لبنان بلد المناظر الطبيعية والحدائق الخضراء والجبال الشاهقة اجتذب آلاف المصريين، الذين هاجروا إليه للعمل، وأقاموا فيه مكونين جالية مصرية، ليست بالصغيرة.
تضم مدن بيروت وزحلة وجبل لبنان قرابة خمسة آلاف قبطيًا منهم، الأمر الذي أوحى لمثلث الرحمات البابا شنودة الثالث بفكرة تأسيس كنيسة قبطية أرثوذكسية، لرعاية أبنائه الأقباط في لبنان وربطهم بوطنهم الأم مصر.
الراهب المتنيح، القس رويس الأوشليمي، الذي رحل عن عالمنا قبل أقل من شهرين، هو الراعي الأبرز للكنيسة المصرية في لبنان، وهو من رهبان دير الأنبا أنطونيوس بالقدس، خدم مكرسًا في كنيسة العذراء والأنبا بولا بالعاصمة العراقية بغداد، ثم توجه إلى القدس للرهبنة، وبعد أن نال نعمة الكهنوت بيد مطران أورشليم الراحل، المتنيح الأنبا إبراهام، كُلف بالسفر إلى مصر؛ لمقابلة البابا شنودة بعدما رشحه مثلث الرحمات، الأنبا إبراهام، للخدمة بالكنيسة القبطية في لبنان.
و كان لـ “وطني” فرصة لإجراء حوارين مع الراحل، القس رويس الأورشليمي، فصل بينهما أعوام قليلة، وتنشر وطني الحوارين مدمجين معًا لتكريم الراعي الراحل الذي خدم الكنيسة القبطية بإخلاص.
+ متى جاءت فكرة تأسيس كنيسة للأقباط الأرثوذكس في لبنان؟
ـــ في البداية كان الأقباط يصلون في كنيسة القديس جورجيوس للروم الأرثوذكس، في منطقة فرن الشباك، ومع وجود تجمع قبطي كبير في بيروت جاءت فكرة مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة الثالث، بضرورة تأسيس كنيسة قبطية في بيروت لخدمة الشعب القبطي المقيم بها.. كان ذلك في زمن حبرية المتنيح الأنبا باسيليوس، مطران القدس والشرق الأدنى.
ويشار إلى أن الراحل البابا شنودة الثالث، سبق له زيارة لبنان وهو أسقف لأن كنيستنا عضو في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وتكررت زياراته للبنان، وفي عام 2001 قام بوضع حجر الأساس لبناء دير يحمل اسم القديس الأنبا أنطونيوس، في منطقة تسمى البربارة بمحافظة جبل لبنان على مساحة 30 ألف متر مربع، اشتراها الأنبا إبراهام مطران القدس عام 2000، وبدأ العمل في أساسات الدير.
+ نود أن نعرف من قدسكم مراحل تأسيس الكنيسة القبطية في بيروت.
ـــ بناء على طلب مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة بتدبير مكان لبناء كنيسة في لبنان، قام نيافة مثلث الرحمات، الأنبا باسيليوس مطران القدس، بشراء الأرض التي تبلغ مساحتها 1200 متر مربع، وتقع في منطقة جسر الباشا بسن الفيل في بيروت، وبدأ البناء بعد شراء الأرض مباشرة، وتحديدًا في بداية السبعينات من القرن الماضي، ثم قامت الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 مما أعاق إتمام عملية البناء، وكان الأقباط خلال هذه السنوات يصلون في قاعة أسفل الكنيسة، واستمر الحال حتى عام 1992 ثم قام مثلث الرحمات الأنبا إبراهام، مطران القدس، بتكملة بنائها وتشطيبها برعاية القمص بولس المحرقي وانتهى البناء عام 1995 و دشنها المتنيح البابا شنودة في الثاني من يوليو عام 1995 ، لتحمل الكنيسة اسم السيدة العذراء ومار مرقس الرسول.
وفي عام 1995 طلب الراحل البابا شنودة الثالث من رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، رفيق الحريري، الاعتراف الرسمي بالطائفة القبطية، واستجابت لبنان و أصبحت الطائفة القبطية معترفًا بها رسميًا ضمن الطوائف اللبنانية، وهي الطائفة رقم 18، و أول كاهن خدم مذبح الكنيسة بعد التدشين هو القمص بولس المحرقي، ثم القس بوليكاربوس الأنبا بيشوي، ثم القس فيلوباتير الأنبا بيشوي، إلى أن تسلمت الخدمة بالكنيسة في 22 فبراير 2010.
