا يعكس بالضرورة ما تؤمن به شخصيًا من قيم ومبادئ. وعندما نبدأ مبكرًا، ونمد أولادنا تدريجيًا بالمعلومات –كمًا ونوعًا بحسب عمرهم، فإنهم يكبرون بشكل يُمكنهم من أن يميزوا الصحيح من بين ما تصبه أي مصادر أخرى، مثل وسائل الإعلام، في عقولهم. كما أننا بذلك ندربهم على مقاومة ضغط الأقران في هذا المجال.
إن أولادك بحاجة لدعمك بينما يخوضون معركة الحياة والنمو.. فلا تتجنب أو تؤجل الحديث معهم عما يشغلهم، ولا تشعر بالتردد أو الحرج أن تسأل وتقرأ لتعرف، حتى يمكنك أن تبادر بالحديث معهم لتعدهم لمستقبل أفضل. وللحديث بقية في المرات القادمة للإجابة عن: ماذا نقول عن الجنس لكل مرحلة عمرية، وكيف نقوله.