الأبوة الإلهية وأمومة مريم :
أجل إن الله أشرك أهل السماء فيما اختاره لهم من قداسته ومحبته، وأشرك أهل الأرض فيما قدّر لهم من علمه وقدرته، لكنه لم يشرك أحداً في شيء من أبوته الإلهية إلاّ مريم في أمومتها المجيدة، فقد نالت الشرف العظيم، والسر العجيب الذي حبا به مريم في ولادتها لإبنه الإلهي. وكونها أُماً للكلمة، ابن الله المتأنس، قد أعطاها قوة كبيرة من الطبيعة الإلهية. كما قال المعلّم الملائكي المستنير الفهم القديس توما الأكويني: “طوبى للبتول فإنها قد اكتسبت مصاهرة روحية مع الله نظراً إلى كونها أُماً للمسيح الإله. فلتصمت إذاً الخليقة جمعاء أمام عظمة البتول القديسة مقدرة لها سمو مقامها وعظمة مجدها” .
لا يصل أحد إلى الابن إلاّ بالأُم ثمرة خلاصنا:
ونحن لا نقدّم لها الإكرام الفائق من أجل سموها وعظمتها فقط، بل من أجل فاعليتها بخلاصنا أيضاً. فكلنا نرغب جيداً أن نكون من مصاف المختارين، إلاّ أنه لا ينال أحد الخلاص إلا بالمسيح يسوع، لأنه لا يستطيع أحد الوصول إلى الآب إلاّ بِالابْن، كما لا يصل أحد إلى الابن إلاً بالأم. وقد أجمع كل الآباء والقديسين على أن جميع النعم توزع علينا على يدي مريم البتول.
فتكريمها إذاً ضروري للخلاص. وبهذا المعنى قال القديس برنردس : ” بما أن الله قد منح مريم ثمرة خلاصنا فلا رجاء ولا نعم ولا خلاص لنا بدونها”. وقد سأل القديس بطرس داميان قائلاً ” لماذا لا يتجسّد ابن الله في أحشاء مريم قبل أن يأخذ رضاها؟” وأجاب هو بنفسه على سؤاله بقوله المشهور : ” ذلك لأمرين، الأول: ليلزمنا بأداء المعروف لها والثاني: لكي يعلمنا أن خلاص العالم بأسره مرتبط بها ” .
ثمّ ان إكرام مريم فضلاً عن أنه يكون لها عربون خلاص أبدي، فهو لنا ينبوع خيرات وبركات سامية زمنية وروحيّة، لأن لها في السماء قوة الإلتماس، لا بل قوّة الأمر، وأن لا تترك أفعال محبيها تذهب سُدى وبدون مكافأة. بل إنها تجازيهم بأفضل مما كرّموها به كثيراً .