في ميدان السكاكيني وسط مدينة القاهرة، وتحديدا في منطقة الظاهر، يقف قصر السكاكيني باشا شامخا متحديا عوامل الزمن، معلنا نفسه كتحفة فريدة فى فن العمارة.
تم بناء القصر في عام 1897 على يد مجموعة من المصممين والمهندسين الإيطاليين، الذين تم استقدامهم من ايطاليا، فيما يعتبر المعماريون القصر تحفة تتداخل فيه الطرازات المختلفة من حول العالم، ويعتبر نموذج لفن “الروكوكو”، و “الركوكو” كلمة معناها الصدفة أو المحارة غير المنتظمة الشكل، ذات الخطوط المنحنية، والتي استمدت منها زخارف تلك الفترة، ويعدّ فن التزين الداخلي. وظهر هذا الطراز من الفن في القرن الثامن عشر ويعد امتدادا لفن الباروك ولكن بمقاييس.
و القصر منسوب لصاحبه جبرييل حبيب السكاكيني، الذي قدم إلى القاهرة في عام 1858، من دمشق في سن السابعة عشر ليعمل في قناة السويس في مدينة بورسعيد ونظرًا لاجتهاده؛ فقد حظى بعلاقة جيدة مع الفرنسي فرديناند ديليسيبس، صاحب فكرة مشروع شق قناة السويس؛ بعدما نجح في حل مشكلة الفئران، التي انتشرت في قناة السويس أثناء عملية الحفر، و استطاع حل المشكلة نهائيا في وقت قصير، بأن صدر بواسطة الشحن على الجمال طرود من القطط الجائعة إلى المنطقة، التي تنتشر فيها الفئران في قناة السويس. وفي غضون أيام، تم حل مشكلة هذا الوباء والانتهاء من القوارض.
و لذلك قربه إليه “دليسبس” وعينه كرئيس ورش تجفيف المستنقعات والبرك في القاهرة وبعد 4 أعوام، اتجه حبيب للعمل بمجال المقاولات، فاختار منطقة الظاهر ليزاول بها أنشطته العقارية، وذاع صيته في فترة وجيزة كأحد أبرز مقاولي القاهرة الخديوية، واصبح من المقاولين الأثرياء في ذلك الزمان حتى وصل صيته للخديوي إسماعيل، الذي أعجب بقدرتة على الحل السريع والابتكار والمبادرة ، فأمره عام 1867 أن يعمل في الأوبرا الخديوية تحت قياده المعماري الإيطالي بيترو أفوسكاني، للانتهاء منها قبل قدوم ضيوف افتتاح قناة السويس، فاقترح السكاكيني العمل بنظام ثلاث فترات كل فترة 8 ساعات؛ ليتواصل العمل على مدار اليوم، لمدة ال 90 يوما ما ساعد على افتتاح الأوبرا في موعدها المحدد 19 نوفمبر 1869، مع زيارة الملوك الأوروبيين لحضور احتفال افتتاح قناة السويس ، الأمر الذي جعله مقرباً جدا من الخديو إسماعيل
و قد اوكل له مهمة استكمال بناء الأوبرا الخديوية حيث استطاع الانتهاء من البناء وحصل جابرييل على ألقاب عديدة، إذ منحه السلطان العثمانى عبد الحميد لقب بيك ثم لقب باشا، كما منحه بابا روما لقب “كونت”؛ تقديراً لمجهوداته في خدمه طائفة الروم الكاثوليك في مصر ببناءه دارًا للأيتام منهم، ثم شرائه قصر” دي بيفور” في الفجالة وإهدائه للطائفة بهدف تحويله إلى كنيسة لها، كما بنى مقابرًا للجالية في حي مصر القديمة، ودفن بها بعد وفاته عام 1923، وتصدر ضريحه تمثالاً له تم نحته وصبه في فرنسا.
ويقال ان لقب “السكاكيني” الذى اقترن باسم جبرييل حبيب حصل علية نتيجة جمع ثروته قبل العمل في المقاولات من تجارة السكاكين والأسلحة.
وبدأت حكاية بناء القصر الشهير عام 1897؛ بعدما تطورت منطقة الظاهر في عهد الخديوى إسماعيل، وأصبحت موضع جذب للطبقة الارستقراطية، لذا قرر المقاول الشهير جابرييل حبيب السكاكيني أن يبني لنفسه قصرًا يليق بمكانته الجديدة، على أن يكون نسخة من القصر الذي شاهده في إيطاليا ووقع في غرامه ورغب في أن يشيد القصر على طراز “الروكوكو” الشهير في ايطاليا وفرنسا آنذاك؛ لذا استدعى نخبة من المعماريين الإيطاليين، ليخرج القصر كتحفة معمارية فريدة بُنيت على مساحة 2698 مترًا مربعًا.