+ ما هي مشتملات كنيسة العذراء ومارمرقس بلبنان من مباني؟
ــ الكنيسة تضم مبنى الكنيسة الرئيسي، قاعة اجتماعات باسم الأنبا باسيليوس، صالون للضيافة، سكن لمطران القدس، سكن الكاهن، مبنى خاص بفصول مدارس الأحد، مبنى “بيت لحم” لغرفة القربان وسكن شماس الكنيسة، مكتبة للكتب والصوتيات.
+ ما أبرز الخدمات التي تقدمها الكنيسة للجالية القبطية في لبنان؟
ــ الكنيسة تقدم خدمة زيارة السجون, مساعدة الوافدين من الشباب لإيجاد فرص عمل، ومعاونتهم في البحث سكن, مساعدة المرضى , الحضور الرسمي كطائفة ضمن الطوائف في الاحتفالات واللقاءات الروحية , والاشتراك في الحوار “المسيحي ـــ الإسلامي”، الذي يؤكد دعائم العيش المشترك واحترام معتقدات الآخرين، و نقوم بزيارة شهرية لسورية لافتقاد الأقباط هناك وإقامة قداس يوم الجمعة في كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس بدمشق، تسبقها زيارة رعوية يوم الخميس.
هذا بخلاف جهود الكنيسة في مساعدة المصريين، الذين يحملون الجنسية اللبنانية، للعمل في دوائر الدولة الرسمية من خلال الاشتراك في جمعية الأنوار لتدريب وتأهيل الخريجين لتوظيفهم في الحكومة .
+ ما هي الاستفادة المباشرة من الاعتراف الرسمي بالكنيسة القبطية في لبنان؟
ـــ أصبح لنا محاكم كنسية و قانون للأحوال الشخصية مستقل، تنفذ أحكامه من قبل الدولة اللبنانية، وهذا أعطى للكنيسة استقلالية عن المحاكم المدنية في أحوالها الشخصية من زواج وطلاق وميراث وحضانة و كافة الأحوال الشخصية، وهذا لا يوجد له نظير في مصر.
+ هل تنعم الجالية القبطية بكامل حريتها في لبنان؟ وما هي أبرز المشاكل التي يواجهها الأقباط؟
ـــ نعم الجالية القبطية تنعم بحرية كاملة, حرية العبادة والعمل مكفولان، مادام الفرد يعيش بطريقة قانونية، و الطائفة القبطية بسبب مواقف قداسة البابا شنودة ومن بعده قداسة البابا تواضروس، لها احترام كامل من جميع المسؤولين في لبنان ومن كل الديانات، وحين حدث تفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، قام الرئيس اللبناني، ميشيل سليمان، بزيارة كنيسة الاقباط وتقديم العزاء وكنا في استقباله و برفقتي الدكتور سليمان سليمان، رئيس مجلس الكنيسة.
كما اتصل السيد سعد الحريري بالبابا شنودة تليفونيًا وأرسل وفد للكنيسة للتعزية، كما اتصل رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، وأرسل وفدًا، ورغم اعتذار العماد ميشيل عون عن الحضور لوفاة شقيقته في نفس اليوم، إلا أنه أرسل وفد للتعزية و أكاليل ورد للشهداء، وتلقينا التعزية من السيد نبيه برى، وفضيلة مفتي لبنان.
أما أهم المشاكل التي تواجه الأقباط في لبنان فهي دخول البعض بطريق غير شرعي عن طريق سورية، وكذلك مشكلة الإقامة، حيث يدخل الكثيرون للبنان بتأشيرة سياحية و يتم كسرها، و حاليًا تعمل الكنيسة بالتنسيق مع السفارة المصرية بالتفاوض مع الأمن العام لحل هذه المشكلة، و في هذا الصدد نشكر السفير المصري والسيد القنصل العام وجميع العاملين بالسفارة و السيد رئيس الجالية المصرية .
+ هل يشارك الأقباط الأرثوذكس في العملية السياسية؟
لدينا الرابطة القبطية التي تجمع أبناء الكنيسة الأقباط، فكل الطوائف لها روابط، ولها عمل سياسي نشارك في العمل السياسي وننضم للأحزاب، وهناك قبطي لبناني، هو السيد ادمون بطرس، ترشح لعضوية مجلس النواب .
