“عمت صباحًا أفندينا” قالها رجل يرتدي ملابس عصرية لا تتفق مع عام 1839 ميلادية، كما أن مظهره غير متسق تمامًا مع الجو العام للمكان المتواجد فيه.
“فالاد.. (valad)..ماجد” لماذا أنت دائمًا تقلق راحتي؟ ألا تعلم أني أصدرت أوامري بعدم السماح لأي شخص بإزعاجي؟.. ثم أخبرني كيف أجدك كل مرة فوق رأسي دون أن يراك العسس؟
قالها “محمد علي الكبير” معطشًا حرف الجيم دون أن يلتفت متأملًا البحر المتوسط وهو يجلس متكئًا على ساعده الأيسر و مسترخيًا فوق مقعده الوثير أمام شاطىء استراحته الفخمة بالإسكندرية.
أفندينًا أنت تعلم أني أتشرف بلقائك كل فترة، وأني قادم لفخامتكم من سنة 2020 لأخبرك بما سيحدث في المستقبل، ولا يراني أي شخص إلا أنت.. جاء الرد مصحوبًا بابتسامة ودودة.
التفت مولانا ناحية محدثه ونظر إليه وضحك ساخرًا ترتدي ملابس غريبة ملونة ” فالاد” ( valid) ماجد وكأنك “بلياتشو” أو” قراقوز”، رد محدثه إنها موضة العصر يامولاي بنطلون “جينز” وقميص “كاروهات” , انتفض جسد محمد علي ضاحكًا.. هههه ملابس مهلهلة ومن العرق مبللة .. “فالاد (valad) ماجد” أنت وكل أحفادنا.. جاتكم البلاء والبلا، وعاد للضحك مرة أخرى ههههههه.
نظر مولانا لضيفه: فالاد ( (valadكيف تقول أنك قادم من المستقبل وتضحك وتبتسم وأنت تعلم أن جيشنا خسر أول خطوات معركته صباح اليوم 23 يونيو 1839مع أولاد الأناضول.. هل أحفادنا لا يتحملون المسئولية؟ حاول الضيف الرد فنظر إليه أفندينا محذرًا : لا تقاطعني فالاد (valad) ابننا إبراهيم باشا أعد الجيش جيدًا ودربه بصحبة سليمان باشا الفرنساوي عدد رجال الجيش أربعون ألف من ولاد الفلاحين المصريين مدعومون بالمدفعية والفرسان.
قفز الضيف من مكانه، وقال : مولاي .. نهره أفندينا رافعًا حاجبه الأيمن، قائلًا: حذاري أن تستخدم ألفاظكم الجديدة “فاكس و “نفض” و”فكك مني” و “احلق له”، رد الضيف القادم من المستقبل : مولانا أنا لا أجرؤ على مضايقتكم كل ما أريد أن أوضحه لفخامتكم أنه عند وصول الجيش المصري بقيادة جدنا إبراهيم باشا لمنطقة “نسيب” أرسل فرقًا استطلاعية لمعرفة تحصينات أولاد الأناضول وتفاصيل معسكرهم.
اعتدل أفندينا في مجلسه وعاد اتكائه على الساعد الأيسر وقال : أكمل فالاد (valid)
ولاحظ إبراهيم باشا ومعه رئيس أركانه سليمان باشا، أن الموقع محصن جيدًا تحميه سبعة مدافع قوية؛ فقرر إبراهيم باشا الالتفاف على معسكر العثمانيين لحرمانهم من أفضلية وتحصينات موقعهم، وهنا سيكون لغرور حافظ باشا دور كبير في نصر جيشنا.
برم محمد علي باشا شواربه وقال: “فكك” فالاد (valad) ماجد من حافظ باشا ابن الأناضول؛ فقاطعه الضيف بصوت صارم أفندينا لا تستخدم هذه الألفاظ، جذبه الباشا من قميصه، وقال : اخرس فالاد (valad) أكمل ماذا بعد؟
وكما علمتم يا مولانا كاد إبراهيم باشا أن يخسر المعركة عند بدايتها عندما قاد هجومًا من الجناح الأيمن لجيشه مع مجموعة من الفرسان ما لبثوا أن تقهقروا بفعل قذائف المدفعية التركية، تجهم وجه محمد علي باشا وكاد أن يبكي وقال: شىء محزن حفيدنا ماجد، لا تقلق يا مولاي أنا هنا لأطمئن قلبك وأخبرك بما سيحدث، سليمان باشا أوقف جنودنا الفارين بقذائف مدفعيتنا التي أرغمتهم على العودة إلى المعركة.
ابتسم الباشا من جديد واستمر متكئا على ساعده الأيسر، وقال: عفارم سليمان باشا عفارم وماذا سيحدث بعد ذلك فالاد ((valad ماجد؟ يقف الضيف ويحكي متحمسًا: سيتماسك جنودنا ويعودا إلى المعركة، وفي نفس الوقت، ستربك قذائف المدفعية المصرية فصائل أولاد الأناضول و سيتراجع سلاح الفرسان الخاص بهم.
جميل حفيدنا جميل يا”وش السعد” أكمل فالاد (valad) يكمل الضيف وهو يكاد يقفز من الفرحة : سيتحرك وسط الجيش المصري و جبهته اليسرى و يجتاحوا جيش أبناء الأناضول خلال نصف ساعة، يصيح الباشا فرحًا وهو يلوح بيده اليسرى، لعلك أدركت لماذا ارتاح للاتكاء على ساعدي اليسر لأني أثق تماما في مهارة وقوة جبهتنا اليسرى مثلما أثق في براعة وقدرات حفيدنا الأباتشي “شكيابالا” الذي حكت لي كثيرًا عنه، الضيف يتعجب ويسأل محمد علي: مولانا سيادتك زملكاوي؟! بيرم الباشا شواربه من جديد ويضحك : هههههه أكمل فالاد (valad) ماجد أكمل.. هل من غنائم ؟
يجيب الضيف نعم يا مولاي سيطر إبراهيم باشا على المعسكر ومدافعه وجزء من خزينة الجيش الأناضولي، إضافة إلى عشرة آلاف أسير، ووصل عدد القتلى إلى حوالي سبعة آلاف قتيل. وللمرة الثانية خلال ثماني سنوات، سيفتح الطريق للاستانة .. هل تتذكر معركة “قونيا” يا مولاي.
انفجرت أسارير محمد علي باشا، وقال: نعم أتذكر وسأل ضيفه: هل تعلم أن كلمة “كونيا” باليونانية تعني “مراجيح” رد الضيف : نعم لكني لا أعرف هل كان هذا معناها منذ البداية أم أنها اكتسبت الصفة بعد ” ما فعله الجيش المصري في أولاد الأناضول؟! ضحك الباشا بصوت عالي، وفجأة صدر طنين من ساعة يد الضيف؛ فسأل الباشا ماهذا فالاد (valad) أجاب الضيف : حان وقت الرحيل يا مولاي فابتسم الباشا : مع السلامة حفيدنا الشقي مع السلامة.