اجتاح العالم أزمة اقتصادية حادة صنفها الكثيرين بأنها أشد ضرراً من الأزمة المالية العالمية ، وسط توقعات بعواقب اقتصادية صعبة ومتسارعة ، ومستمرة فى ظل حالة الشلل التي تعرضت لها أكبر الأنظمة الاقتصادية فى ظل تفشى فيروس «كورونا» المستجد، والذى أجبر كافة دول العالم علي تطبيق إجـراءات قاسية منها إغلاق مناطق التجمعات ، وفرض حظر السفر والتجوال، والعزل الصحي .. مما أثر بشدة على الاقتصاد العالمي، وعلينا أن نعلم أن هذا الوباء لا يؤدي إلى ضياع الأرواح فحسب، فتأثيره على الاقتصادات ومستويات المعيشة سيستمر على الأرجح بعد إنتهاء مرحلة الطوارئ الصحية .. ويرى بعض المراقبين أنه بمساعدة المؤسسات الدولية والتى عليها دور كبير فى مواجهة الفيروس يمكن أن تمر هذه الأزمة بأقل الخسائر.
من خلال دراسة تحليلية لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أعلن أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول وستخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%، وفي أسوأ السيناريوهات قد نشهد عجزا في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار ، ودعت الأونكتاد إلى وضع سياسات منسقة لتجنب الإنهيار في الاقتصاد العالمي .
مجموعة الـ 20 ضخت 5 تريليون دولار باقتصاداتها أى 6
دعم الاقتصادات والشركات والوظائف
من جانبه دعا رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس ومدير صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا لمساندة وتخفيف أعباء الديون علي البلاد الأشد فقراً، وأكد البنك الدولي أنة ملتزم بتقديم استجابة سريعة ومرنة وفقا لاحتياجات البلدان النامية ، وتجري بالفعل عمليات المساندة ، وستساعد أدوات التمويل المُوسَّع التي تمت الموافقة عليها على دعم الاقتصادات والشركات والوظائف.”
وبالفعل قام البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية بتقديم حزمة من التمويل السريع تصل لـ 14 مليار دولار لمساعدة الشركات والبلدان في جهودها للوقاية من فيروس كورونا ، واكتشاف الإصابة به والتصدي لإنتشاره السريع .. على أن تُدعم حزمة التمويل المقدمة من المؤسستين الدولتيين ، النظم الوطنية للتأهب في مجال الصحة العامة بما في ذلك إحتواء تفشي المرض وتشخيصه ومعالجته.
ودعا رئيس البنك الدولي ، الدول الدائنة في مجموعة العشرين، إلى السماح للبلدان الأشد فقراً، بتعليق بجميع مدفوعات الديون الثنائية لمحاربة الفيروس ، قائلاً : إن البنك قد يسخر موارد تصل إلى 150 مليار دولار على مدى الـ15 شهراً المقبلة لمساعدة الدول النامية على محاربة فيروس كورونا والتعافي منها، مطالباً السماح للدول الأفقر بتركيز مواردها على الإجراءات الصحية في مواجهة الأزمة.
بينما أكدت مديرة صـنـدوق الـنقـد الدولـى كريستالينا جورجييفا، أن جائحة ” كورونا ” دفعت الاقتصاد العالمى إلى الركود وسيتطلب تمويلاً هائلا لمساعدة الدول النامية ، وسيكون أسوأ مما كان عليه الوضع فى العام 2008 بعد الأزمة المالية العالمية، منوهاً لوجود تحدٍ جسيم لوجود عدد كبير استثنائي من البلدان يطلب تمويلاً طارئا من الصندوق في آن واحد، والأسواق الصاعدة تعاني من التأثير الحاد لخروج كم غير مسبوق من تدفقات رؤوس الأموال والنقص الحاد للسيولة بالعملات الأجنبية وكثير من البلدان منخفضة الدخل تخوض هذه الأزمة وهي مثقلة بأعباء ديون كبيرة مع التوقف المفاجئ للاقتصاد العالمي، يقدر صندوق النقد الدولي الاحتياجات المالية الإجمالية للأسواق الناشئة بـ٢٫٥ تريليون دولار .
وطلبت ” جورجييفا ” رفع موازنة الطوارئ فى الصندوق التى تبلغ قيمتها الآن ٥٠ مليار دولار ، ورحبت بالخطة الاقتصادية الأمريكية التى تبلغ قيمتها ٢٫٢ تريليون دولار، مُعتبرة أنها ضرورية للغاية لإسناد أكبـر اقـتصـاد فـى الـعـالـم فـى مواجهة الإنخفاض المفاجئ للأنشطة الاقتصادية ، كما توقعت انكماش الناتج العالمي في عام 2020، وتعافيه في 2021 ، حيث ترى أن عمق الإنكماش وسرعة التعافي ستتوقف على مدى سرعة إحتواء الجائحة ودرجة القوة والتنسيق فيما نتخذه من إجراءات على صعيد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة ، موضحة أن الإجراءات المهمة تتمثل فى الدعم المقدم من المالية العامة على نحو يستهدف الأسر محدودة الدخل، ومنشآت الأعمال الكبيرة والصغيرة، حتى تتمكن من البقاء والعودة سريعاً إلى العمل.
