عندما قرأت هذا المقال، للكاتب والسيكولوجي المتميز تيموثي سانفورد، وجدت أننا كعائلات في أمس الاحتياج لمثل هذه الأفكار، وأردت أن أشاركها معكم.
من بين كل العلاقات التي ستختبرها ابنتك (مع أمها، المعلمين، المدربين، الأصدقاء المقربين)، فإن العلاقة الثنائية بين الأب وابنته قد يكون لها أعظم تأثير إيجابي على حياتها. نعم، سيكون لآخرين تأثير عظيم عليها، لكن يوجد شيء متفرد، بكل معنى الكلمة، عن دورك أنتكأب في حياتها. أنت كأب تمثل نموذج الرجل الأول في حياة ابنتك، وما تقوله وما تفعله يحمل وزنًا أكبر مما يقوله أو يفعله أي شخصآخر.
موقعك هذا ليس امتيازًا، ولا يعني أنك أهم من الآخرين، وإنما يعني أنك مُساءل أمام الله عما تقوله أو تفعله. وأول وأهم شيء في توصيفك الوظيفي لأداء هذه المهمة كأب هو أن تؤكد لابنتك على قيمتها وغلاوتهافي كل وقت ودائمًا وأبدًا.. وهذا يعني أن تقول بكلماتك وتعيش بأفعالك ما يلي: “وجودكِ مهم بالنسبة لي”، “أنتِ رائعة”، “أنتِ مميَّزة”، “أنتِ جزء من هذه العائلة”، “أنا أحبكِ”، “يعجبني… بشدة فيكِ”.
ستحصل ابنتك على القبول والتأييد عن أشياء كثيرة، ومن أشخاص كثيرين؛ في بعض المرات بشكل سوي وأمين، وفي مرات أخرى ليس هكذا.. لهذا فموقعك الهام في هذه العلاقة الثنائية يتيح لك أن تؤثر عليها أكثر مما تتخيّل.
كذلك، كأب، أنت تقدّم لابنتك منظورًا مختلفًا عن الحياة لن تحصل عليه بأية وسيلة أخرى.. أنت رجل، أنت “مختلف” عنها وعن أمها. ابنتك تحتاج لمنظور أمها كامرأة كبيرة لتصيغ نظرتها طبقًا لها؛ لكنهاقطعًا تحتاج لزاوية رؤيتك أنت المختلفة لأمور تواجهها أو ستواجهها. وعندما تحصل ابنتك على المنظورين، الذكوري والأنثوي، فهذا سيمنحها قاعدة بيانات كاملة و قوية تساعدها على ترجمة الظروف الحياتية والإبحار فيها -خاصة الظروف الأكثر تعقيدًا. على سبيل المثال، منظورك “المختلف” سيكون له قيمة ثمينة لديها في موضوعات مثل الصبيان وطريقة تفكيرهم، والمواعدة، ومعايير الأمان، والحدود الشخصية. شارك نظرتك للأمور، وفي نفس الوقت تعلّم أن تفهم وتقبل طريقتها الأنثوية في التفكير- خاصة عندما تكون مختلفة.
يصف الله علاقته بنا كمؤمنين بأنه “أبونا السماوي”، ودورك في التعامل مع ابنتك أن تقدّم أقرب نموذج بشري وواقعي للحقيقة الروحية غير المنظورة عن علاقة الله بنا. يمكنك أن تمثل أفضل نموذج لها يعبّر عن قوة الله، وحمايته، ومحبته، ولطفه، ومعرفته، و جدارته بالثقة.. هذا يعني أنك كأب يمكنك أن تقدّم لابنتك هذا الانعكاس الهام جدًا والحميمي لإله يمكن الاقتراب منه. ومع أن أفضل مجهوداتك ستكون ناقصة وغير مثالية -هذا متوقع، إلا أن تفاعلاتك البشرية الروتينية مع ابنتك ستمدها بخارطة طريق روحية هامة عن كيفية الاقتراب والتفاعل مع الله الآب.
