جاء عيد الفطر المبارك هذا العام مختلفا عن أي وقت مضى، فجميع المصريين لم يستطيعوا إقامة شعائر صلاة العيد ولا إحياء طقوس العيد وسط التجمعات العائلية في داخل المنازل وخارجها، بسبب سياسة التباعد الاجتماعي التي تنادى بها منظمة الصحة العالمية وتطبقها الحكومة المصرية، بعد تفشى فيروس كورونا المستجد. ولكن هل هذه هي المرة الأولى الذى يستقبل فيه المصريون الاحتفال بالعيد وقت الوباء، وكيف تعامل المصريين مع هذه الأوبئة.
فتاريخيا مر على المسلمين ثلاث جوائح في شهر رمضان وعيد الفطر، أولاهما مرض الطاعون الذي ظهر في العصر الأموي بمدينة البصرة في العراق عام 131هـ، وثانيهما ما سمي بـ”الوباء العظيم”، الذي وقع ببلاد الشام عام سنة 749 هـ، وانتقل إلى مصر. وثالثهما هو وباء الكوليرا الذي تفشي في أربعينيات القرن الماضي بمصر، بالتحديد عام 1947م، والأن تكررت القصة مرة أخرى بعد مرور 70 عامًا، وتزامنت احتفالات شهر رمضان وعيد الفطر هذا العام مع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وكأنه سيناريو مكرر بنفس أحداثه، حيثُ عاشت مصر مثل هذه الأجواء في فترة زمنية سابقة، وبحسب ما ذكره ابن كثير في كتابة “البداية والنهاية”، فإن الشاعر صلاح الدين الصفدي صاحب كتاب “التذكرة” مات في فترة وباء الطاعون سنة 1391م، الذي اجتاح الشام وفلسطين ومصر، ووصل أوروبا، وسمي “الوباء العظيم”، موضحا: “وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة، كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال، ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدا، وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين”.
كما جاء في كتاب ” السلوك لمعرفة دول الملوك” للمقريزي، إن الطاعون ضرب مصر سنتي (749هـ، و787هـ)، وذكر “أن الناس هُرعت للجوامع للصلاة والقنوت والتضرع إلى الله برفع البلاء، مع قراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر أياما، والدعاء بعدها لرفع الطاعون”، كما كان الناس يخرجون للصحراء يصلون بها وراء أئمتهم، ويستصرخون الله لرفع البلاء.
كيف كانت الاجراءات الاحترازية قديما:
وكان للعلماء والأطباء العرب القدامى مسيرة طويلة مع مقاومة الوباء، وحاول بعضهم تقديم نصائح للتعامل مع الأوبئة، ولعل بعضهم يتم تدريس ما قدموه للبشرية من علم، وكان من هؤلاء الطبيب العربى ابن سينا، الذي قدم نصائح للوقاية من الطاعون بعد أن وصفه بـ “الموت الأسود” تتشابه إلى حد كبير مع النصائح المقدمة حاليا للوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، وهو ما دفع البعض للحديث عن “تنبؤ” ابن سينا بفيروس كورونا منذ 10 قرون.
يقول ابن سينا: “توصلت لنتيجة تفيد بأن جميع الأمراض المعدية تنشأ وتنتشر بواسطة مواد صغيرة جدا (فيروسات) وغير مرئية بالعين المجردة، أعدادها هائلة وهي تسبب الحمى والموت الأسود (الطاعون).. وتلتصق هذه المواد بكل شيء (يديك ووجهك وشعرك وملابسك)”.
وكان ابن سينا توصل إلى طريقة لعزل الناس لمدة 40 يومًا، ومن هنا جاءت فكرة الحجر الصحي، وانتقلت إلى إيطاليا عبر تجار البندقية في القرن 14، حيث كانوا يعزلون ركاب السفن في جزر قريبة لمعرفة إذا ما كان لديهم أعراض الطاعون، قبل أن يسمح لهم بالوصول لشواطئ المدن أثناء الوباء أو الموت الأسود الذي اجتاح أوروبا بين عامي 1347 و1352 ليقضي على قرابة 30% من سكان القارة، أي قرابة عشرين مليون إنسان.
كما أنّ الأطباء على مر العصور كانوا ينصحون الناس برشّ الخلّ في البيوت، إلى جانب تطهير الهواء. كما نصحوا الناس بالتقليل من الأنشطة الجسدية، والذهنية، مثل الحركة المكثفة، والإفراط بالأكل، وطلبوا من الناس ألا ينغمسوا بالقلق، والخوف، ويستبدلوهما بأفكار إيجابية، لأنّها تساعد الجسم على مقاومة المرض.
وما اشبه اليوم بالبارحة، فقد قامت الحكومة بعد انتشار فيروس كورونا إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية التي تطابق بعضها تمامًا مع الماضي، حيث منعت الاحتفالات وأغلقت دور العبادة ومنعت الصلاة في المساجد، كما منعت الاختلاطات والتجمعات في الشوارع، بالإضافة الي فرض حظر التجوال، خوفا على شعبها حتي تنتهي هذه الجائحة .