من بين النبلاء تركوا بصمات في حياتنا, وموا من المسيرة كالنسمة الرقيقة سوف نتذكرهم بالكتابة علي هذه الصفحة دوما, والهدف أن تكون الكلمات أقرب إلي شاهد حي, نتعرف فيه علي الشخص, فقسوة الموت تتبدد مع عدم النسيان, والإنسان بطبعه منشغل بأمور حياته, وليس لديه الوقت للتذكر, وفي عالم الكتابة فإن المرء تم الكتابة عنه لفتح ما ثم يدخل في دائرة النسيان قد لا يتذكره أحد, وهذا الأمر يؤرقني دوما, وفي هذه المرحلة سوف أكتب عمن تركوا أثرا ملموسا في مسيرتنا جميعا, وباعتبار أننا في جريدة وطني, فدعوني أخصص أحاديثي عن الأقباط منهم, وهي ليست مشاعر شخصية, ففي عيدالقيامة الأخير وجدت قائمة الأسماء التي اعتدت أستخدمها للمعايدة صارت أقصر بكثير عم كانت عليه منذ أعوام قليلة مضت.
المقارنة, هي عماد حياتي وبالمقارنة يمكنك أن تعرف قامات الناس من حولك, هذه القامات تطول وتصير قصيرة فحسب قوة العلاقات الإنسانية التي لا تقوم علي عنصر المصلحة وهو الأمر الذي يربطنا بمن حولنا شئنا أم أبينا, وينعكس ذلك في تصرفات كل شخص آزائك تبعا لعلاقاتك به.
منذ أن حضرت إلي القاهرة من مدينة أخري أكثر ثقافة هي الإسكندرية, والدرس الأول الذي استوعبته هو أن المصلحة عمود العلاقات الإنسانية بكافة صورها, وسط زحام شديد القسوة, فهاتلك لا يرن إلا إذا كان هناك مصلحة, حتي الصداقات القوية قد تندمل مع ضمور عنصر المصلحة, وقد صرت عضوا في الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما قبل عملي بالقاهرة. منذ عام 1979, حين أقام كمال الملاخ أول دورة لمهرجان الإسكندرية, وكانت الفرحة أن القادمين من العاصمة, يقيمون في مدينتنا مهرجانا دوليا للأفالم, لكل منهم قلمه والمؤسسة التي ينتمي إليها, إبتداء بماري غضبان, ورؤوف توفيق, ومحيي الدين فتحي, وإيرس نظمي, وفوميل لبيب, وحسن عبدالصبور, وعبدالنور خليل, وحسن شاه, ومن خلال الندوات والأنشطة التي تقام في فندق الحرم كانت هناك السيدة إريس نظمي. إنها نموذج يختلف عن الآخرين, تشر أنك أمام سيدة من الصالونات الثقافية الكبري تعرف كيف تتكلم, تختار الجملة, وتقول رأيها, وتكتب نقدها, بدون تجريح, وتحظي باحترام الجميع, بالإضافة إلي التوهج الواضح في عملها, هذه الصفة الأخيرة كانت أهم سماتها, فبعد سنوات عديدة, وعندما التقينا في مهرجان برلين السينمائي عام 2006, رأينها بلغة الحرص علي الكتابة إلي مؤسستها يوميا, تبدو أشبه بتلميذة تستعد للإمتحان قبل مشاهدة أي من الأفلام التي تختار مشاهدتها, حيث تقرأ مادة الفيلم في كتالوج المهرجان, والمعروف أن مطوبعات هذا المهرجان بالغة الثراء, إنها تهتم بصد كل ما يخص الفيلم, قبل أن تشاهده, وتميل إلي التعليق العابر مع الجالس إلي جوارها, أثناء المشاهدة, أما مسألة الكتابة فهذا أمر يخصها, ورغم أنها عملت لسنوات كثيرة في مؤسسات روز اليوسف ثم أخبار اليوم, سواء مجلات صباح الخير وروز اليوسف, وآخر ساعة أو جرديتا الأخبار وأخبار اليوم, فإن الأمر يتطلب سرعة الإيقاع, والإنجاز, لكنها كانت تفعل ذلك بثبات الناقد وليس بلهفة المحرر, ومن الواضح أنها تعلمت وتدربت بقوة علي أيدي اساتذتها في هذه المؤسسات.
هذه المدارس, الصحفية لم تكن واحدة منها تهتم يثقافة الكتب, المهم هو الخير, أو المقال أو التقرير الخبري أو تجميع المقالات للنشر في كتاب وهذا أمر لم يحدث بالنسبة للكاتبة فقد اهتمت بإعداد سير ذاتية لكابر النجوم بين فترة وأخري ومنهم عبدالحليم حافظ, وفريد شوقي وعماد حمدي, وأخيرا شادية بعد رحيلها بكتاب حقق توزيعا عاليا.
اقتربت دوما منها, وساندتها في أيام الإنتخابات والمسئولية, فكم أحب الأشخاص الذين يتسمون بسلوك اجتماعي بالغ الرقي, وفي المهرجانات قابلت أسوأ البشر فنفرت منهم, أنت الطبق الأول في النميمة الجماعية للذين كنت جالسا معهم علي أي نوع من الموائد, وسط الدسائس الجميلة لأشخاص المفروض أنهم في حالة بهجة, ولا أستطيع أن أستثني أحدا من هذه الغريزة النميمة, لكن التربية الاجتماعية للسيدة إيريس نظمي كانت تحميها دوما من هذه السلوكيات وكانت تحظي باحترام الجميع, وتم اختيارها فيالجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما أن تكون أول سيدة رئيس لمهرجان سينمائي ضدولي لمدة عامين, ولن أمتدح زسلوبها في الإدارة لكن بعض الأسماء النسائية التي تولت إحدي الدورات كانت بالغة الفشل رغم الخبرة المزعومة.
استقبلنا السيد إدوارد عندما عدنا من مهرجان برلين في مطار القاهرة, وهو من كبار الشخصيات, وهو التوأم الروحي لزوجته, وما أن تم اللقاء, حتي تنافس كل منهما في إبلاغ رفيقة بما لديه من أخبار, تبادلا بالدهشة الأسباب غير المعلنة لطلاق كل من نور الشريف وبوسي, وبدا الاثنان في حالة انسانية من المودة كنت المسها دوما بينهما عند حضوره معها المناسبات الفنية.
كنت بالغ الحزن وأنا تابع أخبارها الصحية التي تتدهور, وأمنت أن الأمراض لا تعرف الفرق بين النفوس الطبية, أو المنافقة, الكل يصاب بالمرض, والجميع يرحل, لكن المهم من يتبقي علي قيد الحياة بالسيرة العطرة رغم الرحيل.