عندما تفكر في هذا التأثير القوي في حياة ابنتك قد تتخيل أنك يجب أن تكون بطلاً خارقًا، أو قد ترى استحالة إتمام “قائمة مهام” طويلة جدًا ومعقدة. الأمر ليس هكذا! حتى تكون الأب الذي تحتاجه ابنتك فهذا أمر يتعلق ببساطة بالقيام بأشياء غير معقدة، وأحيانًا روتينية، ولكن بشكل متكرر.. وإليك بعض الأمور البسيطة، لكن الهامة:
كُن متاحًا.. كُن متواجدًا في الحفلات التي تشارك فيها ابنتك بالعزف أو الغناء، أو المسابقات التي تشترك فيها؛ كن بجوار سريرها لتحكي لها القصص وتصلي معها؛ احضر لقاءات أولياء الأمور..احضر بانتظام بحيث يصبح حضورك هو المعتاد، وعندما لا تستطيع الحضور تعرف أنك تغيبت لظروف قهرية.
افعل أشياء تحب هي أن تفعلها.. بادر بممارسة الأشياء التي تحب ابنتك فعلها.. ادخل إلى عالمها. الاستمتاع بما تحبه يوصل لها قيمتها، ويمنحها شعورًا بتفردها الشخصي.
قدم الحب الصحيح.. احتضن ابنتك، وقدّم لها لمسات حانية، والعب معها. فاللمسة السوية والآمنة منك شيء هام -خاصة عندما يبدأ جسدها في النضوج. اقبل حقيقة أن طريقة إمساكك بها ولمسها وملاطفتها ستتغيّر كلما كبرت، ومع ذلك لا تقلع عن التفاعلات الجسدية معها. ابحث عن طرق آمنة وملائمة لتبقى على تواصل معهابالجسد- بطرق تراها هي مريحة.
أشركها معك في الأشياء التي تحب أن تفعلها أنت.. أعطِ ابنتك فرصة للمشاركة فيما يستهويك. دعها تنضم لك في الأنشطة التيتُصنف عادة على أنها خاصة بالصبيان والرجال، مثل ركوب الدراجات، عزف الدرامز، تصليح أشياء في البيت أو السيارة. قد تفاجئك وتقبل دعوتك!
عاملها كشخص ذي قيمة مساوية.. لأنها بالفعل كذلك. يجب أن تكون أنوثتها مُقدَّرة مثل رجولتك، ونظرتها لأي موضوع هي نظرة محل تقدير تمامًا كنظرتك. اجعلها مثل الصبيان ومختلفة عنهم في نفس الوقت. تجنَّب تعليم ابنتك متعمدًا -أو بغير تعمد- أنه يُفترض أن تكون “هشة”، أو تخاف من أشياء مثل الحشرات أو أن تتسخ يداها. علمها كيف تكون قوية.. قوية في ذهنها، ومعنوياتها، وجسدها. على سبيل المثال، دع ابنتك تعرف أنه بمقدورها أن تكون صلبة كالحديد في لحظة ما، ولطيفة كالحرير في اللحظة التالية.
اطرح أسئلة.. ما الذي يصح أن تقوله أو تفعله معها -خاصة حين يتواجد أقرانها؟ هل توجد أسماء للتدليل (إن وُجد) تستريح هي في أنك تستخدمها؟ متى يكون من المناسب لها أن تحضنها؟ هل توجد أشياء تفعلها أو تقولها تسبب لها الإحراج؟ طرح أسئلة كهذه يشجعهاعلى اكتساب رأي خاص بها، ويوفر فرصًا لها لتعبّر لك عن وجهة نظرها. الأسئلة تعكس ذهنًا قابلاً للتعلُّم، وتعبّر عن الحب والقبول. صدّق أو لا تصدّق، عندما تسأل هل توجد أشياء تفعلها أو تقولها تسبب لها الإحراج، فإنك تعكس اهتمامك بحمايتها.. هذا يعني أنك تحميها عاطفيًا من كلامك أو أفعالك التي قد تتسبب في إيلامها.
أكد على قيمتها مرارًا وتكرارًا، بلا كلل أو ملل.. عبِّر عن تقديرك وتأييدك لمجهودات ابنتك وإنجازاتها، وسماتها الشخصية المتفردة، وطريقتها الأنثوية في التفكير، وطباعها. إنها بحاجة لترى وتسمع قيمتها وغلاوتها لديك بشكل متكرر.
في الختام، دورك كأب في هذه العلاقة الثنائية الفريدة بين الأب وابنتهامتياز عظيم وتحدٍّ أعظم. وبرغم أنها مسؤولية جسيمة، لكنها مهمة قابلة للتنفيذ؛ وأساسها هو تفاعلاتك العادية مع ابنتك يومًا بعد الآخر، وطوال الطريق حتى بعد أن تكبر.
سامي يعقوب
FocusOnTheFamily.me