وإلى جانب قيمته الفنية، يمتاز قصر السكاكيني بموقعه المتميز؛ فهو مقام على ميدان يتوسط ثمانية شوارع رئيسية تؤدي إليه، ويورد المؤرخون روايتين حول الأرض التي أقيم عليها السكاكيني قصره الشهير، والتي كانت قديمًا بركة تسمى “قرجا التركمانى” نسبة لأحد أمراء مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
الرواية الأولى تمثلت في حصول السكاكيني باشا على الأرض عن طريق مزاد علني، بعدما وفر له الخديو إسماعيل بعض التسهيلات للحصول عليها،
أما الرواية الثانية فتقول إن السكاكيني أعجب بموقع البركة المميز عقب ردمها؛ لذا أهداه الخديو إسماعيل الأرض مقابل جهوده في إنجاز العمل في القاهرة الخديوية قبل افتتاحها، ولا يدري أحد أي الروايتين أصدق، لكن المحكمة المختلطة أصدرت حجة مؤرخة في يونيو 1880 تثبت ملكية السكاكيني للأرض، كما أوردت خريطة القاهرة 1920 هذه الرقعة في حي الظاهر تحت مسمى “عزبة السكاكيني”
ويعد القصر متحفًا في حد ذاته؛ إذ يتميز بقبابه مخروطية الشكل المصممة على الطرز البيزنطية التي ترجع إلى العصور الوسطى، فضلًا عن منحوتاته الفريدة التي يبلغ عددها 300 تمثال للعديد من الأفراد صب معظمها في إيطاليا وفرنسا، كان من بينها تمثال فتاة “درة التاج”، وبالطبع فهناك تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني يتوسط البهو الرئيسي للقصر والذي شاء القدر أن يظل حارسا لقصره الذي احتفظ بقيمته الفنية رغم مرور 123 عاما على تشييده
كما تشمل طوابق القصر الخمسة أكثر من 50 غرفة مرصعة بالأعمال الفنية البيزنطية، وبه ما يزيد عن 400 نافذة وباب ؛ وتمتاز جدرانه وأسقفه مرصعة بالتصاوير النادرة
ويوجد في القصر بدروم ويحيط بأركانه 4 أبراج و وبه 3 قاعات متسعة و4 صالات فضلا عن الغرف المخصصة للخدم
وان كانت حديقة القصر غير مناسبة لمساحته الكبيرة جدا فعلى الرغم من عدم اتساع الحديقة إلا أنها ساعدت نسبيا على عزله عن المباني الحديثة المقامة حوله لاحقًا.
وظل القصر سكنًا شخصي لجبريل حبيب باشا السكاكيني لنحو 26 عامًا منذ إنشائه عام 1897 وحتى وفاته عام 1923، ثم مرَ بمراحل عديدة عقب وفاته، حيث قسمت ثروته بين الورثة الذين قاموا بإعطاء القصر للحكومة حيث قام أحد أحفاد السكاكيني وكان طبيبا بالتبرع بحصته لوزارة الصحة والتي لم تكن الجهة المؤهلة لوراثة مثل هذا القصر، وعقب ثورة يوليو 1952، استخدم القصر كأحد مقار الاتحاد الاشتراكي،
وفي 1961 تم نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني وذلك بأمر من محافظ القاهرة، وفي سنة 1983 صدر قرار وزاري من وزارة الصحة بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بامبابة، وتم نقل بعض المعروضات إلى امبابة والبقية تم تخزينها وقتئذ في بدروم أسفل القصر مع استخدام باقى مساحة البدروم كعيادات طبية وبعد ذلك انتبهت وزارة الآثار لأهمية القصر الفنية والتاريخية،حيث تم تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1691 لسنة 1987، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.
برزت مؤخرًا مقترحات ومبادرات عديدة تطالب بالحفاظ على القصر، إذ أعلن الدكتور زاهي حواس في عام 2003، أن الحكومة المصرية تعتزم ترميم القصر وتحويله إلى أكبر متحف لتاريخ علوم الطب عبر العصور، لذا أغلق القصر أمام الجمهور، وأصبح مقرًا رئيسيًا لحى وسط القاهرة التابع لوزارهة الأثار.
وفي أعقاب ثورة يناير أسست مجموعة من سكان منطقة الظاهر مبادرة تحمل عنوان في العام “أنا من الظاهر”؛ بهدف تحويل القصر إلى مركز ثقافي، فيما كانت إحدى مقترحات المبادرة أيضًا أن يفتح القصر أبوابه للجمهور كي يروي لهم تاريخ منطقة الظاهر على مر العصور، لكن أبواب القصر ظلت موصدة، وربما ينتظر القصر مقترحات جديدة تفصح للجميع عن قيمته التراثية والتاريخية.
والقصر يزورة العديد من طلبة الفنون حيث يقضون فيه الساعات الطوال لدراسة التماثيل والزخارف التي تملأ القصر ويكفى أن تتجول في أروقة القصر وغرفه الفارغة لتشعر برهبة وروعة المكان وتسنتشق عبير الزمن الجميل
ويكاد يختفي القصر اليوم وسط غابة من الابنية المتهالكة التي لا تملك أي حس جمالي حيث تجعل البانوراما حول القصر منعدمة الجمال والزوق
وتجرى فى الوقت الحالى تحت إشراف وزارة السياحة والآثار فحص الدراسات المقدمة من المكتب الاستشارى لترميم قصر السكاكينى عن استخدام أحدث الطرق والمواد العلمية الحديثة فى اعمال الترميم ، كما يتم إضافة ملفات حديثة بخصوص إعادة توظيف القصر وفقًا لطبيعته الإنسائية، وتشمل الدراسة والفحص دراسات معمارية وانشائية، وترميم دقيق، وإعادة توظيف المبنى.
ليتم فى النهاية عمل المقايسة الخاصة بقصر السكاكينى البالغ من العمر 123 عامًا، لطرحها وإسنادها لإحدى الشركات، تحت إشراف وزارة السياحة والآثار.