لقد أثار انتشار ﭬيروس كورونا المستجد عبئًا ثقيلاً من الحيرة والقلق والضغوط في حياتنا، وربما دفعتك الأزمة إلى أبعد من نطاق احتمالك لأي شيء سبق أن واجهته في حياتك.. هذا القلق والصدمة يمكن أن يجعلا توازنك النفسي والعاطفي يختل. والأشخاص الذين يصارعون بالفعل مع الاكتئاب، أو القلق، أو مشكلات نفسية أخرى يمكن أن تزيد عليهم وطأة هذه الضغوط المتزايدة التي أُجبروا على التعامل معها.
لكن توجد حقيقة أعظم: الروح الإنسانية لديها قوة ومتانة بشكل يدعو للعجب. برغم كل التغيرات الحادثة حولك -التي تعجز عن التحكم فيها- هناك أمور يمكنك القيام بها للحفاظ على صحة نفسية قوية خلال أزمة الكورونا، لك ولمن تعتني بهم.
تذكّر أن الله يمسك بزمام الأمور
في هذا العالم من السهل أن نشعر بانعدام الحيلة والرجاء، وربما نحاول أن نضفي صبغة إيجابية على ذلك، ونقول إننا نتحلى بالواقعية ليس أكثر. لكن الكاتب سكوت هوبارد يشير إلى أن”الرجاء المسيحي ليس هو ذلك الرجاء الذي يعمينا عن رؤية الواقع،بل هو الرجاء الذي ينظر إلى قبر مغلق حديثًا ويقول: هذه ليست نهاية القصة.“ أنت لم تختر أن تسير في هذا الوادي المظلم؛ لكن الله ليس بغافل عن معاناتك.. فخيرك ومجدك الأبدي هما دائمًا على قمة أولوياته. هذه ليست نهاية القصة!
عبّر بصدق عن مشاعرك بتدوينها أو بالتحدث عنها مع صديق موثوق به. تحتاج أن تعبّر عن مشاعرك، سواء مع نفسك، أو مع أسرتك، أو مع صديق عبر الهاتف. كُن صادقًا، لكن لا تكن متوجسًا؛ فأحيانًا قد يساهم التحدث أكثر من اللازم في زيادة التوتر.
صلِّ بمفردك ومع أسرتك وأصدقائك. لا تخف من أن تسأل أسئلة صعبة عن المعاناة والشر والألم. بينما لا يضمن الله لنا أن نخرج من هذه المأساة دون أن نُمس، لكنه يعد بأن لا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبته.
التزم بالروتين
التزم بالجرعات الدوائية المقررة. إذا كنت تتناول أدوية للاكتئاب، أو القلق، أو أية مشكلات نفسية أخرى، احرص على الالتزام بالجرعات المقررة. وإذا شعرت أن الأدوية لا تحقق المفعول المرجو منها، اتصل بطبيبك الذي يتابع حالتك لاستشارته.
اجعل روتينك كما هو بقدر المستطاع. إذا انقلب روتينك بشكل كامل؛ ابتكر روتينًا جديدًا لظروفك الحالية.. بحيث يتضمن موعد الاستيقاظ والنوم، وتناول الوجبات، واستراحات منتظمة، والانتهاء من مهام وظيفتك. افعل هذا حتى إذا لم تتطلب وظيفتك نظام عمل من ٩ص إلى ٥م بينما تعمل من المنزل.
اجعل الأجواء المحيطة مألوفة لك. إذا وجدت نفسك تعمل فجأة من البيت، اجعل المكان الذي تعمل فيه مشابهًا للأجواء التي كانت تساعدك على التركيز على مكتبك. أحيانًا حتى أصغر شيء -مثل صورة للأسرة موضوعة أمامك- قد يساعد في هذا.
تَحكَّم في أفكارك
خُذ استراحة من الأخبار. المعرفة قوة، لكن ما يتجاوز الحد ينقلب إلى الضد. تعرّف بسرعة على المعلومات الهامة من خلال المصادر الموثوقة، ثم عُد مرة أخرى للأشياء التي تجلب البهجة -الأمور التي تقربك أكثر إلى عائلتك وإلى الله.
فكر فيما بوسعك فعله، وليس ما تعجز عن فعله. لا يمكنك التحكم فيما يحدث الآن حول العالم، وفي بلدك، ومع أحبابك، أو بالنسبة لوظيفتك. إذا ركزت أكثر من اللازم على هذه الأمور، ستبدأ في الشعور أنك فاقد السيطرة على كل شيء. في المقابل، ركّز على ما تستطيع السيطرة عليه. قد لا يكون ما يمكن التحكم فيه كثيرًا، لكن هذا يحسن من صحتك النفسية خلال وقت الأزمة.
ليكن لك نظرة بعيدة المدى. سينتهي وباء كورونا في وقت ما. بالفعل لن تبدو الحياة كما كانت عليه بالنسبة لمعظمنا؛ لكن الشعور بالإحباط، أو عدم الرضا عن حقيقة الظروف الحالية، لن يزيد الأمور إلا توترًا. تعلّم أن تقبل الصعوبات، وادخر طاقتك للتعامل مع ما يجب فعله في الوقت الحالي.
اربط نفسك بالحاضر. احرص على أن يكون ذهنك متصلاً بالحاضر. هذا لا يمكن فعله بسهولة إذا كان أحد أحبائك مريضًا، أو إذا فقدت وظيفتك. لكن، في نفس الوقت، الاستغراق في الدوامة الذهنية حول ”ماذا لو“ لن يفيد. ذكّر نفسك بما يسير بشكل جيد، من ناحية جسدك، أو وظيفتك، أو عائلتك. واسأل نفسك دائمًا ماذا يجب أن أفعل الآن.. وافعل هذا بصوت مسموع إن أمكن.
اهتم بصحة جسدك وأمورك المالية
تذكّر أن هناك ارتباطًا بين جسدك وذهنك. احرص أن تكون التمارين الرياضية (العزل المنزلي ليس عذرًا لعدم الحركة)، والوجبات الصحية، والقدر الكافي من النوم جزءًا من روتينك اليومي.. واستمتع ببعض المرح! وإن أمكن، اخرج أو قف في الشرفة، واستمتع بأشعة الشمس.
خُذ استراحة من العمل على الكمبيوتر. إذا كنت تعمل على كمبيوتر، اتبع قاعدة ٢٠- ٢٠- ٢٠: انظر بعيدًا عن الشاشة كل ٢٠دقيقة، وركّز ببصرك لمدة ٢٠ ثانية على شيء آخر على بعد ٢٠ قدمًا (٦أمتار).
أعد ترتيب ميزانيتك ومالياتك. في ظل هذه الأزمة ربما من الحكمة تأجيل أي مشروعات أو مشتريات كبيرة. أما إذا أدركت أنك عاجز عن تسديد فواتيرك واحتياجاتك الأساسية، يمكنك الاستفادة من البرامجوالتسهيلات التي توفرها الحكومة، أو المبادرات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية والمجتمع المدني.
تذكّر أنك لست وحدك
بلاشك إنها أوقات عصيبة مليئة بالتوتر؛ لكن كلما اتبعت ممارسات تعزز من الصحة النفسية خلال أزمة الكورونا، ستزداد قدرتك على التأقلم. محاولتنا لنكون مصدر سلام وأمل في عالم مليء بالقلاقل لا يعني أن ظروفنا ستتغيّر، لكن يعني أن قلوبنا وأذهاننا لابد أن تتغيّر.