+ ماذا عن الرابطة القبطية وجمعية “لابوار” و الحوار المسيحي الإسلامي ؟
ـــ الرابطة القبطية تأسست في عام 2004، و تضم مسيحيين من الأقباط، ولها عمل اجتماعي و سياسي كباقي الروابط للطوائف الأخرى، أما جمعية “لابوار” فتقوم على تأهيل الشباب و الخريجين للعمل بالمؤسسات الحكومية، و مساعدتهم في الحصول على عمل مناسب و نشترك في العمل بها مع الأب طوني خضرة رئيس الجمعية من خلال الاجتماعات الأسبوعية المستمرة والتنسيق المتبادل لخدمة الشباب.
أما الحوار الإسلامي المسيحي يوجد في لبنان استمرارية للعمل الحواري بين المسلمين والمسيحيين ولنا دائمًا لقاءات ومشاركات مع كل الطوائف ولنا محبة للجميع .
+ هل تعمل الكنيسة لزيارة نهر الأردن وزيارة القدس؟
ـــ مصر كلها أراضي مقدسة، زارها السيد المسيح وتقدست بزيارة العائلة المقدسة، ولا تقل قدسية عن نهر الأردن.
+ بعد ما عرفناه من دور رائع للكنيسة القبطية في لبنان.. هل هناك مشروع لكنيسة جديدة؟
ـــ أهدانا أحد الأخوة الموارنة مبنى صغير للأقباط، بمدينة زغرتا بمحافظة طرابلس، وجارِ تجهيزه ليصبح كنيسة ثانية معدة للصلاة، ومن المقرر أن يحمل اسم مارمرقس، لأن المتبرع من عائلة مارمرقس الدويهي، وهناك أيضًا في الخطة كنيسة الأنبا أنطونيوس بدير الأنبا انطونيوس بمنطقة بربارة في جبيل.
+ ماذا عن تطور العمل والمشروعات الجارية بدير الأنبا أنطونيوس ؟
ــ تم وضع الأساسات لكنيسة الأنبا أنطونيوس، ويتم الآن بناء الطابق الأرضي بكافة قاعاته، و ستبلغ مساحته 2000 مترًا، وستكون الكنيسة بالطابق العلوي على مساحة 500 مترًا، وجار تشييد القاعات والكنيسة، وتم توصيل المياه والكهرباء وتعبيد الطريق المؤدي إلى الدير من قبل بلدية البربارة، و تبلغ مساحة أرض الدير 30 ألف متر، تم شراؤها من قبل مثلث الرحمات، الأنبا إبراهام سنة 2000 . وفي سنة 2001 تم وضع حجر الأساس بيد المتنيح قداسة البابا شنودة .
وسوف يشمل الدير، إلى جانب الكنيسة والقاعات مباني للخدمات لاستقبال و مبيت الرحلات و الخلوات . وفيها دار للمسنين و مساكن لاستقبال الرهبان. وأيضا مساكن لاستقبال الراهبات و أيضًا الكهنة، و هناك ملاعب وحمام سباحة للأطفال وستكون بالدير مزرعة، حيث أنه يطل على البحر و الجبل .
+ خدمة الكنيسة القبطية في لبنان امتدت إلى سوريا.. هل مازالت مستمرة أم توقفت بسبب ظروف الحرب ؟
ــ هناك زيارة أسبوعية إلى سوريا للصلاة وخدمة الأقباط بها، وكنا نصلي في كنيسة العذراء للسريان الأرثوذكس ولكن توقفت الخدمة منذ سنة لظروف الحرب وشدة المعارك هناك، و رغم ذلك نتابع الأسر الموجودة في سوريا من خلال أبنائهم الذين يعملون في لبنان لمساعدة أهلهم في سوريا وأيضًا من خلال الاتصالات بهم للاطمئنان عليهم وهناك فكرة لشراء كنيسة للأقباط في سوريا بعد هدوء الأوضاع.
+ نختم حوارنا بالاستفسار عن اهتمام ومتابعة قداسة البابا تواضروس الثاني لكم؟
ـــ قداسته يتابع أحوال الأقباط في لبنان باهتمام و قد سبق و اجتمع قداسة البابا تواضروس بالمقر بكل الإيبارشيات في الشرق الأدنى، و التي تضم القدس و لبنان و سوريا و الأردن و العراق والخليج، للتعرف على أحوال الخدمة وعرض المشكلات التي تواجه الخدمة، وقد أجرى قداسة البابا أول زيارة له للكنيسة القبطية في بيروت يوم الثلاثاء 20 مارس من عام 2014 وصلى صلاة شكر فيها وألقى عظة جميلة.