كان يوم شديد الحرارة عندما تقابلت مع شاب مثقفًا جدًا وذو علم وفير وله حوار راقي وكانت عيناه تلمع من شدة الذكاء، وقال لي أنا غير مقتنع بوجود الله. وأخذنا نتناقش سويًا لمدة ساعات ولم أستطيع إقناعه. فقد كان عنيدًا جدًا. وبعدما تعبت من النقاش سألته قائلًا: أنت لا تؤمن بالله؟ فأجاب: نعم لا أؤمن به. فقُلْتْ له: منذ متى وأنت لا تؤمن بالله؟ فقال منذ ما يقرب من عشرة أعوام؟ فسألته: وهل شعرت براحة طوال هذه الفترة؟ فأجابني: لا لم أسترح ولو للحظة واحدة، فعندي مخاوف من الموت، من نفسي، من الناس. أشعر أن في داخلي شيء ناقص لا أعرفه؟ وتوقف عن الكلام وأخذ يبكي بحرقة ودموعه ملأت وجهه، حينها أدركت أن كل شيء داخل الإنسان وخارجه يشهد لله.
نعم فالروح تشهد له حتى لو انطفأت، المشاعر تشهد له حتى لو انحرفت، الضمير يشهد له حتى لو مات، العقل يشهد له حتى في عمق ثورته. جميع المخلوقات تشهد له. فبصمات الله ظاهرة في كل شيء وفي كل مكان.
أدركت معنى أن الإنسان عبارة عن نفخة من الله، هذه الحقيقة التي لا يعترف بها الملحدون فإنهم يرجعون أصل الإنسان إلى نوع من أنواع القردة أو إلى خلية حية بسيطة (أميبا). ولكن الحقيقة هي أن أصل الإنسان هو أنت يا الله، ولن يرتاح الإنسان إلا فيك لأنك أنت هو أصله لذلك فإنه يحمل بداخله حنين إليك بالفطرة مثل حنين الطفل إلى أمه التي أتت به إلى الحياة. ويظل الإنسان جائعًا إلى أن يتحد بك، فجميع الأشياء فشلت أن تشبع الإنسان. ويبقى أمام الإنسان حقيقة واحدة وهي أنه لا يوجد شبع حقيقي وسعادة حقيقية إلا بك و فيك أنت يا الله.