الدول النامية تحتاح 3 تريليون دولار
وأكد الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، أن أزمة تفشي فيروس كورونا جعلت الاقتصاد العالمي يدخل رسمياً في ركود وتستلزم إيجاد تدابير عاجلة على مستوى كل دولة وأيضا تفعيل التعاون الدولي، مشيرًا إلى أن الدول النامية تحتاح لأكثر من 3 تريليونات دولار كحزم مالية متكاملة، منوهاً بأن الأزمة العالمية الكبرى الحالية تعتبر كاشفة لمدى استعداد النظم والمؤسسات الداخلية والخارجية ، وقدراتها على التعامل مع الأزمات و كاشفة لطبيعة البشر وعلاقاتهم بين بعضهم البعض وبيئتهم المحيطة بهم.
وأشار محي الدين، إلى إعلان مجموعة العشرين عن ضخها لحوالي 5 تريليونات دولار في اقتصاداتها بما يعادل 6% مِن إجمالي الناتج المحلي العالمي ، منوهاً أن هذا الإنفاق الضخم يُعادل في بعض الدول نسبة 10% مِن ناتجها المحلي الإجمالي، كما أن الكونجرس الأمريكي وافق على حزمة تمويل بمقدار تريليوني دولار، يمكن مساندتها بمثلها بآليات تمويل من بنك الاحتياطي الفيدرالي والقطاع المالي الأمريكي .
وأضاف المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030 : أن هناك طلبًا غير مسبوقاً للحصول على تسهيلات تمويلية من صندوق النقد الدولي ، لأغراض الطوارئ، حيث تقدمت 80 دولة بطلبات لسرعة مساعدتها لتدبير الإحتياجات العاجلة لمواجهة الوباء سريع التفشي و تبعاته ، وأعتبر الدكتور محيي الدين أن دول العشرين تمثل نحو 85% مِن الاقتصاد العالمي، لافتاً إلى أن عدم انسياب حركة التجارة والاستثمار بفعل كورونا يمكن أن يحد من تأثير هذا الإنفاق على الدول الأخرى ، خاصة في ظل توقف تدفق حركة العمالة و السفر و النقل كآليات مساندة لتفعيل أثر مثل هذا الإنفاق عبر الحدود ، وأوضح، الدكتور محيي الدين أنه في ظل هذا الوضع الاقتصادي يجب تفعيل آليات التعاون الدولي منعاً لزيادة الأوضاع سوءاً في الدول النامية و ذات الأسواق الناشئة، وبصفة عاجلة تحتاج الدول الأفريقية وحدها 150 مليار دولار تقريبًا للعون الصحي و التعامل مع مشكلات الديون، وهناك مطالبة بضرورة إرجاء دفع فوائد الديون الافريقية عن هذا العام وتقدر بحوالي 45 مليار دولار.
تقلب الأسواق أصبح واقعاً
وذكر الدكتور محمد العريان المستشار الاقتصادى فى أليانز والخبير الاقتصادى العالمى ، أن تقلبات الأسواق جراء فيروس كورونا الجديد لم تعد أمراً استثنائياً لكنها أصبحت واقعاً، وبات النمو الاقتصادي العالمي آخذاً في التدهور، مؤكداً أن عمليات خفض الفائدة لن تنجح وحدها في إنهاء الأزمة منوهاً إلى إن العائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات يتراجع بشكل حاد ، مشيراً إلى أنه من الصعب أن يرفع الفيدرالى الأمريكى أسعار الفائدة فى سبتمر القادم .
و قال دكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي لـ” وطني ” إن التمويلات المقدمة من الدول سيساعد القطاعات التي تأثَّرت تأثُّراً مباشراً بالوباء، مثل السياحة والصناعات التحويلية على الإستمرار في دفع فواتيرها، وعلي مجموعة دول العشرين والمكونة من الدول الصناعية الكبرى دور كبير وفاعل فى هذه الأزمة وعليها أن تعمل على تحسين إطار التعاون والتنسيق للتحكم والحد من تفشي الفيروس، ووقاية الشعوب، وتخفيف آثاره على الاقتصاد ، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد وتجنب أي تداعيات طارئة، وكذلك دعمها للجهود الرامية إلى إيجاد أنظمة للإنذار المبكر وتوفير العلاجات الملائمة واللقاحات اللازمة .
من ناحية أخرى ، تترقب الأسواق والمستثمرين مزيداً من الإجراءات التحفيزية من قبل البنوك المركزية والحكومات، في ظل استمرار معظم الأسواق في الانهيار متأثرة بتعليق السفر وإغلاق الشركات وغيرها من الإجراءات لمواجهة “كورونا”، وذلك بعدما شهد الأسبوع الماضي عدة قرارات لدعم الاقتصاد، من بينها إعلان عدد كبير من البنوك المركزية عن خفض للفائدة بنسب كبيرة، في محاولة لمساندة الأسواق وتحفيز المستثمرين .