ما زالت حلقات برنامج “مصر أرض الأنبياء” المذاع على قناة مصر الأولى وعدة قنوات تثير الجدل فى كثير من المغالطات التاريخية والأثرية لعدم استعانة البرنامج بالمتخصصون فى هذا المجال فى مواضيع لها عدة جوانب تاريخية وأثرية مع الجوانب الدينية ، وقد أثير فى الحلقة 19 أن خروج بنى إسرائيل من مصر كان عن طريق خليج العقبة واتخذ شكل دائرى بل وذكر مدينة إيلات وهى مدينة حديثة لم يكن لها وجود فى ذلك الوقت بل المدينة التاريخية المعروفة هى مدينة أيلة وموقعها العقبة حاليًا ، كما ذكر أن عيون موسى تفجرت فى وقت تيه بنى إسرائيل .
وفى ضوء ذلك أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء أن فكرة خروج بنى إسرائيل عن طريق خليج العقبة روج لها فيلم وثائقى لباحث أمريكى يُدعى ران وايت ومساعدوه تحت عنوان ” الأرض المسطحة : كشف جبل الطور شاهد بقايا جيش فرعون أين؟ وذلك لينفى وجود جبل موسى بسيناء لأغراض سياحية لإبعاد صفة القداسة عن سيناء واتجاه السياحة الدينية للمواقع الأخرى المجاورة لسيناء .
ويوضح الدكتور ريحان أن الباحث الأمريكى وقع فى العديد من المغالطات التاريخية والأثرية ليدلل على صحة إدعائه ومنها عبور بنى إسرائيل عن طريق خليج العقبة عند منطقة نويبع معتمدًا على أدلة واهية وتخيلات ليس لها أساس علمى، ومنها وجود عامود حجرى بمدينة نويبع، ادعى أن بنو إسرائيل عبروا بجواره وهو من بناء نبى الله سليمان، ليحدد مكان عبور بنى إسرائيل عن طريق خليج العقبة وأوضح أن هذا العامود اكتشف عام 1978 حين احتلال إسرائيل لسيناء، وكان فى الماء ثم أقامته سلطة الإحتلال بالخرسانة المسلحة فى موقعه الحالى وهو عامود حديث وغير مسجل كأثر كما صوّر قلعة ادعى عبور بنى إسرائيل بجوارها وهى أقدم مركز بوليس فى سيناء أنشئ عام 1893م ومسجل كأثر .
وأكد الدكتور “ريحان” أن خروج بنى إسرائيل لم يكن عن طريق خليج العقبة ولا شمال سيناء بنص التوراة أن بنى إسرائيل لم يتخذوا طريق الفرما أى طريق شمال سيناء رغم أنه أسهل الطرق ولكنه كان محميًا بالحصون المصرية القديمة ومؤدى إلى بلاد الفلسطينيين الأشداء المماثلين للمصريين القدماء وقد جاء فى سفر الخروج نص صريح على سبب ترك طريق الفرما وهى بالفعل طريق حورس الشهير المحصّن والذى يبدأ بقلعة ثارو (القنطرة شرق حاليًا) أمّا جنوب سيناء فهو طريق التعدين إلى سرابيط الخادم وكانت حملات التعدين تخرج من وقت لآخر ومعها الحراسة الخاصة بها .
وينوه الدكتور ريحان من خلال تحقيقه لطريق خروج بنى إسرائيل بسيناء أنه بدأ بعيون موسى ثم منطقة سرابيط الخادم الذى رأوا بها تماثيل فطلبوا من نبى الله موسى أن يجعل لهم إلهًا ثم الخط الساحلى إلى موقع طور سيناء حاليًا والذى عبدوا بها العجل الذهبى وقربها طريق وادى حبران الشهير الذى عبره نبى الله موسى لتلقى الألواح عند جبل الشريعة “منطقة سانت كاترين حاليًا” .
ويشير الدكتور ريحان إلى ذكر البرنامج لعبور بنى إسرائيل تجاه إيلات وهى مُسمى مدينة حديث والمدينة التاريخية الشهيرة بهذا الموقع هى أيلة وموقعها حاليًا مدينة العقبة ، كما أخطأ فى الآية 91 سورة يونس }آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{ وذكر الشيخ على جمعة وكنت من الكافرين ولم يصحح الخطأ فى البرنامج .
وبخصوص تفجًر عيون موسى ذكر البرنامج حدوثها فى فترة التيه ويشير الدكتور ريحان إلى أن عيون موسى هى أول منطقة قابلت بنى إسرائيل بعد عبورهم خليج السويس وليس خليج العقبة عند أقرب نقطة مرئية بنص القرآن فى الآية 50 سورة البقرة }وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ{ أى المعجزة كانت فى مرمى البصر لبنى إسرائيل وهى النقطة التى تعرف اليوم بنقطة الشط أمًا فترة التيه فكانت بعد اجتيازهم عيون موسى وسرابيط الخادم وعبورهم وادى حبران إلى جبل الشريعة بعد عودة نبى الله موسى إليهم ثم الاتجاه من الوادى المقدس طوى “منطقة سانت كاترين حاليًا” باتجاه خليج العقبة إلى الأرض المقدسة الذى رفضوا دخولهم فقدّر عليهم التيه أربعون عامًا متخبطين بين شعاب وأودية سيناء أمّا رحلتهم بعد خروجهم من مصر فكانت فى خط سير منظم ومعروف قد تعرف عليه نبى الله موسى أثناء خروجه الأول وحيدًا عبر سيناء إلى مدين سيناء وموقعها شرم الشيخ حاليًا .
ويؤكد الدكتور ريحان أن الدراسات الحديثة التى قام بها فيليب مايرسون أكدت أن المنطقة من السويس حتى عيون موسى منطقة قاحلة جدًا وجافة مما يؤكد أن بنى إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم كل هذه المنطقة حتى تفجرت لهم العيون وكان عددها 12 عين بعدد أسباط بنى إسرائيل، ولقد وصف الرّحالة الذين زاروا سيناء فى القرنين 18، 19م هذه العيون ومنهم ريتشارد بوكوك ومياهها صالحة للشرب ووصف أشجار النخيل بالمنطقة وبعد تحليل المياه مؤخرًا أثناء أعمال ترميم العيون تأكد صلاحية مياه عيون موسى للشرب.